بدأت أوكرانيا الخميس 10 فبراير/شباط 2022 مناورات عسكرية، رداً على تدريبات تجريها روسيا على أراضي بيلاروسيا المجاورة، والتي فسّرت على أنها تأتي في إطار تصعيد عسكري روسي في المنطقة. مناورات أوكرانيا رافقتها انتقادات أوروبية لتحركات موسكو العسكرية، في حين كشف وزير الدفاع البريطاني بن والاس أن روسيا تعتزم بدء "تدريبات استراتيجية نووية قريباً"، محذراً من أن تحركات الكرملين تسير في الاتجاه الخاطئ.
المسؤول البريطاني قال إن بريطانيا اطلعت على معلومات مخابراتية تشير إلى أن روسيا تعد خططاً لتنفيذ عمليات كذريعة لغزو أوكرانيا، إضافة إلى شن هجمات إلكترونية وغيرها من أنشطة زعزعة الاستقرار. وأضاف والاس، لراديو هيئة الإذاعة البريطانية (بي.بي.سي)، أن روسيا لا تزال تعزز مجموعاتها القتالية وهي تخطط لبدء تدريبات استراتيجية نووية قريباً.
والسؤال المثار هنا: هل يكون لأزمة أوكرانيا تداعيات نووية خطيرة إذا ما نشبت الحرب على أعتاب أوروبا؟
الأزمة الروسية الأوكرانية والعواقب النووية
نجح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين "الحذر والماكر" خلال هذه الأزمة بجذب انتباه الجميع من خلال الاستعداد لإثارة القلق في الأرجاء، وربما يكون هذا التصعيد كله مسرحاً كبيراً، كما تصفه مجلة Forbes الأمريكية. وإذا كان الأمر كذلك، فإن القوات الإضافية التي دفعها بوتين في بيلاروسيا وعلى طول الحدود الروسية مع أوكرانيا مبالغ فيه تماماً. ربما سيحصل على شيء أقل بكثير من "مطالبه المتطرِّفة" ويعلن النصر دون شنِّ هجومٍ عسكري جديد، أو قد يسعى إلى تحقيق مكاسب إقليمية إضافية متواضعة في شرق أوكرانيا. وإذا كان الأمر كذلك، فهو مفرطٌ في الاستعداد.
لكن الحشد العسكري لبوتين يشير إلى طموحات أكبر، إرسال قواته ودباباته إلى نهر الدنيبر، أي إلى أعتاب كييف. ويمكن بعد ذلك أن يستند انسحاب القوات إلى تنحية الزعيم الأوكراني الموالي للغرب، فولوديمير زيلينسكي، وتشكيل حكومة جديدة تحترم رغباته. يدرك بوتين ما يمكن أن يحدث بشكلٍ خاطئ، لكن تظلُّماته عميقة ويفكِّر فيما يمكن أن يحدث بشكل صحيح، كما تقول المجلة الأمريكية.
قد يُفتَح بابٌ لاستراتيجية الخروج من هذه الأزمة إذا أعلن زيلينسكي أن أوكرانيا ليس لديها نية على مدى العقد المقبل في السعي للحصول على عضوية الناتو. سيستغرق الأمر هذا الوقت الطويل، إن لم يكن أطول، حتى تتأهَّل أوكرانيا للقبول. لقد نما الحلف الأطلسي بالفعل إلى ما هو أبعد من تماسكه السياسي والعسكري. ومن الواضح أن هناك ما يبرِّر الاستراحة قبل التوسُّع الإضافي.
وبغض النظر عن مسار هذه الأزمة، فهي تمثِّل خبراً سيئاً بالنسبة لانتشار الأسلحة النووية. أسوأ الحالات هي الحرب التي تولِّد غيوماً نووية، لكننا لسنا قريبين من ذلك، والعواقب النووية الأقل سيئةٌ بما يكفي، وهي مُرجَّحة.
هل تتحول الأزمة الحالية لحرب نووية؟
لكن هذه ليست أزمة نووية لثلاثة أسباب، بحسب مجلة فوربس: فأولاً، تتمتَّع موسكو بمزايا تقليدية ساحقة وليست بحاجة إلى استخدام الأسلحة النووية. ثانياً، الأسلحة النووية ليست جيدةً للدفاع عن النفس في الحرب، وأوكرانيا ليس لديها أيُّ شيء الآن. وثالثاً، لن تقاتل الولايات المتحدة على الأراضي الأوكرانية. إن واشنطن وبعض عواصم الناتو الأخرى على استعداد لمساعدة الأوكرانيين في خوض معاركهم بأنفسهم، لكن ليس للقتال من أجلهم.
لا تمتلك أوكرانيا أسلحةً نووية لأن إدارة كلينتون ساعدت روسيا على استعادة من تركتهم وراءها بعد انهيار الاتحاد السوفييتي. في المقابل، تلقَّت أوكرانيا المساعدة التي احتاجتها لتصبح دولة مستقلة قادرة على البقاء. ساعد إخلاء أوكرانيا من الأسلحة النووية، جنباً إلى جنب مع بيلاروسيا وكازاخستان، على منع الأسلحة النووية والإرهاب النووي. وقد مهَّدَت الطريق لتمديد معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية إلى أجلٍ غير مسمَّى، وهذه المعاهدة هي أحد الحصون الرئيسية ضد الاستخدام الفعلي للأسلحة النووية، بحسب المجلة الأمريكية.
يعتقد البعض داخل وخارج أوكرانيا أنه كان من الخطأ إزالة الأسلحة النووية من الأراضي الأوكرانية. ومع ذلك، يجدُر بنا أن نتذكر أن السيطرة على هذه الأسلحة كانت محلَّ نزاعٍ بين كييف وموسكو، وأن محاولات القوات الأوكرانية الضعيفة للاستيلاء عليها كان يمكن أن تكون لها عواقب وخيمة للغاية. إلى جانب ذلك لم يكن لدى أوكرانيا المال ولا الخبرة للحفاظ على الأسلحة النووية أو الحفاظ عليها آمنة.
قضية نزع السلاح النووي من أوكرانيا تعود للأذهان مجدداً الآن
كانت حكومة أوكرانيا الوليدة بحاجةٍ إلى مساعدةٍ اقتصادية ودبلوماسية غربية، وكانت تلك المساعدة مبنية على نزع السلاح النووي. في مقابل السماح للأسلحة النووية بمغادرة البلاد، تلقَّت كييف تأكيداتٍ أمنية -لكن ليس ضماناتٍ صارمة- من موسكو وواشنطن ولندن.
كان ذلك في عام 1994. وبعد خمس سنوات، سلَّم بوريس يلتسين مفاتيح القلعة لبوتين. ثم في عام 2008، ضغط الرئيس جورج دبليو بوش على الناتو للسماح لأوكرانيا بالانضمام إلى الحلف. وفي عام 2014، أطاح الأوكرانيون بزعيمٍ فاسد مؤيِّد لروسيا. ثم ضمَّ بوتين قطعاً صغيرة من شرق أوكرانيا وضمَّ شبه جزيرة القرم. والآن هو على وشك غزو الثلث الشرقي من البلاد.
إذا صرَّح بوتين بشنِّ هجومٍ كبير، فإن نزع السلاح النووي في أوكرانيا سوف يلوح في الأفق، خاصةً بين الدول التي لا تمتلك أسلحة نووية والتي تتطلع إلى واشنطن كغطاء وقائي، كما تقول فوربس.
وتتحوَّط بعض الدول في رهاناتها بشأن الحصول على سلاحٍ نووي دون اتِّخاذ قرار قيادي بالقيام بذلك. والحالة الأوضح في الوقت الراهن هي إيران. معظم المتحوِّطين لديهم علاقاتٌ بالولايات المتحدة، ويشملون المملكة السعودية والإمارات وتركيا. بالإضافة إلى ذلك، تراقب كوريا الجنوبية وتايوان واليابان عن كثبٍ كيف ستنتهي الأزمة الأوكرانية.