هذا ما تعنيه حرب روسيا وأوكرانيا للشرق الأوسط.. فرصة للبعض وصداع لآخرين وكارثة للأغلبية

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2022/02/13 الساعة 12:27 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/02/13 الساعة 12:28 بتوقيت غرينتش
حصاد القمح في شمال كييف، عاصمة أوكرانيا، أرشيفية/ رويترز

في الوقت الذي يحبس فيه العالم أنفاسه؛ خوفاً من شن روسيا بالفعل غزواً شاملاً ضد أوكرانيا، يتبادر إلى الذهن تساؤلات بشأن ما قد تعنيه تلك الحرب بالنسبة لشعوب الشرق الأوسط وأنظمتها الحاكمة.

موقع مركز أبحاث European Council on Foreign Relations الألماني رصد هذه التداعيات في دراسةٍ عنوانها "تداعيات الأزمة بين روسيا وأوكرانيا على منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا"، تناولت أزمة الطاقة وأسعار الغذاء، خصوصاً القمح وملفات أخرى كالصراع في ليبيا وسوريا والقطيعة بين الجزائر والمغرب.

مصير أوكرانيا على المحك، ورغم الآمال المعقودة على الدبلوماسية الدولية في التوصل إلى تسوية بالتفاوض بين أطراف النزاع، فإن شبح الحرب ما يزال يلوح في الأفق. وإذا شنَّت روسيا هجوماً جديداً على أوكرانيا، فإن تداعيات ذلك على المصالح الأوروبية ستطول آثارها نطاقاً يتجاوز البلدين، خاصةً منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

الشرق الأوسط يزداد أهمية للجميع

ومن المتوقع أن تخلق الحرب في أوكرانيا مشكلات جديدة لأوروبا بالمنطقة، فحتى وإن لم تكن دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا قادرة على أن تحل محلَّ روسيا لتصبح مزِّود أوروبا الرئيس بالطاقة، فإن الأزمة في أوكرانيا ستمنح تلك الدول نفوذاً أكبر على الغرب.

وقد ينطوي هذا على انتكاسة لما سعت إليه إدارة بايدن من تحوِّل عن تركيزها السابق على الشرق الأوسط إلى آسيا والصين. لكن الأزمة قد تكشف أيضاً عن فرص جديدة للدبلوماسية الأوروبية، مثل التوسط بين الجزائر والمغرب لفتح خطوط أنابيب الطاقة التي أُغلقت في الخلاف الأخير بينهما.

في غضون ذلك، فإن الأقرب أن يؤدي احتدام التوترات بين الغرب وروسيا إلى تقويض العمل المفترض من أجل الاستقرار بالإقليم، لا سيما في ليبيا وسوريا. كما أن اندلاع حرب شاملة بين روسيا وأوكرانيا قد ترتفع معه أسعار الطاقة والقمح في العالم ارتفاعاً حاداً.

وقد تكون لهذا تداعيات شديدة الوطأة على العمل الإنساني والإغاثي في الدول الواقعة بالفعل تحت مخاطر فادحة في بلاد الشام وشمال إفريقيا، علاوة على تفاقم المشكلات المتعلقة بسياسات الحكم فيها. إضافة إلى هذا وذاك، فإن دول الإقليم التي يعاني اقتصادها بالفعل قد تجد نفسها أوهن وأخضع للضغوط الخارجية.

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي/رويترز

أبرزت الحرب في أوكرانيا مخاطر اعتماد أوروبا على الغاز الروسي، فقد أثارت التوترات الحالية مخاوف من انقطاع تدفق الغاز الروسي، وما قد يتبعه ذلك من اشتداد النقص الحادث بالفعل في إمدادات الطاقة وارتفاع الأسعار على المستهلكين الأوروبيين الذين يعانون أزمة حادة في تكلفة المعيشة. وفي ضوء ذلك، قد تبدو الاستعانة بالغاز من دول الشرق الأوسط بديلاً عن غاز روسيا حلاً جذاباً، لكن الأمر ليس سهلاً كما قد يبدو.

لمَّا كانت قطر أكبر منتج للغاز الطبيعي المسال في العالم بعد الولايات المتحدة، كان من الطبيعي أن تكون ضلعاً أساسياً في العمل القائم من أجل إيجاد مصادر بديلة لإمدادات الغاز.

ومنذ أواخر يناير/كانون الثاني، تضغط واشنطن على الدوحة لتوجيه صادراتها من الغاز إلى أوروبا، إلا أن إنتاج قطر من الغاز يقترب بالفعل من طاقته القصوى، علاوة على ارتباطها بعقودٍ لتصدير الغاز إلى مستوردين بارزين في آسيا. وقد عزَّز الافتقار إلى بدائل موقفَ قطر في المفاوضات، لا سيما أن السعودية والإمارات لا تمتلكان إمكانات مماثلة لإنتاج الغاز الطبيعي المسال ولا تصديره.

غير أن السعودية مهمةٌ لقطاع الطاقة من جهة أخرى، فقد يؤدي احتدام النزاع بين روسيا وأوكرانيا إلى خفض إمدادات النفط الروسية، ومن ثم زيادة أسعار النفط المرتفعة بالفعل. وإذا حدث ذلك، فالغالب أن تحشد الولايات المتحدة ضغوطها على الرياض لزيادة إنتاجها من النفط، حتى تنخفض الأسعار.

وإذا كانت السعودية تقاوم هذه الضغوط حتى الآن، لأن ارتفاع الأسعار يعزز أرباحها ويسرِّع تعافي اقتصادها من آثار الجائحة، فإن اشتداد النزاع وتفاقم أزمة النفط سيزيدان المطالب الغربية إلحاحاً، وقد تجد السعودية في ذلك فرصة سانحة لتحدي هيمنة روسيا على سوق النفط في أوروبا الشرقية.

وقد يكون اللجوء إلى غاز شمال إفريقيا حلاً محتملاً آخر لأزمة الطاقة في أوروبا، لا سيما أن قرب الموقع يعطي الجزائر وليبيا أفضلية في هذا السياق. لكن الأمر ينطوي على تعقيدات كبيرة، أبرزها ما يغلب على سياسات هذه المنطقة من فوضى قد تهدد استقرار الإمدادات في أي وقت. وأحد الأمثلة القريبة على ذلك، التوترات الأخيرة بين الجزائر والمغرب، وما أفضت إليه من إيقاف صادرات الطاقة عبر خط الأنابيب الذي يربط الجزائر وإسبانيا ويمر في المغرب.

وفي الوقت نفسه، فإن غياب الاستقرار السياسي في ليبيا والخطر المستمر باندلاع الصراع يجعلانها شريكاً سيئاً في مجال الطاقة، علاوة على ضعف إمداداتها. وقد يدعم الأوروبيون من يرون أنه أقدر على توفير استقرار، ولو قصير المدى، في غرب ليبيا، حيث يقع خط أنابيب غاز رئيسي. لكن هذا لن يكون حلاً مستداماً، كما أن روسيا قد تستغل وجودها في شرق ليبيا لعرقلة إنتاج النفط في البلاد وتعطيل إمدادات الطاقة إلى أوروبا.

تغيرات في ملفات الجغرافيا السياسية

قد يستدعي النزاع بين روسيا وأوكرانيا نفوذاً أكبر لدول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على الولايات المتحدة وأوروبا، وربما تسعى كل من قطر والسعودية لاستخدام ورقة الطاقة لمزيد من النفوذ، ولا يُستبعد أن يكون تصنيف الولايات المتحدة قطر حليفاً رئيسياً من خارج الناتو في يناير/كانون الثاني، بادرةً بهذا الاتجاه.

لكن قطر قد ترغب أيضاً في تنازلات من أوروبا، وعلى رأسها أن تتخلى المفوضية الأوروبية عن تحقيقها المستمر منذ 4 سنوات، في مزاعم بأن قطر استخدمت عقوداً طويلة الأجل لفرض قيود على مستوردي الغاز في المنطقة الاقتصادية الأوروبية.

أمَّا السعودية، فوليُّ عهدها محمد بن سلمان، ما يزال يبحث عن مَهرب من وضع المنبوذ دولياً منذ أن وقع فيه بعد جريمة اغتيال جمال خاشقجي عام 2018، وقد تكون المطالب الأمريكية والأوروبية بزيادة إمدادات النفط وخفض أسعاره سبيلَه إلى استعادة الحظوة لدى الغرب. وقد يطلب لقاءً طال انتظاره مع الرئيس الأمريكي جو بايدن وتخفيفاً ما من حدة الانتقادات الأمريكية للسعودية.

أمَّا تركيا، فإن عضويتها في الناتو وعلاقاتها الوثيقة مع كل من روسيا وأوكرانيا تجعلانها كذلك ضلعاً مهماً في المعادلة، ويتوقع أن يعزِّز الصراع في أوكرانيا من حضور الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ويزيد تركيا أهميةً. وقد بدأ التنافس بين روسيا والغرب بالفعل، فكل منهما يسعى لاستقطاب تركيا إلى طرفه في الأزمة الأوكرانية.

وقد حرصت واشنطن على أن تستمر أنقرة في بيع الأسلحة إلى كييف، إلا أن الروابط المعقدة بين تركيا وروسيا تُباعد بين تركيا وأي تحالف شامل مع الغرب ضد روسيا. لكن ذلك لا يمنع أن يكون لتركيا في هذه الأزمة أسباب لتعزيز موقفها على صعيد السياسة الخارجية- خاصة في البحر المتوسط وسوريا- وللضغط من أجل تخفيف حدة الانتقادات الغربية لسياسات أردوغان في الداخل.

أرامكو
ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان – رويترز

من جهة أخرى، فإن احتدام التوترات بين أوروبا وروسيا بشأن أوكرانيا يزيد موقف أوروبا في أزمات سوريا وليبيا صعوبةً، ويجعلها أبعد عن أي تعاون مع روسيا لتأمين حلول سياسية مستقرة لهذه الأزمات. وإذا أرادت أوروبا أن تفرض عقوبات على روسيا، فقد تستخدم موسكو حضورَها في ليبيا للرد بتأجيج الصراع هناك وفتح الباب أمام تدفق المهاجرين للضغط على أوروبا.

أما عن بقية دول المنطقة، فالأرجح أن تتخذ موقف الحذر من الأزمة بين روسيا والغرب. الإمارات على سبيل المثال، لن تصطف إلى جانب الغرب وتخاطر بإبعاد روسيا عنها. وإسرائيل أيضاً، حتى وإن كانت تعتبر الولايات المتحدة حليفها الأساسي، فإنها منذ أن نشرت موسكو جيشها في سوريا أصبحت تعتبر روسيا جارة لها في الشمال، وتتعاون معها تعاوناً وثيقاً في تنسيق الضربات الجوية على الأراضي السورية.

كارثة أمن الغذاء

وأخيراً، يلوح في الأجواء بسبب الصراع بين روسيا وأوكرانيا خطرٌ كبير آخر، وهو التداعيات على صادرات القمح من البلدين، إذ تبلغ ما يقرب من 29% من كمية القمح المتاح عالمياً. وفي وقت ارتفعت فيه أسعار المواد الغذائية ارتفاعاً حاداً بفعل الاضطرابات التي حلَّت بسلاسل التوريد بسبب جائحة كورونا، فإن نقصاً كهذا في صادرات القمح يُنذر بخطرٍ لا يُعرف مداه على أمن الغذاء في العالم.

تعتمد العديد من الدول العربية على القمح الأوكراني، تعبيرية/ رويترز

ولا شك في أن ارتفاع أسعار الخبز، خاصة إذا صحبه ارتفاعٌ حاد في أسعار الطاقة، ستكون له تداعيات شديدة الوطأة على الاستقرار في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فالمنطقة تأتي بين أشد مناطق العالم معاناةً من انعدام الأمن الغذائي، وأي زيادة إضافية في أسعار الغذاء لن تؤدي إلا إلى مزيد من الأزمات الإنسانية واتساع نطاق الاضطرابات في المنطقة بأكملها.

 وحتى لو نجت بعض دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من هذه الأزمة، فإن دولاً تحوم حولها نذر المجاعة العامة، مثل اليمن ولبنان (وكلاهما مشترٍ رئيس للقمح الأوكراني)، ستواجه عواقب شديدة السوء.

كما أن ارتفاع أسعار القمح فيه تهديد لدول أخرى، مثل ليبيا ومصر، اللتين تستوردان حصة أساسية من إمدادات القمح من أوكرانيا، وكذلك تونس والجزائر، اللتان لطالما اضطرمتا بالغضب الشعبي بسبب ارتفاع أسعار الغذاء. والخلاصة أن هذه الدول كلها لا تملك إلا أن ترقب في حذر ما يسفر عنه الحشد العسكري الروسي على الحدود الأوكرانية.

تحميل المزيد