كانت زيارة رئيس النظام السوري بشار الأسد إلى الإمارات يوم الجمعة 18 مارس/آذار، تعتبر أول زيارة لدولة عربية منذ بدء الثورة ضد النظام قبل نحو 11 عاماً، وهي أحدث حلقة في سلسلة مبادرات دبلوماسية تقودها الإمارات، لإحياء عدد من الدول العربية علاقاتها مع الأسد رغم الرفض الأمريكي، ما يشير إلى تحوُّل جديد في الشرق الأوسط.
الإمارات تتبنى الأسد علناً.. ماذا وراء ذلك؟
لا شك أن رحلة الأسد الذي حظي باستقبال حافل في أبوظبي ودبي، تمثل تتويجاً لسلسلةٍ من الأحداث التي بدأت في عام 2018، حين اعترف وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية بأن طرد سوريا من الجامعة العربية وقطع العلاقات الدبلوماسية مع دمشق كان خطأ فادحاً. من ثم جاءت خطوة إعادة افتتاح السفارة الإماراتية في دمشق، تليها رحلة وزير الخارجية عبدالله بن زايد إلى العاصمة السورية أواخر العام الماضي.
وحتى نكون واضحين، فقد حافظت الإمارات على علاقةٍ مفتوحة نسبياً مع دمشق حتى في أوج الحرب، مع رحلاتٍ جوية منتظمة توفر ملاذاً آمناً نادراً لدائرة الأسد الداخلية. كما صارت الدولة الخليجية بمثابة محل الإقامة شبه الدائم لشقيقة الأسد بعد اغتيال زوجها، المسؤول الحكومي البارز آصف شوكت.
وقد ازدهرت علاقة سوريا بالإمارات على مدار السنوات القليلة الماضية، بعد أن نجا النظام من اضطرابات الحرب، وبما يتعارض مع إرادة الولايات المتحدة، حيث قالت شبكة "الحرة" الأمريكية إن وزارة الخارجية الأمريكية أعربت عن "خيبة أملها وانزعاجها العميقين" من دعوة الأسد، لزيارة الإمارات، وفق ما قال المتحدث باسمها نيد برايس للشبكة. ووصف برايس الدعوة بـ"المحاولة المكشوفة لإضفاء الشرعية عليه، وهو مسؤول عن مقتل ومعاناة عدد لا يحصى من السوريين وتشريد أكثر من نصف السكان السوريين والاعتقال التعسفي واختفاء أكثر من 150 ألف سوري من الرجال والنساء والأطفال".
كما أصدرت بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا والولايات المتحدة بياناً مشتركاً، الثلاثاء 22 مارس/آذار، أكدت هذه الدول فيه أنها "لا تدعم جهود تطبيع العلاقات مع نظام الأسد".
وفي مطلع مارس/آذار 2022، زار حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم معرض سوريا في إكسبو وكتب من هناك تغريدةً عن أهمية سوريا بالنسبة للعالم العربي والحضارة، مؤكداً على ضرورة حمايتها. وفي مذكراته، كتب الشيخ محمد عن إعجابه بـ"الشاب بشار الأسد ورغبته في بناء سوريا". كما سلط الضوء على "أهمية سوريا بالنسبة للعرب أجمعين"، بحسب ما نقله تقرير لموقع Middle East Eye البريطاني.
1- علاقات التجارة والأعمال التي صنعتها دبي مع دمشق
يقول الموقع البريطاني إن دبي ساعدت في رعاية العلاقة بين النظام السوري والإمارات، حيث اعتمدت المدينة في صعودها بشكلٍ كبير على إسهامات الطبقة المتوسطة والعليا السورية. إذ لعب رجال أعمال وساسة سوريا دوراً رئيسياً في صعود السعودية والإمارات المبكر كدولٍ نفطية، مثل سداد إبراهيم آل حسيني، ويوسف ياسين، ومعروف الدواليبي، وغيرهم.
وقد ظلت علاقات التجارة والأعمال نشطةً رغم الحرب المدمرة في سوريا وجرائم النظام السوري، وقبل حتى أن يعاد افتتاح السفارة الإماراتية في دمشق، مع عقد اجتماعات غير رسمية من خلال وسطاء في دبي. وفي الوقت ذاته، ترجع أصول الروابط الأسرية بين دمشق وبين بعض الإمارات إلى عصر الإمارات المتصالحة.
وذلك، يقول الموقع البريطاني إن يجب ألا يتفاجأ البعض في واشنطن من دعوة الإمارات علناً إلى إلغاء عقوبات قيصر الأمريكية، التي تعاقب أي طرفٍ يتعامل مع سوريا. كما أرسلت الإمارات مساعدات طبية، وساعدت في تسهيل عملية إعادة التأهيل الإقليمية لسوريا، في حين كانت الدول الخليجية من أهم العوامل التي ساعدت القطاع المصرفي السوري على الصمود.
ويرى الاقتصادي السوري عامر الحسين أن العلاقات بين سوريا والإمارات اليوم لا تزال قوية، رغم أنها كانت "هادئة" بين عامي 2012 و2018. وأوضح عامر لموقع MEE: "يرجع السبب في هذا إلى انتقال العديد من العائلات التجارية والسياسية الكبرى إلى الإمارات، فضلاً عن سياسات البلاد غير التمييزية التي سمحت للعديد من شركات العائلات بمواصلة العمل من دبي والإمارات الأخرى، مع الحفاظ على علاقتها بقاعدتها الأساسية في سوريا. ومع انحسار الصراع اليوم، أصبح باستطاعة الإمارات أن توفر قناة تربط اقتصاد سوريا بالتجارة الإقليمية والعالمية".
2- التحولات الكبرى في المشهد السياسي بالشرق الأوسط
أصبح من الواضح بشدة أن تركيا تخلت عن موقف المواجهة مع خصومها السابقين بزيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الأخيرة إلى الإمارات، وذلك في أعقاب نجاح بشار الأسد في استغلال القضية الكردية للدخول في شراكة مع المؤسسة الأمنية بأبوظبي. ويتحدث الموقع البريطاني عن تقارير تشير إلى أن تركيا تنوي سحب بضع مئات من الجنود من سوريا وإرسالهم إلى العراق بدلاً من ذلك.
وربما لم تُفصح أنقرة بعد عن أي مؤشرات لإعادة التقارب مع دمشق رسمياً، لكن تركيا ستثق بالإمارات أكثر من روسيا دون شك، وخاصةً بالنظر إلى أحداث أوكرانيا، كما يقول MEE.
وحين يتعلق الأمر بسوريا وإيران فسنجد أن سوريا لا تتفق مع الخط الإيراني في لبنان والعراق رغم علاقتهما الأمنية القوية. إذ تعد لبنان والعراق من أهم ساحات المعارك الإقليمية التي يحتاج السعوديون والإماراتيون لمساعدة دمشق فيها. وفي النهاية، تمتلك الإمارات قاعدةً تجارية وعائلية قوية لم تختفِ مطلقاً في سوريا، وقد عادت إلى دائرة الضوء لتوّها.
ووسط الشكوك المحيطة بأوكرانيا ورفض زعماء الخليج الرد على اتصالات الرئيس الأمريكي جو بايدن، تجدر الإشارة إلى أن الإمارات تزدهر كمركزٍ تجاري أولاً وقبل كل شيء. كما أن أهم شركائها التجاريين، الصين والهند، لهما استثمارات في سوريا رغم قانون قيصر.
وتعمل الإمارات ببطء على الخروج بعلاقتها السرية مع سوريا إلى العلن. وهنا نقتبس كلمات وزيرٍ سوري سابق يعيش في دبي الآن، وكان جزءاً من القناة الخلفية بين البلدين، إذ يقول للموقع البريطاني: "إن تبني الإمارات لسوريا لم يتغير مطلقاً. لكنه تجمّد لفترة، وها قد جاء الصيف ليذيب عنه الجليد مرةً أخرى".
3- تنويع العلاقات بعيداً عن "التبعية الأمريكية"
في الوقت نفسه، يركز نهج الشؤون الإقليمية والعالمية لدولة الإمارات بشكل متزايد على الشبكات، وليس التحالفات، كما يقول تقرير لمركز ISPI الاستراتيجي الأوروبي، حيث يتم التركيز على تنويع العلاقات مع الشركاء الآخرين خارج الولايات المتحدة، مثل الصين والهند وروسيا.
وعلى غرار الصين، توصلت الإمارات إلى تطوير رؤية طويلة المدى، ودفعها نحو الشرق (مثل آسيا) والشركاء الجنوبيين (مثل إفريقيا)؛ نظراً لأن النظام العالمي المتمركز حول الغرب يُنظر إليه على أنه يتراجع.
هذا النظام المتمركز حول الشرق أصبح حقيقة واقعة في سوريا، حيث انضمت دمشق مؤخراً إلى مبادرة الحزام والطريق، لكن كل هذه العناصر تتطلب استقراراً إقليمياً ودولياً لكي تنجح.
وتربط سوريا الأسد كذلك الإمارات بروسيا وإيران وبدرجة أقل لبنان، حيث تحاول أبوظبي وعلى عكس الرياض إلى تصفير مشاكلها مع طهران بعدما تأزمت لسنوات طويلة.
وتنظر السعودية إلى مسألة إعادة اندماج سوريا في الحظيرة العربية ببعض التناقض. وهي تشارك الإمارات مصلحة في الحد من نطاق النشاط والنفوذ الإيراني. ولهذه الغاية، فهي تدعم التقوية الشاملة للعلاقات العربية والتواصل الخليجي كبديل لإيران، وخاصة في العراق.
كما أن هناك بوادر على إعادة النظر في نهج المملكة تجاه لبنان، حيث رحبت الخارجية السعودية بالبيان الأخير لرئيس الوزراء اللبناني ميقاتي وتفكر في عودة سفيرها إلى ذلك البلد. ومع ذلك، لا يزال احتضان الأسد مشكلة بالنسبة السعودي، والاستثمار في إعادة تأهيله غير جذاب.