الألماس الروسي حجر الزاوية في صناعة المجوهرات في العالم، فهل يفلت من العقوبات الغربية؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2022/03/20 الساعة 16:50 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/03/20 الساعة 16:50 بتوقيت غرينتش
الألماس الروسي يمثل 30% من صناعة المجوهرات في العالم/ رويترز

ليس النفط والغاز من روسيا فقط ما قد لا يتحمل الغرب تكلفة حظرهما بسبب الهجوم على أوكرانيا، فالألماس الروسي يعتبر أصل صناعة المجوهرات في العالم، لكن قد لا تصل إليه العقوبات لأسباب فنية.

ومنذ أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الاعتراف باستقلال لوغانسك ودونيتسك منطقتين انفصاليتين في إقليم دونباس الأوكراني، بدأت الدول الغربية في فرض عقوبات على روسيا، بدأت بالقطاع المالي وبعض الأثرياء الروس، ثم تطورت العقوبات بعد بدء الهجوم على أوكرانيا، يوم 24 فبراير/شباط الماضي، لتشمل جميع المجالات الاقتصادية والسياسية والرياضية والثقافية، لتواجه موسكو ما يشبه العزلة.

قطاع الطاقة الروسي ظلَّ بعيداً عن تلك العقوبات إلى حد كبير، باستثناء قرار ألمانيا تعليق مشروع خط أنابيب نورد ستريم2 لنقل الغاز الروسي إلى ألمانيا وأوروبا، علماً بأن المشروع لم يكن قد دخل مرحلة التشغيل بعد. لكن استمرت واردات الغاز والنفط الروسية على حالها، حتى أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن، الثلاثاء 8 مارس/آذار، حظر واردات النفط والغاز الروسية.

لكن تقريراً لصحيفة The Guardian البريطانية، عنوانه "صناعة المجوهرات متهمة بالصمت عن الألماس الروسي"، ألقى الضوء على قصة الألماس الروسي ولماذا قد لا يخضع للعقوبات الغربية بسبب الهجوم على أوكرانيا.

لماذا قد لا تؤثر العقوبات على الألماس الروسي؟

مناجم الألماس الروسية جزء أساسي من صناعة الألماس في العالم، وجعلت من روسيا أكبر منتج للماس في العالم، حيث تمثل حوالي 30% من السوق العالمية.

ومع استمرار الهجوم الروسي على أوكرانيا، تجد محلات المجوهرات وشركات الماس والهيئات التي أُسست لتنظيم هذه الصناعة، والتي يعتمد الكثير من إمداداتها على قطاع الماس الذي تسيطر عليه الحكومة في روسيا، نفسها في حيرة إزاء الاستمرار في شراء وبيع هذا الماس.

وفي الأثناء، يقول مطلعون في الصناعة إن العقوبات الأمريكية لن تفعل شيئاً يذكر لوقف تدفق الماس من شركة آلروسا Alrosa، الشركة الروسية الضخمة المدعومة من الدولة التي تحتكر تعدين الألماس، إلى الغرب.

وهذا لأن الجزء الأكبر من الماس الروسي يُصدَّر خاماً، ومعظمه يُقطع ويصقل في الهند، التي تعالج حوالي 90% من الماس الخام على مستوى العالم. وبموجب أحكام الجمارك الأمريكية، يعتبر هذا القطع والصقل "تحولاً كبيراً"، لذلك يُستورد الماس المصقول على أنه منتج هندي لا روسي. ولا إشارة حتى الآن إلى أن شراء الشركات الأمريكية للماس الروسي عبر الهند ينتهك العقوبات.

شركة ألروسا الروسية تحتكر تعدين الماس هناك/ رويترز

وقال مارتن رابابورت، وهو من الشخصيات البارزة في صناعة الماس ومؤسس RapNet، أكبر شبكة لتجارة الماس عبر الإنترنت في العالم، في عرض تقديمي: "العقوبات- ما لم تشتد قوتها- لن تؤثر على المسار الاعتيادي لتجارة الماس".

وفي الهند، يقول المسؤولون الحكوميون إن آلروسا أخبرتهم أن العمل سيستمر كالمعتاد. وقال كولين شاه، رئيس مجلس ترويج صادرات الأحجار الكريمة والمجوهرات في الحكومة الهندية، لصحيفة Economic Times إن آلروسا أرسلت إليهم تطمئنهم بأن العقوبات لن توقف تدفق الماس. وقال شاه: "أكدت آلروسا أنها مستمرة في عملها كالمعتاد.. وأنها ستفي بجميع التزاماتها تجاه عملائها في أي جزء من العالم".

"لنترك القرار للمجتمع"

أي قرارات بوقف التجارة مع آلروسا يُرجح أن تقع على عاتق الشركات أو الهيئات الصناعية أو النفور من عامة الناس. لكن آلروسا مصدر رئيسي للماس لعدد من أكبر محلات المجوهرات في العالم، وكثير منها لم تفصح عن إن كانت ستستمر في شراء الماس الروسي.

وتتباهى شركة آلروسا منذ أربع سنوات بالعقود طويلة الأجل التي أبرمتها مع أكثر من 60 شركة، منها Signet Jewellers، أكبر شركة لبيع الماس في العالم، وشركة Leo Schachter في نيويورك، وشركة الماس الفاخرة الشهيرة Tiffany & Co. وحتى وقت كتابة هذا المقال، لم تصدر سوى شركة واحدة، وهي Signet Jewellers، من الشركات الغربية الكبرى المدرجة في قائمة عملاء شركات آلروسا المهمين، بيانات واضحة عن موقفها من شراء الماس الروسي. وقالت شركة Brilliant Earth، وهي شركة صغيرة تُعرف بمراعاتها الاعتبارات الأخلاقية في إمدادات الماس، الأسبوع الماضي إنها ستتوقف عن بيع الألماس الروسي.

وقالت شركة Signet في مذكرة للموردين يوم الخميس 17 مارس/آذار إنها "أوقفت كل أشكال التجارة في المعادن الثمينة والماس القادمة من مصادر روسية خاضعة للعقوبات، ولذلك نرجو منكم التوقف عن تزويد Signet بالماس من هذه المصادر حتى لو لم تكن الدولة (الدول) التي تعملون بها قد فرضت عقوبات على الماس والمعادن الثمينة الروسية".

الرئيس الروسي بوتين-زيلينسكي-أردوغان-أوكرانيا
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين /رويترز

واتخاذ إجراءات أكثر شمولاً بحق آلروسا قد تنتج عنه عواقب غير مقصودة: مثل حظر شامل قد يضر بصناعة القطع والصقل الهندية، أو هيئات التعدين في ياقوتيا. وفي الماضي، كانت هيئات في الصناعة تتولى مسؤولية بعض الأعمال الدقيقة لتحديد ما يفي أو لا يفي بمعايير التوريد "المسؤول". ولكن في الوقت الحالي، فالمجالس الرئيسية التي أُسست لإصلاح وتنظيم هذا القطاع التزمت الصمت شبه التام عن وقف التجارة مع آلروسا من عدمها.

فنظام كيمبرلي (KP)، الذي أقيم في الأصل للحفاظ على استمرار سلاسل توريد الماس الموجود في مناطق الحروب، لم يصدر أي تحذيرات علنية بخصوص الإمداد الروسي. ودعا تحالف المجتمع المدني في نظام كيمبرلي النظام إلى "تحديد الإجراءات المطلوبة التي تضمن أن الماس المنتج في روسيا أو القادم من آلروسا لا يساهم في تمويل هذه الحرب". وحتى وقت كتابة هذا التقرير، لم يصدر نظام كيمبرلي أي قرارات رسمية رداً على ذلك الطلب.

ومجلس المجوهرات المسؤول RJC، وهو أحد أبرز الهيئات في صناعة الألماس، مهمته وضع معايير لشفافية سلسلة التوريد و"تعزيز الثقة في صناعة المجوهرات والساعات العالمية". وتنص قوانينه على أنه يتعين على أعضائه التأكد من "عدم ظهور أسماء المالكين المستفيدين في القوائم الحكومية للأفراد أو المنظمات المتورطة في حرب أو تمويلها" عند التعامل معهم.

الأضرار الجانبية لحظر الألماس

وقد تنحَّت آلروسا عن هيئة إدارة المجلس، ولكن حتى وقت كتابة هذا التقرير لا تزال عضواً من الدرجة الأولى وتحتفظ بشهادة مجلس المجوهرات المسؤول. وقد أصدر المجلس توجيهات بأن على الأعضاء الامتثال للعقوبات، لكنه لم يرد على أسئلة حول إن كان سيتخذ مزيداً من الإجراءات بحق آلروسا بناءً على تعليماته. وتضم هيئة الإدارة والمؤسسون شركات من أكبر عملاء آلروسا مثل Tiffany & Co وSignet وLeo Schachter.

يقول براد بروكس روبين، المستشار الاستراتيجي لمجلس المجوهرات المسؤول والمستشار الخاص السابق لشركة Conflict Diamonds بوزارة الخارجية الأمريكية، لصحيفة The Guardian إن قوانين المجلس "توفر أسساً كثيرة لاتخاذ إجراء بحق آلروسا. وأتعشم أن يُجرى تحقيق رسمي في هذه القضايا وأن يُتخذ هذا الإجراء".

وقال إن الامتثال الفني للعقوبات لا يشبه المسؤولية. وقال: "لو قالت شركة: (نحن مستمرون في الحصول على الماس من آلروسا، لأنه إذا لم نفعل، فلن يكون لدينا أي منتجات نبيعها لك)… فلنترك للمستهلك، وللمجتمع تقرير إن كان ذلك مناسباً أم لا. ولكن ما يحدث في الوقت الحالي أننا لا نعطي إجابة لما نفعله. وأعتقد أن هذا دون المستوى".

المدنيون والشركات المدنية تساعد الجيش الأوكراني في العمليات العسكرية/رويترز

وتواصلت صحيفة The Guardian مع عدد من عملاء آلروسا. فلم ترد شركة Tiffany & Co ولا شركة الألماس Leo Schachter على طلبات المقابلات أو التعليق. ولم يرد رئيس مجلس المجوهرات المسؤول ديفيد بوفارد، نائب رئيس شركة Signet، على طلبات إجراء مقابلة. ولم يرد المدير التنفيذي لمجلس المجوهرات المسؤول، إيريس فان دير فيكن، على الأسئلة المتعلقة باستمرار عضوية آلروسا، أو إن كان المجلس قد طلب من الأعضاء التوقف مؤقتاً عن شراء الماس الروسي، لكنه أشار إلى بيان صحفي يشير إلى أن آلروسا قد تنحت طواعية عن مجلس الإدارة واللجان، وهناك مراسلات إلى الأعضاء تطلب منهم "الالتزام الصارم بجميع العقوبات المطبقة الصادرة" في ولاياتهم القضائية.

تقول كريستينا فيليغاس، مديرة برنامج Mines to Markets في منظمة Pact التنموية غير الحكومية، إن صمت الهيئات الرئيسية في الصناعة عن ألماس آلروسا ملحوظ، وقد يشوه فكر مستهلكي الماس لسنوات مقبلة. وتقول: "كل العمل الذي أُنجز على مر السنين لتغيير سمعة الصناعة وإظهار تقدم ملموس في ألماس يدعم الخير قد يقوضه الصمت الحالي".

تحميل المزيد