على مدى شهر تقريباً خضعت مدينة ماريوبول الأوكرانية الساحلية لحصار فرضته عليها القوات الروسية، ويبقى ما بين 100 إلى 200 ألف شخص محاصرين داخل المدينة، التي تتعرض لقصف مستمر بلا هوادة.
تقول السلطات المحلية إن 80% من البنية التحتية الخاصة بالمدينة دُمرت، وبعضها لا يمكن إصلاحه، كانت المدينة بلا مياه ولا كهرباء ولا تدفئة، ومن المستحيل إحصاء أعداد الوفيات، رفضت أوكرانيا هذا الأسبوع إنذار روسيا لاستسلام ماريوبول.
يمكن أن يوجه سقوط ماريوبول صفعةً اقتصاديةً إلى وجه أوكرانيا، وانتصاراً رمزياً لصالح روسيا.
في حديث مع صحيفة The Guardian البريطانية، قال أندري يانيتسكي، رئيس مركز التميز في الصحافة الاقتصادية في مدرسة كييف للاقتصاد: "تحمل ماريوبول أهمية عملية ورمزية لروسيا".
وأضاف: "إنها مدينة مرفئية كبيرة، وقاعدة للقوات المسلحة الأوكرانية، ولذلك إذا أراد الروس أن يمتلكوا ممراً برياً [من دونباس] إلى القرم، فإنهم في حاجة إلى السيطرة على المدينة".
منذ عام 2014، فصلت مسافة أقل من 30 كيلومتراً بين ماريوبول وبين أراضي الانفصاليين التي تسيطر عليها روسيا في دونباس.
خنق اقتصادي
تعد ماريوبول مركزاً معدنياً لصناعة الحديد والصلب، وصناعة الماكينات الثقيلة، وإصلاح السفن، بجانب أن أكبر مصانع الصلب في أوكرانيا، التي تملكها المجموعة المعدنية البارزة في البلاد، Metinvest، تقع في ماريوبول. تعرض أحد هذه المصانع، وهو مصنع Azovstal، لأضرار بالغة من القصف الروسي في الأسبوع الماضي.
قال يانيتسكي إن الجيش الروسي كان استهدافه لا يقتصر على البنية التحتية المدنية فحسب، بل يمتد إلى البنية التحتية الاقتصادية، بهدف إلحاق أكبر قدرٍ ممكن من الضرر.
كذلك تستضيف ماريوبول أكبر مرفأ تجاري في بحر آزوف، فمن هناك تصدّر أوكرانيا الحبوب والحديد والصلب والآلات الثقيلة. في عام 2021، كانت البلاد الأوروبية وبلاد الشرق الأوسط، مثل إيطاليا ولبنان وتركيا، هي وجهات الوصول الرئيسية للصادرات الأوكرانية التي تخرج من ماريوبول.
وقد عانى المرفأ بعد بداية الحرب في دونباس، بعد أن فقد مرور الشحنات التي تعبر قادمة من الأسواق السابقة، بما فيها روسيا. بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم، شيدت موسكو جسراً يربط شبه الجزيرة بالبر الرئيسي لروسيا، وفرضت بصورة أحادية قيوداً على السفن التي تعبر مضيق كيرتش.
رمزية وحملة دعائية
كانت هناك أيضاً أهمية رمزية كذلك، وفقاً ليانيتسكي. ففي عام 2014، صمدت ماريوبول، ثاني أكبر مدينة في منطقة دونيتسك، أمام احتلال لوقت قصير عن طريق القوات الموالية لروسيا. بعد أن فقدت أوكرانيا السيطرة على العاصمة الإقليمية دونيتسك، استضافت ماريوبول أكبر عدد من النازحين داخلياً من المناطق المحتلة في دونباس، وقد تجاوز عددهم 96 ألف شخص حتى عام 2019.
ولا يقتصر الأمر على وقوع ماريوبول في منطقة استولت عليها جمهورية دونيتسك الشعبية المزعومة، التي اعترفت بها روسيا قبل الهجوم الشامل الذي بدأته الشهر الماضي، بل إنها كذلك تجسد جزءاً من "نوفوروسيا"، وهي أراض تمتد عبر جنوب وشرق أوكرانيا على طول ساحل البحر الأسود، وينظر إليها بوتين على أنها "أراضٍ روسية تاريخياً".
كذلك سوف يمثل الاستيلاء على ماريوبول نصراً هائلاً للحملة الدعائية للكرملين، التي تصور أوكرانيا بأنها محكومة عن طريق النازيين، والتي تصور الحرب بأنها من أجل "القضاء على النازية". كانت المدينة قاعدة لكتيبة آزوف، وهي وحدة شبه عسكرية سابقة ذات أصول مرتبطة باليمين المتطرف وجماعات النازيين الجدد، صحيحٌ أنهم يشكلون أصغر فصيل في الحرس الوطني الأوكراني، لكن الدعاية الروسية ادعت أن مقاتلي كتيبة آزوف كانوا مسؤولين عن قتل المدنيين والدمار في ماريوبول.