قيس سعيّد يحل البرلمان استناداً إلى الفصل 72 من الدستور، فما هو مستقبل البلاد بعد هذه الخطوة؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/03/31 الساعة 12:44 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/04/02 الساعة 11:06 بتوقيت غرينتش
الرئيس التونسي قيس سعيّد (صفحة الرئاسة التونسية فيسبوك)

ألقى قرار الرئيس التونسي قيس سعيد بحل البرلمان وملاحقة نوابه قضائياً مزيداً من الضبابية والتوتر على المشهد المتأزم بالفعل في تونس، فماذا يقول الفصل 72 من الدستور، وإلى أين تتجه الأوضاع في تونس؟

كان نحو 124 من إجمالي 217 عضواً في البرلمان التونسي قد حضروا جلسة افتراضية هي الأولى للبرلمان، منذ 25 يوليو/تموز 2021، عندما أصدر قيس سعيد قراراته الاستثنائية التي انفرد من خلالها بالسلطة، بعد أن جمّد عمل البرلمان لمدة 30 يوماً وأقال الحكومة.

ما سمّاها الرئيس إجراءات استثنائية، استناداً إلى الفصل 80 من الدستور، وصفها معارضوه وأغلب الأحزاب السياسية بأنها انقلاب، لكن سعيد قام بتمديد إجراءاته بشأن تعليق عمل البرلمان وتجميد العمل بالدستور إلى أجل غير مسمى.

جلسة البرلمان المجمد شهدت التصويت لصالح إلغاء المراسيم الرئاسية التي تمنح سعيد صلاحيات شبه مطلقة، لكن الرئيس اعتبرها تحدياً لسلطاته، وأصدر مرسوماً بحل البرلمان، مستنداً إلى المادة 72 من الدستور، ووصف اجتماع البرلمان بأنه "تآمر على الدولة"، وأمر بإجراء تحقيقات بشأن النواب.

ماذا يقول الفصل 72 من دستور تونس؟

ينصّ الفصل 72 من دستور 2014 على أن "رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة، ورمز وحدتها، يضمن استقلالها واستمراريتها، ويسهر على احترام الدستور". واستناداً إلى هذا النص برَّر سعيد قرار حل البرلمان، بعد أن وصف جلسة الأربعاء بأنها "محاولة انقلابية".

يقول سعيد، أستاذ القانون الدستوري السابق، إن أفعاله دستورية وضرورية لإنقاذ تونس من سنوات الشلل السياسي والركود الاقتصادي الذي تسببت فيه نخبة فاسدة تخدم مصالحها الخاصة. ويقول إنه سيشكل لجنة لإعادة صياغة دستور سيتم طرحه للاستفتاء، في يوليو/تموز، ثم سيجري انتخابات برلمانية، في ديسمبر/كانون الأول.

لكن الدستور التونسي، الذي يقول سعيد إنه ملتزم بفصوله، ينص على أن البرلمان يجب أن يظل منعقداً خلال أي فترة استثنائية من النوع الذي أعلنه سعيد، الصيف الماضي، وأن حل المجلس يجب أن يؤدي إلى انتخابات جديدة.

تونس
البرلمان التونسي – صورة أرشيفية – رويترز

أستاذ القانون العام الصغير الزكراوي، أحد المؤيدين لقرارات قيس سعيد، قال لإذاعة شمس التونسية، إن "قرار حل البرلمان لا يمكن تأسيسه على الدستور.. هذا القرار صائب لعدة اعتبارات سياسية واجتماعية، ولكن الدستور لا يُبرره، لأن الفصل 72 من الدستور تم تعليقه ضمن بقية أحكام الدستور، حيث تم الإبقاء فقط على الباب الأول والثاني".

لكن سعيد لم يكتفِ بقرار حل البرلمان، بل أمر بإجراء تحقيقات بشأن النواب، وقالت وزيرة العدل إنها طلبت من وكيل الدولة بمحكمة الاستئناف فتح تحقيق ضد نواب البرلمان المعلق، بتهمة التآمر على أمن الدولة، وتكوين وفاق إجرامي بعد عقدهم الجلسة.

ماذا يقول نواب البرلمان التونسي؟

قال نائب رئيس البرلمان طارق الفتيتي إن 116 عضواً صوّتوا ضد "الإجراءات الاستثنائية" التي لجأ إليها سعيد، منذ يوليو/تموز، لإلغاء دستور 2014 الديمقراطي، بحسب رويترز.

بينما قالت يمينة الزغلامي، وهي عضو في البرلمان المجمد من حركة النهضة الإسلامية المعتدلة، "لسنا خائفين من الدفاع عن مؤسسة شرعية". وأضافت "لم يسحب الناس ثقتهم منا، الرئيس أغلق البرلمان بدبابة".

المجلس الأعلى للقضاء في تونس
أعضاء المجلس الأعلى للقضاء مع الرئيس التونسي (الرئاسة التونسية في فيسبوك)

وبالتالي فإنه من شأن أي تحرك لاعتقال أعضاء البرلمان الذين شاركوا في جلسة الأربعاء أن يمثل تصعيداً كبيراً في المواجهة بين سعيد وخصومه. ويقول خصوم سعيد إنه قام بانقلاب عندما علق عمل البرلمان، الصيف الماضي، ونحّى جانباً معظم دستور 2014، وانتقل إلى حكم البلاد عبر مراسيم.

الخلاصة هنا أن جلسة البرلمان ورد سعيد قد أديا إلى سكب مزيد من الوقود على الأزمة السياسية المشتعلة بالفعل في تونس، لكن لم يتضح بعد ما إذا كان هذا سيؤدي إلى تغيير فوري في سيطرة سعيد على مقاليد السلطة.

ردود الأفعال على التطورات الخطيرة

حزب "العمال التونسي"، من جانبه، اعتبر أن حل مجلس نواب الشعب من قبل الرئيس قيس سعيد خطوة ستغرق البلاد في طور جديد من النزاع على السلطة، بحسب تقرير لوكالة الأناضول.

جاء ذلك في بيان للحزب عقب إعلان سعيد حل البرلمان (المجمد)، جاء فيه أن "سعيد أغرق البلاد في المجهول، وعمّق تبعيتها، ودفع بها بخطى أسرع نحو الإفلاس، كما دفع بالشعب نحو مزيد من البؤس منذ إعلانه الإجراءات الاستثنائية في 25 يوليو/تموز الماضي".

كما انتقد الحزب في بيانه عقد جلسة افتراضية للبرلمان المجمد اليوم، معتبراً أن ذلك بمثابة "دخول في طور جديد من النزاع مع قيس سعيد". وأضاف أن ما حدث اليوم "مرشح ليكون أخطر من سابقه، وقد يؤدي إلى انقسامات مريعة، وربما إلى احتراب داخلي تغذّيه قوى خارجية تقف وراء مختلف الأطراف المتنازعة منذ مدة غير قصيرة".

اعتداءات من الأمن التونسي على المحتجين/الأناضول

وشدّد الحزب على أن "هذا الصراع لا مصلحة للشعب فيه، لأنه صراع على حساب مصالحه الأساسية، وسيُستعمل فيه حطباً، ويدفع في النهاية الثمن باهظاً".

وحمّل الحزب "منظومة الحكم بأسرها المسؤولية"، معتبراً أنها "أدارت ظهرها لثورة الشعب ومطالبه الأساسية".

الثقة المتزايدة للبرلمان وعقد الجلسة يعكس اتساع حجم المعارضة الواسعة لسعيد بينما يحاول إعادة كتابة الدستور والسيطرة على القضاء وفرض قيود جديدة على المجتمع المدني. وحزب النهضة، أكبر حزب في البرلمان، إذ يستحوذ على ربع المقاعد، وزعيمه راشد الغنوشي رئيس البرلمان، من أشد المنتقدين لسعيد.

فرغم أن الأحزاب السياسية منقسمة بشدة على بعضها البعض، يحتشد المزيد منها الآن علانية ضد سعيد، ويطالبه بتبنّي نهج شامل لأي جهود لإعادة هيكلة سياسات البلاد، إذ نبذت تونس الحكم الاستبدادي في ثورة 2011، وتبنت نهجاً ديمقراطياً، لكن نظامها الذي يتقاسم السلطة بين الرئيس والبرلمان لم يجتذب تأييداً شعبياً.

وانتُخب سعيد، الوافد الجديد في المجال السياسي، في عام 2019، في فوز ساحق خلال جولة ثانية أمام قطب إعلامي كان يواجه تهماً بالفساد. وتعهَّد سعيد آنذاك بتطهير الساحة السياسية.

ومع اتجاه الاقتصاد نحو كارثة، وسعي الحكومة إلى إنقاذ دولي، وتلويح الاتحاد العام التونسي للشغل ذي التأثير القوي بإضراب في القطاع العام رفضاً للإصلاحات الاقتصادية، يقول العديد من التونسيين إنهم أصيبوا بخيبة أمل من تركيز الرئيس على التغيير الدستوري وحسب، بحسب رويترز.

مزيد من الضغوط على اقتصاد تونس؟

عندما اتخذ الرئيس قيس سعيد إجراءاته الاستثنائية، في 25 يوليو/تموز 2021، أيّده قطاع عريض من التونسيين، الذين يدفعون ثمن السجالات السياسية في البلاد ويعانون من التدهور الاقتصادي تحت وطأة تداعيات الجائحة والتأثيرات السلبية للمشهد السياسي المتعثر في تفسيرات كل طرف للدستور.

لكن مع مرور الوقت وعدم اتخاذ الرئيس قرارات فعلية لإنقاذ الاقتصاد وتركيزه، عوضاً عن ملاحقة المعارضين، وتصفية من يراهم خصوماً، وتتويج ذلك بحل المجلس الأعلى للقضاء، بدأ المؤيدون لسعيد ينفضون من حوله واتسعت رقعة المعارضة له، ورفع شعار "الشعب يريد عزل الرئيس" خلال مظاهرات حاشدة، في تذكير بالربيع التونسي، الذي أطاح بالرئيس الراحل زين العابدين بن علي.

وازدادت الصعوبات التي يواجهها الاقتصاد التونسي بتردد المانحين الغربيين الرئيسيين، الذين تعتمد عليهم تونس في دعم الميزانية، في تقديم تلك المساعدات قبل أن يعود الرئيس إلى المسار الديمقراطي والحكم الدستوري الطبيعي.

وفي هذا السياق، كان أكثر من 50 مشرعاً سابقاً وناشطاً حقوقياً أمريكياً قد وجهوا خطاباً مفتوحاً إلى إدارة الرئيس جو بايدن، مناشدين فيها أن تبذل الإدارة مزيداً من الضغوط، وأن تربط بين أي مساعدات لتونس وبين العودة للمسار الديمقراطي، بحسب تقرير لموقع المونيتور الأمريكي.

تونس شح المواد الغذائية أزمة اقتصادية
شح المواد الغذائية يؤرق التونسيين/صورة تعبيرية_Getty Images

"نخشى أن يكون غياب رد فعل قوي من الولايات المتحدة على اعتداءات قيس سعيد المتكررة على الديمقراطية قد شجَّع الرئيس التونسي على التمادي في مساره الهادف إلى تدمير المسار الديمقراطي تماماً"، بحسب ما جاء في الرسالة المفتوحة، التي شارك في التوقيع عليها عدد من سفراء واشنطن السابقين لدى تونس.

الرسالة طالبت الإدارة بالعمل مع الكونغرس لوضع شروط محددة لأي مساعدات تقدمها واشنطن لتونس، تنص على حتمية احترام المسار الديمقراطي.

ولا شك أن قرار قيس سعيد حل البرلمان (المجمد أصلاً) لن يكون إيجابياً لدى الإدارة الأمريكية أو المانحين الغربيين الرئيسيين، ما يعني مزيداً من الضغوط على الاقتصاد التونسي المنهك أصلاً، وهو ما يزيد من حدة الغضب تجاه سعيد، ويُقلص من قدرته على حكم البلاد، فإلى أين تتجه تونس؟

تحميل المزيد