الأسوأ في أزمة القمح العالمية لم يأتِ بعد على ما يبدو، لأنه إذا استمرت الحرب الأوكرانية، فإن العالم قد يشهد تفاقماً لها.
وهدد التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا جزءاً كبيراً من إمدادات القمح العالمية وساهم في ارتفاع الأسعار ارتفاعاً هائلاً، ولكن إذا دخل الربيع والحرب مستمرة فإن الأمر قد يسوء، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Wall Street Journal الأمريكية.
أزمة القمح العالمية تثير مخاوف بشأن نقص الغذاء
كانت مخزونات القمح قد انخفضت بالفعل ووصلت الأسعار إلى أعلى مستوياتها منذ سنوات جراء عامين من الأوضاع العالمية السيئة على نحو متنامٍ، ثم أدَّى الغزو الروسي لأوكرانيا إلى تعطيل التجارة في البحر الأسود وتعريض ما يقرب من ثلث صادرات العالم للخطر.
وأثار هذا الغزو أيضاً مخاوف بشأن نقص الغذاء في الدول المعتمدة على واردات الحبوب ودفع الأسعار إلى مستويات مرتفعة جديدة.
وسجَّل القمح الأوروبي المطحون في باريس والعقود الآجلة للقمح الأمريكي الشتوي الأحمر الناعم الأكثر تداولاً أسعاراً قياسية في وقتٍ مبكر من الأسبوع، ثم انخفضت مُجدّداً.
أنهت العقود الآجلة للقمح في شيكاغو الأسبوع منخفضة بنسبة 8.5%، وهو أسوأ أداء أسبوعي منذ عام 2014 عندما تراجعت أسعار القمح بشدة بعد تسجيل ارتفاع كبير بسبب الجفاف. شهدت الأسواق المالية الفرنسية منحنى مماثلاً.
ومع ذلك، ارتفع السعر المرجعي الأمريكي للقمح، الذي يبلغ 11.07 دولار للبوشل (وحدة قياس القمح)، بنسبة 72% مقارنةً بالعام السابق، ويتوقع المحللون أن تحافظ الحرب على أسعار القمح مرتفعة. كان البنك التجاري الألماني "Commerzbank AG" قد رفع يوم الجمعة 11 مارس/آذار توقعاته للأسعار بنسبة 19% بالنسبة للعقود الآجلة في شيكاغو وبنسبة 14% تقريباً في باريس.
موانئ أوكرانيا مغلقة ولا أحد يريد شحن القمح الروسي
ويشير ارتفاع سعر القمح إلى مزيد من تضخم أسعار المواد الغذائية وإبطاء وتيرة الانتعاش الاقتصادي ما بعد الجائحة. وفقاً لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو)، سجّلت أسعار المواد الغذائية العالمية ارتفاعاً كبيراً في فبراير/شباط. ووفقاً لمكتب إحصاءات العمل، ارتفعت أسعار المواد الغذائية في الولايات المتحدة الأمريكية في فبراير/شباط بنسبة 7.9% عن العام السابق، وهو ما أدى إلى تآكل جزء كبير من القوة الشرائية للمستهلكين الأمريكيين.
لا يعرف المُحلّلون والتجار حتى الآن إلى أي مدى سوف تتأثر إمدادات القمح العالمية بسبب هذه الحرب، علماً بأنّ ما تبقى من محصول العام الماضي ظل بعيداً عن متناول السوق بسبب إغلاق الموانئ الأوكرانية وتردد شركات الشحن في دخول منطقة حرب لجلب القمح الروسي.
والمزارعون الأوكرانيون قد لا يحصدون محصولهم الشتوي
في الوقت نفسه، لم يتّضح بعد ما إذا كان المزارعون الأوكرانيون سيتسنى لهم حصاد القمح الشتوي المزروع في الخريف أو حتى زراعة محاصيل الربيع خلال الأسابيع المقبلة.
وإذا لم يتمكن الفلاحون الأوكرانيون من جني المحصول الشتوي أو زراعة المحصول الربيع، فلقد تتفاقم أزمة القمح العالمية بشكل كبير.
في هذا الصدد، قال ويل أوسناتو، أحد كبار المحللين لدى شركة "Gro Intelligence"، وهي شركة بيانات زراعية: "تعمل الموانئ الروسية بصورة طبيعية، لكن لا أحد لديه استعداد أن يدفع تكاليف التأمين الباهظة مقابل حجز الشحنات من هناك".
أما المزارعون الروس فيفضلون تخزينه بدلاً من بيعه
وتسبب إحجام المزارعين الروس عن بيع محصولهم في تفاقم أزمة القمح العالمية.
ولأنَّ القمح مُسعّر بالدولار الأمريكي، يستطيع المصدرون في روسيا، حيث انخفضت العملة بنحو 40% في عام 2022، الاسترشاد بما فعله مزارعو أمريكا الجنوبية الذين تحوطوا في السنوات الماضية من تخفيضات قيمة عملاتهم بالاحتفاظ بمحصول الحبوب.
قال ديف ويتكومب، رئيس الأبحاث في شركة "Peak Trading Research" السويسرية: "في ضباب الحرب. كل شيء مجهول".
وأثارت حالة عدم اليقين موجة من التكهنات أدَّت إلى تفاقم تقلبات الأسعار، فهناك من يحاول الاستفادة من أزمة القمح العالمية، إذ ضخ المستثمرون الكثير من السيولة النقدية في صندوق القمح المتداول في البورصة "Teucrium Wheat Fund"، ما أدى إلى نفاد الأسهم المعروضة للبيع يوم الإثنين 7 مارس/آذار. أصدر الصندوق المتداول في البورصة حوالي 16 مليون سهم جديد وسمح المنظمون الماليون الأمريكيون للصندوق يوم الأربعاء 9 مارس/آذار بإنشاء أسهم إضافية وبيعها.
تضخمت أصول الصندوق الخاضعة للإدارة إلى ما يقرب من 500 مليون دولار، بارتفاع من 86 مليون دولار قبل الهجوم الروسي على أوكرانيا، لكنها انخفضت بحلول نهاية الأسبوع إلى نحو 341 مليون دولار مع تراجع أسعار العقود الآجلة للقمح.
قال سال غيلبرتي، رئيس شركة "Teucrium Trading LLC" المسؤولة عن إدارة صندوق القمح: "تبدأ زراعة القمح في أوكرانيا وروسيا في غضون 6 أسابيع. إذا تعطّل ذلك، فهذا يعني انخفاضاً مستقبلياً في إمدادات القمح التي يعتمد عليها العالم".
الأمل منعقد على الهند وأستراليا
خفضت وزارة الزراعة الأمريكية، يوم الأربعاء، توقعاتها لصادرات القمح الروسي والأوكراني خلال العام التسويقي الحالي، الذي بدأ في يونيو/حزيران، بنسبة 12%. وقالت وزارة الزراعة الأمريكية في تقريرها إنّ بعض الإمدادات المفقودة سوف يُستعاض عنها بصادرات من أستراليا والهند، التي تزيد حجم شحنات القمح المصدرة إلى الخارج مع تحقيقها فائضاً كبيراً في المحصول.
وتتوقع وزارة الزراعة الأمريكية تزايداً طفيفاً في مساحات الأفدنة المزروعة بالقمح في الولايات المتحدة عن العام الماضي عندما تناقص عدد الأفدنة المزروعة بالقمح إلى أدنى مستوى له منذ أكثر من قرن. ولكن يُتوقع أيضاً انخفاض إنتاجية المحاصيل بسبب استمرار الجفاف في السهول الشمالية والغربية.
يقول محللون وتجار إنَّه بينما يمكن للمستهلكين الأمريكيين توقع المزيد من الصدمات عند زيارة متاجر البقالة، فإنَّ فقدان صادرات البحر الأسود يهدد بترك بعض الدول المعتمدة على الواردات غير قادرة على تلبية احتياجاتها من الحبوب.
إنها جريمة ضد الإنسانية
ألغت مصر، أكبر مستورد للقمح في العالم، مناقصة عالمية مؤخراً كانت قد طرحتها لاستيراد القمح بعد تلقيها عدداً محدوداً من العروض بأسعار مرتفعة.
أُطلق على أوكرانيا لقب "سلة خبز أوروبا"، وأصبحت دول الشرق الأوسط تعتمد إلى حد كبير على أوكرانيا.
وفقاً لوزارة الزراعة الأمريكية، كان الشرق الأوسط ثالث أكبر مشترٍ للقمح الأوكراني في عام السوق 2020-2021، وذهب أكثر من 40% من صادرات القمح الأوكرانية الأخيرة إلى الشرق الأوسط أو إفريقيا وحدها.
تعد مصر ولبنان وليبيا من بين أكبر مستوردي القمح من أوكرانيا في المنطقة، كما تعتمد دول مثل اليمن وسوريا على مشتريات برنامج الغذاء العالمي من القمح الأوكراني كمساعدات.
من جانبها، خفضت تركيا حجم الطلب وأعلنت تنزانيا مؤخراً أنَّ فاتورة استيراد القمح ارتفعت بنسبة 50% خلال فترة 12 شهراً حتى يناير/كانون الثاني، وذلك قبل أن يتسبّب الهجوم الروسي على أوكرانيا في اضطراب الأسواق.
وقال سال غيلبرتي: "سيعاني فقراء العالم جراء هذه الحرب. إنَّها جريمة ضد الإنسانية".