كان التعهد بعدم انضمام أوكرانيا لحلف الناتو المطلب الذي اشترطه روسيا في بداية الأزمة الأوكرانية التي وصلت لذورتها اليوم الخميس بهجومها على أوكرانيا، فما هي طبيعة علاقة أوكرانيا والناتو حالياً، وهل يستحق حلم اللحاق بالناتو كل هذا العناء، وهل كان سيحميها من الغزو الروسي؟
وتعود علاقة أوكرانيا والناتو إلى أوائل التسعينيات، وقد تطورت منذ ذلك الحين لتصبح واحدة من أهم شراكات الناتو، ومنذ عام 2014، في أعقاب النزاع الروسي الأوكراني، تم تكثيف التعاون في المجالات الحرجة، حسب موقع الناتو.
في قمة بوخارست في أبريل/نيسان 2008، وافق الناتو على أن أوكرانيا وجورجيا "سيصبحان عضوين"، دون وضع خطط للعضوية أو تحديد متى ستتم والظروف التي سيحدث فيها ذلك، ولكن قرر الناتو أنه لن يعرض عضوية جورجيا وأوكرانيا في ذلك الوقت.
ومع ذلك، قال الأمين العام للناتو في ذلك الوقت ياب دي هوب شيفر إن جورجيا وأوكرانيا ستصبحان في النهاية عضوين. وبحسب ما ورد قوبلت الدعوة إلى انضمام أوكرانيا للناتو بالمقاومة من فرنسا وألمانيا.
مرت أكثر ثلاثة عشر عاماً على قمة بوخارست، لكن أوكرانيا وجورجيا ما زالتا تنتظران.
مؤخراً، وقع الناتو وكييف خطاب نوايا في فبراير/شباط للتعاون بين قوات العمليات الخاصة. بعد شهرين، قال السفير الأمريكي ونائب الأمين العام الحالي لحلف الناتو ألكسندر فيرشبو إن الوقت قد حان لجعل الجيش الأوكراني "متوافقاً مع معايير الناتو". بالكاد بعد أسبوع واحد، استبعد سفير الولايات المتحدة لدى الناتو توسع الناتو "للسنوات العديدة القادمة".
يبدو أن الدول الرئيسية في الناتو مثل أمريكا وفرنسا وألمانيا، هي التي ترفض انضمام أوكرانيا للناتو.
وفقاً لاستطلاعات الرأي الأخيرة، يؤيد 69% من الأوكرانيين انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي، بينما أبدى 57% استعدادهم للانضمام إلى الناتو.
شراكات وتحالفات الناتو
منذ تأسيسه، أدى قبول الدول الأعضاء الجديدة إلى زيادة عدد أعضاء حلف الناتو من 12 دولة إلى 30 دولة. وكانت آخر دولة عضو تمت إضافتها إلى الناتو هي مقدونيا الشمالية في 27 مارس/أذار 2020.
ويعترف الناتو حالياً بالبوسنة والهرسك وجورجيا وأوكرانيا كأعضاء طموحين.
وفيما يتعلق بالدول الشريكة، فقد وقع حلف شمال الأطلسي على مدار العقود والسنوات الماضية اتفاقيات شراكات مع نحو 40 دولة حول العالم، وهي تندرج تحت 4 اتفاقيات رئيسية: دول شركاء سلام، ودول الحوار المتوسطي، ودول مبادرة إسطنبول للتعاون، وأخيراً اتفاقية الشركاء الدوليين.
وتمتد شراكات الناتو من وسط وشرق أوروبا إلى مناطق بعيدة مثل منطقة آسيا والمحيط الهادئ، حيث تقيم الدول الشريكة علاقات فردية مع الناتو، تغطي جوانب مختلفة من التعاون العملي والعسكري. ويساهم العديد من الشركاء الأربعين في العمليات والمهام التي يقودها الناتو في مناطقهم، فيما يعمل العديد منهم على الانضمام إلى الحلف.
ولكن إلى جانب الشراكة يوجد مهم من أشكال التحالف مع الولايات المتحدة وليس الناتو، هو وضع تسميه التشريعات الأمريكية وضع "حليف رئيسي من خارج الحلف" الذي أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن مؤخراً أنه ينوي أن يمنحه لقطر خلال استقباله أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني في البيت الأبيض نهاية الشهر الماضي.
وهناك حالياً 18 دولة حاصلة على وضع "حليف رئيسي من خارج الحلف"، منها دول خليجية كالكويت والبحرين التي تستضيف الأسطول الخامس الأمريكي، ودول عربية أخرى مثل مصر والأردن وتونس والمغرب، ولكن أوكرانيا ليست ضمن هذا التصنيف.
ويعطي هذا التصنيف، مزايا تفضيلية للحصول على المعدات والتكنولوجيا العسكرية الأمريكية، بما في ذلك المواد الفائضة المجانية والتعامل مع الصادرات بشكل عاجل وإعطاء الأولوية للتعاون في التدريب.
وفي حين أن هذا الوضع لا يشمل تلقائياً اتفاقية دفاع مشترك مع الولايات المتحدة، إلا أنه يمنح مجموعة متنوعة من المزايا العسكرية والمالية، التي لا يمكن الحصول عليها من قبل الدول غير الأعضاء في الناتو.
علاقة أوكرانيا والناتو
كانت علاقة أوكرانيا والناتو وأوروبا مثيرة للجدل سياسياً، وكان تعزيز هذه العلاقات أحد أهداف احتجاجات "الميدان الأوروبي" التي شهدت الإطاحة بالرئيس الأوكراني الموالي لروسيا فيكتور يانوكوفيتش في عام 2014.
وأوكرانيا هي واحدة من ثماني دول في أوروبا الشرقية لديها خطة عمل الشراكة الفردية التي بدأت عام 2002، وهي خطة مفتوحة للدول التي لديها الإرادة السياسية والقدرة على تعميق علاقتها مع الناتو.
منذ قمة الناتو في وارسو في يوليو 2016 ، تم تحديد الدعم العملي لحلف الناتو لأوكرانيا في حزمة المساعدة الشاملة (CAP) لأوكرانيا.
في يونيو/حزيران 2017 ، اعتمد البرلمان الأوكراني تشريعاً يعتبر العضوية في الناتو هدفاً استراتيجياً للسياسة الخارجية والأمنية للبلاد، وفي عام 2019 ، دخل تعديل مماثل على دستور أوكرانيا حيز التنفيذ.
في سبتمبر/أيلول 2020، وافق الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي على استراتيجية الأمن القومي الجديدة لأوكرانيا، والتي تنص على تطوير شراكة مميزة مع الناتو بهدف العضوية في الناتو.
في قمة بروكسل في يونيو 2021 ، كرر قادة الناتو القرار المتخذ في قمة بوخارست 2008 بأن تصبح أوكرانيا عضوًا في التحالف مع خطة عمل العضوية (MAP) كجزء لا يتجزأ من العملية وحق أوكرانيا في تقرير مستقبلها. والسياسة الخارجية بالطبع دون تدخل خارجي.
ويصف موقع الناتو، أوكرانيا بأنها مفتاح الأمن الأوروبي الأطلسي. واحدة من أهم شركاء الناتو.
ما الفرق بين العضو في الناتو والشريك له؟
الفرق الجوهري بين عضوية الناتو والشراكة معه أن الأعضاء، يتمتعون بمزايا عديدة، أبرزها هو ما تنص المادة الخامسة من المعاهدة على أنه في حالة حدوث هجوم مسلح ضد واحدة من الدول الأعضاء ينبغي أن يكون أمناً مشتركاً، ويجب أن يساعد الأعضاء الآخرون العضو المعتدى عليه، بالقوات المسلحة إن لزم الأمر. بالتالي فإن المبدأ التقليدي الأساسي لحلف الناتو هو "الدفاع الجماعي"، يعني أن الهجوم على عضو أو أكثر يعتبر هجوماً على جميع الأعضاء.
ومع الوضع في الاعتبار أن الدولة القائدة في الناتو وهي الولايات المتحدة هي أكبر قوة نووية في العالم (مع روسيا)، إضافة لوجود قوتين نوويتين آخرتين بالحلف، هما فرنسا وبريطانيا، فهذا نظرياً يوفر حماية هائلة لأي دولة عضو بالناتو حتى لو دولة صغيرة كدول البلطيق أمام دولة كبيرة حتى لو كانت روسيا.
كما أن العضوية تعني إنخراطاً واسعاً في المنظومة العسكرية والأمنية للناتو، والتي يفترض أن أرقى منظومة عسكرية في العالم.
هل يستطيع الناتو الدفاع عن أوكرانيا؟
بينما يأسف حلف شمال الأطلسي لسلوك التنمر الروسي ضد جيرانه، لا أحد من أعضائه مستعد للمخاطرة بمواجهة عسكرية مع روسيا بسبب أوكرانيا أو جورجيا.
أصبح من الواضح خلال الحرب القصيرة التي شنتها روسيا في جورجيا في أغسطس/آب 2008 أنه حتى الولايات المتحدة في ذروة قوتها بعد الحرب الباردة لم تكن مستعدة للمخاطرة بحرب مع روسيا.
وعندما هاجمت روسيا إقليم الدونباس في أوكرانيا وضمت شبه جزيرة القرم في عام 2014، كان الناتو قلقاً بشأن النوايا الروسية تجاه أعضاء الحلفاء أكثر من اهتمامه بحالة كييف المزرية.
ويرى تقرير للمجلس الأطلسي "Atlantic Council" إن عضوية الناتو في حد ذاتها لن تردع روسيا.
إذ لا يمتلك الناتو أي قدرة تقريباً على الدفاع عن أوكرانيا، حسبما ورد في تقرير لوكالة Reuters.
وكشفت مناورات حربية أجريت قبل سنوات أن الناتو سيخسر حرباً تقليدية في دول البلطيق لصالح روسيا في غضون 36 إلى 60 ساعة، ومن الصعب تخيل أي شيء بخلاف نتيجة مماثلة في أوكرانيا.
كما أن إحدى إشكاليات عضوية أوكرانيا في الناتو سجلها السئ في الفوضى السياسة والفساد، إضافة إلى أنها بلد أرضه محتلة من قبل موسكو، كما أنه كان هناك مخاوف من رد فعل روسيا في حال إطلاق مرحلة الإعداد للإنضمام كييف للناتو، حيث يمكن أن تبادر بهجوم استباقي قبل استكمال إجراءات العضوية (وهذا ما حدث إلى حد ما الآن).
وفي كل الأحوال، من الصعب تخيل أن الولايات المتحدة الأمريكية سوف تدخل في حرب نووية من أجل أوكرانيا، وعلى الأرجح لن تفعل حتى ذلك لغير أوكرانيا من أعضاء الناتو في أوروبا الشرقية، وكثيراً ما شكت دول أوروبا الشرقية من أنها تعامل كأعضاء درجة ثانية في الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو.
تجربة تركيا المريرة تقدم الإجابة
لم تحدث سوى وقائع قليلة التي تعرضت فيها دولة عضو بالناتو لهجوم عسكري من دولة أخرى بحيث يمكن اختبار مدى فاعلية مواثيق الناتو الدفاعية.
من هذه الحالات القليلة، تعرض جزر فوكلاند التي كانت خاضعة لسلطة بريطانيا لهجوم من الأرجنتين في ثمانينات القرن العشرين، وفي ذلك الوقت دعمت الولايات المتحدة بريطانيا إلى حد كبير، ولكن بشكل غير سافر، بينما نُظر للموقف الفرنسي من قبل لندن أنه سلبي خاصة أن باريس زودت الأرجنتين قبل الحرب بالأسلحة منها طائرات ميراج وصواريخ إكسوسيست، التي استهدفت السفن البريطانية، في كل الأحوال المملكة المتحدة دولة عظمى وتمكنت من خوض الحرب وهزيمة بوينس أيريس رغم بعد المسافة.
ولكن هناك تجربة أخرى لتركيا أظهرت تخاذل الناتو، في دعم أعضائه رغم أنه لا يتم التركيز عليها عادة.
فبينما شجعت دول الناتو الرئيسية في مقدمتها بريطانيا وفرنسا تركيا على دعم المعارضة السورية في ثورتها ضد نظام الرئيس السوري الأسد، فإن الغرب تركها وحدها، عندما أرسلت روسيا قواتها إلى سوريا للقضاء على المعارضة وإنقاذ النظام، وحدث توتر كبير في ذلك الوقت بين أنقرة وموسكو.
بل إنه في وقت كانت الطائرات الروسية تخترق الأجواء التركية إنطلاقاً من سوريا، سحبت دول الناتو الكبرى صواريخ باتريوت من تركيا (ورفضت إدارة أوباما قبل ذلك بيعها لأنقرة)، وهي الأزمة التي وصلت لذروتها بإسقاط تركيا طائرة روسية اخترقت أجواءها، في نوفمبر/تشرين الثاني 2015، مما أدى إلى مشكلة كبيرة بين البلدين تم تداركها.
وكانت نتيجة لذلك أن بدأت تركيا تتقارب مع روسيا، وأصبحت شريكاً لها في مسار أستانة الرامي لمعالجة الأزمة السورية.
في المقابل فإن العديد من الدول الأوروبية، دخلت في سجال مع تركيا وفرضت عليها حظراً لتصدير السلاح عندما تدخل الجيش التركي لتقليل الهيمنة الكردية على مناطق شمال شرق سوريا ذات الغالبية العربية وحماية أراضي البلاد من تسلل عناصر حزب العمال الكردساني المصنف إرهابياً في معظم في الولايات المتحدة ودول أوروبا.
وتجاهلت هذه الدول أنه يفترض أن على الناتو أن يحمي حدود أعضائه، أي يجب أن تقف دول الحلف مع تركيا ضد التهديد الذي يمثله المسلحون الأكراد الذين هم فرع من حزب العمال الكردستاني، إضافة إلى اضطهادهم للأغلبية العربية في شمال شرق سوريا، فضلا عن تحالف حزب العمال وأكراد سوريا مع نظام الأسد وعلاقة الحزب التاريخية بروسيا ومن قبلها الاتحاد السوفيتي عدو الناتو التاريخي.
وفي حرب إدلب بشمال سوريا مطلع عام 2020، قُتل عدد من الجنود الأتراك على يد الجيش السوري، مما أدى إلى عملية عسكرية واسعة حاربت فيها أنقرة جيش الأسد الذي كان يتحرك بتوجيه من الجيش الروسي.
وخاض الجيش التركي المعركة دون غطاء جوي بسبب افتقاده لنظام دفاع جوي ملائم جراء تقاعس الغرب عن تزويد أنقرة بأنظمة مضادة للطائرات، فلجأت تركيا لاستخدام الدبابات والمدفعية والطائرات المسيرة، الأمر الذي أدى إلى إلحاق خسائر فادحة بجيش الأسد.
وبينما كانت المقاتلات الروسية تحلق في سماء المعركة لتوجيه قوات الأسد ضد تركيا، كان حلف الناتو يكتفي بدعم أنقرة بأغنية (مثلما دعمت ألمانيا أوكرانيا بالخوذ).
بالنسبة لأوكرانيا، فإن علاقتها بالناتو قد تكون قد ساعدت في تحسين قوتها العسكرية بعد الحالة المزرية التي ظهر عليها جيشها عام في أزمة 2014.
ولكن في المقابل، يبدو أن ترشحها المزمن للناتو، دون حسم، كان وبالاً عليها، ولقد أصبحت هذه العضوية، بعد الغزو الروسي على الأرجح أبعد من أي وقت مضى.