عندما اجتاحت روسيا الحدود نحو أوكرانيا وضمت إليها شبه جزيرة القرم في عام 2014، وقع حلف الناتو في حيرة من أمره بسبب حملة موسكو العسكرية المفاجئة وغير التقليدية. ورغم تكرار الأمر ذاته الآن لكن على شكل اجتياح أوسع لأوكرانيا، فإن حلف شمال الأطلسي لم يُقدم على التدخل بشكل مباشر، وحرص على الاكتفاء بتقديم أسلحة دفاعية إلى الحكومة في كييف وفرض عقوبات على موسكو.
ويحاول الطرفان الآن على العمل بهدف معلن، هو تجنب تصعيد مسلح عابر للقارات، من شأنه أن يجعل العديد من أقوى القوات العسكرية في العالم تنخرط به، ولكن إذا كان لا يمكن تجنب الصراع، فمن الذي سيخسر إذا تواجه الناتو وروسيا في ساحة المعركة؟
من الأقوى الناتو أم روسيا؟
بعد أن وصلت التوترات إلى نقطة الغليان في شرق أوروبا بعد الاجتياح الروسي لأوكرانيا، تم منح القادة العسكريين لحلف شمال الأطلسي "الناتو" سلطة نشر القوات "حيثما دعت الحاجة" عقب الإجراءات الروسية الأخيرة، وطمأن الرئيس الأمريكي جو بايدن وزعماء الناتو الآخرون حلفاءهم في شرق أوروبا بأنهم لن يكونوا وحدهم إذا واجهوا تهديدات أمنية من روسيا.
وأعلن حلف الناتو بُعيد الاجتياح الروسي لأوكرانيا إرسال مزيد من القوات إلى شرق أوروبا، كما أعلن ينس ستولتنبرغ الأمين العام للحلف السبت، 26 فبراير/شباط 2022 أنه تم اتخاذ قرار بتفعيل قوة الرد السريع كإجراء دفاعي رداً على الهجوم الروسي على أوكرانيا.
وعُزّزت قوّة المهام الخاصة المشتركة التابعة للحلف من أمريكا وبريطانيا وأصبحت تضم نحو 40 ألف جندي، تحسباً لأي احتمال. وفي وقت لاحق، قال ستولتنبرغ إن الحلف سيرد إذا حدث هجوم على أي دولة حليفة مثل بولندا أو دول البلطيق. لكن كيف يمكن المقارنة بين قوات حلف الناتو وروسيا؟
ما حجم قوة حلف الناتو؟
يتمثل المبدأ الأساسي لتحالف الناتو العسكري الدولي في نظام الدفاع الجماعي، بمعنى أنه إذا تعرضت أي دولة عضو لهجوم من قِبَل طرف ثالث، فيجب على كل دولة عضو التدخل للدفاع عنها.
لحسن الحظ بالنسبة لدول عضو بالحلف مثل الجبل الأسود، التي تنفق 67 مليون جنيه إسترليني فقط سنوياً على الدفاع، هناك بعض الضاربين العسكريين الكبار في التحالف، الذين يمكن لهم الإنفاق بشكل ضخم والدفاع عنها وعن باقي دول الحلف، كما يقول تقرير لمجلة the week البريطانية.
وتنفق الولايات المتحدة على الدفاع أكثر من ضعف ما تنفقه بقية دول الناتو مجتمعة، مع إنفاق 2021 يقدر بنحو 705 مليارات دولار، وفقاً لوزارة الدفاع الأمريكية.
إلى جانب كونها أكبر مُنفق على الدفاع في العالم، تمتلك الولايات المتحدة ترسانة أسلحة قوية وكمية هائلة من القوى العاملة (1.3) مليون جندي نشط، مع 865000 جندي احتياطي آخر، حسبما ذكرت صحيفة نيويورك تايمز في تقرير لها عام 2017.
من جانبها، تأتي بريطانيا في المرتبة الثانية بالنسبة لإجمالي الإنفاق في الناتو، بما يقرب من 50 مليار جنيه إسترليني في الدفاع سنوياً مقارنة بـ 45 مليار جنيه إسترليني في ألمانيا، و42 مليار جنيه إسترليني في فرنسا، و20 مليار جنيه إسترليني لإيطاليا.
على الأرض، يمكن لدول البلطيق (ليتوانيا وإستونيا ولاتفيا) المشاركة بحوالي 20500 جندي نشط، و80.000 جندي احتياطي و247 مركبة قتال مشاة وحوالي 300 قطعة مدفعية من جميع الأقطار. وفي البحر، تمتلك دول البلطيق الثلاث قوة مجمعة من 14 سفينة، بينما ليس لديها أسطول طائرات كبير وتعتمد على الناتو للدفاع الجوي.
ويمكن للدول الإسكندنافية (الدنمارك والنرويج وفنلندا والسويد – وهي ليست عضواً في الناتو) نشر حوالي 72000 جندي نشط، و380.000 جندي احتياطي و 415 دبابة و783 مركبة قتال مشاة وحوالي 1730 قطعة مدفعية من كل الأقطار. ويمكن للدول الإسكندنافية أن تستخدم أيضاً 55 سفينة حربية مختلفة الأحجام و11 غواصة.
وفي الجو، تبلغ القوة المشتركة للإسكندنافيين حوالي 250 طائرة حربية، بما في ذلك JAS 39 Gripen (السويد) وF-16 (النرويج والدنمارك) وF-35 (النرويج والدنمارك) وF-18 Hornet (فنلندا).
في الوقت نفسه، تمتلك دول الاتحاد الأوروبي نحو 6700 دبابة، و48971 عربة قتال مصفحة، و5804 مدافع و1069 نظام إطلاق صاروخي متعدد.
وبالطبع، هذه الأرقام ليست شاملة ولا تأخذ في الحسبان فريق عمل الناتو المنتشر في المنطقة أو القوات المسلحة البولندية أو أي تشكيلات أمريكية في ألمانيا وشرق أوروبا.
ما حجم قوة الجيش الروسي؟
لا يمكن الاستهانة بالقدرة العسكرية الروسية، التي تعتبر من بين أقوى القوى في العالم. ووفقاً لموقع globalfirepower، يمتلك الجيش الروسي ما يقرب من مليون فرد في الخدمة الفعلية وحوالي مليوني جندي احتياطي. وخلال الحرب الباردة، كان لدى الجيش الروسي ما يتراوح بين ثلاثة وأربعة ملايين جندي، على أن القوات الروسية في وقتنا الحالي باتت تشكل مصدر قلق خطيراً.
والجيش الروسي الذي ينفق سنوياً على ميزانيته الدفاعية 62 مليار دولار بحسب موقع forces، يمتلك أيضاً أكثر من 4000 طائرة و1500 طائرة مروحية. كما أن روسيا لديها 13 ألف دبابة و27 ألف عربة قتال مدرعة وحوالي 6 آلاف مدفع ذاتي الحركة في المدفعية، بالإضافة إلى 336 صاروخاً باليستياً عابراً للقارات.
وفي حين أن القوة التقليدية للجيش الروسي قد لا تكون بحجم قوته في الحرب الباردة، فهو يحرص على تحديث وصيانة أجزاء من أسلحته ومنظوماته الآلية. على سبيل المثال، طوَّر الجيش الروسي الدبابة الروسية T-72 مرات عديدة منذ ابتكارها لأول مرة في السبعينيات.
وفيما يتعلق بالقوة البحرية، يقدر موقع Globalfirepower أن البحرية الروسية تملك 600 سفينة، تضم حاملة طائرات و15 مدمرة و63 غواصة. ويعد البحر الأسود منطقة ذات أهمية استراتيجية لروسيا من حيث الاعتبارات الاقتصادية والجيوسياسية حيث يضمن وصول موسكو إلى البحر المتوسط.
لكن الصحفي والمحلل العسكري الروسي بافيل فيلجنهاور قال لشبكة دويتشه فيله الألمانية، إن موسكو أضعف من الناتو في بعض مجالات التكنولوجيا العسكرية الحديثة، بما في ذلك قدرات الطائرات بدون طيار والمكونات الإلكترونية والرادار واستطلاع الأقمار الصناعية.
قال فيلجنهاور: "هذا ما يتحدث عنه الجيش الروسي: نعم، لدينا أسلحة، بما في ذلك أسلحة بعيدة المدى، لكن قدراتنا الاستطلاعية أضعف من قدراتنا الهجومية". لذلك لدينا أسلحة طويلة المدى، وأحياناً موجهة بدقة، لكننا لا نعرف دائماً مكان الهدف"، حسب تعبيره.
روسيا أم الناتو.. من سينتصر إذا حدثت المواجهة في أوروبا؟
يقول بحث نشره المعهد الملكي للخدمات المتحدة (RUSI) في عام 2019 إن القوات البريطانية "ستتفوق بشكل شامل في أي صراع مع روسيا في أوروبا الشرقية".
لكن البحث يقول إن الجيش البريطاني وحلفاءه في الناتو يعانون من "نقص" في المدفعية والذخيرة مقارنة مع روسيا، مما يعني أنهم سيكافحون من أجل الحفاظ على موقع دفاعي موثوق ومتقدم، إذا كانت روسيا ستختار العدوان الشامل.
ولكن المملكة المتحدة لن تحتاج إلى الوقوف بمفردها ضد روسيا، ويقول المحلل العسكري الروسي ألكسندر غولتس لدويتشه فيله، إن أكبر لاعب في الناتو، الولايات المتحدة، لديها ميزة ساحقة على روسيا في القوات التقليدية.
وفي عام 2018، قام مركز HSC للأبحاث في بريطانيا بتقييم قال فيه، إنه في حالة الوقوع حرب البرية بين الناتو وروسيا، يمكن لموسكو "الانخراط في ضربات تقليدية موجهة بدقة باستخدام صواريخ كروز والباليستية ضد أهداف عسكرية واقتصادية وسياسية حساسية في جميع أنحاء أوروبا، بما في ذلك المملكة المتحدة، وربما تحاول روسيا إغراق السفن التي تجلب القوات والدبابات من الولايات المتحدة، وقد يتصاعد الصراع أيضاً في منطقة القطب الشمالي، حيث يتمتع الناتو بميزة بحرية كبيرة.
وبينما وافق فيلجنهاور على المميزات العسكرية للولايات المتحدة، فقد حذر من أن الحرب المفتوحة غالباً ما تنخفض إلى ما هو أكثر بكثير من المخزونات التي يمكن لكل طرف من أطراف الصراع أن يستدعيها. وقال لـ DW إن الأمر يشبه التنبؤ بنتيجة مباراة في كرة القدم، مضيفاً: "نعم، أساساً، يجب على البرازيل أن تهزم أمريكا في كرة القدم، لكني رأيت الأمريكيين يهزمون البرازيل في جنوب إفريقيا في كأس القارات. أنت لا تعرف النتيجة أبداً حتى تُلعب المباراة".
خلال الحرب الباردة كان ينظر للحجم الهائل للقوات السوفييتية، باعتباره يمثل خطراً هائلاً وأن غزو روسيا لأوروبا أمر يصعب وقفه إلا بالأسلحة النووية، وبعد نهاية الحرب الباردة، تراجعت هذه النظرة مع تردي حال الجيش الروسي، حتى إن ألمانيا باعت أعداداً كبيرة من دباباتها الشهيرة من طراز ليوبارد التي كانت معدة للتصدي لاحتمال حدوث سيناريو غزو روسيا لأوروبا.
ولكن اليوم وبعد غزو روسيا لأوكرانيا، عاد الخطر ليلحّ على صانعي القرار في أوروبا وفي الولايات المتحدة، فالجمع بين الحجم الكبير والأسلحة المتقدمة والتكنولوجيا الجديدة سينتج عنه تهديد أشد خطراً.. فهل يكون الناتو مستعداً للمواجهة القادمة؟