الأزمة ليست أوكرانيا فقط لكن كييف تسدد الفاتورة.. قصة الصراع بين روسيا وأمريكا حول أوروبا

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2022/02/14 الساعة 14:17 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/02/15 الساعة 15:00 بتوقيت غرينتش
أوكرانيا تتحضر تحسباً لحرب قد تشنها روسيا - Getty Images

على مدى أكثر من شهرين باتت أزمة أوكرانيا الملف الأبرز على الساحة السياسية الدولية، فلماذا يبدو أن الجهود الدبلوماسية المكثفة أقرب للفشل؟ ولماذا تستمر طبول الحرب التي تهدد أوروبا والعالم؟

مجلة Foreign Policy الأمريكية رصدت الإجابة عن هذه التساؤلات في تقرير لها بعنوان "لماذا تفشل جهود الوساطة بشأن أوكرانيا؟"، تناول التصعيد العسكري المستمر من روسيا وحلف الناتو (حلف شمال الأطلسي) من خلال حشد التعزيزات العسكرية حول أوكرانيا.

ويتزامن ذلك السباق العسكري الرهيب مع جهود دبلوماسية تبدو مكثفة للغاية يبذلها القادة الغربيون في محاولة للتوسط في المواجهة الأوكرانية وتجنب الحرب. إذ أجرى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون محادثات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في موسكو يوم 7 فبراير/شباط قبل زيارة كييف في اليوم التالي للتحدث مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.

بينما سافر المستشار الألماني أولاف شولتز عبر المحيط الأطلسي للقاء الرئيس الأمريكي جو بايدن ومحاولة التفاهم مع واشنطن، وعاد خليفة أنجيلا ميركل إلى بلاده ليتوجه إلى موسكو لعقد اجتماعات مع بوتين خلال الأسبوع الجاري.

ما سر يوم 20 فبراير/شباط؟

ومن المرجح استمرار تكثيف جهود الوساطة في الأيام المقبلة، مع توقع العديد من المراقبين أنَّ 20 فبراير/شباط يمثل نقطة قرار محتملة لروسيا. ويصادف هذا التاريخ انتهاء التدريبات العسكرية الروسية مع بيلاروسيا، ونهاية دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في بكين، والذكرى السنوية لغزو موسكو لشبه جزيرة القرم في عام 2014.

وهذه الذكرى السنوية الأخيرة هي تذكير بأنَّ الصراع الأوكراني قد استمر قرابة ثماني سنوات على الرغم من الجهود المختلفة في الوساطة الدولية. لماذا ثبُت أنَّ السلام بعيد المنال وفشلت جهود الوساطة إلى حد كبير؟ وهل يقدم ذلك أي دروس، بخلاف التشاؤم، للمضي قدماً؟

أوكرانيا
تدريبات لمدنيين في أوكرانيا على حمل السلاح – Getty Images

نقطة انطلاق مفيدة للإجابة عن هذه الأسئلة هي أصل الصراع في أوكرانيا، الذي لم يبدأ في أوائل عام 2014، عندما ضمت روسيا شبه جزيرة القرم ودعمت تمرداً انفصالياً في شرق أوكرانيا، بل بدأ في نوفمبر/تشرين الثاني 2013 مع قرار الرئيس الأوكراني آنذاك فيكتور يانوكوفيتش بالانسحاب المفاجئ من المحادثات مع الاتحاد الأوروبي بشأن اتفاقية التجارة الحرة والشراكة والتحول بدلاً من ذلك إلى تكامل أوثق مع روسيا.

أدت هذه الخطوة إلى احتجاجات جماهيرية استمرت شهوراً في كييف، التي أدت بدورها إلى الإطاحة بيانوكوفيتش في فبراير/شباط 2014 واستبداله بحكومة موالية للغرب في أوكرانيا، فيما أصبح يعرف باسم ثورة الميدان الأوروبي.

روسيا والغرب وبينهما أوكرانيا

منذ البداية، كان لروسيا والغرب تفسيرات مختلفة جداً لهذه التطورات في أوكرانيا. فقد اعتبرت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أحداث الميدان الأوروبي بمثابة انتصار للديمقراطية على حكومة فاسدة وسلطوية، بينما نظرت روسيا إلى الميدان الأوروبي على أنه انقلاب غير شرعي مدعوم من الغرب- وخاصة الولايات المتحدة- في محاولة لتوسيع نفوذها شرقاً.

بعد ذلك، نظرت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى الانتفاضة الانفصالية في شرق أوكرانيا على أنها مشاركة روسية قتالية مباشرة في الصراع، بينما رسمت موسكو هذه الانتفاضة بنفس المصطلحات التي استخدمها الغرب في منطقة الميدان الأوروبي: رفض شعبي لحكومة أوكرانية لا يدعمها المواطنون المحليون ويعتبرونها غير شرعية.

هذه التفسيرات العلنية المختلفة بين روسيا والغرب حول أصول الصراع الأوكراني أعاقت بدورها عملية الوساطة لحل النزاع من البداية. بعد الأشهر الأولى من القتال في منطقة دونباس، أُنشِئَت صيغة تفاوضية في يونيو/حزيران 2014 في شكل مجموعة الاتصال الثلاثية بشأن أوكرانيا، التي تألفت من ثلاثة أطراف- هي أوكرانيا وروسيا ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا- بصفتها الوسطاء. وبالتوازي مع مجموعة الاتصال الثلاثية، وُضِعَت صيغة تفاوض أخرى في نفس الشهر في شكل "رباعية نورماندي"، التي شملت أوكرانيا وروسيا بصفتهما الأطراف، مع ألمانيا وفرنسا بصفتهما وسطاء.

بينما ركزت مجموعة الاتصال الثلاثية في المقام الأول على القضايا التكتيكية والأمنية، كانت محادثات نورماندي الأربعة أكثر تركيزاً من الناحية الاستراتيجية وكانت تهدف إلى التعامل مع القضايا السياسية الأوسع المتعلقة بالصراع.

كان العامل الأكثر تعقيداً في عملية الوساطة لكل من مجموعة الاتصال الثلاثية ومجموعة نورماندي الأربعة هو دور روسيا في الصراع الأوكراني. إذ على عكس القرم، لم تتدخل روسيا تدخلاً عسكرياً رسمياً في شرق أوكرانيا. وبدلاً من ذلك، شاركت روسيا في الصراع بقدرة هجينة، إذ زودت الانفصاليين سراً بالأسلحة ونشرت الآلاف من الأفراد العسكريين والأمنيين غير المميزين لدعم القوات الانفصالية.

الرئيسان الأمريكي جو بايدن والروسي فلاديمير بوتين، أرشيفية/ جيتي

وكان لهذا آثار مهمة في عملية الوساطة، إذ لم تتحدد أدوار الأطراف المختلفة بوضوح أو تُقبَل من الجميع، وكذلك طبيعة النزاع الأوكراني نفسه. فوفقاً لروسيا، كان الصراع في أوكرانيا حرباً أهلية بين الحكومة الأوكرانية والانفصاليين، وبالتالي دعت موسكو إلى المشاركة المباشرة لممثلي جمهورية دونيتسك الشعبية وجمهورية لوهانسك الشعبية (الدويلات الانفصالية المدعومة من روسيا في دونباس) في المفاوضات.

بينما وفقاً لموقف كييف، المدعوم من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، كانت الحرب نزاعاً دولياً بين أوكرانيا وروسيا، حيث عمل الانفصاليون وكلاء لروسيا. وعلى هذا النحو، لم تقبل أوكرانيا إجراء مفاوضات مباشرة مع الانفصاليين، معتبرةً مشاركتهم بمثابة اعتراف بشرعيتهم السياسية.

ومع أخذ موقف أوكرانيا في الاعتبار، استُبعِدَت المشاركة الرسمية للانفصاليين من عملية اختيار مجموعة الاتصال الثلاثية ومفاوضات نورماندي الأربعة؛ مما سيؤثر في كل من الثقافة وعملية المفاوضات التي تمضي قدماً. ونتيجة لذلك، اعتبرت أوكرانيا والوسطاء أنَّ روسيا تمثل الانفصاليين في المحادثات، بينما لم تعترف موسكو رسمياً بهذا الدور أبداً وأصرت على الاعتراف بالانفصاليين بصفتهم جهات فاعلة مستقلة.

وعلى الرغم من هذا الغموض، أفرزت المفاوضات اتفاقاً لإنهاء النزاع، المعروف باسم بروتوكول مينسك، في سبتمبر/أيلول 2014. كان بروتوكول مينسك اتفاق سلام طموحاً، ومع ذلك، فقد انهار على الفور تقريباً، مع عدم التزام أي من الطرفين بوقف إطلاق النار. وبُذلت جهود وساطة متجددة لإنهاء النزاع في وقت مبكر من العام التالي، وهذه المرة مع الإدراج الرسمي لفرنسا وألمانيا باعتبارهما وسيطين إلى جانب منظمة الأمن والتعاون في أوروبا في عملية مينسك.

السيطرة على أوروبا

وأسفرت هذه الجهود عن اتفاق مينسك الثاني، الذي كانت أحكامه مشابهة إلى حد كبير لتلك الخاصة بمينسك الأول، على الرغم من وجود تفاصيل أكثر تحديداً حول جوانب مثل انسحاب القوات والأسلحة من خط الاتصال. ومع ذلك، لم يُنفَذ بروتوكول مينسك 2، وانهار وقف إطلاق النار بعد وقت قصير من التوقيع، متأثراً كثيراً أيضاً بتفسيرات مختلفة لتسلسل التنفيذ. 

إنَّ هذه التفسيرات المختلفة للنزاع الأوكراني- فيما يتعلق بأصوله وتسلسل طرق حله- تدعم المواجهة الحالية بين موسكو والغرب حول أوكرانيا. لكنها تشير أيضاً إلى شيء أعمق كثيراً يقود هذه المواجهة، وهو صدام في وجهات النظر العالمية لروسيا والغرب حول الهيكل الأمني ​​بأكمله في أوروبا.

الرئيس الأوكراني زيلينسكي/ رويترز

لم يكن الكرملين أبداً مرتاحاً لتوسع الاتحاد الأوروبي، وخاصة حلف الناتو، في الأراضي السوفييتية السابقة في حقبة ما بعد الحرب الباردة، ويرى بوتين أنَّ ثورة الميدان الأوروبي في أوكرانيا مجرد مقدمة أخرى لمثل هذا التوسع، سواء أكان رسمياً أم على أرض الواقع.

نظراً لأنَّ علاقة أوكرانيا مع الغرب ومع حلف شمال الأطلسي لم تتوسع إلا في السنوات الأخيرة، فقد قرر بوتين أنه لم يعد هناك وقت يضيعه ويحاول إعادة تعريف البنية الأمنية لأوروبا. صحيح أنَّ أوكرانيا مهمة، لكنها مجرد جزء واحد من عملية التفاوض الحقيقية التي تحاول روسيا دفعها، وهو ما يفسر المطالب الأمنية الشاملة التي قدمتها موسكو إلى الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي في أواخر ديسمبر/كانون الأول 2021. ويفسر تعلق الأزمة الأوكرانية بما هو أكثر بكثير من أوكرانيا أسباب صعوبة تحقيق أي تقدم في جهود الوساطة، ناهيك عن نجاحها. لكن هذا قد يفسر أيضاً سبب أنَّ التعزيزات العسكرية الروسية لا تهدف بالضرورة إلى غزو أوكرانيا فحسب، بل تأتي لإجبار الغرب على إعادة صياغة علاقته الوظيفية والمؤسسية مع فضاء ما بعد الاتحاد السوفييتي بأكمله.

تحميل المزيد