بعد فشل باتريوت.. إليك قائمة الصواريخ التي قد تبيعها إسرائيل للإمارات، وهل تكون أفضل من الأمريكية؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/02/03 الساعة 18:40 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/02/03 الساعة 18:40 بتوقيت غرينتش
نظام القبة الحديدية الإسرائيلي خلال استهدافه صواريخ المقاومة الفلسطينية/رويترز

جاء الإعلان عن لجوء الإمارات لإسرائيل للتصدي لمسيرات وصواريخ الحوثيين عبر رغبتها في شراء أنظمة إسرائيلية منها "القبة الحديدية"، ليثير تساؤلات حول قدرة تل أبيب على تزويد أبوظبي بأنظمة وصواريخ إسرائيلية تحميها في ظل فشل الأنظمة الأمريكية في تحقيق ذلك.

وأفادت أنباء بأن إسرائيل تبحث بيع أنظمة "القبة الحديدية"، للإمارات، وذلك عقب الهجمات الصاروخية التي استهدفت البلاد من جانب قوات الحوثيين من اليمن، وأن هناك محادثات جارية بهذا الشأن، حسبما ورد في تقرير لصحيفة Times of Israel   الإسرائيلية، نشر في 1 فبراير/شباط 2022.

ولكن لم توافق إسرائيل بعد على تصدير أنظمة دفاع جوية للإمارات، في ظل قلقها من نقل التكنولوجيا الحساسة لهذه الدولة العربية رغم العلاقات المتنامية بينهما.

الإمارات قلقة من هجمات الحوثيين

وتعرضت الإمارات لنحو أربع هجمات بواسطة صواريخ كروز وباليستية وطائرات مسيرة من قبل الحوثيين، بسبب قيام قوات لواء العمالة اليمنية التابعة لها بالمشاركة في دعم قوات الحكومة الشرعية، ما أدى إلى نكسة للحوثيين في شبوة ومأرب.

وأدت الهجمة الحوثية الأولى التي وقعت في 17 يناير/كانون الثاني 2022، إلى مقتل ثلاثة عمال مهاجرين، بعد استهداف منشأة نفطية ومطار أبوظبي الجديد.

ثم أطلق الحوثيون، الإثنين 24 يناير/كانون الثاني، صواريخ باليستية مرة ثانية تجاه الإمارات، وأفادت تقارير بأنه تم إسقاطها، حيث كشف الجيش الأمريكي أن قواته المتواجدة في قاعدة الظفرة الإماراتية، هي التي تصدت للقصف الحوثي الذي تعرضت له أبوظبي صباح الإثنين، حسبما ورد في تقرير لوكالة أسوشيتد برس الأمريكية.

وفجر الأربعاء 2 فبراير/شباط الجاري، قالت الإمارات إنها اعترضت ودمرت ثلاث طائرات مسيّرة اخترقت مجالها الجوي، وهو هجوم أعلنت جماعة عراقية شيعية تدعى فصيل "ألوية الوعد الصادق.. أبناء الجزيرة العربية"، مسؤوليتها عنه، في بيان تداولته حسابات محسوبة على الفصائل العراقية المقربة من إيران على مواقع التواصل الاجتماعي.

ويمكن القول إن هذه الهجمات الصاروخية حتى لو لم تؤدِ في معظم الأحوال إلى خسائر بشرية أو أضرار مادية، فإنها تلحق أذى كبيراً بالاقتصاد الإماراتي الذي يعتمد بشكل كبير على السياحة، والخدمات المالية واللوجستية، وقد تؤدي هذه الهجمات إلى تدمير صورة الإمارات كملاذ آمن للسياحة والاستثمارات في المنطقة ومقر للشركات متعددة الجنسيات، وخاصة مدينة دبي، كما أنه مثلما حدث في الهجوم الأول والهجوم على منشأة أرامكو النفطية، في أغسطس/آب 2019، الذي يعتقد أن إيران تقف وراءه فإن مثل هذه الهجمات يمكن أن تلحق أضراراً كبيرة بمرافق النفط الحساسة في الإمارات، حيث تسبب هجوم أرامكو على سبيل المثال، في خفض إنتاج النفط السعودي اليومي لحوالي النصف ووقف إنتاج نحو 5% من الإنتاج النفطي لعدة أشهر، حسبما قال مطلعون على عمليات إنتاج النفط في السعودية لشبكة CNN الأمريكية في ذلك الوقت.

نظام ثاد الأمريكي الذي تمتلكه الإمارات/رويترز

ولهذه الأسباب يمثل التصدي لصواريخ وطائرات الحوثيين أهمية بالغة لأبوظبي حتى مقارنة بالمملكة العربية السعودية.

وطلبت أبوظبي، قبل أقل من أسبوعين، من الولايات المتحدة المساعدة في تعزيز دفاعاتها ضد الصواريخ والطائرات بدون طيار، وفقاً لبيان نشرته سفارة الإمارات في واشنطن على تويتر.

ورغم انفتاح الإدارة الأمريكية على طلب الإمارات، فقد نقل موقع Defense News عن أحد المساعدين بمجلس الشيوخ الأمريكي إنه إنه إذا كانت الإمارات تسعى للحصول على صواريخ باتريوت، فهناك نقص فيها بسبب عمليات الاعتراض لطائرات الحوثي بدون طيار والهجمات الصاروخية على المملكة العربية السعودية.

ولكن يبقى السؤال، لماذا لم تستطع الأنظمة الأمريكية المتطورة التي لدى الإمارات حماية أجواء البلاد، وهل تستطيع إسرائيل أن تزود الإمارات بما لم تتمكن منه الولايات المتحدة، المزود الرئيسي للأسلحة لأبوظبي، والتي أعلنت مؤخراً أنها ستنشر طائرات شبحية من الجيل الخامس في الدولة النفطية لحمايتها.

الإمارات تمتلك مزيجاً فتاكاً من المنظومات الدفاعية

تملك الإمارات العربية المتحدة مزيجاً فتاكاً من منظومات الدفاع الجوي المتوسطة إلى عالية الارتفاع؛ إذ تُشغِّل أبوظبي صواريخ الدفاع الجوي باتريوت MIM-104 Patriot PAC-3 طويلة المدى أمريكية الصنع، ومنظومة الدفاع الجوي في المناطق عالية الارتفاع "THAAD" المضادة للصواريخ الباليستية، فضلاً عن منظومات Pantsir-S1 متوسطة المدى روسية الصنع.

ووقعت الإمارات وكوريا الجنوبية صفقة بقيمة 3.5 مليار دولار، مؤخراً، تتضمن شراء أبوظبي صواريخ كورية من طراز تشونغونغ 2 أرض-جو متوسطة المدى للدولة الخليجية، وهي تطوير للصواريخ المستخدمة في أنظمة صواريخ S-350E و S-400 الروسية.

وتفيد تقارير بأنَّ الدفاعات الجوية الإماراتية مُكلَّفة بالمساعدة في الدفاع عن المجالات الجوية لدول جارة في وجه مجموعة من التهديدات الحقيقية.

فلماذا فشلت في التصدي لصواريخ ومسيرات الحوثيين؟

كانت الإمارات أول زبون أجنبي لنظام ثاد الأمريكي المتطور، ولكن مشكلة نظام ثاد أنه مخصص حصرياً لإسقاط الصواريخ الباليستية وليس صواريخ كروز أو الطائرات المسيرة أو الطائرات النفاثة.

وبصفة عامة فإن الطائرات المسيرة وصواريخ كروز أصعب في التعقب والإسقاط من الصواريخ الباليستية، رغم أن نظام باتريوت المتعدد الأغراض يفترض أن يسقطها

والسبب أن الطائرات المسيرة مصنوعة غالباً من مواد غير معدنية تكون مركبة عادة ويصعب رصدها بالرادارات، كما أن محركاتها كثيراً ما تكون كهربائية، وبالتالي فإن بصمتها الحرارية ضئيلة، والبصمة الحرارية إحدى وسائل رصد الأهداف الجوية.

أما صواريخ كروز فهي لا تطير في مسار بيضاوي باليستي يمكن التنبؤ به كالصواريخ الباليستية، كما أن مسارها يكون قريباً من سطح الأرض، ما يصعب رصدها.

"نظام دفاع جوي متعدد الطبقات".. صواريخ إسرائيلية يمكن أن تشتريها الإمارات

تحتفظ إسرائيل بنظام دفاع جوي متعدد المستويات مصمم لحماية أصولها الاستراتيجية من الهجمات الجوية يتضمن نظام باتريوت الأمريكي والقبة الحديدية الإسرائيلي وأنظمة أخرى.

الطبقة الدنيا للدفاع الجوي الإسرائيلي هي نظام القبة الحديدية القادر على اعتراض الصواريخ قصيرة المدى والطائرات المسيَّرة الصغيرة وقذائف الهاون مثل تلك التي تطلق على إسرائيل من قطاع غزة أو من جنوب لبنان.

وتتكون الطبقة الوسطى من مقلاع ديفيد (David's Sling)، والذي يُقصد به الدفاع ضد صواريخ مثل الإيرانية فاتح 110 وما يماثلها في سوريا M600، وكلاهما شهد استخداماً مكثفاً في الحرب الأهلية السورية ومن المعروف أنهما جزء من ترسانة حزب الله.

وهو مصمم لاعتراض طائرات العدو، وطائرات بدون طيار، وصواريخ باليستية تكتيكية، وصواريخ متوسطة إلى بعيدة المدى وصواريخ كروز، التي تطلق على نطاقات من 40 كيلومتراً (24.85 ميلاً) إلى 300 كيلومتر (186.41 ميل)، ويفترض أنه يُميز بين الشراك الخداعية والرأس الحربي الفعلي للصواريخ.

في 23 يوليو/تموز 2018، تم استخدام David's Sling لأول مرة في حالة قتالية ضد صاروخ سوري استخدم خلال الحرب الأهلية خشيت تل أبيب أن يكون يستهدفها.

وأفادت تقارير بأن إسرائيل عرضت النظام على الهند، كما أفيد بأن هناك اهتماماً من بعض دول الخليج به، وقد تكون ميزة النظام بالنسبة للإمارات أنه يستهدف الطائرات المسيرة.

هل تشتري الإمارات نظام أرو الإسرائيلي؟

في الجزء العلوي للدفاع الجوي الإسرائيلي توجد أنظمة Patriot الأمريكي وArrow 2 وArrow 3 الإسرائيليين، والتي تهدف إلى الاشتباك مع الصواريخ الباليستية المتوسطة والبعيدة المدى . وتم استخدام صواريخ باتريوت في عدد من المناسبات ضد الطائرات والصواريخ مثل ما حدث عند إطلاق العراق صواريخ على إسرائيل في حرب الخليج الثانية.

ونظام Arrow 2  أي السهم أو حيتس (بالعبرية) هي عائلة من الصواريخ المضادة للصواريخ الباليستية، يفترض أن تكون أكثر فاعلية ضد الصواريخ الباليستية من نظام باتريوت. وأنتج بتمويل وإنتاج مشترك من قبل إسرائيل والولايات المتحدة، وقد أفادت تقارير قديمة بأن هناك اهتماماً خليجياً به.

وهو مصمم خصيصاً لاعتراض وتدمير الصواريخ الباليستية القصيرة والمتوسطة، وليس الطائرات النفاثة أو الطائرات المسيرة أو صواريخ كروز، ولم يتم تصدير هذا النظام من قبل.

كان واضحاً أن مشكلة الإمارات هي مع طائرات الحوثيين المسيرة وصواريخ كروز، وليس الباليستية التي يمكن لثاد وباتريوت التعامل معها.

وبالتالي لا يقدم Arrow 2 جديداً، خاصة أن باتريوت يتميز عليه بأنه يستطيع إسقاط الطائرات المسيرة وصواريخ كروز، وثاد يستطيع استهداف الصواريخ الباليستية بعيدة المدى. 

كما أن نظام تشونغونغ 2 أرض-جو الذي تعاقدت عليه الإمارات، مثل باتريوت، يستطيع التعامل مع كل الأهداف الطائرة، ويقال إنه أفضل من الأنظمة الأمريكية. 

ونجحت الاختبارات التي أجرتها الولايات المتحدة وإسرائيل في ربط صاروخ Arrow الإسرائيلي وباتريوت الأمريكي.

أما نظام Arrow 3 فهو أكثر تقدماً، ومصمم للتصدي للصواريخ الباليستية أثناء جزء رحلة الفضاء من مسارها، ما يجعله قريباً لنظام ثاد الأمريكي المتوافر لدى الإمارات بالفعل.

قد يكون Arrow 3 بمثابة سلاح مضاد للأقمار الصناعية، ما يجعل إسرائيل واحدة من دول العالم القليلة القادرة على إسقاط الأقمار الصناعية، ويعتقد أن مدى طيران الصاروخ في نظام أرو 3 ما يصل إلى 2400 كم (1500 ميل).

ولم تصدر إسرائيل أنظمة "أرو"، لكن رادار Green Pin المستخدم في نظام أرو 3 صُدر للهند، ويقال إنه أثبت كفاءة عالية، وذكرت تقارير أن الإمارات تريد أن تشتريته.

هل تستطيع القبة الحديدية أن تحمي الإمارات بشكل أفضل من ثاد وباتريوت؟

تم تطوير نظام القبة الحديدية الإسرائيلي من قِبل شركة Rafael Advanced Defense Systems وIsrael Aerospace Industries، ويستخدمه الجيش الإسرائيلي منذ عام 2011.

ويظل نظام القبة الحديدية النظام المرجح أن يتم تصديره للإمارات لأنه يختلف عن نظام باتريوت الذي تمتلكه معظم دول الخليج، حيث اكتسب صواريخ باتريوت على أراضيها شهرة عندما استخدمت لحماية أراضي بلدان الخليج، وبالأخص السعودية، من صواريخ سكود التي أطلقها العراق، ونُسخها التي طورتها بغداد من هذه الصواريخ السوفييتية العتيقة (الحسين والعباس).

ولكن هناك فوارق ملحوظة بين نظام باتريوت الأمريكي ونظام القبة الحديدية الإسرائيلي، تجعل هناك قدراً من التكامل بينهما.

يهدف نظام الدفاع الجوي "باتريوت" إلى اعتراض كل من الطائرات القادمة والصواريخ الباليستية بعيدة المدى، فيما تم تصميم القبة الحديدية للتصدي للهجمات الصاروخية وقذائف الهاون قصيرة المدى، وكذلك بعض الطائرات، بالأخص المسيَّرة.

التكلفة

يكلف صاروخ باتريوت واحد ما بين مليونين وثلاثة ملايين دولار، وفي بعض المواقف التكتيكية، قد يكون استخدام واحد فقط من هذه الصواريخ من نواحٍ كثيرة مثل محاولة قتل الدبابير بمطرقة ثقيلة.

في المقابل، يُقال إن صواريخ القبة الحديدية تكلف نحو 62 ألف دولار؛ نظراً إلى أنها أصغر بكثير.

كما أن تكلفة بطارية صواريخ القبة الحديدية أقل أيضاً. لذلك فإن استخدام صواريخ القبة الحديدية قد يكون أكثر جدوى مع الصواريخ الأصغر مثل الصواريخ التي يطلقها الحوثيون على السعودية، وكذلك الطائرات المسيرة.

القبة الحديدية لا تطارد كل الصواريخ.. فهل هذه ميزة؟

يبدو أن بنية نظام القبة الحديدية مختلفة عن نظام باتريوت. تم تصميم بطارية باتريوت بأكملها لتكون متحركة ويمكن تشغيلها بشكل مستقل، حيث إن كلاً من الرادار والقيادة والتحكم جزء من التثبيت المحمول. في حين أن بعضاً من هذا قد ينطبق على القبة الحديدية، فإن مزيداً من عناصر نظامها ثابت والمناطق التي تحميها معروفة ومحددة جيداً.

بدلاً من مطاردة كل صاروخ أو قذيفة يتم إطلاقها، يتتبع نظام القبة الحديدية الإسرائيلي كل صاروخ ويحدد ما إذا كان سيصطدم بشيء يحتاج إلى الحماية أم سيسقط على منطقة غير مأهولة ذات قيمة منخفضة.

إذا قرر نظام القبة الحديدية الإسرائيلي أن هناك حاجة للاعتراض، فإنه يحسب بعد ذلك أفضل مكان للقيام بذلك بحيث يتجنب أن يؤدي الحطام المتساقط من تدمير الصاروخ الذي يستهدفه في الهواء، إلى خطر على السكان أو الأهداف الثمينة.

لا يقتصر الأمر على قيام أجهزة الاستشعار والرماة بتتبُّع الأهداف وضربها بشكل موثوق، بل يمكن للقبة الحديدية، عكس الأنظمة الأخرى، معرفة ما إذا كانت المقذوفة ستفقد الهدف وبالتالي يوفر اعتراضاً بلا جدوى قد يكلف ما قيمته 100 ألف دولار.

صواريخ إسرائيلية
القبة الحديدية تطلق صاروخاً في مدينة أشدود بجنوب إسرائيل عام 2014/ رويترز

ورغم أن نظام القبة الحديدية لا يعمل بالكامل بدون أخطاء، فإن المسؤولين الأمريكيين والإسرائيليين يصنفون القبة باستمرار، على أنها تحقق نسبة نجاح 90% على حدود غزة، وهي واحدة من أكثر الأماكن نشاطاً في العالم للقذائف الباليستية.

الخلاصة أن ميزة نظام القبة الحديدية الرئيسية أنه أرخص تكلفة من الأنظمة الأمريكية، وهو لا يطارد كل الأهداف، بينما نظام باتريوت يواجه مشكلة في السعودية وهي أن الرياض تستخدم فيه صواريخ ببضعة ملايين من الدولارات لإسقاط صواريخ حوثية تكلفتها بضعة الآلاف من الدولارات وطائرات مسيَّرة أحياناً ثمنها بضعة مئات من الدولارات.

ولأن الحوثيين يُمطرون السعودية بأنواع مختلفة من الأسلحة، منها المؤثر ومنها الضعيف، فإن السعوديين مضطرون إلى محاولة إسقاط الجميع بباتريوت، وهذا أدى إلى استنزاف المخزون السعودي من صواريخ باتريوت؛ بل أثَّر على مخزونات الولايات المتحدة التي لم يعُد لديها المزيد لإعطائه للإمارات، كما سبقت الإشارة، مما اضطر الرياض إلى طلب الصواريخ من حلفاء آخرين مثل قطر واليونان.

ماذا ستستفيد إسرائيل من نشر نظام القبة الحديدية في الإمارات؟

لم تحسم تل أبيب بعدُ موقفها من بيع أنظمة دفاعية إسرائيلية للإمارات، وسيكون القرار اختباراً صعباً بالنسبة لإسرائيل التي تنظر إلى الإمارات على أنها أقرب نظام عربي لها؛ بل إنها البلد القائد لطابور التطبيع والممول والمروج له.

ولكن الإسرائيليين قلقون من نقل التكنولوجيا الحساسة، ورغم التقارب الإماراتي الكبير معهم، تظل الإمارات دولة عربية، وإحدى قواعد السياسة الإسرائيلية الدائمة أنه لا يمكن ضمان المشاعر العربية والإسلامية ضدهم في أوقات الأزمات، خاصة إذا أقاموا علاقات مع أنظمة غير منتخبة، وهم لا ينسون أن شاه إيران كان أقرب حليف لهم بالمنطقة، والذي زوَّدهم بالنفط خلال حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، ولكن اليوم طهران أكبر خصم لهم وكان أول شيء فعله المتظاهرون خلال الثورة الإيرانية، الهجوم على السفارة الإسرائيلية في طهران.

وتركيا كانت قبل حكم حزب العدالة والتنمية صديقاً لإسرائيل وتنسق معها ضد العرب، ومشترياً مُهماً للأسلحة الإسرائيلية، وكانت تل أبيب تطوّر الأسلحة التركية، ولكن تحولت تحت قيادة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لأكبر نقّاد إسرائيل في المنطقة، وهاجمت سياستها تجاه الفلسطينيين، وأرسلت سفناً مدنيَّة لكسر حصار غزة، وباتت منافساً استراتيجياً لإسرائيل في شرق المتوسط، ومدافعاً عن دور حركة حماس، واستضافت قمة لرفض الاعتراف الأمريكي بالقدس.

على الجانب الآخر فإنَّ نشر نظام القبة الحديدية الإسرائيلي بالإمارات، إضافة للفوائد المادية والسياسية، يوفر ميزات تقنية لتل أبيب، إضافة إلى المغزى السياسي لهذا الاختراق الأمني الكبير لدول الخليج.

إذ يعني ذلك ساحة إضافية لإسرائيل لاختبار أسلحتها دون التعرض لخطر أسلحة إيران وحلفائها، خاصةً أن نجاح هجوم "أرامكو" كان صادماً بالنسبة للإسرائيليين، وهم يحتاجون أن يكونوا قريبين من أسلحة الإيرانيين؛ لمعرفة التطور الذي وصلوا له.

وهكذا يتيح نشر نظام القبة الحديدية الإسرائيلي بمنطقة الخليج لتل أبيب تطوير النظام دون أن يكون الثمن تعرُّض مواطنيها للخطر.

هل تستطيع القبة الحديدية توفير حماية كاملة للإمارات؟

ينسب المسؤولون الإسرائيليون إلى القبة الحديدية دورها في إنقاذ حياة آلاف المدنيين. ويقولون إن إطلاق حماس الصاروخي في الأيام الأخيرة أسفر عن مقتل 12 شخصاً بينهم طفلان، وبدون القبة الحديدية، كان عدد القتلى الإسرائيليين سيكون أكبر بكثير، حسبما ورد في تقرير لموقع CNBC الأمريكي.

ولكن كان مشهد هروب المستوطنين من المظاهرة التي تستهدف اقتحام المسجد الأقصى، بسبب الصواريخ التي أطلقت من غزة، وفضّ جلسة للكنيست الإسرائيلي للسبب ذاته، خلال حرب غزة مايو/أيار 2022، بمثابة دليل دامغ على أن نظام القبة الحديدية التي تسوّقها إسرائيل باعتبارها من أنجح تقنياتها العسكرية، ليس منيعاً كما يبدو.

وكان الصراع الأخير في غزة مختلفاً عن الحروب السابقة في الأعوام 2009 و2012 و2014. كما كان مختلفاً عن جولتي القتال اللتين دارتا عدة أيام في عامي 2018 و2019. وما يجعل هذه الجولة مختلفة هو عدد الصواريخ غير المسبوق الذي أطلقته حماس والنجاح الأقل الذي حققته إسرائيل في مواجهة حماس.

واخترق أكثر من 60 صاروخاً مظلة الدفاع الجوي الإسرائيلي، وتمكنت حماس من استخدام وابل من الصواريخ؛ لملاحقة البنية التحتية الاستراتيجية. 

وبالفعل، أكد خبراء عسكريون في إسرائيل رواية كل من "حماس" و"الجهاد الإسلامي" بأن في حوزتهما صواريخ حديثة تمكنت من تجاوز منظومة "القبة الحديدية" والوصول إلى أهدافها وإحداث أضرار كبيرة.

ويلمح الخبراء الإسرائيليون إلى أن هذه الصواريخ من صنع إيراني.

وأكدوا أن هناك سببين جعلا "حماس" و"الجهاد" تنجحان في تجاوز القبة الحديدية، أولهما إطلاق كمية هائلة من الصواريخ في آن واحد (130 صاروخاً خلال 5 دقائق، والثاني استخدام صواريخ جديدة موجهة إلى الطوابق العليا في عمارات مرتفعة).

فلقد تغلبت حماس على القبة الحديدية بأفكار بسيطة، فإذا كانت القبة لديها القدرة على إسقاط 90% من الصواريخ، فإن حماس ردَّت بإطلاق أعداد أكبر من الصواريخ؛ لإرباك القبة الحديدية، وزيادة عدد الصواريخ التي تسقط، وفي الوقت ذاته فإن صواريخ حماس أقل تكلفة من صواريخ القبة الحديدية التي يُفترض أن تسقطها.

فمهمة إسقاط آلاف الصواريخ بسرعة تصبح عملية مكلفةً؛ إذ تبلغ تكلفة الصاروخ الاعتراضي نحو 40 ألف دولار إلى 50 ألف دولار، وفقاً لمعهد دراسات الأمن القومي، وهو مركز أبحاث إسرائيلي بارز.

في الواقع، نجحت حماس، مراراً وتكراراً، في جعل نظام القبة الحديدية للدفاع الجوي الإسرائيلي يصل لطاقته القصوى بالعدد الكبير من الصواريخ التي تطلقها. 

والرسالة التي جاءت بها الحرب هي أنَّ الدفاعات الجوية الإسرائيلية قد لا تكون ذات يوم كافية لعرقلة كميات كبيرة من الصواريخ. ولن تعترف إسرائيل بذلك، لكن هناك ذروة استراتيجية لهذه التكنولوجيا (تكنولوجيا القبة الحديدية)، حسب تقرير لمجلة Foreign Policy. الأمريكية.

الجنرال يوسي لانغوتسكي، قائد الوحدة 81 للتكنولوجيا بالجيش الإسرائيلي، سبق أن قال في مقال له، إن "القبة الحديدية" أثبتت عدم فاعليتها وعجزها عن وقف صواريخ "المقاومة الفلسطينية"، حسبما ورد في تقرير لموقع TRT بالعربي.

وأضاف أن "نظام القبة الحديدية له العديد من القيود، من ضمنها نطاق الاعتراض الفعال للصاروخ قصير الاعتراض، لأنه في كثير من الحالات يحدث الاعتراض فوق منطقة الاستهداف، وكذاك لديه قيود في اعتراض الصواريخ الباليستية التي يجري إطلاقها على المديين المتوسط والبعيد، وغير قادرة على التعامل مع صواريخ العدو القابلة للمناورة والدقيقة، بحيث تبلغ تكلفة إطلاق كل صاروخ على القبة الحديدية أكثر من مئة ألف دولار".

سلاح لدى الحوثيين يستطيع خداع القبة الحديدية

ويعتقد خبراء عسكريون أن عصر القبة الحديدية الإسرائيلية أوشك على الانتهاء.

والمشكلة الكبرى أمام القبة الحديدية ومعظم أنظمة الدفاع الجوي هي الطائرات المسيرة.

بينما كانت صواريخ المقاومة الفلسطينية هي التي جعلت الإسرائيليين يفرون إلى الملاجئ خلال حرب غزة، فإن ما يُقلق الجيش الإسرائيلي أكثر، هو طائرات حماس المسيَّرة والمعروفة باسم طائرات شهاب والتي استُخدمت بالفعل خلال هذه الحرب، وهي طائرات يعتقد أنها معتمدة على تصميمات إيرانية.

واعتمدت حماس على تكتيك يجمع بين الصواريخ والطائرات المسيرة، إذ يتم إطلاق الصواريخ غير الموجهة التي يستخدمونها، في رشقات تتكون من أكثر من 100 صاروخ، ومباشرة بعد إطلاقها، يتم الكشف عنها بواسطة رادار القبة الحديدية، ويتعرف الرادار على أي صاروخ يُطلق بمسار يمثل تهديداً محتملاً ويطلق الصواريخ الدفاعية المناسبة. 

بينما تركز جميع أنظمة الدفاع على الصواريخ، تحاول حماس توجيه الطائرات الانتحارية في رحلة منخفضة المستوى؛ ومن ثم يصعب اكتشافها. ويبدو أنها حققت نجاحاً أوَّلياً، حسب موقع zenith الألماني المعنيّ بالشؤون العربية.

دور صواريخ "القسام" أنها تشكل ضغطاً على القبة الحديدية، الأمر الذي يزيد فرص مرور الطائرات المسيَّرة التي هي أكثر خطورة بسبب دقَّتها، وأطول مدى لها، وقدرتها على الطيران في مسارات غير متوقعة، ولأنها قد تنخفض إلى ما دون تغطية الرادار.

واستخدمت إيران تكتيكاً أكثر تعقيداً في هجوم "أرامكو" عام 2019، عبر خليط من صواريخ كروز والطائرات المسيرة، وهو هجوم أقلق إسرائيل بشدة، حيث إن بعض الطائرات الإيرانية المسيَّرة بدت لها نطاقات أطول بشكل متزايد. وكان هناك حديث عن طائرة مسيَّرة جديدة بين أيدي الحوثيين، يبلغ مداها 2000 كيلومتر، حسبما ورد في تقرير لصحيفة Jerusalem Post الإسرائيلية. 

كل ما سبق قد يجعل نظام القبة الحديدية الإسرائيلي أكثر فعالية من ناحية التكلفة في مواجهة هجمات صواريخ الحوثيين المحتملة ضد أبوظبي، خاصةً أن بُعد المسافة بين اليمن والأراضي الإماراتية سيحدُّ من قدرة الحوثيين على إطلاق عدد كبير من القذائف.

ولكن كما تبين في حالات متعددة، فإن الصراع بين الأنظمة الدفاعية الصاروخية والطائرات المسيرة وصواريخ كروز يتحول تدريجياً لصالح الأخيرة.

تحميل المزيد