كانت الإمارات ولعقدين من الزمان محط أنظار المستثمرين ورجال الأعمال عبر العالم، نظراً للتسهيلات التي تقدمها الدولة الخليجية الثرية وخاصة إمارة دبي التي يمكن أن يطلق عليها العاصمة الاقتصادية، ولكن في الآونة الأخير لجأت الإمارات إلى فرض بعض القرارات الاقتصادية والتي قد تحرمها بعض الامتيازات خاصة في ظل الانفتاح الذي تعيشه السعودية.
وتنذر خطة الإمارات تطبيق ضريبة خاصة بالشركات بتبديد إحدى مزايا البلد للشركات الأجنبية، في وقت تمر خلاله السعودية بمرحلة انفتاح وتحث الشركات متعددة الجنسيات على نقل مقراتها الإقليمية إلى أراضيها.
وفي حين تربط الإمارات نفسها أكثر بالاقتصاد العالمي، تستغل السعودية مكانتها كأكبر مصدر للنفط في العالم وأكبر اقتصاد عربي لجذب رؤوس الأموال، ومنحت الشركات حتى 2024 لإنشاء مقرات إقليمية في الرياض أو المخاطرة بخسارة عقود مربحة.
الضرائب على الشركات
وسيبدأ تطبيق ضريبة على أرباح الشركات في الإمارات بنسبة 9% بدءاً من منتصف 2023، وهي تقل عن الضريبة السعودية على الشركات الأجنبية والبالغ نسبتها 20%. لكن خبراء الضرائب قالوا إن الشركات الكبيرة متعددة الجنسيات ستدفع على الأرجح 15% وفقاً لاتفاق لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بشأن الحد الأدنى العالمي للضريبة والذي وقعت عليه الإمارات.
وقالت تاتيانا رحمونوفا خبيرة إدارة الضرائب في شركة بي دبليو سي الشرق الأوسط للمحاسبة والاستشارات خلال عرض تقديمي هذا الشهر: "سيكون هناك معدل مختلف للمنظمات متعددة الجنسيات. نتوقع أن يكون 15%".
وتتعامل الإمارات، المركز التجاري الإقليمي ومكان جذب أثرياء العالم، مع ضريبة الشركات والتمويل غير القانوني على نحو أكثر جدية، لكنها لا تزال تحتفظ بالجانب الأكبر من نظامها المعفى من الضرائب بما في ذلك داخل المناطق الحرة.
كما تفرض السعودية ضريبة على الدخل بنسبة 20% على غير المقيمين ممن يمارسون نشاطاً داخل المملكة، في حين لا تفرض الإمارات أي ضريبة مماثلة، ورفعت السعودية ضريبة القيمة المضافة إلى 15% مقابل 5% في الإمارات.
لكن الحوافز الأخرى التي يقدمها البلدان الخليجيان لجذب الشركات والمهارات الأجنبية عامل مهم أيضاً.
وتقل ميزة الإمارات في مواجهة الفرص التي يوفرها الانفتاح في السعودية التي يسعى ولي عهدها إلى تنويع اقتصادها لتقليل الاعتماد على عائدات النفط ومنافسة الإمارات كمركز إقليمي للتجارة واللوجستيات والسياحة عبر مشروعات ضخمة طموحة.
نهضة السعودية
قال أليكس نيكولز من أسترولابس، التي تقدم استشارات للشركات بشأن فتح مكاتب في السعودية، إن الفارق الضريبي بين البلدين الخليجيين سيكون عاملاً أقل أهمية للشركات الأجنبية مقارنة بما ينتظر العقود مستقبلاً من الحكومة السعودية.
وأضاف: "منذ العام الماضي أبلغ معظم عملائنا الذين لهم عملاء في السعودية بأنهم لن يتمكنوا من مواصلة العمل ما لم يكن لديهم شركة تجارية مسجلة في السعودية".
وحتى العام الماضي، منحت السعودية تراخيص إلى 44 شركة عالمية لتأسيس مقرات إقليمية في الرياض. وقالت الهيئة الملكية لمدينة الرياض في العام الماضي إنها رصدت سبعة آلاف شركة عالمية تريد استهدافها.
وقال شان شين الشريك المؤسس لشركة شروق بارتنرز الاستثمارية التي تتخذ من أبوظبي مقراً لرويترز إن الشركات الناشئة تتطلع على نحو متزايد إلى السعودية للحصول على تمويل ودعم حكومي ومهارات وبنية تحتية وحصة في السوق.
وأضاف: "ما إن تؤسس مكاناً لك في السعودية وتحصل على رخصة من الهيئة العامة للاستثمار سيمكنك الاستفادة من المساعدة الحكومية بسبل شتى".
المحرك الأول
تعوِّل الإمارات على بقائها كمحرك أول مع تطويرها لاقتصاد قائم على مؤهلات الانفتاح للعمل ونمط حياة ملائم للمغتربين، عبر التحرك في اتجاهات قد يستغرق الأمر وقتاً قبل أن تحذو السعودية المتحفظة حذوها.
وفي الشهر الماضي غيرت الإمارات العطلة الأسبوعية لتصبح الأحد بدلاً من الجمعة بهدف الاقتراب أكثر من الأسواق العالمية. كما أجرت إصلاحات لقواعدها التنظيمية.
وتحسباً لتبعات الضريبة الجديدة قالت دبي إنها ستخفض الرسوم الحكومية على الأنشطة التجارية، في خطوة تقول مصادر تجارية إن بعض الإمارات الأخرى قد تقلدها.
وقالت الإمارات إنها ستوفر حوافز ضريبية في أكثر من 40 منطقة حرة للشركات التي ليس لها نشاط خارج تلك المناطق.
وتعتزم السعودية تقديم حوافز للمناطق الأكثر تخصصاً التي تركز على القطاعات ذات الأولوية، وستوسع الحوافز للمدن الاقتصادية القائمة التي تحظى بإعفاء من رسوم الاستيراد وملكية الأرض والعقارات والضرائب.
احتدت المنافسة بين السعودية والإمارات خلال الفترة الماضية، في جذب استثمارات الشركات الأجنبية وبخاصة التي تملك مقراً إقليمياً في منطقة الشرق الأوسط.
وتسعى المملكة، أكبر اقتصاد في المنطقة وأكبر مصدّر للنفط في العالم، لإعادة تنشيط خطتها الاقتصادية لرؤية 2030 الهادفة لتنويع اقتصادها المعتمد على النفط.
ويأمل ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، إلى تحفيز فرص الاستثمار في المملكة لتصل 6 تريليونات دولار على مدى العقد المقبل، نصفها يمثل مشاريع جديدة.
وقفزت السعودية 30 مركزاً منذ 2019 إلى المرتبة 62 بين 190 اقتصاداً في العالم، في تقرير ممارسة أنشطة الأعمال لعام 2020، بينما احتلت الإمارات المرتبة الـ16 (الأولى عربياً)، وفق البنك الدولي.
وتسعى الإمارات إلى تسريع وتيرة دفعها لبناء قطاع التكنولوجيا لديها والابتعاد عن الصناعات المتباطئة مثل العقارات والبناء.
وتسيطر الإمارات على التجارة الإقليمية، إضافة إلى مكانة دبي كمعقل لجميع الشركات متعددة الجنسيات الكبيرة تقريباً التي لها وجود في المنطقة.
وبلغت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر للسعودية في عام 2020 نحو 4.7 مليارات دولار، بينما بلغت تدفقات إمارة دبي وحدها لنفس المؤشر 6.7 مليارات دولار.
هل ستفقد دبي مكانتها؟
حلّت السعودية من بين الدول العشر الأكثر تحسناً في تقرير "ممارسة أنشطة الأعمال الصادر عن البنك الدولي لعام 2020″، بعد أن يسرت البلاد من عملية إنشاء الشركات والحصول على التصاريح والطاقة والقروض، وشددت ضمانات إنفاذ العقود. وعلى الرغم من أن الإمارات تأتي في المرتبة 16 في التقرير، وفي صدارة دول المنطقة، فإن الفجوة أخذت تضيق شيئاً فشيئاً.
ويذهب ستيفن هيرتوغ، الخبير في الشؤون الخليجية والأستاذ بكلية لندن للاقتصاد، إلى أنه "من المؤكد أن هناك قلقاً حيال انفتاح السعودية في دبي. ومع ذلك فأنا لا أعتقد أن دبي ستفقد مكانتها كمركز رئيسي للأعمال في المنطقة في أي وقت قريب، وذلك بالنظر إلى تقدمها الكبير".
لكنه استدرك، ليضيف: "ومع ذلك، فمن المرجح أن تنتقل على الأقل الأعمال التي تركز على السعودية، إلى السعودية، بعد أن تصبح الحياة الاجتماعية والظروف البيروقراطية أحسن وضعاً هناك".
هذا ما حدث مع المؤسس السعودي لشركة غولدن سنت، مالك شهاب. فقد سبق أن حاول شهاب هو وفروهليش في عام 2014 تأسيسَ شركتهما في المملكة التي لطالما رأيا أنها تمثل سوقهما المحلي. ولكن كان من الصعب العثور على مستثمرين سعوديين، وكانت السعودية في ذلك الوقت تفرض قيوداً مشددة على الاستثمار الأجنبي. ومع ذلك، فإن شهاب يقول إن هذه القواعد تغيرت الآن، ومن ثم كان من المنطقي العودة إلى الوطن.
وقد أسهمت التدابير الاجتماعية في هذا التحول أيضاً، إذ يستعد شهاب لنقل عائلته من دبي إلى الرياض.
فوز متبادل للطرفين؟
في وقت مبكر، نظر ولي العهد محمد بن سلمان إلى دبي على أنها مدينة مبنية على خلفية نقاط الضعف الموجودة في السعودية، فهي توفر موطناً للشركات السعودية المدفوعة إلى الخارج. ومن ثم تخيل مشروعه المستقبلي "نيوم"، وهي مدينة تبلغ تكلفة إنشائها 500 مليار دولار ويجري بناؤها من الصفر، لتصبح مركزاً عالمياً أكبر من دبي.
ومع ذلك، رفض ولي العهد السعودي في مقابلة أُجريت معه في عام 2017 الحديثَ عن تنافس بين البلدين. وقال: "لا أعتقد أن هونغ كونغ أضرت بسنغافورة، أو أن سنغافورة أضرت بهونغ كونغ. بل يخلق البلدان طلباً جيداً وإقبالاً على بعضهما".
يقول عدد من المسؤولين التنفيذيين إن صعودَ سعودية جديدةٍ، والأسواق الجديدة التي ستفتحها، يمكن أن يعزز في النهاية الدول الصغيرة المنتشرة على طول ساحلها في الخليج. وهذا هو الخط الذي اتخذه مسؤولو دبي، فقد اعتبروا التحول السعودي بمثابة فوز متبادل لكلا البلدين.
ويقول فادي غندور، الرئيس التنفيذي لشركة "ومضة كابيتال" الشرق الأوسط ومقرها دبي، إن "هذه ليست قصة إما هذا وإما ذاك، وإنما هي قصة تمازج. فدولة الإمارات والمملكة العربية السعودية شريكان متكاملان".