لطالما كان الشتاء أحد أعظم حلفاء روسيا في حروبها التاريخية التي خاضتها مع الأوروبيين الذين حاولوا غزو أراضيها، لكن اليوم تشتد موجة البرد القطبية التي تضرب أوروبا الشرقية وأوكرانيا قوة وحدّة، ومع انخفاض إمدادات الوقود للجيش الروسي وتعرضها للهجمات بواسطة الطائرات المسيرة، تشير الاحتمالات إلى أن القوات الروسية يمكن أن تتجمد حرفياً حتى الموت في حرب الشوارع التي تخوضها داخل المدن الأوكرانية، وهو ما قد يؤدي إلى فشل العملية العسكرية الروسية برمتها.
"الجنرال شتاء".. كيف كان الشتاء أحد أعظم حلفاء روسيا في حروبها التاريخية ضد الغزاة الأوروبيين؟
على مر التاريخ، كان الشتاء حليفاً قوياً لروسيا وشعبها، حتى أطلق عليه لقب "الجنرال شتاء"، أو "General Frost" أو "General Winter"، حيث يُنسب للطقس القاسي البارد مساعدة روسيا في هزيمة الغزاة الأجانب منذ القرن الثامن عشر.
ولعب البرد وتدني درجات الحرارة دوراً مهماً في صد الغزو السويدي عام 1707، والغزو الفرنسي تحت قيادة نابليون عام 1812، وتدخل الحلفاء في روسيا بين عامي 1918-1919، وكذلك الغزو الألماني لروسيا عام 1941.
وكانت المرة الأولى التي ظهر فيها اسم "جنرال فروست" في عام 1812 في رسم كاريكاتوري ساخر بريطاني مخصص لحملة نابليون الروسية الكارثية. حيث كتب البريطانيون المبتهجون حينها: "الجنرال فروست يحلق لوني الصغير"، منذ ذلك الحين أصبح الاسم لحليف روسيا القوي منتشراً.
وكتب جنرالات نابليون في مذكراتهم أن الشتاء الروسي القاسي كان السبب الرئيسي لهزيمة الجيش الفرنسي الكبير في عام 1812، حيث ساعد الشتاء وبرودته القاسية الروس على سحق القوات الفرنسية وكسر جيش نابليون بشكل كبير. وتسبب الصقيع الشديد بخسائر فادحة في الجيش الكبير غير المؤهل في طريقه للخروج من روسيا. عاد فقط بضع عشرات الآلاف من الجنود من أصل 600 ألف جندي إلى ديارهم.
وفي رسالة وجهها إلى زوجته، الإمبراطورة ماري لويز، لخّص نابليون بونابرت أسباب هزيمته في روسيا قائلاً: "الشتاء كان كارثتنا، أصبحنا ضحايا الطقس الروسي".
قبل ذلك بنحو 100 عام، وتحديداً في عام 1708، خلال حرب الشمال الكبرى بين السويد وروسيا، أمضى جيش تشارلز الثاني عشر الشتاء في أوكرانيا، حيث ضربه هناك أبرد شتاء شهدته أوروبا منذ 500 عام. ولم يكن المحاربون الاسكندنافيون القاسيون غرباء عن البرد القاسي، لكن بالتأكيد لم يواجهوا مثل ذلك البرد.
وتقول المصادر التاريخية إن ما يقرب من نصف الجنود والخيول السويديين تجمدوا حتى الموت، وساعد هذا القيصر بطرس الأكبر بشكل كبير في معركة بولتافا الحاسمة، عندما تم سحق السويديين تماماً.
في عام 1941 كانت عملية بربروسا الألمانية ومحاولة غزو روسيا كارثة كبرى أيضاً، حيث وصل البرد القارس إلى -30 درجة مئوية، ودمر "الجنرال شتاء" حرفياً الجيش الألماني السادس المحاصر في معركة ستالينجراد، والتي كانت نقطة تحول في الحرب العالمية الثانية بأكملها.
الشتاء قد ينقلب على حلفائه التاريخيين الروس في أوكرانيا
من المعروف أن القوات الروسية تتدرب بانتظام في الطقس البارد وقد زادت موسكو من وجودها في القطب الشمالي في السنوات الأخيرة، لكن ماذا سيحدث إذا انقطعت الإمدادات عن عشرات آلاف الجنود في أوكرانيا في ظل تدني درجات الحرارة التي يمكن أن تصل إلى ما دون 20 تحت الصفر؟
تشير التقارير إلى أن الجنود الروس يسيرون في قافلة طويلة من الدبابات والعربات المدرعة التي يبلغ طولها أربعين ميلاً تتحرك نحو كييف منذ أيام، وقد يجد هؤلاء أنفسهم في "ثلاجات حديدية" تزن الواحدة منها عشرات الأطنان في الأيام القادمة، وهي بحاجة إلى أن تعمل محركاتها باستمرار.
ومع انخفاض إمدادات الوقود، يمكن أن تتجمد القوات الروسية حرفياً حتى الموت، حيث كان من المتوقع أن تؤدي موجة البرد الشديدة هذه إلى انخفاض درجات الحرارة إلى 20 تحت الصفر حول كييف وخاركيف، كما أن عامل الرياح الباردة ودرجات الحرارة يمكن أن يزيد الطقس سوءاً.
ويقول تقرير لصحيفة The Times البريطانية، الأربعاء 9 مارس/آذار 2022، إن توقعات الأرصاد الجوية تشير إلى أن هواء القطب الشمالي الذي يتحرك عبر روسيا وأوكرانيا على وشك الاجتماع مع رياح باردة آتية من الشرق.
لذلك من المتوقع أن تنخفض درجات الحرارة انخفاضاً حاداً بعدها لما يصل إلى 10 درجات مئوية تحت الصفر في مناطق كييف، ومدينة خاركيف في شمال أوكرانيا، كذلك حذرت التوقعات من أن برودة الرياح الشديدة قد تجعل درجة الشعور بالبرودة تصل إلى ما دون 20 درجة مئوية تحت الصفر.
ويزعم الخبراء أن هذا الانخفاض الحاد في درجات الحرارة قد يجعل الهجوم أشد مشقة على الروس، خاصة على أولئك العالقين في قافلة المركبات العسكرية الممتدة على مسافة 40 ميلاً (نحو 64 كيلومتراً) شمال العاصمة الأوكرانية.
يدافع "الجنرال شتاء" الآن عن أوكرانيا، ومن المتوقع أن تجعل الظروف الجليدية سير القافلة الروسية المتجهة نحو كييف أبطأ، والتي توقفت بالفعل لعدة أيام بسبب مشاكل ميكانيكية، ومشاكل في إمدادات الوقود، وضربات المقاومة الأوكرانية القوية، كما يشير تقرير لمجلة national interest الأمريكية.
وساهمت ضربات الطائرات المسيرة من طراز "بيرقدار" تركية الصنع، في استهداف القوافل العسكرية الأوكرانية بشكل كبير، وقد تصعب المهمة على الجيش الروسي في ظل موجة البرد هذه، حيث قال وزير الدفاع البريطاني "بين والاس" إن طائرات بيرقدار المسيّرة تساعد في إبطاء التقدم الروسي، وقد ألحقت بالمدفعية الروسية وخطوط الإمداد أضراراً كبيراً.
هل يُفشل الشتاء حرب بوتين على أوكرانيا ويدفع جنوده للاستسلام؟
من جانبه، يقول الرائد السابق بالجيش البريطاني كيفين برايس لصحيفة daily mail البريطانية، إن الدبابات الروسية لن تصبح الآن أكثر من "صناديق حديدية متجمدة بوزن 40 طناً"، متوقعاً أن "ظروف البرد القاسية هذه ستدمر الروح المعنوية للقوات الروسية غير المستعدة لأسلوب حرب القطب الشمالي مع نقص الإمدادات".
لكن جلين جرانت، الخبير العسكري البارز في مؤسسة الأمن البلطيقية، يرى أن الجنود الروس قد يفعلون ما فعله الغزاة السابقون لروسيا: الاستسلام.
وأضاف لمجلة newsweek الأمريكية أن "الدبابات هي عبارة خزانات معدنية وستتحول إلى ثلاجات في الليل إذا لم تشغل المحرك، لذا فإن الجنود لن ينتظروا حتى يحدث ذلك، سيخرجون، ويبدأون بالسير إلى الغابات، ويسلمون أنفسهم لتجنب التجمد حتى الموت".
من جهته، يشير الخبير العسكري بن باري، وهو عميد سابق وباحث بارز في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن، إلى أن برودة الطقس سيطال تأثيرها الأوكرانيين أيضاً؛ إذ قال لصحيفة The Times إن انخفاض درجات الحرارة "سيبطِّئ سريان الأمور، لكن هذا البطء ستلحق آثاره بالجانبين. ومن المتوقع أن تشتد المعاناة بسبب إصابات البرد، مثل قضمة الصقيع".
ولا يبدو أن القوات الروسية مستعدة لموجة البرد في أواخر الشتاء، ولكن على عكس ما حدث في عام 1812 أو 1941، تسمح التكنولوجيا الحديثة ببعض التنبؤات الجوية بعيدة المدى. وكانت هناك تقارير تفيد بأن موسكو انتظرت حتى نهاية الألعاب الأولمبية في بكين لشن الهجوم، لكن كان من المفترض أن يتوقع خبراء الأرصاد الروس أن الربيع لم يكن قاب قوسين أو أدنى.
نتيجة لذلك، تقول مجلة ناشونال إنترست، إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ارتكب الآن نفس الخطأ الذي ارتكبه الإمبراطور الفرنسي نابليون بونابرت وزعيم ألمانيا النازية أدولف هتلر، وافترض خطأً أن تحقيق نصر سريع كان في محله. وبدلاً من ذلك، فإن قواته- مثل جيش نابليون الكبير وفيرماخت هتلر- ستعاني من البرد القارس.
يستخدم بوتين التاريخ لتبرير أفعاله، بما في ذلك ادعاء أن أوكرانيا كانت دائماً جزءاً من روسيا، لكن من الواضح أنه تخطى الأجزاء المتعلقة بدور "الجنرال شتاء" في هزيمة أولئك الذين ساروا عبر أوكرانيا نحو موسكو.