حصار كييف قد يكون وشيكاً في ضوء تحرك قافلة عسكرية روسية ضخمة نحو العاصمة الأوكرانية، فيما يبدو أن مقاومة الأوكرانيين بدأت تخور، فهل يتكرر بالمدينة ما حدث في حلب السورية والفلوجة العراقية؟
تداولت شركة الأقمار الصناعية Maxar Technologies قبل أيام على الطريق المتجه جنوباً نحو العاصمة الأوكرانية كييف، صور لقافلة ضخمة من الآليات العسكرية الروسية- يُقدَّر طولها بـ40 ميلاً ويرافقها 15 ألف جندي، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.
في بعض الأماكن، يمكن رؤية ثلاث مركبات عسكرية جنباً إلى جنب، تقترب من إغلاق الطريق. يبدو أن الصور الأخرى للقافلة تشرح هدفها الحربي: صهاريج وقود وشاحنات تحمل الطعام والذخيرة والجنود.
في مكانٍ آخر، تظهر فقط أشكال قطع المدفعية وناقلات مصفحة من طراز BMP3 والدبابات الروسية الرئيسية. وفي بعض الأماكن يمكنك رؤية مسارات المركبات الروسية التي خرجت عن الطريق- ربما للاستكشاف ضد هجومٍ من الجوانب- يمكن رؤيتها في الجليد الجديد الذي يغطي الحقول.
تُدعَم مؤشرات الدخان الناتج عن احتراق المباني خارج الطريق ببيانات التصوير الحراري من خدمة تتبع الحرائق العالمية التابعة لوكالة ناسا، وهي تشير ربما إلى نيران صادرة من مركباتٍ في القافلة باتجاه المواقع الأوكرانية.
وفي بعض الصور التي نشرتها شركة Maxar Technologies يوم الإثنين، 28 فبراير/شباط، يبدو أن القوات وصلت إلى حيث ستتوقَّف، منتشرةً في معسكراتٍ خارج المدينة، بما في ذلك داخل وحول بلدة زدفيجيفكا، شمال كييف.
جُمِعَ كلُّ ذلك من أجل ما تعتقد وكالات الاستخبارات الغربية والمحللون أنه محاولة وشيكة لإغلاق الحصار العسكري الروسي لكييف وحصار المدينة في آخر محاولة لإسقاط الحكومة الأوكرانية وتنصيب نظام صديق للكرملين.
القافلة تتحرك بهدف حصار كييف دون عرقلة تذكر من الأوكرانيين
يدفع وجود القافلة إلى عدة استنتاجات كما تبدو الأمور. على الرغم من حجمها والطريقة التي أغلقت بها الطريق لأميال، يبدو أنها تعبر بدون مضايقاتٍ إلى حدٍّ كبير. ويشير هذا إلى أن القوات الجوية الأوكرانية لم تعد سليمة كما كانت من قبل لاستهداف القافلة وأن أوكرانيا لم تكن قادرةً على جلب طائراتٍ مسيَّرة لضربها.
ورد الثلاثاء الماضي أن قائد القافلة كان يمرُّ بالقرب من قاعدة هوستوميل الجوية المتنازع عليها بشدة على بعد 17 ميلاً شمال وسط مدينة كييف. هناك مخاوف من انتشار القافلة ضد منطقة أوبولونسكي وقرية هورينكا المجاورتين، والطرق الرئيسية التي تمر عبر أوبولونسكي باتجاه وسط المدينة.
وهناك قلقٌ متزايد وعاجل بين المسؤولين الغربيين من أن القوات الروسية تخطط لاستخدام تكتيكات الحصار ضد كييف، وقطع الإمدادات والطرق من وإلى الداخل، قبل دخولها.
سكان كييف يستعدون للدفاع عنها
بالفعل، في مواجهة خطر الحشد الذي لا يبعد سوى ساعة واحدة، قام بعض سكان كييف الذين لم يحاولوا المغادرة بحفر الخنادق وإقامة الحواجز لصدِّ الهجوم المُتوقَّع.
أثار كبار مسؤولي إدارة بايدن احتمال فرض حصار يؤدي إلى ارتفاع سريع في الخسائر المدنية. وقالت عضو الكونغرس فيكتوريا سبارتز، التي ولدت ونشأت في أوكرانيا: "من المحتمل أن تكون هناك خسارةٌ كبيرة في الأرواح".
ومع ظهور صورة لكيفية بدء هجوم بري روسي واسع النطاق على كييف، نقلت وكالتا تاس الروسية للأنباء ووكالة الإعلام الروسية عن وزارة الدفاع الروسية قولها إنها تخطط لضرب مقر جهاز الأمن الأوكراني ووحدة العمليات الخاصة، بزعم منع "الهجمات المعلوماتية" على روسيا. وحثت الوزارة الأشخاص القريبين من المواقع على مغادرة المناطق.
إذا استمرت تلك الضربات، فمن المحتمل أن يتبعها تصعيد للقصف بالمدفعية والصواريخ عبر المدينة قبل توغُّلٍ مُحتَمَلٍ للمدرَّعات.
بينما تحشد روسيا قوات على ثلاثة جوانب من كييف، في إشارة إلى المعركة المقبلة، قال الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، إن الدفاع عن العاصمة يمثل أولوية. وقال في رسالة فيديو نُشرت على تطبيق تليغرام: "إذا دافعنا عن كييف، فإننا ندافع عن البلاد. كييف هي قلب بلدنا، ويجب أن تنبض. وستقاتل من أجل الظفر بحياتها".
وأكد الجيش الأوكراني، أمس السبت، أن القوات الروسية تضيِّق الحصار على العاصمة الأوكرانية كييف ومدينة خاركيف شرقي البلاد.
ولا تزال القوات البرية الروسية متوقفة خارج كييف، لكنها تمكنت من إحراز تقدم كبير في خاركيف وماريوبول، بالإضافة إلى الاستيلاء على أكبر محطة للطاقة النووية في أوروبا، منشأة زابوريزهيا، يوم الجمعة. تحاول القوات الروسية أيضاً التحرك في أوديسا، وهي مدينة ساحلية أخرى في الجنوب الغربي.
حرب المدن الروسية تقوم على التدمير الواسع
يقول المحللون إن روسيا تعد الأرض حالياً في المدن الأوكرانية من خلال محاولة تدمير أكبر قدر ممكن من البنية التحتية عن طريق الجو من أجل تسهيل الهجوم البري.
يؤكد النهج الروسي لحرب المدن إلى حد كبير على تمهيد الأرض وتهيئتها للعمليات البرية على أن يبدأ هذا التدمير من الجو، حسبما قالت ريتا كوناييف، المديرة المساعدة للتحليل في مركز الأمن والتكنولوجيا الناشئة بجامعة جورج تاون الأمريكية.
وأضافت في تصريخ لموقع Vox الأمريكي: "إنه لكسر الروح المعنوية، وإلحاق ضرر كبير بالبنية التحتية للمدن، سيتسبب الحصار الروسي في مستويات عالية من النزوح من المدن"، مشيرة إلى أن الحملة الجوية الروسية جزء متكامل ومهم من الطريقة التي ترى بها روسيا الحرب".
بالإضافة إلى القصف المستمر، تحاول روسيا أيضاً قطع الموارد عن المدن الرئيسية، تعتمد المناطق الحضرية الأوكرانية على "نظام شبكة هش للغاية من المرافق الضرورية لإنقاذ الأرواح وضرورات الحياة. إذا أتلفت أحد الأنابيب، فقد يؤدي ذلك إلى إتلاف إمكانية الوصول إلى المياه أو التدفئة لآلاف الأشخاص" وبالتالي، فإن نوع الدمار الذي تطلقه روسيا يمكن أن يؤثر على الملايين مع استمرار الحرب.
الروس قد يكرِّرون ما فعلوه بحلب وغيرها من المدن السورية
الصراعات السابقة ترسم صورة مقلقة للوجهة التي يمكن أن تتجه فيها تكتيكات الحصار الروسية. على الرغم من أنه من غير الواضح إلى أي مدى قد تذهب روسيا في أوكرانيا، إلا أن النسخة الأكثر تطرفاً من هذه التكتيكات يمكن أن تؤدي إلى خسائر كبيرة في صفوف المدنيين.
قارن مسؤولون عسكريون بريطانيون، أمس الأحد، التكتيكات الروسية في أوكرانيا بتلك المستخدمة في الشيشان وسوريا، حيث قصفت المدن المحاصرة بضربات جوية ومدفعية بعد أن واجهت القوات الروسية مقاومة غير متوقعة.
قالت ريتا كوناييف: "في سوريا، كان الدور المهيمن لروسيا هو الحملة الجوية، ودمر القصف الجوي الروسي أجزاء من حلب ومدن سورية أخرى.
قال مصطفى القاسم، لاجئ سوري من حلب استقر في ألمانيا، للجزيرة: "لقد استخدموا كل ما في وسعهم في حلب، ولن أتفاجأ إذا بدأوا في استخدام نفس الطائرات والقنابل والصواريخ لاستهداف المدنيين في أوكرانيا ومنها كييف".
سوريا ليست الضحية الوحيدة لروسيا.
ففي حرب الشيشان الأولى، في عامي 1994 و1995، هاجمت القوات الروسية العاصمة الشيشانية، غروزني، وقامت بقصف جوي بالأرض قبل أن تنسحب في عام 1997. ثم في ديسمبر/كانون الأول 1999، عادت روسيا ودمرت ما تبقى، حتى تم القضاء على غروزني، لدرجة أن أعلنت الأمم المتحدة أنها المدينة الأكثر تدميراً على وجه الأرض.
في كل من سوريا والشيشان، طور الجيش الروسي التكتيكات المدمرة- وربما غير القانونية- التي بدأ استخدامها الآن في أوكرانيا.
"تم استهداف العمال بالمجال الصحي، وقصف المرافق الطبية. قصفت روسيا هذه المنشآت، حتى مع العلم أنها كانت مستشفيات"، حسبما قالت سحر محمدلي، مديرة منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وجنوب آسيا في مركز المدنيين في الصراع لموقع Vox".
وردت أنباء عن إصابة المستشفيات وسيارات الإسعاف في أوكرانيا أيضاً.
قالت ريتا كوناييف، إن الاستهداف المتعمد للمدنيين كان جزءاً من أسلوب الروس في سوريا، رأينا هذا في حمص، ورأينا ذلك في حلب، وحتى الأحياء تم قصفها، وكذلك الأسواق".
الآن، يمكن أن تواجه المدن الأوكرانية نفس النوع من الدمار.
ماذا سيحدث لكييف؟ الفلوجة تقدم الإجابة المريرة
اصطف المتطوعون يوم السبت للانضمام إلى الجيش في العاصمة الأوكرانية.
قد يلجأ الروس إلى حصار كييف، وإما تستسلم المدينة بما يعني سقوط النظام الأوكراني الحالي وتنصيب موسكو لنظام موالٍ لها أو قد تحاول حكومة كييف المقاومة، وكلاهما خيار مر.
يمكن أن تخبرنا مدن العراق ماذا سيحدث في حروب المدن.
كانت الفلوجة مدينة عراقية صغيرة يبلغ عدد سكانها 300 ألف نسمة. كان بها 39 ألف مبنى، كلها تقريباً خرسانية، مع بناء رديء من طابقين إلى ثلاثة طوابق.
قاومت الفلوجة قوات الغزو الأمريكي بشدة.. النتيجة أنه تم تدمير 18 ألف مبنى أو تعرضت لأضرار جسيمة في الهجوم الأمريكي لطرد المقاومين في نوفمبر/تشرين الثاني 2004، أي بنسبة 45% من إجمالي المباني .
كانت معركة الموصل بين القوات العراقية ومسلحي داعش في عام 2015 أكثر اتساعاً من حيث الحجم والأضرار.
الموصل، ثاني أكبر مدن العراق التي كان عدد سكانها قبل المعركة 1.5 مليون، دمرت حوالي 65% من مبانيها، فمن أصل 210 آلاف منزل، تضرر 138 ألف منزل أو دمرت. ولم يتبقى نظام صرف صحي ولا كهرباء ولا مياه صالحة للشرب.
في كييف، المدينة التي يبلغ عدد سكانها 3 ملايين نسمة، هناك تقديرات بأن المدينة تضم ما لا يقل عن 250 ألف مبنى تجاري وسكني.
ولكن هناك أمر قد يجعل المعركة أكثر شراسة، هو الدعم الغربي.
لم يكن لدى المقاومين العراقيين في الفلوجة ومقاتلي داعش في الموصل أسلحة كثيرة مضادة للدبابات. ومع قيام الناتو بتزويد المدافعين الأوكرانيين بالآلاف من الأسلحة المضادة للدروع، سيستخدم الروس قصفاً مدفعياً وجوياً مكثفاً قبل أن تحاول المدرعات والمشاة الراجلة التقدم من كتلة إلى أخرى.
وفي الفلوجة، أطلقت القوات الأمريكية 2500 طلقة دبابة رئيسية، بعد أن شنت 540 غارة جوية و14 ألف قذيفة مدفعية وهاون. ليس من غير المعقول أن نتوقع أن يطلق الروس عشرة أضعاف هذا العدد- أو 140 ألف قذيفة مدفعية- على مدينة أكبر بعشر مرات.
من المرجح أن يمتد حصار كييف إلى أكثر من شهر، ولكن غير معروف ما هو مدى تماسك المدافعين، وهل يستطيعون أن يحاربوا كما حدث في الفلوجة والموصل أم لا؟