قال مسؤولون غربيون، أمس الإثنين 21 مارس/آذار، إنَّ روسيا فقدت خمسة جنرالات على الأقل يقاتلون في أوكرانيا خلال أقل من شهر؛ إذ أدَّى الفشل الذي يلف عملية التواصل وعدم الانضباط بين مئات الآلاف من قوات المجندين الروس إلى تصعيب مهمة نقل الأوامر إلى الخطوط الأمامية.
ويُرجَّح أن تكون حصيلة الجنرالات الروس الذين قُتِلوا في الصراع الذي قارب الشهر هي أعلى معدل ضحايا بين الضباط الجنرالات في الجيش الروسي منذ الحرب العالمية الثانية، بحسب تقرير لمجلة Foreign Policy الأمريكية.
لكن هذه الأرقام يتم إعلانها من قِبَل أوكرانيا أو حلفائها لكن تلتزم روسيا الصمت إلا في حالات قليلة لكنها في نفس الوقت لا تنفي ما تقوله كييف.
ويوم الأحد، أعلنت أوكرانيا مقتل 6 جنرالات روس كبار منذ بدء العملية العسكرية الروسية يوم 24 فبراير/شباط الماضي.
جاء ذلك في تغريدة نشرها ميخائيل بودلياك، مدير مكتب الرئيس الأوكراني، على حسابه في موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" الأحد.
وأوضح بودلياك أن مقتل جنرالات روس كبار على يد القوات المسلحة الأوكرانية لافت للانتباه.
فيما لم يصدر على الفور تعليق من روسيا حول هذا الشأن.
اللافت في هذه الحرب هو المبالغة في أرقام الخسائر سواء العسكرية أو عدد القتلى الذي يعلنه الجانبان الروسي والأوكراني.
وقال بودولياك، واصِفاً الجيش الروسي بأنَّه "غير مُجهَّز تماماً" للقتال في أوكرانيا. وتُعَد التقديرات الغربية للقتلى في صفوف القادة الروس أكثر تحفُّظاً بقليل.
فقال دبلوماسي أوروبي مطلع على التقديرات الاستخباراتية الغربية لمجلة Foreign Policy الأمريكية، أمس، إنَّ خمسة جنرالات روس على الأقل قد قُتِلوا، وأرجع ذلك في المعظم إلى حالات الفشل في معدات الاتصال الإلكتروني التي تركتهم عُرضة للضربات الموجهة، وكذلك لجهودهم من أجل دفع قوة كبيرة تتألف من قرابة 200 ألف من القوات –معظمهم من المجندين الشباب- لاتباع الأوامر من خلال القيادة من المقدمة.
وقال الدبلوماسي الأوروبي: "إنَّهم يعانون على الخطوط الأمامية لإيصال أوامرهم. إنَّهم مضطرون للذهاب إلى الخط الأمامي كي تُنجَز الأمور، وهو ما يضعهم في خطر أكبر بكثير مما قد ترونه عادةً".
وأضاف الدبلوماسي الأوروبي أنَّ حصيلة القتلى الروس في صفوف الضباط الجنرالات تصل إلى خُمس عدد القادة الذين أُرسِلوا إلى أوكرانيا، والذين يُقدِّر مسؤولو الاستخبارات الغربيون عددهم بـ20 ضابطاً، وهو ما يجعل الجيش أقل قدرة على العمل وأكثر تعثُّراً. وتابع الدبلوماسي: "يتعلَّق كل ذلك بنقص الجاهزية في صفوف الجيش. يطلبون إنجاز الأمور، لكنَّها لا تُنجَز".
وفي حين أتسمت الحرب بعدم وقوع قتال بين السفن، يبدو أنَّ ضباطاً بحريين رفيعين يُقتَلون بأعداد أكبر. فخلال عطلة نهاية الأسبوع، أُردي نائب قائد أسطول البحر الأسود، أندريه بالي –والذي كان بانتظار الترقية ليصبح برتبة أدميرال ذي نجمة واحدة- قتيلاً على يد القوات الأوكرانية خارج مدينة ماريوبول المحاصرة.
خطأ كشف الرقم الحقيقي
وفي وقتٍ سابق من يوم أمس الإثنين، أفادت صحيفة Komsomolskaya Pravda المقربة من الكرملين بأنَّ 9861 جندياً روسياً قُتِلوا في أوكرانيا خلال نحو شهر من القتال وأُصيب 16153 آخرون، في ما يبدو تسريباً أو اختراقاً محتملاً لإحصاءات وزارة الدفاع الروسية. وقد أُزيلَت الفقرة التي تفيد بهذا لاحقاً من التقرير. وعلى الصعيد الرسمي، أفادت وزارة الدفاع الروسية بمقتل 498 من القوات الروسية في أوكرانيا حتى 2 مارس/آذار، أي بعد أقل من أسبوع من بدء الحرب، كما تقول المجلة الأمريكية.
لكنَّ المسؤولين قالوا إنَّ القادة الروس يرتكبون أخطاءً تكتيكية أيضاً. فبعدما قُتِلَ الميجور جنرال فيتالي غيراسيموف، وهو جنرال مكافئ ذو نجمة واحدة، خارج مدينة خاركيف في أوائل مارس/آذار، قال مسؤولو الاستخبارات الأوكرانية إنَّهم التقطوا محادثة عبر اللاسلكي تُعرِب عن الإحباط إزاء حدوث تعطُّل في معدات الاتصالات الروسية المُؤمَّنة. ويُعتَقَد أنَّ غيراسيموف هو ابن شقيق فاليري غيراسيموف، رئيس هيئة الأركان الروسية.
يبدو أنَّ الهجوم الممتد منذ قرابة شهر لأوكرانيا يمثل أكبر عملية انتشار للقوات الروسية منذ سقوط الاتحاد السوفييتي قبل أكثر من 30 عاماً. ووصلت حرب الاتحاد السوفييتي التي امتدت تسع سنوات في أفغانستان في عقد الثمانينيات ذروتها بنحو 115 ألفاً من القوات، في حين أنَّ الادعاءات بشأن تعداد القوات الروسية في كلا حربيّ الشيشان تقل بكثير عن 100 ألف. ونشرت روسيا أعداداً أقل من القوات في جورجيا عام 2008 وأوكرانيا عام 2014، واستخدمت أحياناً قوات بزي غير رسمي لإخفاء تحركاتهم.
لم تؤكد الولايات المتحدة مقتل أي من القادة الروس، لكنَّ المسؤولين الأمريكيين أشاروا في الوقت نفسه إلى حجم وتعقيد هجوم أوكرانيا، وكذلك إلى حصيلة القتلى الروس، التي أدَّت إلى امتلاء المشارح في بيلاروسيا المجاورة بالموتى، كما تقول المجلة الأمريكية.
قال مسؤول دفاعي أمريكي كبير للصحفيين أمس: "من المنطقي أن يكون لديهم قادة كبار، بل وحتى ضباط جنرالات، في الميدان من أجل غزو بهذا الحجم. فهم حقيقةً لم يقوموا بأي شيء بهذا الحجم والنطاق مطلقاً".
وأضاف المسؤول الدفاعي الأمريكي الكبير أنَّ الجيش الروسي لديه أيضاً تقليد يتمثل في وجود هيكل قيادة من أعلى إلى أسفل أكثر صرامة من الجيوش الغربية، وهو ما يمنح الضباط الصغار مرونة أقل بكثير ويُشرِك الضباط الكبار في أبسط تفاصيل القرارات التكتيكية.
الرواية الروسية: جنرال واحد فقط
أعلنت روسيا، حتى الآن، مقتل قائد واحد فقط، هو الميجور جنرال أندريه سوخوفيتسكي، وهو من قدامى المحاربين في حروب الشيشان وجورجيا وضم شبه جزيرة القرم عام 2014، والذي قُتِلَ خلال القتال بعد أربعة أيام فقط من الغزو. وأُفيدَ أيضاً بأنَّ الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، عزل نائب قائد الحرس الوطني الروسي (المعروف باسم قوة "روسفغارديا")، وهي المكافئ الروسي لقوات الحرس الوطني الأمريكي، بسبب اتهامات بتسريب معلومات وإهدار الوقود.
قال جيمس فوغو، وهو أدميرال متقاعد ذو أربع نجوم قاد سابقاً الأسطول السادس في البحرية الأمريكية: "هنالك أوامر قادمة من الأعلى: يُستحسَن أن تذهبوا إلى هناك وتُحرِزوا تقدُّماً وإلا… سلسلة القيادة العسكرية لديهم تمثل بيئة من النوع التهديدي جداً. إمَّا أن تؤدي أو تجد نفسك مُستبدَلاً أو معزولاً من وظيفتك، بل وحتى أسوأ من ذلك".
واكتشفت وكالات الاستخبارات الأمريكية والغربية بعض التدهور في قدرة القيادة والسيطرة الروسية، تماشياً مع المشكلات اللوجستية التي واجهتها القوات الروسية طوال الحرب، والتي ربما تتسبب في مصرع الجنرالات الروس بأعداد أكبر. وأُفِيدَ أيضاً بأنَّ روسيا فقدت عدداً كبيراً من القادة الميدانيين بخلاف الجنرالات الذين سقطوا.
جديرٌ بالذكر أنَّ جنرالاً أمريكياً واحداً فقط قُتِلَ في منطقة حرب منذ حرب فيتنام، هو الميجور جنرال هارولد غرين، والذي قُتِلَ في هجوم داخلي حين فتح جندي أفغاني النار على وفد زائر في إحدى القواعد الأمريكية عام 2014. وقُتِلَ آخر، هو الجنرال تيموثي مود، في مبنى وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) خلال هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول حين ارتطمت طائرة مُختَطَفة بالمبنى.
قال الدبلوماسي الأوروبي الذي تحدث للمجلة الأمريكية إنَّ الجنرالات الروس في بعض الأحيان تعمَّقوا في الميدان أكثر كي يتعاملوا مع مشكلات انضباطية، مثل نهب المجندين الروس للمتاجر والمنازل بحثاً عن الطعام. وقال مسؤولون أمريكيون حاليون وسابقون إنَّ افتقار روسيا إلى وجود هيكل محترف من ضباط الصف- الذين يفرضون الانضباط في الجيوش الغربية- أدى إلى بعض جرائم الحرب التي انتشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
فقال فوغو، الأدميرال الأمريكي المتقاعد: "هذه إشارة إلى جيش غير منضبط وغير محترف ذي قيادة وتدريب سيئين، ولتعويض ذلك، يدفعون بالجنرالات إلى الميدان. وهم يخرجون ويرتجلون نوعاً ما".