واجهت المبادرة التي تقدمت بها المستشارة الأممية ستيفاني وليامز، للفرقاء الليبيين، مواقف متباينة، رغم الدعم الدولي الغربي الذي حظيت به.
وتتلخص مبادرة ويليامز، في تشكيل مجلسي النواب والأعلى للدولة (نيابي استشاري) لجنة مشتركة من 12 عضواً، مناصفة بين المجلسين لإعداد قاعدة دستورية، خلال 14 يوماً ابتداءً من 15 مارس/آذار الجاري، ما يسمح بتنظيم انتخابات في أقرب وقت.
المبادرة لقيت ترحيباً من المجلس الأعلى للدولة، ومن حكومة الوحدة برئاسة الدبيبة، وحتى من حكومة فتحي باشاغا، ودول 3+2 (الولايات المتحدة، وفرنسا وبريطانيا+ ألمانيا وإيطاليا)، والاتحاد الأوروبي.
غير أن رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، لا يبدو متحمساً لمبادرة المستشارة الأممية، لتعارضها مع خارطة الطريق التي تضمنها التعديل الدستوري رقم 12، والتي تنص على تشكيل لجنة من 24 خبيراً، يمثلون الأقاليم الثلاثة، ويختارهم مجلسا النواب والدولة مناصفة.
حيث وقع 93 نائباً بياناً اعتبروا فيه مبادرة وليامز مساراً موازياً وغير مبرر.
بينما قالت المستشارة الأممية، عقب لقائها الإثنين الماضي، بعقيلة صالح، إنها اتفقت معه على أن "إجراء الانتخابات على أساس دستوري سليم أفضل طريق للمضي قدماً".
المبادرة والخارطة
بينما تنص خارطة الطريق، التي تبناها مجلس النواب وتخلَّى عنها مجلس الدولة تحت ضغط شعبي، على مرحلة انتقالية تمتد لـ14 شهراً، تشدد المستشارة الأممية على إجراء الانتخابات في أقرب وقت.
والمبادرة الأممية لا تعترف ضمنياً بحكومة مجلس النواب في طبرق، خاصة أنها لا تحظى بتوافق مع المجلس الأعلى للدولة، كما ينص الاتفاق السياسي، بل ترى الأمم المتحدة أن البلاد عادت إلى الانقسام بوجود حكومتين، والحل يتمثل في البحث عن توافق بين الطرفين للذهاب إلى انتخابات تُنهي التنازع على الشرعية.
وتمارس الدول الغربية ضغطاً على رئيس مجلس النواب في طبرق للقبول بالمبادرة الأممية، وجاء اتصال المبعوث الأمريكي إلى ليبيا السفير ريتشارد نورلاند، بعقيلة صالح، في هذا السياق.
حيث نشرت السفارة الأمريكية، على حسابها بتويتر، أن نورلاند، رحب "بالتزام رئيس مجلس النواب للانخراط مع جهود الأمم المتحدة للتوصل إلى اتفاق سريع على أساس دستوري".
كما تواصلت القائمة بالأعمال في السفارة البريطانية لدى ليبيا "كيت إنغليش"، وقالت- حسب بيان السفارة- إنها اتفقت مع عقيلة على أهمية "التعامل مع مبادرة المستشارة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة لتحديد الأساس الدستوري للانتخابات".
بينما تحدث بيان مجلس النواب الليبي عن تقديم صالح للقائمة بالأعمال البريطانية "شرحاً بشأن قانونية الإجراءات المتخذة من مجلسي النواب والدولة فيما يخص التعديل الدستوري الـ12 واختيار رئيس حكومة جديد".
وهذا البيان يكشف أن عقيلة صالح، ما زال متمسكاً بخارطة الطريق التي أقرها مجلس النواب، رغم تراجع مجلس الدولة عن دعمها، ولم يتحدث صالح عن دعم مبادرة وليامز.
استقطاب حاد
رغم أن الحرب الأوكرانية الروسية تطغى على الأحداث الدولية، إلا أن ذلك لم يمنع الأمين العام الأممي أنطونيو غوتيريش، من الاتصال بالدبيبة؛ ليعرب عن قلقه العميق إزاء "الاستقطاب السياسي الحاد" في البلاد، وتشديده على أهمية إجراء "حوار عاجل للخروج من المأزق الحالي".
كما اتصل نورلاند، بكل من الدبيبة وباشاغا، وحثَّهما على تجنب "التصعيد بالعنف".
فالوضع وصل إلى مرحلة خطيرة في ليبيا، بعد اعتقال قوات تابعة للدبيبة، كلاً من حافظ قدور، وصالحة التومي، العضوين بحكومة باشاغا بمدينة مصراتة (غرب)، أثناء توجههما براً لأداء القسم في طبرق (شرق).
ووصل الأمر إلى وقوع اشتباك محدود مع الحراسة التي كانت ترافقهما، والمشكلة من 57 آلية، بحسب قناة ليبيا الأحرار، نقلاً عن مصدر من قوة العمليات المشتركة، التي تصدَّت للرتل.
وضغطت البعثة الأممية لإطلاق سراحهما، واعتبرت في بيان أن "منع أي ليبي من ممارسة حقوقه السياسية، عمل مؤسف".
فتوقيف وزيرين في حكومة باشاغا، بالقوة، خاصة مع قرار الدبيبة بعدم السماح للأرتال العسكرية بالتحرك دون إذن مسبق، كاد يفجر شرارة مواجهات مسلحة بين الطرفين.
فباشاغا مُصرٌّ على أن تمارس حكومته مهامها من طرابلس، في الوقت الذي يهدد قرار الدبيبة بمنع تحرك الأرتال العسكرية إلى احتمال وقوع مواجهات مسلحة بين الطرفين.
فكتائب الغرب الليبي منقسمة بشكل حاد بين داعم للدبيبة أو تابع لباشاغا، إلا أن الجيش الليبي بقيادة محمد الحداد قائد الأركان، ما زال يعترف بشرعية الدبيبة، وكذلك الأمر بالنسبة لمحافظ المصرف المركزي الصديق الكبير، ورئيس مؤسسة النفط مصطفى صنع الله.
في حين لم يحضر حفل أداء قسم حكومة باشاغا، بطبرق، أعضاء المجلس الرئاسي، ولا رئيس المجلس الأعلى للدولة، ولا السلك الدبلوماسي المعتمد، ما يعني أنها لا تحظى لحد الآن بتوافق داخلي ولا باعتراف دولي.
وكانت روسيا الدولة الوحيدة التي أعلنت اعترافها بحكومة باشاغا، لكن ذلك أعطى انطباعاً أن الأخيرة تصطف مع موسكو ضد الدول الغربية في الحرب بأوكرانيا.
ولتفادي سوء التفاهم مع الدول الغربية، سارع باشاغا، لإدانة الهجوم الروسي على أوكرانيا.
ومبادرة ويليامز، بمثابة اعتراف أممي بأن خارطة الطريق التي اعتمدها مجلس النواب بطبرق، ليست توافقية ولا توصل البلاد إلى انتخابات في أقرب الآجال، ما يطرح تساؤلات حول شرعية حكومة باشاغا.
وهذا ما يفسر الانتقادات التي وجهت إلى وليامز من نواب وداعمين لحكومة باشاغا، والتي علَّقت عليها بالقول: "أتابع بأسف الحملات الإعلامية التي تستهدف الجهود الرامية لإنهاء حالة التشظِّي والانقسام في ليبيا، وتجديد شرعية المؤسسات عبر صناديق الاقتراع".
إذ إن إجراء الانتخابات البرلمانية في 30 يونيو/حزيران المقبل، كما يقترح الدبيبة، أمر صعب في ظل وجود حكومتين تتنازعان الشرعية؛ لذلك ألمح رئيس حكومة الوحدة إلى إمكانية إجرائها على مراحل كما اقترح عليه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، خلال لقائهما بقطر، في فبراير/شباط الماضي.
في حين أن المبادرة الأممية، المدعومة أمريكياً وأوروبياً، تسعى لوضع قاعدة دستورية، تسمح للمفوضية العليا للانتخابات بتنظيم الرئاسيات والبرلمانيات.
لكن تجارب سابقة أظهرت صعوبة التوافق بين مجلسي النواب والدولة أو الالتزام بما يتم التوافق بشأنه، ومع تشكيل حكومة موازية بطبرق أصبح الأمر أعقد.