ما حدث بمدينة بوتشا إبادة جماعية أم دعاية أوكرانية؟.. إليك ما يقوله القانون الدولي والمنظمات المعنية

عربي بوست
تم النشر: 2022/04/04 الساعة 16:54 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/04/05 الساعة 01:15 بتوقيت غرينتش
الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يتحدث من بوتشا - الأناضول

"ما الذي حدث في مدينة بوتشا الأوكرانية أو مذبحة بوتشا كما تسميها وسائل الإعلام الغربية"، هل هي عملية إبادة جماعية نفذت في المدينة من قبل روسيا أم مجرد دعاية أوكرانية غربية مفبركة كما تقول موسكو؟

واتهمت السلطات الأوكرانية القوات الروسية المنسحبة من محيط كييف بارتكاب جرائم حرب وترك "مشهد من فيلم رعب، فيما سموه مذبحة بوتشا".

وقال مسؤولون أوكرانيون إنه تم العثور على 410 جثث مدنيين في بلدات بمنطقة كييف تم انتشالها مؤخراً من القوات الروسية بما فيها مدينة بوتشا. وتُظهر صور الأقمار الصناعية التي التقطت في أواخر الأسبوع الماضي مقبرة جماعية يبلغ ارتفاعها 14 متراً (45 قدماً) في بوتشا بالقرب من كنيسة بالمدينة، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.

جاءت الاكتشافات في أعقاب الانسحاب الروسي من المنطقة بعد أن قالت موسكو إنها تركز هجومها على شرق البلاد وتحديداً إقليم دونباس.

وكانت القوات الروسية قد دخلت بوتشا الواقعة في شمال غرب العاصمة الأوكرانية كييف، في الأيام الأولى من الغزو وبقيت حتى 30 مارس/آذار 2022.

وقالت شركة ماكسار التي التقطت صور المقابل إن أولى علامات حفر مقابر جماعية شوهدت في 10 مارس/آذار 2022، بعد عدة أسابيع من الغزو.

وحسب تقرير لمجلة Time الأمريكية فإن الجثث المتناثرة في المدينة كانت مقيدة الأيدي مع إصابات من طلقات نارية من مسافة قريبة وعلامات تعذيب.

تقارير غربية تنقل عن شهود عيان قتل الروس للمدنيين

وقال شهود عيان عن الفظائع المزعومة في بوتشا لصحيفة The Guardian البريطانية، إن الجنود الروس أطلقوا النار على الرجال الفارين من بلدة بوتشا، وقتلوا مدنيين.

وقال تاراس شيفتشينكو، 43 عاماً، إن الجنود الروس رفضوا السماح للرجال بالمغادرة عبر ممر إنساني، وبدلاً من ذلك أطلقوا النار عليهم وهم يفرون عبر حقل مفتوح. وقال إن الجثث تناثرت على الأرصفة، وبعض القتلى "سحقتهم الدبابات".

وشاهد صحفيو وكالة أسوشيتيد برس الأمريكية جثث 21 شخصاً على الأقل في أماكن مختلفة حول المدينة وتناثرت جثث مجموعة من تسعة أشخاص، كلهم ​​بملابس مدنية، حول موقع قال السكان إن القوات الروسية تستخدمه كقاعدة. 

وبدا أنهم قُتلوا من مسافة قريبة، تم تقييد أيدي اثنين على الأقل خلف ظهورهما، وأصيب أحدهما في الرأس، وكانت أرجل الآخر مقيدة.

وشاهدت وكالة فرانس برس أمس السبت جثث 22 شخصاً على الأقل بملابس مدنية في شارع واحد في بوتشا.

أوكرانيا أطلعت مراسلين أجانب على جثث لقتلى قالت إن روسيا قتلتهم في مدينة بوتشا الأوكرانية/ رويترز

كان أحدهم على الرصيف بالقرب من دراجة، والبعض الآخر كان لديه أكياس مؤن بالقرب منهم.

تم العثور على جثة أخرى بالقرب من المحطة، تحت بطانية.

ولم يتسنّ تحديد سبب وفاة هؤلاء الأشخاص على الفور، لكن كان اثنان منهم على الأقل مصابين بجروح كبيرة في الرأس.

بدا الجلد على وجوه الجثث شمعياً، مما يشير إلى أنها كانت هناك لعدة أيام على الأقل.

وقال شهود لوكالة فرانس برس إنهم رأوا مقاتلين شيشانيين وسط القوات الروسية.

وبحسب رئيس بلدية بوتشا، أناتولي فيدوروك، فقد قتلت القوات الروسية الضحايا "برصاصة في مؤخرة العنق".

أوكرانيا تقول إن رئيس بلدية قُتل مع أسرته

في موتيزين، على بعد حوالي 50 كيلومتراً غرب كييف، أخبر السكان وكالة أسوشيتد برس الأمريكية يوم الأحد أن القوات الروسية قتلت عمدة المدينة وزوجها وابنهما وألقوا جثثهم في حفرة في غابة صنوبر خلف منازل كانت القوات الروسية تنام فيها.

داخل الحفرة، رأى صحفيو الوكالة أربع جثث لأشخاص بدا أنهم أصيبوا بالرصاص من مسافة قريبة.  

وأكدت نائبة رئيس الوزراء الأوكراني إيرينا فيريشوك مقتل رئيس البلدية أثناء احتجازه من قبل القوات الروسية.

كييف تتحدث عن عمليات اغتصاب

ونقل تقرير مجلة Time عن أحد السكان، الذي رفض الكشف عن اسمه خوفاً على سلامته، إن القوات الروسية توجهت إلى مبنى وأخذت الناس من الأقبية التي كانوا يختبئون فيها، وفحصت هواتفهم بحثاً عن أي دليل على نشاط مناهض لروسيا قبل أخذهم. بعيداً أو إطلاق النار عليهم.

وقال ساكن آخر، يدعى حنا هيريغا، إن القوات الروسية بدأت في إطلاق النار على أحد الجيران الذي خرج لجمع الحطب للتدفئة.

وصف أوليكسي أريستوفيتش، مستشار الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الجثث التي ترقد في شوارع الضواحي بأنها "مشهد من فيلم رعب". 

وتصر على أن ما حدث إبادة جماعية

"هذه إبادة جماعية" هكذا وصف الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي مذبحة بوتشا في برنامج "مواجهة الأمة" على شبكة سي بي إس الأمريكية أمس الأحد. 

وزعم الرئيس الأوكراني أن بعض النساء اللائي عثر عليهن ميتات تعرضن للاغتصاب قبل قتلهن، ثم أحرق الروس الجثث، حسب قوله.

وخاطب الرئيس الأوكراني أمهات الجنود الروس قائلاً: "حتى لو قمتن بتربية اللصوص، كيف أصبحوا جزارين أيضاً؟".

مدينة بوتشا الأوكرانية/ رويترز

وصرح رئيس بلدية كييف الذي ذهب إلى بوتشا يوم الأحد، فيتالي كليتشكو، لوكالة فرانس برس أن العدد الدقيق للضحايا لم يعرف بعد.

وقال: "نعتقد أن أكثر من 300 مدني قُتلوا".

وأضاف: "هذه ليست حرباً، إنها إبادة جماعية، إبادة جماعية للسكان الأوكرانيين".

وقال رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز إنه رأى بوادر "إبادة جماعية" محتملة في مذبحة بوتشا.

ولكن ماذا يقول القانون الدولي على هذه الجريمة؟

توصف الإبادة الجماعية (genocide) بأنها فعل محدد (القتل، إلحاق أذى جسدي أو روحي …) "يرتكب بنية التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية بصفتها هذه"، حسب موقع اللجنة الدولية للصليب الأحمر.

ويعني هذا أن الإبادة الجماعية تحديداً جريمة لا ترتبط بعدد القتلى بل بنية الجاني للقضاء على سلالة أو قومية أو إثنية معينة، وهذا في الأغلب في الحالة الأوكرانية يصعب الحديث عنه، لأنه من المستبعد أن الروس يفكرون في إبادة الأوكرانيين أو الأوكرانيين المعادين لهم في منطقة قرب العاصمة كييف التي يوجد 4 ملايين شخص أغلبهم معاد لموسكو.

فجريمة الإبادة الجماعية ترتبط بمحاولة القضاء على جماعة بشرية بشكلها الجماعي أو على الأقل بتوازنها السكاني في مواجهة جماعات منافسة مثلما جرى للسنة في سوريا حيث كانت المذابح وعمليات التهجير التي تعرضوا لها هدفها جعلهم ليسوا الأغلبية السكانية.

بطبيعة الحال إذا ثبت صحة مذبحة بوتشا، فإنه يمكن أن ينطبق عليها توصيف جرائم حرب وغيرها من الجرائم القانونية التي تستحق المعاقبة.

وماذا يقول الروس عن اتهامهم بارتكاب مذبحة بوتشا؟

من جانبها، قالت وزارة الخارجية الروسية إن صور القتلى المدنيين في بلدة بوتشا الأوكرانية كانت "بأوامر" من الولايات المتحدة في إطار مؤامرة لتوجيه اللوم لموسكو.

وقالت المتحدثة باسم الوزارة ماريا زاخاروفا في مقابلة للتلفزيون الرسمي في وقت متأخر من مساء الأحد: "من هم أساتذة الاستفزاز؟ بالطبع الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي".

وقالت زاخاروفا إن التنديد الغربي الذي صدر على الفور يشير إلى أن الرواية جزء من خطة لتشويه سمعة روسيا.

وقال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف للصحفيين في مؤتمر عبر الهاتف إن الحقائق والتسلسل الزمني للأحداث في بوتشا لا يدعم الرواية الأوكرانية للأحداث وحث القادة الدوليين على عدم التسرع في إصدار الأحكام.

وأضاف: "يجب التشكيك بجدية في هذه المعلومات". "من خلال ما رأيناه، حدد خبراؤنا علامات تزوير مقاطع فيديو وتزييفات أخرى".

وقالت وزارة الدفاع الروسية إن الصور "استعراض مسرحي جديد قام بتلفيقه نظام كييف".

وأضافت في بيان أن الصور ومقاطع الفيديو للجثث "أشرف عليها نظام كييف ووسائل الإعلام الغربية". وأشارت إلى أن عمدة بوتشا لم يذكر أي انتهاكات بعد يوم من مغادرة القوات الروسية.

وقالت الوزارة إنه "لم يواجه أي مدني أي عمل عنيف من قبل الجيش الروسي" في بوتشا.

وأضافت أن جميع الوحدات العسكرية الروسية غادرت البلدة في 30 مارس/آذار، وأن المدنيين كانوا أحراراً في التنقل بأنحاء البلدة أو الخروج منها عندما كانت خاضعة للسيطرة الروسية.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا أمس الأحد إن طلب موسكو عقد اجتماع لمجلس الأمن الدولي يستهدف مناقشة محاولات كييف تخريب محادثات السلام وتصعيد العنف "باستفزاز" في بوتشا.

الأمم المتحدة تطالب بالتحقيق

وغرد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش يوم الأحد قائلاً إنه "صُدم بشدة" من صور القتلى المدنيين في أوكرانيا التي تم تداولها خلال عطلة نهاية الأسبوع.

وأضاف في تغريدته: "من الضروري أن يؤدي تحقيق مستقل إلى مساءلة فعالة".

ماذا تقول منظمة هيومان رايتس ووتش؟

ذكر تقرير لهيومن رايتس ووتش أن المنظمة وثَّقت عدة حالات لارتكاب القوات العسكرية الروسية انتهاكات لقوانين الحرب ضد المدنيين في المناطق المحتلة في مناطق تشيرنيهيف وخاركيف وكييف في أوكرانيا. 

وتشمل هذه حالات الاغتصاب المتكرر؛ قضيتين للإعدام بإجراءات موجزة، واحدة لستة رجال والأخرى لرجل؛ وحالات أخرى من العنف غير القانوني والتهديدات ضد المدنيين بين 27 فبراير/شباط و14 مارس/آذار 2022. 

كما تورط الجنود الروس في نهب ممتلكات المدنيين، بما في ذلك الطعام والملابس والحطب، وقال: أولئك الذين ارتكبوا هذه الانتهاكات مسؤولون عن جرائم حرب.

وأشار تقرير المنظمة إلى وقوع جرائم بمدينة بوتشي وغيرها من ضواحي كييف، ولكن التقرير لم يشِر إلى حجم المذابح التي تتحدث عنها السلطات الأوكرانية.

ولم يشِر تقرير المنظمة الذي نشر أمس الأحد 3 أبريل/نيسان 2022 إلى كلمة الإبادة الجماعية. 

ولكن من الصعب العثور على روايات موثقة مماثلة للروايات الأوكرانية من حيث حجم وبشاعة المذابح من منظمات يمكن وصفها بالمستقلة، فالرواية الرئيسية السائدة في الإعلام الغربي هي الرواية الأوكرانية، عبر جولات ومشاهدات وفرها المسؤولون الأوكرانيون لمراسلي الإعلام الغربي.

المسؤلوون الأوكرانيون يطالبون أوروبا بمقاطعة الغاز الروسي فوراً

بعد إعلان كييف عن هذه الجرائم المزعومة، دعا عمدة كييف فيتالي كليتشكو الدول الأخرى إلى إنهاء واردات الغاز الروسي على الفور، قائلاً إنها تمول عمليات القتل.

وقال كليتشكو لصحيفة بيلد الألمانية: "لا ينبغي أن يذهب فلس واحد إلى روسيا بعد الآن". "هذه أموال دموية تستخدم لذبح الناس. يجب أن يتم فرض حظر الغاز والنفط على الفور".

وقال الرئيس الأوكراني إن حكومته ستتخذ خطوات لإنشاء آلية عدالة خاصة للتحقيق في كل جريمة ترتكبها القوات الروسية في أوكرانيا.

بالفعل التقارير عن مذبحة بوتشا تدفع القادة الأوروبيين للتفكير في حظره لأول مرة

دفعت لقطات وصور القتلى المدنيين في أنحاء البلدة دولاً غربية للمطالبة بمعاقبة أولئك المسؤولين عن جرائم الحرب في أوكرانيا.

وأدان القادة الأوروبيون ووزير الخارجية الأمريكي ما وصفوه بالفظائع ودعوا إلى تشديد العقوبات ضد موسكو. 

وقال بعض القادة الأوروبيين إن عمليات القتل في منطقة كييف ترقى إلى مستوى جرائم الحرب. 

وقال الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ في نفس العرض: "إنها وحشية ضد المدنيين لم نشهدها في أوروبا منذ عقود".

وفي مؤشر على أنباء مذبحة بوتشا قد تحدث تغييراً في الموقف الأوروبي من روسيا، دعت وزيرة الدفاع الألمانية كريستين لامبرخت الاتحاد الأوروبي  إلى أن يفكر في حظر واردات الغاز الروسي، علماً بأن ألمانيا أكثر دول أوروبا اعتماداً على الغاز الروسي، وقد يسبب أي قطع فوري له في أزمة كبيرة بالبلاد.

وقالت: "يجب ألا تمر مثل هذه الجرائم دون رد".

تحميل المزيد