الدماء التي اختلطت بالثلوج في شتاء 2022 على الأراضي الأوكرانية افتتحت تاريخاً جديداً لهذا العالم.
الغزو الروسي لم يكن "بروفة" حرب عالمية ثالثة، لكنه كان أكثر خطورة بكثير من الغزوات السوفييتية للمجر في عام 1956 وتشيكوسلوفاكيا في عام 1968.
والمعركة لم تقف عند حدود سوء الفهم بشأن الأمن والسيادة، بل كانت نزالاً لرسم ملامح النظام العالمي الجديد، وكالعادة يكتب المنتصرون ما يشاؤون في بنود الاتفاقيات، كما يفرضونها على كتب التاريخ.
وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا حذّر العالم من أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك: ستكون بداية حرب واسعة النطاق في أوكرانيا نهاية النظام العالمي كما نعرفه.
إذا لم تحصل روسيا على رد صارم وحاسم الآن، فإن هذا سيعني إفلاساً تاماً لنظام الأمن الدولي والمؤسسات الدولية المكلفة بالحفاظ على النظام الأمني العالمي، أو كما قال.
لكن ما قاله السيد كوليبا ليس جديداً.
ليس سراً أن بوتين يسعى إلى الإطاحة بالنظام العالمي الحالي، على الأقل في ما يتعلق بالبنية الأمنية لأوروبا.
وربما تكون الحرب في أوكرانيا مجرد ضربة البداية في سعيه لاستعادة بعض ألق ونفوذ روسيا السوفييتية.
لكنه أيضاً وبالضرورة ضربة بداية لنظام عالمي جديد، بعد أن انتهت صلاحية نظام ما بعد سقوط حائط برلين مطلع التسعينيات.
نظام يعترف بقوة روسيا العسكرية والسياسية، وبالصعود الصيني الاقتصادي والعسكري.
نظام لا يمنح أمريكا وأوروبا سوى ثُلث عجلة القيادة التي تتحكم في مصير الكوكب.
هل نحن فعلاً بصدد نظام دولي جديد كما يتوقع بعضهم؟ وهل هناك أفول للدور الأمريكي في النظام العالمي لمصلحة الصعود الصيني والروسي؟
هذا التقرير يحاول الإجابة عن هذه الأسئلة، عبر قسمين:
الأول: عن ملامح النظام العالمي الذي تقوده أمريكا منذ انهيار الاتحاد السوفييتي، وعوامل الضعف التي سمحت لقوى أخرى بالصعود والمقاومة والتحدي.
والثاني: عن أسباب ظهور النظام العالمي الذي تتشكل ملامحه الأولى عندما تصمت المدافع في أوكرانيا، والتغييرات المتوقعة في خريطة الصراعات والتحالفات بين قادة العالم.. بين الغرب والشرق في المربع رقم واحد من الصراع الأزلي، في طبعة جديدة من الحرب الباردة.. قد تكون أشد قسوة وبرودة من سابقتها.