"حصان طروادة للغزو الروسي المحتمل"، يبدو أن متمردي إقليم الدونباس بشرق أوكرانيا يصعدون إلى صدارة الأزمة بعد الحديث عن الاشتباكات بالإقليم، مما قد ينذر بأنهم يتحولون إلى ذريعة روسية لغزو أوكرانيا أو التحرش بها على الأقل.
ولمحت روسيا مؤخراً لأول مرة إلى احتمالية اندلاع حرب، واتهمت موسكو "كييف" بممارسة التصعيد قرب الحدود الأوكرانية، قائلةً إن الوضع "قد يشتعل في أي لحظة"، وذلك بعد أن اتهمت وسائل إعلام روسية، القوات الأوكرانية بفتح النار على أراضي لوغانسك الانفصالية المؤيدة لروسيا مستخدمةً قذائف الهاون، فيما نفت أوكرانيا ذلك، حيث قالت: "على الرغم من تعرض مواقعنا لإطلاق نار بأسلحة محظورة، منها مدفعية عيار 122 ملليمتراً، فإننا لم تفتح النار رداً على ذلك".
البرلمان الروسي يصوت للاعتراف باستقلال الدونباس
وصوّت مجلس النواب الروسي "الدوما"، الثلاثاء الماضي، لصالح مشروع يهدف للاعتراف باستقلال منطقتي دونيتسك ولوهانسك المشكِّلتين لإقليم الدونباس عن أوكرانيا.
وتقليدياً لا تميل الحكومة الروسية إلى إظهار نيتها الاعتراف باستقلال الدونباس الذي يعد تمهيداً في الأغلب لضمها إلى روسيا مثلما حدث مع القرم.
واختلف العديد من الانفصاليين مع الكرملين. من جانبهم، يشعر السكان الأوسع بالإهمال من قبل كييف وموسكو، حسبما ورد في تقرير لمجموعة الأزمات الدولية Crisis Group.
وتشدد روسيا على أهمية اتفاقية مينسك التي وقّعت عليها أوكرانيا وروسيا والتي تضمن التنفيذ الصارم للوقف الفوري والشامل لإطلاق النار في مناطق معينة من منطقتي دونيتسك ولوغانسك في أوكرانيا، إضافة إلى سحب الأسلحة الثقيلة، لكنها تعترف بسلطة أوكرانيا على الدولتين مع منحهما وضعاً قانونياً خاصاً يحمي مصالحهما الأمنية والسياسية الأساسية.
ولكن اللافت أن المتحدث الصحفي باسم الرئاسة الروسية ديمتري بيسكوف، رداً على سؤال حول ما إذا كان الكرملين يوافق على أن الاعتراف باستقلال جمهوريتي لوغانسك ودونيتسك سيكون انتهاكاً لاتفاقيات مينسك: "بالطبع، الاعتراف لا يرتبط باتفاقيات مينسك، هذا صحيح".
كما أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أكد خلال لقائه مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشار الألماني أولاف شولتز، أهمية تنفيذ اتفاقيات مينسك التي تنص على فيدرالية أوكرانيا وتمنح وضعاً خاصاً للجمهوريتين الانفصاليتين، وهو بند تفسره موسكو بأنه يعطي الإقليمين حق الفيتو على السياسات الأساسية لكييف، وضمنها السياسة الخارجية بما قد يفضي في النهاية إلى منع أوكرانيا من الانضمام للناتو.
ولكن بعد ذلك بدأ بوتين يصعّد خطاباً يتهم فيه أوكرانيا بممارسة جرائم إبادة جماعية تجاه سكان إقليم الدونباس الذين يتحدثون اللغة الروسية وحصل كثير منهم على الجنسية الروسية، إضافة إلى هجومه على الممارسات الأوكرانية التي يعتبرها بوتين تمييزية بحق المتحدثين بالروسية في مجمل أوكرانيا.
يشير كل ذلك إلى أن سيد الكرملين يحتمل أنه قرر أن ذريعة الغزو الروسي لأوكرانيا أو على الأقل حصان طروادة الروسي، سيكون متمردي إقليم الدونباس سواء عبر اجتياح أوكرانيا بدعوى حمايتهم أو الإعلان عن ضم الإقليم إلى روسيا أو استخدامهم لتنفيذ عمليات عسكرية ضد أوكرانيا (مع دمج قوات روسية خاصة معهم)، بدلاً من عملية عسكرية روسية واسعة ضد كييف.
ولكن في السيناريوهات الثلاثة يبدو متمردو الدونباس هم بيدق بوتين.
فما المعلومات المتوافرة عن متمردي إقليم الدونباس الأوكراني الموالين لروسيا، وكيف نشأ هذا التمرد وطبيعة علاقته ببوتين والجيش الروسي
تاريخ إقليم الدونباس المعقد.. سكانه الأوائل كانوا من الأتراك!
تشير تقديرات إلى أن الروس يمثلون نحو 17% من سكان أوكرانيا البالغ عددهم أكثر من 40 مليوناً، وزعمت موسكو أن من واجبها حماية هؤلاء الأشخاص كذريعة لأفعالها في أوكرانيا، كما يُعتقد أنه في عام 2001 كان نحو 30% من السكان يتكلمون الروسية، كلغة أولى.
وبصفة عامة تنتشر الروسية في جنوبي وشرقي البلاد وبصورة أقل في الشمال الشرقي، فيما تسود الأوكرانية بوسط وغربي البلاد، ويترجم هذا إلى رغبة الأقاليم الوسطى والغربية بأوكرانيا في الانضمام للاتحاد الأوروبي، بينما تميل الأقاليم الشرقية والجنوبية لروسيا.
ويطلق مصطلح إقليم الدونباس على مقاطعتي دونيتسك ولوهانسك بشرق أوكرانيا، كما أن هناك منطقة متاخمة يطلق عليها دونباس الروسية.
وكانت منطقة الدونباس مأهولة منذ قرون، من قبل عدد من القبائل البدوية التركية مثل البلغار، وأخيراً المغول، والتتار وتتار الناغويا قبل أن يتم غزوها من قبل روسيا القيصرية.
في نهاية القرن الثامن عشر هاجر العديد من الأوكرانيين والروس والصرب واليونانيين للمنطقة، في إطار محاولة روسيا تعمير هذه المناطق بعد إضعافها وقضائها على خانيات التتار المسلمين.
وأطلقت روسيا القيصرية على هذه الأراضي المحتلة حديثاً اسم "روسيا الجديدة"، وبدأ استغلال موارد الفحم الهائلة بالمنطقة في منتصف أواخر القرن التاسع عشر.
في هذه المرحلة، بدأ استخدام اسم Donbas، المشتق من مصطلح "فحم حوض نهر الدونس"، وأدى صعود صناعة الفحم لازدهار سكاني في المنطقة، مدفوعاً إلى حد كبير، من قبل المستوطنين الروس.
وعلى مدار العقود التالية هاجر الروس إلى المنطقة التي تعتبر جزءاً من أوكرانيا متاخماً لروسيا، للعمل في هذه الصناعات المزدهرة، وأصبح الروس يمثلون أغلبية سكان المدن، بينما يمثل الأوكرانيون أغلب سكان الريف، بينما الأوكرانيون الذين يهاجرون للمدن فيتحولون للثقافة الروسية ويندمجون مع الروس مع حدوث زيجات مشتركة (الشعبان أصلاً متقاربان لغوياً ودينياً وثقافياً).
وازدادت كثافة الوجود الروسي مع المذابح والمجاعات التي تأثر بها الأوكرانيون أكثر من الروس خلال الحرب الأهلية الروسية التي أعقبت تأسيس الاتحاد السوفييتي ثم في العهد الستاليني، إضافة إلى سياسات الترويس في عهد الزعيم السوفييتي جوزيف ستالين (توقفت في عهد نيكيتا خروشوف).
ونتيجة لكل ذلك فلقد أصبح أغلب سكان المنطقة يتحدثون الروسية رغم أن الأغلبية في الإقليم من الأوكرانيين، (مع وجود نسبة كبيرة من الروس)، وطوّر السكان في الإقليم المتاخم لروسيا هوية سوفييتية يمكن وصفها بروسية أوكرانية مشتركة، خاصةً أنه كان هناك إقليم مجاور لهم يسمى دونباس الروسية.
النتيجة أنه وفقاً لتعداد عام 2001، يشكل الأوكرانيون 58% من سكان مقاطعة لوهانسك و56.9% ومقاطعة دونيتسك، بينما يشكل الروس العرقيون أكبر أقلية، حيث يمثلون 39% و38.2% من سكان المنطقتين على التوالي.
ولكن اللغة السائدة هي الروسية، فوفقاً لتعداد عام 2001، اللغة الروسية هي اللغة الرئيسية لـ74.9% من سكان دونيتسك، و68.8% في لوهانسك، أي إن نسبة المتحدثين الأصليين للروسية أعلى من نسبة الروس، لأن بعض الأوكرانيين والإثنيات الأخرى يستخدمون اللغة الروسية باعتبارها لغتهم الأم.
بعد أن أيد سكان الإقليم استقلال أوكرانيا عن الاتحاد السوفييتي، انعقد في أكتوبر/تشرين الأول 1991، مؤتمر لنواب الجنوب الشرقي من جميع مستويات الحكومة في دونيتسك، حيث طالب المندوبون بالفيدرالية.
بعد استقلال أوكرانيا عن الاتحاد السوفييتي عانت المنطقة من الفساد والإهمال وتراجع الصناعات السوفييتية الطابع، لاسيما استخراج الفحم بالمنطقة التي كانت تعد قلب المنطقة الصناعية الشرقية لأوكرانيا.
كما استفز السكانَ السياسات القومية المتشددة ضد روسيا والتقارب مع الغرب الذي دفعت به المناطق الوسطى والغربية، وتجاهل أصواتهم في هذه الأمور، وبطبيعة الحال كان الدور الروسي جاهزاً لتحريضهم، إلى أن جاءت القشة التي قصمت ظهر البعير.
ولكن يعتقد أن أغلب سكان الإقليم يرفضون الانفصال عن أوكرانيا، ففي استقصاءين أجريا في دونباس عامي 2016 و2019، كشفا أن غالبية الذين تجاوبوا مع الاستطلاع في المناطق التي لا تسيطر عليها الحكومة الأوكرانية، يفضلون أن يكونوا جزءاً من الدولة الأوكرانية، حسب تقرير لموقع The Conversation الذي يتخذ من أستراليا مقراً له.
إليك ما نعرفه عن متمردي الدونباس وعلاقتهم بروسيا
يعيش نحو 4 ملايين في الجزء الانفصالي من إقليم الدونباس الأوكراني والذي يشمل أجزاء من مقاطعتي دونيتسك، ولوهانسك بشرق أوكرانيا.
ويُعتقد أنه في حين أن غالبية متمردي إقليم الدونباس وُلدوا في أوكرانيا، إلا أن هناك أعداداً كبيرة من الروس بينهم. كما وزعت روسيا جوازات سفر لمئات الآلاف في المناطق التي يسيطر عليها المتمردون.
وتم تأسيس التشكيلات العسكرية التابعة للمناطق الانفصالية الموالية لروسيا، من فصيلين أساسيين، هما ميليشيا دونباس الشعبية التي أسسها بافيل جوباريف، الذي تم انتخابه "حاكم الشعب" في مقاطعة دونيتسك، وميليشيا لوهانسك الشعبية التي شُكلت بعد فترة وجيزة في مقاطعة لوهانسك.
واندلع الصراع الانفصالي في أبريل/نيسان 2014. بعد أسابيع قليلة من ضم روسيا شبه جزيرة القرم الأوكرانية بعد الإطاحة بالرئيس الأوكراني الموالي لموسكو فيكتور يانوكوفيتش من قبل انتفاضة شعبية في العاصمة كييف، وهو ما أثار الغضب في المناطق التي كانت تمثل قاعدة يانوكوفتيش الانتخابية في شرق وجنوب وشمال شرقي أوكرانيا ذات الغالبية المتحدثة باللغة روسية.
ورأى بعض متمردي الدونباس بهذه المناطق ثورة الميدان في كييف التي وقعت في أوائل عام 2014 على أنها انتفاضة قومية متطرفة، تقودها الجماعات شبه العسكرية اليمينية المتطرفة مثل اليمين الأوكراني المناهض للاتحاد السوفييتي الذين اعتبروه سلفاً لليمينيين الذين تعاونوا مع النازيين في الحرب العالمية الثانية.
واستولى المتمردون المسلحون في المنطقة الشرقية المدعومون من روسيا على المباني الحكومية، وأعلنوا ما سمّوه "جمهوريتين شعبيتين" في منطقتي دونيتسك ولوهانسك، وتحرك الجيش الأوكراني والكتائب المتطوعون لإخماد الاضطرابات.
واندمجت مليشيات جمهورية دونيتسك الشعبية وجمهورية لوهانسك الشعبية في 16 سبتمبر/أيلول 2014، لتشكيل "القوات المسلحة المتحدة لنوفوروسيا".
وأدت أعمال العنف في شرق أوكرانيا بين القوات الانفصالية المدعومة من روسيا والجيش الأوكراني، إلى وفاة ما يتراوح بين 10 آلاف و24 ألفاً منذ 2014، حسب تقديرات متباينة.
على الرغم من أن موسكو نفت تورطها، فقد أبلغت أوكرانيا وحلف شمال الأطلسي عن تعزيز القوات والجيش الروسي المعدات بالقرب من دونيتسك والقصف الروسي عبر الحدود.
حلم العالم الروسي يحرك الكرملين والمتمردين
الخط الرسمي لموسكو غامض بشأن متمردي إقليم الدونباس، كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد أشار من قبل إلى المتمردين باسم "ميليشيا روسيا الجديدة"، مستخدماً الاسم المستخدم في عهد قياصرة روسيا لجنوب أوكرانيا.
ولكن الدعم لمتمردي الدونباس داخل روسيا كان مرتفعاً، لاسيما في أعقاب ضم شبه جزيرة القرم، حيث روجت مؤسسات الفكر والرأي الروسية فكرة "العالم الروسي" ذات الشعبية المتزايدة، وهي مفهوم ثقافي وديني وأحياناً سياسي "يعيد ربط الشتات الروسي بوطنه"، وطن يمثل "أكثر بكثير من أراضي الاتحاد الروسي والـ143 مليون شخص يعيشون داخل حدوده".
في الدونباس، رأى أنصار "العالم الروسي" فرصة للاستفادة من المشاعر القومية الروسية بين الأوكرانيين الناطقين بالروسية وحماية المدنيين، حيث صوروا كييف بأنه يسيطر عليها الفاشيون، وتماشياً مع مفهوم "العالم الروسي"، قاموا ببناء حجة للمطالبات الروسية التاريخية بأجزاء من شرق أوكرانيا، حتى إنهم يشيرون أحياناً إلى هذه الأراضي باسم نوفوروسيا، أو روسيا الجديدة.
وفقاً لنشطاء دونباس السياسيين وصناع السياسة الروس، وجد هذا التفكير طريقه إلى الكرملين، في ربيع عام 2014، كما ظهر عندما أشار فلاديمير بوتين إلى مناطق دونباس باعتبارها جزءاً من روسيا تاريخياً.
إذ قال بوتين آنذاك: "سوف أذكّركم: هذه نوفوروسيا (أي روسيا الجديدة)"، وأشار تحديداً إلى خاركوف (ثاني أكبر مدن أوكرانيا وهي خاضعة لسيطرة كييف)، ومناطق أخرى غير الدونباس مثل أوديسا، واعتبر أن هذه المناطق لم تكن جزءاً من أوكرانيا خلال الحقبة القيصرية، بل منحت الحكومة السوفييتية هذه المناطق لأوكرانيا في عشرينيات القرن الماضي.
على الرغم من أن بوتين لم يذهب إلى حد ادعاء أن على روسيا ضم هذه الأراضي، فقد فسر كثيرون تعليقاته على أنها مصدر إلهام لمتمردي الدونباس.
وتعتبر أوكرانيا والولايات المتحدة وبعض المحللين أن الفيلق الأول والثاني من متمردي الدونباس مجرد تشكيلات روسية وأنها تعمل تحت قيادة جيش الأسلحة المشتركة الثامن، تم أسر بعضهم بوثائق تنص على خلاف ذلك، واعترف الانفصاليون بتلقي إمدادات من روسيا وتلقيهم التدريب هناك.
مستشار لبوتين وجه متمردي إقليم الدونباس
لكن سياسة الكرملين تجاه شرق أوكرانيا أثبتت أنها غير متماسكة ولا متسقة، حسب مجموعة الأزمات الدولية.
فلقد وصف خبير مرتبط بوزارة الخارجية الروسية الانقسام داخل النخب الحكومية بين "الحمائم" الذين شككوا في أن سيناريو القرم سينجح في دونباس، و"الصقور" الذين اعتقدوا أن بإمكان روسيا الاعتماد على التعبئة المحلية للمساعدة في طرد القوات الأوكرانية ثم ضم ما يصل إلى ست مناطق شرق أوكرانيا (المناطق المتحدثة بالروسية تتخطى الدونباس والقرم).
لم يقل القادة الروس شيئاً رسمياً، ولكن يبدو أن المستشارين الحكوميين ورجال الأعمال الروس الموالين للكرملين تحركوا لدعم التمرد، دون بذل كثير من الجهد للعمل معاً، حسب تقرير مجموعة الأزمات الدولية.
وفي الوقت نفسه، فإن أعداداً متزايدة من الجنود غير النظاميين الروس، بتشجيع من دعاية الدولة الروسية وما اعتبروه موافقة ضمنية من الحكومة، شقوا طريقهم إلى أوكرانيا.
ويبدو أن الداعم الرئيسي للضم كان مستشار الكرملين سيرغي جلازييف، وهو بطل في الدونباس، وقال مسؤول سابق بالكرملين إن جلازييف استند في خطته إلى فرضية أن المشاعر المؤيدة لروسيا كانت قوية جداً وواسعة الانتشار في شرق أوكرانيا، إلى جانب الكراهية لحكومة كييف الجديدة، مما سيسهل ضم المنطقة لموسكو.
تجدر الإشارة إلى أنه من الواضح أن الطموح الروسي في 2014، يبدو أنه كان يتخطى المناطق الانفصالية الحالية التي هي جزء من مقاطعتي دونيتسك ولوهانسك الأوكرانيتين، ليشمل معظم المناطق ذات الأعداد الكبيرة من الناطقين بالروسية في أوكرانيا.
وتشير الأدلة، وضمنها المحادثات الهاتفية التي تم اعتراضها وتسجيلها من قبل المخابرات الأوكرانية، إلى أن جلازييف مستشار بوتين، أعطى تعليمات مباشرة للمنظمين الرئيسيين لإطلاق تمرد الدونباس، وتحدث عن الدعم المالي والعسكري في انتظار نجاح المتمردين، حسب تقرير مجموعة الأزمات الدولية "Crisis Group".
وتعززت صفوف المتطوعين المحليين، بانضمام الجنود الروس الحاليين والمتقاعدين إلى متمردي الدونباس، والذين جاءوا مدفوعين بالدعاية الروسية.
وذكرت هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، أن صفوف الانفصاليين تتضمن آلاف المواطنين الروس، وتم الإبلاغ عن أن القوزاق (وهم عرقية روسية فرعية لعبت دوراً في بناء الإمبراطورية الروسية ومشهورون بتعصبهم القومي وشراستهم)، يدعمون أيضاً الانفصاليين.
ومن أشهر الروس الذين قادوا التمرد، كان ضابط المخابرات الروسي السابق إيغور جيركين، الذي اشتهر بالاسم الحركي ستريلكوف. كان ستريلكوف مؤيداً متعطشاً لفكرة روسيا الجديدة، وقد قاد القوات غير النظامية المشاركة في ضم شبه جزيرة القرم لروسيا في فبراير/شباط ومارس/آذار 2014. وفي أبريل/نيسان 2014، أحضر وحدة من 52 رجلاً من روسيا إلى منطقة دونيتسك، وساعد في تولي مكاتب إنفاذ القانون في سلوفيانسك. ثم دعا روسيا لإرسال قوات للاحتفاظ بهذه المدينة.
عندما انضم المقاتلون الأوكرانيون الموالون لموسكو إلى صفوفه، أصبح ستريلكوف أقوى قائد في دونيتسك بذلك الوقت. في أوائل شهر مايو/أيار 2014، أعلن نفسه "القائدَ العام لجميع التشكيلات المسلحة، وأجهزة الأمن، وحرس الحدود، والمدعين العامين وغيرها من الهياكل شبه العسكرية" في منطقة دونيتسك.
الحركة الانفصالية لم تحقق النجاح الذي توقعه صقور موسكو
لكن الحركة الانفصالية لم تتحقق نتيجة قوية كما توقع صقور موسكو، حيث كان بعض السكان قلقين بالفعل بشأن الحكومة الجديدة في كييف، لكن دعم الأغلبية للانضمام إلى روسيا ببساطة لم يكن موجوداً.
في مدينة بعد مدينة، واجه الانفصاليون معارضة، مثل خاركوف ثاني أكبر مدن أوكرانيا، حيث أعلن المتمردون الموالون لروسيا الاستقلال، في محاولة لم تنجح وحتى المعارضة كانت موجودة في لوهانسك ودونيتسك التي انفصلت مناطق منها.
وفي 7 أبريل/نيسان، قمعت قوات وزارة الداخلية الأوكرانية التمرد في خاركوف، وأقنعوا رئيس البلدية بتغيير موقفه.
وفي مدينة أوديسا إحدى أكبر مدن البلاد، بلغت الاشتباكات بين الانفصاليين وأنصار كييف ذروتها في مواجهة في 2 مايو/أيار 2014، قتل خلالها أكثر من 40 شخصاً، معظمهم من الانفصاليين. ومات كثيرون محترقين في حريق اجتاح مبنى نقابة العمال الذين حاولوا الاستيلاء عليه، وأظهر فشل الانفصاليين في أوديسا عدم وجود دعم محلي للانفصال.
في غضون ذلك، كانت المخاطر على روسيا تتصاعد، حيث نظر السكان إلى الجنود غير النظاميين مثل أفراد ستريلكوف على أنهم غزاة روس، وأطلقت أوكرانيا في أوائل أبريل/نيسان 2014، ما سمته "عملية مكافحة الإرهاب" (إلى حد كبير لتجنب إعلان الحرب)، كما فرضت الولايات المتحدة، إلى جانب دول الاتحاد الأوروبي، عقوبات على روسيا، وهي عقوبات أشد صرامة من تلك التي أعقبت ضم شبه جزيرة القرم.
مع فقدان الانفصاليين زخمهم، بدأ الكرملين في النأي بنفسه عن الحركة التي ألهمها. في 7 مايو/أيار 2014، ناشد بوتين الانفصاليين في دونيتسك ولوهانسك "تأجيل الاستفتاء بشأن الاستقلال؛ من أجل توفير ظروف لإنجاح الحوار بشأن الأزمة".
وبدأت إشارات بوتين أو غيره من مسؤولي الدولة إلى نوفوروسيا (روسيا الجديد) تختفي. كما تضاءل الخطاب العدائي في التلفزيون الحكومي الذي يصف الحكومة في كييف بأنها طغمة فاشية.
ومنذ سبتمبر/أيلول 2015، تعمل الوحدات الانفصالية، على مستوى الكتيبة وما فوقها، تحت القيادة المباشرة لضباط الجيش الروسي، حيث يعمل القادة المحليون السابقون في بعض الأحيان كنواب لهم.
ماهي أعدادهم وكم نسبة الروس بينهم؟
عدد متمردي الدونباس الأوكرانيين وعدد المتطوعين الروس الذين انضموا إليهم غير واضح.
وفقاً لشبكة CNN الأمريكية، التي استشهدت بالمخابرات الأوكرانية، هناك ما يقدر بنحو 35000 انفصالي في المنطقة، يدعمهم 3000 جندي روسي.
في منتصف عام 2015، زعمت الحكومة الأوكرانية أن هناك 42500 مقاتل على جانب الانفصاليين، بينهم 9000 جندي روسي.
فيودور، (ليس اسمه الحقيقي)، وهو روسي تطوع للقتال إلى جانب المتمردين في عام 2014 عندما كان في أوائل الثلاثينيات من عمره وهو يعمل الآن في مجال الإعلان، قال لموقع قناة الجزيرة الإنجليزي، إنه وصل إلى الدونباس طواعية.
وقال يوري تيخونوف، الذي حارب أيضاً مع متمردي إقليم الدونباس عندما كان في أوائل الثلاثينيات من عمره: "كنت متطوعاً حقيقياً، لم أر روبل واحداً لمدة نصف عام".
وكان من بين الكتيبة الروسية في الدونباس عدد من الشيشانيين، كما زعم فيودور أنه كان هناك مقاتلون من إقليم أوسيتيا الجنوبية وهو إقليم جورجي انفصل بدعم روسي.
هل قام الكرملين بتصفية بعض قادة متمردي الدونباس؟
وقال تقرير مجموعة الأزمات الدولية إنه لفترة كان هناك أشخاص في دونباس يحظون بالاحترام المحلي، أصابهم الإحباط من الوضع الراهن ولديهم انفتاح على مناقشة مستقبل المنطقة. كما أصيب بعض من أوائل المؤيدين للتمرد بخيبة أمل.
وبين عامي 2015-2018، كانت هناك سلسلة اغتيالات طالت كبار قادة المتمردين، من ضمنهم ألكسندر زاخارتشينكو الذي عمل رئيساً للوزراء ورئيساً لدولة جمهورية دونيتسك الشعبية، حيث قُتل في تفجير أحد المقاهي.
وألقت روسيا والانفصاليون باللوم على أجهزة الأمن الأوكرانية، بينما قال مسؤولون أوكرانيون إن عمليات القتل كانت على الأرجح نتيجة لصراع داخلي على السلطة.
وسيطرة روسيا على الجمهوريتين الانفصاليتين في الدونباس ليست موضع تساؤل. لكن النظر إلى الدونباس على أنها أراضٍ تحتلها روسيا فقط يعني إغفال الخلافات بين متمردي الدونباس وموسكو.
ومن الواضح أن متمردي الدونباس أكثر تطرفاً من موسكو في مسألة الانضمام لروسيا، بينما أغلب السكان لا يؤيدون الانفصال، كما يرفضون في الوقت ذاته الممارسات التمييزية ضد اللغة الروسية من قبل الحكومة الأوكرانية، وأن تتحول بلادهم لمنصة عداء لموسكو، كما أن السكان المحليين يشكون من وضع الإقليم المهمل من موسكو، والمحاصر من قبل كييف على السواء.
وبينما يميل متمردو الدونباس إلى فكرة الاستقلال أو الانضمام لروسيا، فإن موسكو بدت لفترة أنها تهدف إلى جعل إعادة اندماج الدونباس في أوكرانيا مفيداً لها، أي إنها تريد دونباس مدمجة في أوكرانيا مع التمتع باستقلالية كبيرة أو وضع خاص يجعل من الإقليم أداة موسكو في السيطرة على أوكرانيا برمتها أو على الأقل ممارسة حق الفيتو على انضمام كييف إلى الناتو.
ويمكن توقع أن روسيا إن لم تستطع دمج الدونباس في أوكرانيا وفقاً لشروطها، فقد تتساوق مع مطالب متمردي الإقليم بضمه، وها هي الفرصة قد لاحت لها.