عودة حمدوك لرئاسة الحكومة السودانية باتت مطروحة في العديد من وسائل الإعلام والأوساط السياسية السودانية، بعد لقائه برئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان، فيما نفت مصادر مقربة منه التقارير بشأن عودته، والتي أثارت الغضب في أوساط القوى الثورية.
وبعد شهرين ونصف الشهر مضت منذ استقال عبد الله حمدوك من منصبه رئيساً لوزراء السودان لم يظهر خلالها إعلامياً، وصارت أخباره غائبة، وما زالت الأزمة السياسية في البلاد مستمرة.
لكن الحديث عن الرجل عاد مجدداً، وفق ما تناقلته وسائل إعلام محلية عن عودة مرتقبة لمنصب رئيس الوزراء، في إطار تسوية سياسية للخروج بالبلاد من أزمتها المستمرة منذ 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وتولّى حمدوك رئاسة الوزراء لأول مرة، في أغسطس/آب 2019، عقب توقيع الوثيقة الدستورية بين الجيش وقوى مدنية، لإدارة الفترة الانتقالية التي تنتهي مطلع 2024.
زيارة البرهان للإمارات تعيد النقاش حول عودة حمدوك لرئاسة الحكومة السودانية
وتزامنت الأنباء عن عودة حمدوك لرئاسة الحكومة السودانية مع زيارة رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، إلى الإمارات، والتي يقيم فيها حمدوك عقب استقالته في 2 يناير/كانون الثاني الماضي.
وزار البرهان الإمارات في 10 مارس/آذار الجاري لأربعة أيام، أجرى فيها عدداً من اللقاءات مع مسؤولي البلد الخليجي.
واللافت في الأمر أن الحديث عن عودة حمدوك لم يتم التصريح به رسمياً من السلطات، أو حتى الجهات المبادرة بحل الأزمة.
لكنها ظهرت بشكل واضح في تصريحات وبيانات لقوى الثورة التي تقود الاحتجاجات، والتي قطعت بعدم قبولها لعودة حمدوك، باعتباره أحد أطراف الأزمة الحالية، بعد توقيعه اتفاقاً سياسياً مع العسكريين، عاد به للسلطة في 25 أكتوبر/تشرين الأول (بعدما كان البرهان قد عزله وفرض إقامة جبرية).
ورأت العديد من القوى الثورية في الاتفاق إضعافاً للصف الثوري، بعدما كانت تتحرك في الشارع من أجل الضغط لإنهاء الحكم العسكري عقب انقلابه على الاتفاق الأصلي مع القوى الثورية.
وبالنسبة للعديد من القوى الثورية فإن اتفاق حمدوك مع البرهان ضيع فرصة للإطاحة بالعسكريين، في ظل اقتناع العديد من القوى الثورية، بعد تجربة انقلابهم على حمدوك، بأنه لا مصداقية لأي اتفاق معهم.
ومنذ 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، تشهد البلاد احتجاجات تطالب بـ"حكم مدني ديمقراطي كامل".
ويرفض المحتجون إجراءات استثنائية اتخذها قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، أبرزها فرض حالة الطوارئ، وحل مجلسي السيادة والوزراء الانتقاليين، وهو ما تعتبره قوى سياسية وشعبية "انقلاباً عسكرياً"، في مقابل نفي الجيش ذلك.
وفي 21 أغسطس/آب 2019، بدأت بالسودان مرحلة انتقالية يفترض أن تنتهي بإجراء انتخابات مطلع 2024، يتقاسم خلالها السلطة كل من الجيش وقوى مدنية وحركات مسلحة، وقعت مع الحكومة اتفاق سلام عام 2020.
لقاء ونفي
مع تزايد الأنباء عن عودة حمدوك، نفت عقيلته "منى عبد الله"، في 13 مارس/آذار 2022، الحديث عن مفاوضات تجري معه لعودته لمنصب رئيس الوزراء مجدداً، أو توليه منصباً سيادياً، في رسالة منسوبة لها تناقلتها عدة وسائل إعلام محلية، بينها صحيفة "السوداني" (خاصة).
وقالت زوجة حمدوك، إن "ذلك محض شائعات سمع بها حمدوك مثله مثلكم، ولا يدري مصدرها، ولماذا في هذا الوقت بالذات".
إلا أنها أكدت خبر لقاء حمدوك بالبرهان في الإمارات، وأوضحت أنه "لم يتطرّق للحديث عن العودة أو اتفاقية وخلافها".
وعلى ذات نسق النفي، أعلنت "بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم المرحلة الانتقالية في السودان" (يونيتامس)، في 14 مارس/آذار 2022، أنها لا تتدخل في عملية اختيار رئيس وزراء للبلاد، باعتبار أنها "شأن سوداني بحت".
هل يأتي حمدوك رئيساً لمجلس السيادة؟
فبحسب ما يتداول اليوم من تسريبات زيارة رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول عبد الفتاح البرهان إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، التي بدأت يوم أمس الأول، وعن لقائه رئيس الوزراء السوداني المستقيل عبد الله حمدوك، هناك أنباء تشير إلى ما يطبخ في الكواليس من قرب ظهور مبادرة تنشط فيها دول عربية ثلاث هي المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، وجمهورية مصر العربية.
وتقضي المبادرة بإعادة حمدوك إلى رئاسة الوزراء مرةً أخرى (وهناك رواية تقول باحتمال أن يرأس مجلس السيادة، حسبما ورد في تقرير لموقع "إندبندنت عربية").
ويقول التقرير إن التوجهات بشأن عودة حمدوك لرئاسة الحكومة السودانية لا يمكن فصلها عن رغبة الإدارة الأمريكية والاتحاد الأوروبي في عدم التهاون في معاقبة كل من يساند الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أزمة أوكرانيا، وليس بعيداً من ذلك انزعاج كل من الولايات المتحدة والسعودية ومصر من تصريحات حميدتي عقب عودته من موسكو، حول إمكانية إقامة قاعدة لروسيا على البحر الأحمر، إلى جانب ما كشفت عنه صحيفة "ديلي تلغراف" قبل أسبوع من دعم السودان لموسكو بمعدن الذهب (الذي تستثمر موسكو في تنقيبه بالسودان)، بواقع 30 طناً سنوياً، ودلالة ذلك على ما يمكن أن يفهم أنه دعم لموسكو في وجه العقوبات التي فرضها المجتمع الدولي والتفاف على تلك العقوبات غير المسبوقة على روسيا عالمياً.
موقف الأمم المتحدة
وأفادت البعثة الأممية، في بيان، "لسنا هنا لفرض أي حل على السودانيين والسودانيات، ولكن لتسهيل الوصول إلى حل".
وأضافت "الحل يجب أن يكون سودانياً، وهناك كثير من الشائعات تحيط بالعملية، وآخرها أننا قمنا باختيار رئيس وزراء للسودان".
ونفت البعثة صحة ما يتردد، وقالت "لسنا بصدد ذلك، ولا نملك حتى أي اقتراح بهذا الخصوص، اختيار رئيس أو رئيسة وزراء هو شأن سوداني بحت".
ومنذ 10 فبراير/شباط الماضي، تُجري البعثة مشاورات مع الأطراف السودانية، بحثاً عن حل للأزمة السياسية الراهنة في البلاد.
رفض حاد من المحتجين
تبقى عودة حمدوك لرئاسة الحكومة السودانية مرهونة بالأساس على اتفاق مع المكون العسكري، وبحسب مراقبين تبرز أول عقبة تواجه مخطط إعادته للمنصب في قوى الثورة التي تقود الاحتجاجات، والتي ترفع شعارات "لا تفاوض، ولا شراكة، ولا مساواة".
وبمجرد ظهور اسم حمدوك لتولي رئاسة الوزراء مجدداً، بادرت قوى ثورية إلى إعلان رفضها لهذه الخطوة باعتبارها إعادة تجربة أثبتت فشلها في تحقيق أهداف الثورة.
وفي 9 مارس/آذار 2022 الجاري، أصدرت 9 من تنسيقيات لجان مقاومة للمدن، و22 لجنة مقاومة الأحياء، بياناً مشتركاً، أعلنت فيه رفضها لعودة حمدوك لرئاسة الوزراء، باعتبار أنها خطوة تجسد فشل الطبقة السياسية في تحقيق أي تطور للدولة.
وأضافت: "ليس من الصواب أو الحكمة تكرار الأخطاء، إن تسمية رئيس الوزراء من أي جهة كانت اختطافاً لسلطة الشعب، وتكريساً لنشوء حاضنة سياسية جديدة، ونخبة جديدة تهيمن على السلطة".
لماذا يؤيد الكثيرون عودة حمدوك لرئاسة الحكومة السودانية؟
يدفع العديد من المؤيدين لعودة حمدوك لرئاسة الحكومة السودانية بما يعتبرونها أسباباً تجعله الرجل المناسب لقيادة المتبقي من الفترة الانتقالية، كونه يحظى بقبول خارجي وداخلي كبيرين، قد لا يتوفر لأي شخصية أخرى في الساحة السياسية.
ويدعم المؤيدون لحمدوك رأيهم بأنه خلال عامين من فترة الانتقال الأولى حقق عدة مكاسب على رأسها إعادة البلاد إلى المجتمع الدولي، ورفع العقوبات الأمريكية المفروضة على السودان منذ أكثر من 20 عاماً.
كما أن حكومته توصلت إلى تفاهمات مع صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، والمانحين بشأن ديون البلاد الخارجية، وشهدت الشهور الأخيرة من فترته استقراراً وثباتاً لسعر صرف الجنيه السوداني أمام الدولار.
ويضاف إلى ذلك الأمل في أن يصبح حمدوك منقذاً من التدهور الاقتصادي الذي تشهده البلاد منذ إجراءات البرهان، في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021.
وتشهد البلاد ارتفاعاً غير مسبوق في أسعار الخبز والوقود، مؤخراً، عقب إجراءات اتخذتها الحكومة، في 7 مارس/آذار الجاري، بتحرير كامل لسعر صرف الجنيه السوداني مقابل الدولار.
وصل سعر العملة المحلية في البنوك إلى 600 جنيه لكل دولار، مقابل 445 جنيهاً قبل هذه الإجراءات.
احتمالات عودة حمدوك وشروطه
وبالنظر إلى حالة عدم الاستقرار المستمر للأوضاع السياسية والتدهور الاقتصادي، يبدو أن أي خطوة متوقعة، بما فيها عودة حمدوك لرئاسة الحكومة السودانية.
ويقول مصدر مقرب من رئيس الوزراء السابق، للأناضول، "لا أتوقع أن يقبل حمدوك بمقترح يعيده للمنصب في ظل الوضع الراهن".
ويضيف المصدر ذاته، مفضلاً حجب هويته "حمدوك يمتلك معرفة وأدوات تجعله لا يكرر تجربة يعرف أنها لن تنجح، في ظل الوضع السياسي الحالي".
إلا أن المحلل السياسي يوسف حمد يرى أن عودة حمدوك لمنصبه "راجحة".
ويشير حمد، في حديث مع الأناضول، إلى أن "الرجل لا مانع لديه من العمل مع العسكر الموجودين في السلطة الانتقالية، رغم فشل محاولته الأولى عقب توقيعه اتفاق 21 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، مع قائد الجيش عبد الفتاح البرهان".
ويضيف "من الراجح أن يتولى حمدوك رئاسة الوزارة مرة أخرى في ظل التحركات الإقليمية والدولية الداعمة لعودته".
ويلفت حمد، إلى أن "ما يعزز هذه الخطوة حالات انشقاق قوى سياسية (عن قوى الحرية والتغيير)، وبالتأكيد يمكن لحمدوك أن يستفيد من ذلك، ويخلق له أرضية تجعله مقبولاً لدى البعض، معتمداً على التسويق الإقليمي والدولي لشخصه".
وسبق أن أعلن حزب الأمة الذي يعد واحداً من أعرق الأحزاب التقليدية في البلاد دعمه عودة حمدوك لرئاسة الحكومة السودانية.
وقال رئيس حزب الأمة القومي المكلف اللواء فضل الله برمه ناصر، إن المصلحة الوطنية تحتم عودة حمدوك إلى منصبه لعدة أسباب، أبرزها أن حمدوك أعاد خلال فترة حكمه السودان إلى المجتمع الدولي.