ما هي الشركات العالمية الرابحة والخاسرة من استمرار الحرب الروسية الأوكرانية؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/03/17 الساعة 10:54 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/03/17 الساعة 10:59 بتوقيت غرينتش
تواجه شركات السيارات مثل بي إم دبليو الألمانية أزمات كبيرة في إمدادات التصنيع بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، تعبيرية/ رويترز

تكافح العديد من الشركات متعددة الجنسيات لاحتواء تداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا. كانت الاستجابة الأولى لأولئك الذين لديهم أعمال تجارية في روسيا هي الإسراع في الخروج، حيث أعلنت حوالي 400 شركة أجنبية انسحابها من روسيا، بسبب المخاطر القانونية المتعلقة بالسمعة، ويواجه معظم هذه الشركات الآن تحدياً مختلفاً أكبر، لا يتعلق بأعمالهم داخل روسيا فقط، ولكن بسلاسل التوريد التي تمتد آثارها إلى أبعد من ذلك. ومع استمرار الحرب المدمرة تخلق الأزمة رابحين وخاسرين بين العديد من الشركات العالمية.

الشركات العالمية أمام صدمة سلاسل التوريد التي فاقمتها الحرب الروسية الأوكرانية والعقوبات 

تقول مجلة Economist البريطانية، إنه يمكن لمعظم الشركات متعددة الجنسيات العيش من دون عملاء روس، لكن سيكون العيش بدون السلع الروسية أصعب بكثير، في 15 مارس/آذار 2022، أعلنت المفوضية الأوروبية قيوداً اقتصادية جديدة على روسيا، بما في ذلك فرض حظر على تصدير السلع الأوروبية الفاخرة والسيارات، وتضمّنت العقوبات أيضاً حظراً على منتجات الصلب من روسيا، وقد يأتي المزيد من هذه القيود على الصادرات الروسية، بحسب ما أعلنت المفوضية.

وتضيف المجلة أن هناك عاملين يجعلان من الصعب على الشركات التعامل مع صدمة سلاسل التوريد، الأول هو اتساع نطاق السلع التي تنتجها أوكرانيا وروسيا، حيث يوفر البَلَدان معاً 26% من صادرات العالم من القمح و16% من الذرة و30% من الشعير، وحوالي 80% من زيت عباد الشمس ودقيق بذور عباد الشمس. كما توفر أوكرانيا وحدها أكثر من نصف كمية غاز نيون المستخدم في صناعة الرقائق الإلكترونية الدقيقة (أشباه الموصلات). 

مخاوف من تفاقم أزمة القمح جراء استمرار الحرب الأوكرانية، تعبيرية/ رويترز

وتعد روسيا ثالث أكبر منتج للنفط في العالم، وثاني أكبر منتج للغاز، وأكبر مصدّر للنيكل، المُستخدم في بطاريات السيارات، والبلاديوم المستخدم في أنظمة عوادم السيارات، ناهيك عن أن روسيا مصدر كبير للألومنيوم والحديد. وحتى بدون عقوبات رسمية على معظم السلع الروسية يحاول التجار الغربيون بشكل متزايد تجنبها، حذراً من المخاطر القانونية.

تقلبات السوق تُنهك أيضاً بعض الشركات وتفيد أخرى

العامل الثاني المعقد هو التقلبات غير العادية للسوق، حيث ارتفع سعر خام برنت إلى 128 دولاراً للبرميل، في 8 من مارس/آذار، ثم انخفض إلى ما دون 100 دولار بعد أسبوع، حيث أعلنت الصين قيوداً جديدة لفيروس كوفيد -19، وشهدت أسعار الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي زيادة في 16 مارس/آذار. وأوقفت بورصة لندن للمعادن تداول النيكل، بعد أن تجاوز سعره مستوى قياسياً بلغ 100 ألف دولار للطن، وعند استئناف التداول في 16 مارس/آذار، دفعت مشكلة فنية البورصة إلى تعليق التداول مرة أخرى.

بشكل عام، تقول الإيكونومست إن سوق الأسهم الأمريكية عاد إلى ما كان عليه قبل الاجتياح الروسي لأوكرانيا، لكن تستفيد قلة من الصناعات من الاضطرابات هذه وتقلبات السوق، بدءاً من صانعي الأسلحة، إلى محطات الأخبار الكابلية، وشركات المحاماة، التي تجبر الشركات على الامتثال للعقوبات، وأكبر الرابحين بينها هي شركات السلع، خاصة خارج روسيا، بحسب بيانات الإيكونومست.

ارتفع مؤشر سوق الأسهم الأمريكية، التي تستفيد من ارتفاع أسعار النفط والطلب الأوروبي على الغاز الطبيعي المسال، بمقدار الخُمس في الفترة ما بين 23 فبراير/شباط إلى 10 مارس/آذار. ولا يزال أعلى بنسبة 9% من مستواه قبل الاجتياح، رغم انخفاض أسعار النفط. 

وبالمثل، فإن شركات التعدين على سبيل المثال تعمل بشكل جيد، مدعومة بأسعار المعادن المرتفعة، وكذلك صانعو الصلب خارج روسيا، حيث ارتفعت أسعار أسهم شركتي US Steel وTata Steel، متعددتَي الجنسيات، ومقرّاهما في بيتسبرغ الأمريكية ومومباي الهندية، على التوالي، بنسبة 38% و11% منذ بدء الاجتياح. لقد تفوق أداء Bunge وADM، وهما من كبار المتداولين المدرجين والمتخصصين في إعادة توجيه تدفقات الحبوب على السوق أيضاً.

الرابحون كثر ولكن الخاسرين أكثر

لكن لا تؤثر الحرب على جميع شركات السلع بالتساوي، حيث أعلنت شركة Rio Tinto، وهي شركة تعدين كبيرة متعددة الجنسيات، في 10 مارس/آذار، أنها ستتخلى عن مشروع مشترك مع شركة Rusal، منتج الألومنيوم الروسي العملاق. كما دفع الارتفاع الصاروخي في تكاليف الكهرباء الناتجة عن ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي، الذي تحصل أوروبا 40% منه من روسيا، بعض مصنّعي الصلب الإسبان لخفض الإنتاج.

كما قالت شركة يارا إنترناشونال، وهي شركة نرويجية ضخمة لصناعة الأسمدة، في 9 مارس/آذار، إن تكلفة الغاز الطبيعي دفعتها إلى خفض الإنتاج في مصنعين أوروبيين.

وبالمثل، تعرّضت شركات الطيران العالمية لأزمة شديدة، بسبب ارتفاع تكاليف الوقود، بعدما كانت تستعد لانتعاشة جديدة، مع تخفيف قيود السفر التي فرضتها جائحة كورونا. 

فيما تواجه شركات صناعة السيارات، التي لم تتعافَ بعدُ من الاضطرابات التي أحدثها الوباء في سلاسل التوريد، مشاكل جديدة. حيث خفضت شركتا فولكس فاجن، وبي إم دبليو، وهما العملاقان الألمانيان، الإنتاج في أوروبا، حيث تبحثان عن مصنّعين جدد للقطع التي تجمع أميالاً من الأسلاك الكهربائية في سياراتهم، لتحل محل المورّدين الأوكرانيين الذين توقفوا عن العمل. ويعتقد بنك مورغان ستانلي الأمريكي، أن القفزة بنسبة 67% في أسعار النيكل قبل توقف التداول تمثل زيادة بنحو 1000 دولار في تكاليف مدخلات السيارة الكهربائية الأمريكية المتوسطة.

تقول الإيكونومست إن سوق الأسهم الأمريكية عاد إلى ما كان عليه قبل الاجتياح الروسي لأوكرانيا، لكن تستفيد قلة من الصناعات من الاضطرابات وتقلبات السوق، تعبيرية/ رويترز

ويشير غابرييل أدلر، من بنك سيتي غروب، أحد أكبر المصارف في العالم، إلى أن شركات صناعة السيارات نجحت حتى الآن في نقل تكاليفها إلى المستهلكين. في الواقع، قامت شركة تسلا، نجمة السيارات الكهربائية الأمريكية، برفع الأسعار هذا الشهر. واشتكى رئيسها، إيلون ماسك، في تغريدة على تويتر من "ضغوط التضخم الكبيرة الأخيرة في المواد الخام والخدمات اللوجستية". وقد يعتقد البعض أن قوة التسعير لهذه الشركات شيء تحسد عليه، لكن في النهاية لها حدودها، وفي مرحلة ما لن يكون الناس على استعداد لاستيعاب الزيادات في أسعار السيارات والسلع وغيرها.

وفي بعض الحالات، بدأ المستهلكون في الرفض والامتناع عن الشراء، حيث ترفع شركات الأغذية الأمريكية أسعارها منذ شهور لتعويض ارتفاع تكاليف الطاقة والنقل والمكونات، ومع ذلك لم يتمكنوا من رفعها بالسرعة الكافية لحماية الهوامش، حيث إن الحاجة إلى التفاوض على الأسعار مع البقالين تحد من قدرتهم على طلب أسعار أعلى متى رغبوا في ذلك، ويتعرض بائعو البقالة بدورهم لضغوط من المتسوقين. 

يشير روبرت موسكو، من بنك Credit Suisse السويسري، إلى أن المستهلكين كانوا في العام الماضي على استعداد لتحمل الأطعمة ذات الأسعار المرتفعة، لكن تأثير الحرب الحالية على أسعار السلع يأتي في وقت ينفد فيه صبرهم، خاصة في أمريكا، حيث وصل التضخم إلى أعلى مستوياته في 40 عاماً.

شركات عالمية تبحث عن وجهات جديدة لنقل نشاطها التجاري من روسيا

ومع استمرار الحرب واشتداد العقوبات الغربية، بدأت شركات عالمية متضررة من الحرب الروسية الأوكرانية، نقل مقارّ عملها من روسيا إلى تركيا، باعتبارها "ملاذاً آمناً في المنطقة، وقاعدة مهمة للتجارة"، كما يقول تقرير منشور في وكالة الأناضول التركية.

منذ غزو بوتين لأوكرانيا ، أعلنت ما يقرب من 400 شركة غربية عن خطط لتعليق أو تقليص عملياتها في روسيا، تعبيرية/ رويترز

وعلى وجه الخصوص، ركزت الشركات الأمريكية التي تحتل المركز الثاني في استثمارات رأس المال الدولية، على إجراء زيارات عمل لتركيا من أجل معرفة إمكانات التعاون وتقييم الفرص الاستثمارية في البلاد.

ووفق الأناضول، فإن مجموعة من الشركات الأجنبية بدأت تحويل ثقلها الاستثماري من روسيا إلى تركيا، مع الأخذ بالحسبان وجود الفرص وأسعار الطاقة ورسوم النقل والقوى العاملة.

وفضّلت الشركات الرائدة في العالم، التي تدعم عقوبات العديد من الدول والمنظمات الدولية على روسيا، إيقاف أنشطتها هناك، والانسحاب من هذا السوق والبحث عن بدائل. وعقب إيقافها أنشطتها في روسيا، بدأت الشركات العالمية الباحثة عن بيئة آمنة ومستقرة، تنسيق عملياتها واستثماراتها الإقليمية من خلال مقارّ جديدة جرى افتتاحها في تركيا.

وخلال الفترة الماضية، برز الأمريكيون في مقدمة المستثمرين الدوليين الذين يولون اهتماماً لزيارة تركيا، ودراسة إمكاناتها الاستثمارية. وذلك تلبية لدعوة سفير واشنطن في أنقرة جيف فليك، نحو 5 آلاف شركة أمريكية كانت تستعد لمغادرة روسيا، للقدوم إلى تركيا، بحسب الأناضول.

وبعد الهجوم العسكري الروسي ضد أوكرانيا، أعلنت شركات أمريكية في مقدمتها فورد، وبوينغ، وجنرال موتورز، وإكسون موبيل، وفيديكس، ونايكي، وأديداس، وماكدونالدز، وكنتاكي، وستاربكس، وكوكا كولا، وبيبسيكو، وإيربنب، ونتفليكس، وفيزا، وماستر كارد، وأمريكان إكسبريس، وآبل، وغيرها انسحابها من الأسواق الروسية. فيما قامت مجموعة من هذه الشركات بإجراء تقييمات للفرص الاستثمارية في تركيا وعدد من دول المنطقة.

وفي وقت سابق، أعلنت عدّة شركات عالمية في مقدمتها "إيكيا" السويدية للأثاث، و"LLP" البولندية للملابس الجاهزة، و"Boehringer Ingelheim" الألمانية للأدوية، و"DW Reusables" البلجيكية للتغليف، خططاً لتحويل استثماراتها إلى تركيا، وذلك للتقليل من الأضرار التي لحقت بها خلال مرحلة جائحة كورونا.

تحميل المزيد