منذ أن بدأ تطويرها قبل نحو 7 عقود أصبحت مضادات الاكتئاب الحل الذي يلجأ إليه ملايين الناس الهاربين من ضغوطهم النفسية اليومية، أو أولئك الذين يعانون من القلق أو الخمول أو الأرق المستمر وعدم النوم، لكن يشكو البعض من أن تلك الحبوب تتوقف عن مفعولها بعد فترة، فيما تقول دراسات إن التوقف عن استعمالها بشكل مفاجئ يسبب أعراضاً انسحابية. فما هي مضادات الاكتئاب؟ وكيف تعمل داخل الجسم، وهل يتراجع مفعولها بعد فترة من تناولها؟
ما هي مضادات الاكتئاب؟
تعتبر مضادات الاكتئاب نوعاً من الأدوية المستخدمة لعلاج الاكتئاب السريري، ويمكن استخدامها أيضاً لعلاج عدد من الحالات الأخرى، بما في ذلك اضطراب الوسواس القهري، واضطراب القلق العام، واضطراب ما بعد الصدمة. تستخدم مضادات الاكتئاب أيضاً في بعض الأحيان لعلاج الأشخاص الذين يعانون من آلام طويلة الأمد (مزمنة).
وبحسب موقع "medline plus" المتخصص بالصحة والطب، والتابع لمكتبة الولايات المتحدة الوطنية للطب، فإن الاكتئاب هو أكثر من مجرد الشعور بقليل من الحزن أو الكآبة لبضعة أيام، وهو مرض طبي شائع يؤثر على مزاج الإنسان وصحته العقلية العامة، ويمكن أن يجعل صاحبه يشعر بالتعب أو اليأس أو القلق أو الخوف، ويمكن أن يغير تفكيره ونومه وتناوله للطعام، وقد يدفع الاكتئاب بعض الناس إلى التفكير في إنهاء حياتهم.
وبدأ تاريخ مضادات الاكتئاب كمعظم العقاقير المؤثرة تقريباً، عن طريق "الصدفة وحسن الحظ"، وبدأت عمليات تطويرها لأول مرة في الخمسينيات من القرن الماضي، إذ قام الكيميائيون الذين عملوا حينها على تطوير علاج جديد للسل باختبار عقار إبرونيازيد على المرضى، في مستشفى سيفيو في جزيرة ستاتين بولاية نيويورك الأمريكية.
وكانت تلك خطوة حاسمة في تاريخ علاج الاكتئاب، حيث شهد هؤلاء المرضى تغيراً جذرياً في مستوى التعامل مع أمراضهم واضطراباتهم التي لم تلاقِ خيارات علاجية عديدة في ذلك الوقت.
المرضى الذين كانوا يعانون من الخمول والحزن الشديد، ورفض القيام بأي نشاطات حياتية يومية أُبلغوا بعد تناول العقار الجديد بتحسُّن ملحوظ في مزاجهم العام، وتحسنت شهيتهم وقدرتهم على النوم بشكل ثابت كل ليلة.
كيف تعمل مضادات الاكتئاب، وما مدى فاعليتها؟
يقول موقع هيئة الخدمات الصحية الوطنية في المملكة المتحدة (NHS)، إنه لا يُعرف بالضبط كيف تعمل مضادات الاكتئاب، ولكن يُعتقد أنها تعمل عن طريق زيادة مستويات المواد الكيميائية في الدماغ، والتي تسمى الناقلات العصبية، حيث ترتبط بعض النواقل العصبية، مثل السيروتونين والنورأدرينالين بالمزاج والعاطفة.
قد تؤثر الناقلات العصبية أيضاً على إشارات الألم التي ترسلها الأعصاب، ما قد يفسر سبب مساعدة بعض مضادات الاكتئاب في تخفيف الألم طويل المدى.
بينما يمكن لمضادات الاكتئاب أن تعالج أعراض الاكتئاب، إلا أنها لا تعالج أسبابه دائماً، هذا هو السبب في أنها تستخدم عادةً مع علاج الاكتئاب الشديد أو حالات الصحة النفسية والعقلية الأخرى.
تشير الأبحاث إلى أن مضادات الاكتئاب يمكن أن تكون مفيدة للأشخاص المصابين بالاكتئاب المعتدل أو الشديد، لكن لا يُنصح بها عادةً للاكتئاب الخفيف، إلا إذا لم تساعد العلاجات الأخرى مثل العلاج بالكلام.
ما هي أنواع مضادات الاكتئاب؟
هناك أنواع عديدة من مضادات الاكتئاب، وكل واحد منها يعمل بشكل مختلف، بحسب موقع medline plus. وعادة ما يصف الأطباء مضادات الاكتئاب الأحدث، أولاً لأنها لا تسبب العديد من الآثار الجانبية مثل الأنواع القديمة، ويبدو أنها تكون أكثر فاعلية أمام أنواع مشاكل الاكتئاب والقلق.
تنتمي معظم مضادات الاكتئاب الأحدث إلى إحدى المجموعات الثلاث التالية:
- مثبطات امتصاص السيروتونين الانتقائية (SNRIs).
- مثبطات امتصاص السيروتونين والنوربينفرين (SNRIs).
- مضادات الاكتئاب غير النمطية، وهي أحدث مضادات الاكتئاب التي لا تتناسب مع المجموعات الأخرى.
- وإذا لم تساعد مضادات الاكتئاب هذه فقد يقترح بعض الأطباء أحد مضادات الاكتئاب القديمة. تشمل الأنواع الأقدم مضادات الاكتئاب ثلاثية الحلقات (TCAs) ورباعية الحلقات ومثبطات مونوامين أوكسيديز (MAOIs).
وتعمل أجسامنا وأدمغتنا بشكل مختلف، هذا يعني أن أحد مضادات الاكتئاب لن يعمل مع الجميع، وقد يحتاج بعض المرضى إلى تجربة دواءين أو أكثر قبل أن يجدوا الدواء المناسب لهم.
لماذا يشعر البعض بأن مفعول مضادات الاكتئاب يتوقف بعد فترة من تناولها؟
يشعر البعض ممن يتناولون نفس مضادات الاكتئاب لسنوات، بأن مفعول الدواء توقف عن العمل فجأة، أو فشل بشكل تدريجي، ويقول تقرير لصحيفة WSJ الأمريكية، إن هذه المشكلة يمكن أن تصيب الناس حتى عندما يعمل الدواء جيداً لمدة عقد أو أكثر. تعاود الظهور أعراض مثل الحزن المستمر وفقدان الاهتمام بالأنشطة المفضلة، قد يكون تحديد الحل الصحيح أمراً صعباً ويتعلق بالتجربة والخطأ إلى حد كبير، قد يحتاج بعض المرضى إلى جرعة أعلى من نفس الدواء، بينما قد يحتاج البعض الآخر إلى تجربة دواء جديد أو مجموعة جديدة من الأدوية، كما يقول الأطباء.
والرهانات عالية، يمكن أن يستغرق تغيير الجرعة أو الدواء عدة أسابيع لتحقيق الراحة، ويمكن أن تظهر آثار جانبية جديدة، مثل زيادة القلق أو الأرق، وكل انتكاسة للاكتئاب تزيد من احتمالية حدوث انتكاسات إضافية. ووفقاً لدراسة نُشرت في عام 2007 في مجلة Clinical Psychology Review فإن الأشخاص الذين أصيبوا بنوبة اكتئاب واحدة، لديهم فرصة بنسبة 50% للإصابة بنوبة أخرى، في حين أن أولئك الذين تعرضوا لنوبتين لديهم فرصة بنسبة 80% للإصابة بواحدة أخرى.
لا توجد إحصائيات حول عدد المرات التي يبدو أن مضادات الاكتئاب تفشل فيها فجأة لدى الأشخاص الذين يتعاملون معها بشكل مستمر، لكن الأطباء النفسيين يقولون إنهم يرون ذلك بانتظام إلى حد ما.
يقول تشارلز نيميروف، رئيس قسم الطب النفسي والعلوم السلوكية في جامعة تكساس، ورئيس جمعية القلق والاكتئاب الأمريكية: "إنها ظاهرة حقيقية".
ويضيف نيميروف لصحيفة "وول ستريت جورنال"، أن هناك بعض الأدلة على أن العلاج طويل الأمد بمضادات الاكتئاب قد يقلل من عدد مستقبلات السيروتونين في الدماغ.
ويقول الأطباء النفسيون إنه في كثير من الحالات، من المحتمل أن الأدوية لا تزال فعالة كما كانت دائماً، لكن الإجهاد الجديد أو المشكلات الأخرى مثل تدهور النوم قد تتسبب في زيادة الأعراض التي لا تستطيع الأدوية أو الجرعات الحالية تحقيقها.
من جهته يقول ماوريتسيو فافا، رئيس الأطباء النفسيين في مستشفى ماساتشوستس العام، لصحيفة WSJ، إن أسهل خطوة هي زيادة جرعة الدواء الذي يتناوله المريض حالياً. ومن بين المرضى الذين يعانون من الاكتئاب الذين انتكسوا أثناء تناول فلوكستين (بروزاك)، لوحظ 57% و72% ممن تلقوا جرعتين مختلفتين من الدواء أن درجاتهم في مقياس أعراض الاكتئاب تنخفض بأكثر من 50%، وفقاً لدراسة شارك في تأليفها الدكتور فافا ونُشرت في مجلة العلاج النفسي والسيكوسوماتكس عام 2002.
وإذا لم تنجح زيادة جرعة الدواء الحالي للمريض، فغالباً ما يضيف الطبيب دواءً إلى مضادات الاكتئاب الانتقائية الشائعة لمثبطات امتصاص السيروتونين (SSRIs) مثل Prozac وLexapro. تؤثر مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية على عمل الناقل العصبي السيروتونين. ويقول فافا إن إضافة عقار Wellbutrin، الذي يعمل أيضاً على الناقل العصبي الدوبامين، إذ يمكن أن يشارك الدوبامين في التحفيز والمكافأة.
ماذا عن مشاكل "أعراض الانسحاب"؟
علمياً لا تسبب مضادات الاكتئاب الحديثة "إدماناً" مثل المخدرات أو الكحول، لكن التوقف عن استعمالها يسبب أعراضاً انسحابية، ولهذا ينصح الأطباء بجعله تدريجياً.
ويقول تقرير سابق لصحيفة New York Times الأمريكية، إن الأطباء النفسيون كانوا يرون سابقاً أن الاكتئاب هو المشكلة الأخطر التي ينبغي علاجها، فلم يتوقفوا كثيراً عند أعراض الانسحاب والأعراض الجانبية للأدوية المضادة له، لكن منذ منتصف التسعينيات أدرك الأطباءُ النفسيون البارزون أن الانسحابَ يمثل مشكلةً محتملةً، قد تواجه المرضى الذين يتناولون مضادات الاكتئاب الحديثة، بينها مشكلات التوازن والأرق والقلق التي تنتهي فور تناول الأدوية مجدداً.
نجد مكتوباً في نشرة عقار Cymbalta -أحد مضادات الاكتئاب الشهيرة- "هذه الأعراض الجانبية محتمَلة بنسبة 1% أو أكثر"، ومِن بينها الصداع، والإرهاق، والأرق، إلى جانب بعض الأعراض الأخرى التي تظهر عن المرضى الذين يحاولون الإقلاع.
وتشيرُ الدراسات القليلة التي نُشرَت عن أعراض انسحاب مضادات الاكتئاب من الجسم، إلى أنَّه مِن الصعب التوقف عن استخدام بعض الأدوية أكثر من غيرها. ويرجع ذلك إلى الاختلاف في فترة عُمر النصف للمخدرات، أي الوقت الذي يستغرقه الجسم للتخلص مِن الدواء بمجرد إيقاف الأقراص.
فيما يبدو أنَّ الأدوية ذات عمر النصف القصير نسبياً، مثل Effexor وParoxetine، تُسبِّب المزيد من أعراض الانسحاب بسرعة أكبر من تلك التي تبقى في الجسم لفترةٍ أطول، مثل Prozac.
وفي واحدةٍ من دراسات الانسحاب المُبكِّرة، جعل باحثون في شركة الدواء الأمريكية العالمية "إيلي ليلي" الأشخاص الذين يتناولون حبوب Zoloft أو Paroxetine أو Prozac يتوقفون فجأةً عن تناولها لمدة أسبوعٍ تقريباً. نصف مَن كانوا يتناولون حبوب Paroxetine عانوا دواراً شديداً، و42% عانوا التشوش، و39% عانوا الأرق.
توقَّع بعضُ العلماء منذ فترةٍ طويلةٍ أنَّ بعضَ المرضى قد يعانون من أعراض الانسحاب إذا حاولوا الإقلاع، وسموها "متلازمة الإقلاع". لكنَّ الشركات المُنتِجة لهذه الأدوية أو الهيئات التنظيمية الحكومية لم يُوجّهوا تركيزَهم إلى أعراض الانسحاب، فقد شعروا أنَّ مضادات الاكتئاب لا يمكن أن تسبِّب الإدمان، وتفيد أكثر مما يمكن أن تضر بكثير.
ومع ذلك، ليست لدى الطب إجابةٌ شافية لمَن يكافحون للتوقف عن تعاطي هذه الأدوية، فلا توجد توجيهاتٌ مدعومة علمياً، ولا توجد وسيلةٌ لتحديدِ مَن هم الأكثر عُرضة للخطر، ولا توجد طريقة لتوصيف الاستخدام المناسب للأفراد.
أخيراً، لماذا يتصاعد الحديث عن مشاكل الاكتئاب خلال الآونة الأخيرة؟
يعد الحصول على الأدوية بشكل صحيح أمراً مهماً بشكل خاص الآن، حيث تصاعدت مشاكل الصحة العقلية أثناء الوباء الذي انتشر منذ بداية عام 2020. وأفاد حوالي 23% من البالغين الأمريكيين بأعراض اضطراب اكتئابي و28% أبلغوا عن أعراض اضطراب القلق، وفقاً لمسح أجراه "مركز السيطرة على الأمراض والوقاية" CDC، منها في ديسمبر/كانون الأول ويناير/كانون الثاني 2021.
وتعتبر النسب المئوية زيادة كبيرة مقارنة بـ6.5% من البالغين الأمريكيين الذين قالوا إنهم يعانون من أعراض الاكتئاب، و8.1% ممن ظهرت عليهم أعراض اضطرابات القلق في عام 2019، وفقاً للمركز.
وخلال العامين الماضيين، يبدو أن المزيد من الناس يتناولون الأدوية المضادة للاكتئاب، حيث ارتفع عدد الوصفات الطبية لمضادات الاكتئاب الأكثر شيوعاً إلى 224 مليوناً في عام 2021، مقارنة مع 216 مليوناً في عام 2019، وفقاً لبيانات من شركة الأبحاث الصحية إيكويفيا IQVIA الأمريكية.