يأخذون خُمس أموالهم.. كيف خلق الحوثيون نظاماً عنصرياً يتحكم باليمنيين، وحقيقة تبعيتهم الدينية لإيران

عربي بوست
تم النشر: 2022/02/02 الساعة 16:31 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/02/03 الساعة 12:43 بتوقيت غرينتش
أنصار الحوثيين يرفعون صورة لزعيم حركة أنصار الله عبد الملك الحوثي وأمين عام حزب الله اللبناني حسن نصر الله/رويترز

هل أصبح الحوثيون شيعة اثنا عشرية مثل إيران وما هي طبيعة العلاقة بين الجماعة اليمنية وبين طهران وهل هي تبعية أم تحالف، وما قصة النظام العنصري الذي أسسه الحوثيون في اليمن، والذي يستند لطبقة تسمى الهاشميين الذين يستخدمهم أنصار الله للسيطرة على اليمنيين وتقسيمهم لطبقات غير متساوية. 

ففي ظل طبيعة الحوثيين الغامضة، فإن الإجابة عن هذه الأسئلة أمر مهم لفهم الملف اليمني المعقد، ولفهم تأثيراته على المنطقة وعلى موازين القوى بها بعد أن تحول الحوثيين لأقوى ورقة ضغط في يد إيران على السعودية والعالم العربي، بل العالم أجمع عبر تهديد الملاحة في مضيق باب المندب بينما هم متحصنون في معاقلهم بجبال اليمن الوعرة.

ولكن لمعرفة تأثير الدور الحوثي لصالح الأهداف الإيرانية يجب معرفة كيف سيطر الحوثيون وهم أقلية على بلد صعب المراس تقليدياً مثل اليمن، وما طبيعة علاقتهم بإيران هل هي تحالف وشراكة تجعلهم قد يختلفون معها، أم هي تبعية مثل حزب الله تجعلهم يطيعونها دون تفكير، ويلبون مصالحها حتى لو تعارضت مع أهدافهم ومصالح اليمن، والأهم هل تأثروا فكرياً بالثورة الإسلامية بإيران فقط أم أنهم تحولوا للمذهب الشيعي الاثني عشري السائد في إيران، وما قد يستتبع ذلك من تقليدهم للمرشد الإيراني علي خامنئي، وما قد يعني ذلك من طاعة كاملة له مثلما يطيع الشيعة الاثنا عشرية عادة مراجعهم.

والحركة الحوثية هي جماعة دينية مسلحة ذات بعد أيديولوجي قائم على اختزال الحكم في فئة معينة تُدعى بني هاشم (وهي جماعة تطلق على نفسها آل البيت وتدّعي الانتماء إلى النبي محمد)، حيث يعتقد الكثيرون في شمال اليمن أن الحوثيين يسعون لإحياء حكم الإمامة الذي أسقطه اليمنيون غداة 26 سبتمبر/أيلول 1962. وعلى الرغم من أن الحوثيين ينكرون ذلك، فإن سياستهم توحي بعكس ذلك، حسبما ورد في تقرير لمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى الأمريكي.

كما تفكر الحركة الحوثية بعقلية دينية مذهبية وتميل إلى العنف المفرط لتحقيق أهدافها. وعلى النقيض فإن القبيلة اليمنية الزراعية التي تجمع بينها الروابط الاجتماعية القائمة على وشائج القربى والدم والمصالح المشتركة، لا تميل للعنف إلا في حالة الدفاع عن نفسها.

ما الفارق بين الشيعية الاثني عشرية والزيدية؟ 

المذهب الشيعي الجعفري أو الإمامي أو الاثنا عشري هو أكثر مذاهب الشيعة انتشاراً بفارق كبير عن المذاهب الأخرى، وهو السائد بين الشيعة في إيران والعراق، حيث يمثل أغلبية السكان، وكذلك في لبنان، حيث يمثل الشيعة نحو ثلث السكان إضافة إلى أقليات كبيرة في شرق الجزيرة العربية وباكستان.

أما المذهب الزيدي فيكاد يقتصر حالياً على اليمن، خاصة شماله، حيث يمثلون نسبة حوالي 35 إلى 40% من سكان البلاد.

وينتسب المذهب الزيدي إلى زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب المولود عام عام 76 هجرياً في المدينة، حيث تتلمذ على يد الإمامين الباقر والصادق..

وخرج ثائراً في العراق ضد الأمويين ، فبويع له بالخلافة في الكوفة من قبل أنصاره، أيده فيها الإمام أبوحنيفة النعمان.

ورغم إعلان بعض أهل الكوفة دعمهم لهذا الخروج، لكنهم تخلوا عنه وخذلوه عندما علموا بأنه لا يتبرأ من أبي بكر وعمر ولا يلعنهما، بل يترضى عنهما، فاضطر لمقابلة جيش الأمويين وما معه سوى 500 فارس؛ حيث أصيب بسهم في جبهته أدى إلى وفاته عام 122 هـ.

ويعد التيار الزيدي اتجاهاً مذهبياً يميل للثورة على الحاكم غير الشيعي بشكل أكثر قوة من الشيعة الجعفرية، الذين مالوا في أغلب تاريخهم للقبول بالأمر الواقع بعد النكسات التي تعرض لها أئمة المذهب، حيث يعتمد المذهب الزيدي على مبدأ الخروج للأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، كلما تحققت في أحد أبناء الإمام علي بن أبي شروط الإمامة التي تنص على أن يكون الإمام من أبناء الحسنين خرج، مجرداً من سيفه.

لماذا يوصف المذهب الزيدي بأنه الأقرب للمذهب السني؟

ولا يعترف الزيدية بعصمة الأئمة ونظرية المهدي كما هو عند الشيعة الاثني عشرية الذين يؤمنون بعقيدة الغيبة التي تنص على استمرار وجود الإمام الثاني عشر (محمد بن الحسن العسكري ) الذي اختفى في سرداب في مدينة سامراء عام 260 هـ كما يعتقدون، والذي سيظهر في آخر الزمان، حسب معتقدات الشيعة الاثني عشرية.

اللافت أن مؤسس المذهب زيد بن علي اعترف بصحة خلافة أبي بكر وعمر، عكس كل فرق الشيعة الأخرى بما فيها الإمامية، وكان معياره في ذلك قاعدة هي أنه تجوز "خلافة المفضول في وجود الأفضل" أي أن الخليفة الراشد علي بن أبي طالب أفضل وأصلح للخلافة من الخليفتين أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب، ولكن خلافتهما صحيحة.

ولم يبح لنفسه الطعن فيهما، ونبذ كثيراً من آراء الفرق الشيعية المتطرفة، وفتح باب الاختيار من الجماعة الإسلامية خاصة أهل السنة.

وجعل كل ما سبق علماء السنة، ينظرون إلى الزيدية بأنهم أكثر مذاهب الشيعة اعتدالاً في تعاليمها، ويرون أن مذهبهم أقرب المذاهب إلى فقه أهل السنة والجماعة، وحتى السلفيون لم يكفروا الزيدية، كما أن الشائع في أوساط كثير من علماء السنة أن يأخذوا من فقه بعض العلماء الزيدية، ويعد الشوكاني من أبرز الفقهاء الشيعة الذي أخذ منه العديد من علماء السنة.

كيف حكم الزيديون اليمن لأكثر من ألف عام رغم أنهم أقلية؟

تأسست الإمامة الزيدية الأولى في نهاية القرن التاسع الميلادي، وحكم العديد من الأئمة مناطق شمال اليمن -حقبة تخللتها فترات متقطعة من السيطرة الأجنبية وقيام دول يمنية سيطرت على أغلب مناطق اليمن خاصة في الوسط والغرب- حتى عام 1962. وخلال هذه الفترة عزز الأئمة سلطتهم عبر تكريس الادعاء باستحقاقهم الإلهي للسلطتين الدينية والسياسية.

وكان أحد أسباب سيطرة الأئمة الزيدية على البلاد لقرون طويلة خاصة شمالها رغم أن أبناء المذهب أقلية هو التركيبة اليمنية القبلية التي تميل للنزاع بين القبائل الكبرى، التي ترفض كل منها التنازل للحكم لقبيلة أخرى لأن كل قبيلة ترى نفسها الأعرق، وبالتالي قبلت القبائل أحياناً، زعامة الأئمة الذين يقولون إنهم ينحدرون من نسل الرسول باعتبارهم قادمين من خارج اليمن ومن نسل شريف، وبالتالي يمكن الاحتكام لقيادتهم الخارجة عن الانقسامات اليمنية التقليدية، إضافة للسلطة والمهابة التي منحها الادعاء بالانحدار من السلالة النبوية، كما أن معاقل الأئمة الزيدية ومناطق تركز المذهب الزيدي كانت المناطق الأكثر وعورة في اليمن، وبالتالي قبائلها الأكثر شراسة في الحروب كما هو في الحال في منطقة صعدة، بينما يتركز السنة في المناطق الأقل وعورة والأكثر حضارة، مثل تعز والسواحل الغربية واليمن الجنوبي، وهي مناطق ذات طابع أكثر تجارية من مناطق الزيدية.

لماذا يختلف الحوثيون عن بقية الزيدية؟

انقسمت الزيدية خلال القرن الثاني للهجرة عقائدياً إلى فريقين؛ البترية والجارودية، الأولى سارت على خطى النجاح المعتدل من شيعة الكوفة الأوائل وظلت مثلهم تعتقد أن علياً أفضل الخلق بعد الرسول صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك آمنت بصحة إمامة أبي بكر وعمر وعثمان خلال السنوات الست الأولى من خلافته، وبالتالي أجازوا إمامة المفضول مع وجود الأفضل، وعللوا صحة إمامة المفضولين أي أبي بكر وعمر، رغم وجود علي بمصلحة المسلمين العامة.

أما فرقة الجارودية فهم أتباع أبي الجارود، وقد تطرفوا إلى الحد الذي خالفوا فيه إمامهم الأصيل زيد بن علي بن الحسين واقتربوا بذلك من الشيعة الإمامية، في حين أن سائر المدارس الزيدية تبدو أقرب للفكر السني.

وقد ولد بدر الدين الحوثي في عام 1926، وهو ينتمي لأسرة من الفرقة الجارودية.

رحلة مؤسسة الحوثية لإيران

شارك حسين الحوثي في تأسيس حزب الحق العام 1990 لحماية مصالح المجتمع الزيد، علماً بأنه قبل ذلك كان قد رحل مع والده بدر الدين الحوثي إلى إيران ولبنان. برز الحوثي كأحد المتأثرين بالمذهب الشيعي الجعفري الاثني عشري الذي تتبناه إيران، إذ يعتبر زعيم الثورة الإيرانية آية الله روح الله الخميني مثلاً أعلى. لكنه في البداية لم يحظ بدعم كل القيادات الزيدية في مساعيه لإحياء الحكم الزيدي، لاحقاً تخلى عن مقعده البرلماني الذي لم يشغله سوى لسنة واحدة، بسبب خلافات مع قيادات الحزب.

ثم وُلدت الحركة الحوثية من رحم تحولٍ جذري في "منتدى الشباب المؤمن" الذي أسّسه قادة دينيون زيديون عام 1992 في مدينة صعدة. ووفق محمد عزان، أحد الشخصيات المؤسِّسة للمنتدى، تم تشكيل هذه الهيئة بهدف إحياء الفكر الزيدي من خلال تنمية الشباب تربوياً وثقافياً.

وحين انضم حسين الحوثي، إلى هذه المنظمة العام 1999، أقدم على إحداث تغيير جوهري في دورها، وحوّلها إلى منصة لأجندة سياسية سرعان ما تطورت في نهاية المطاف لتصبح تمرّداً عسكرياً، مُستخدماً لهذا الغرض التظلمات والتضامنات المذهبية.

وساعد والده، بدر الدين الحوثي الذي كان مرجعاً للمذهب الجارودي، وأصبح المرشد الروحي للمنتدى، حسين على توسيع رقعة نفوذه ومكّنه من العزف على وتر التضامن المذهبي لحصد دعم أكبر من جانب القبائل الزيدية في محافظة صعدة. كما نجح في استقطاب الشبان الزيديين الناقمين والمُمتعضين من وضعية الطائفة الزيدية منذ الثورة الجمهورية العام 1962، التي أنهت قرابة ألف عام من الحكم الزيدي في الشمال.

ومع أن جماعة الحوثيين برزت بعد أكثر من أربعة عقود على الإطاحة بالإمامة في 1962 وتأسيس الجمهورية، فإن أهداف وأيديولوجية الجماعة تأثرت بشدة بذلك الحدث. فمعظم قياديي الجماعة ينتمون -مذهبياً- إلى الزيدية، وأغلبهم ينحدرون من عائلات هاشمية، بما في ذلك عائلة الحوثي.

كان الهدف النهائي للحركة الحوثيّة، وهي حركة تبنت تمثيل الأقلية الزيدية الشيعية القوية في اليمن، هو إحياء القيادة الزيدية كمُوازن للأيديولوجيات السنّية المزاحمة لها. هذا كان أحد الأسباب الرئيسية لتحوّل نزاع اليمن إلى حرب بالوكالة بين تحالف بقيادة السعودية ودولة الإمارات وبين إيران، حسبما ورد في تقرير لمركز كارنيغي الأمريكي.

"نظام عنصري".. الاعتماد على إحياء هيمنة الطبقية الهاشمية للتحكم باليمنيين

كان أحد أسباب تنامي التمرّد الحوثي قدرة الحوثيين على استقطاب الهاشميين، وهم أساساً عائلات زيدية لعبت دوراً إدارياً مهماً خلال الحكم الأئمة الزيديين الذي دام قروناً، وهي تدّعي أنها تنحدر من سلالة النبي محمد.

وظلوا يحتفظون بمكانة خاصة لهم في القبيلة. ساعدهم على ذلك تعامل اليمنيين معهم بعاطفة دينية، حيث تحول بعضهم خلال فترة قصيرة إلى حكام ورموز إكراماً من اليمنيين لنسبهم المتصل بالنبي محمد. 

والهاشميون (السادة) طبقة خاصة من طبقات المجتمع اليمني الذي ينقسم إلى كل من "السادة، القضاة، القبائل، أبناء الخمس"، وهم ينتمون إلى السلالات الهاشمية التي قدمت إلى اليمن، وقد ظلت طبقة خاصة مميزة داخل المجتمع القبلي اليمني. فعلى الرغم من أنهم، ضمنياً، جزءٌ من القبيلة، فإنهم لم يكونوا من بنيتها الجوهرية المدْمجة بشكل عام. فقد اعتبروا أنفسهم الطبقة الأعلى في السلم الاجتماعي. 

وقبل الثورة اليمنية، في عهد الأسرة المتوكلية الزيدية المذهب، كان الهاشميون الذي يقولون إنهم ينتسبون لآل البيت، طبقة مميزة عن بقية سكان البلاد.

الحوثيون فكرة الهاشيمة للتحكم باليمنيين/رويترز

وكانت صور التمييز قبل الثورة كثيرة، فقد احتكر الهاشميون أغلبية الوظائف العامة ووظائف القضاء وتملّكوا العقارات ذات القيمة الكبيرة. ويقول الباحث في علم الاجتماع محمد قاسم، لموقع "رصيف22" إن الصورة الأهم لذلك التمييز تمثلت في كونهم لا يزوّجون بناتهم لعموم الناس، في حين كانوا يتزوجون من عموم الناس إذا كانت الفتاة جميلة.

وتنسب عائلة الحوثي لنفسها الانحدار من نسل النبي محمد، كعادة الكثير من العائلات الدينية الشيعية.

فجماعة الحوثي تمثل قبيلة عرْقية ترتكز على النزعة السلالية، والأيديولوجيا العقائدية. وقد شكل هذا عاملاً حاسماً في بنيتها الأساسية، وهو ما جعلها وقد أصبحت مسلحة، ولديها خبرة ستة حروب خاضتها ضد الدولة في صعدة، تتموضع في موقع أقوى القبائل اليمنية لتواصل حربها المستمرة اليوم. 

وساعد في تقوية شوكة الجماعة تفكير دنيوي خبير بطبيعة المجتمع القبلي في اليمن. فاستطاعت أن تتحاشى مواجهة هذه القبائل أو بعضها، أو حتى إحداها. فقد حرصت الجماعة، في صراعها مع القبائل، على خطاب ذرائعي، تفكيكي -إن صح التعبير- مستفيدةً من النزاعات البينية، لتستفرد بكل قبيلة أو قوة قبلية أو أجنحة قبلية.

ويقدر عدد الهاشميين، بنحو 10% من اليمنيين والأغلبية الساحقة في المستويات القيادية لجماعة الحوثيين، ويمثلون العمود الفقري لها، وتُظهر ذلك أسماء قتلاهم المكتوبة على لوحات المقابر في صنعاء وصعدة وغيرها، بل إنهم ينفردون بالقرار على مستوى الجماعة. 

وفرضت جماعة الحوثي "الخمس" ضمن قانون الزكاة، وهو ما يعني دفع 20% من موارد البلاد والأرباح والإيرادات الخاصة بالمواطنين والشركات؛ إلى من يسمون "آل البيت" أو "السادة" أو "الهاشميين"، أي الذين ينتسبون للنبي محمد صلى الله عليه وسلم.

ومن خلال تبنّي هوية الهاشميين، حصدت الحركة الحوثية الاحترام نفسه الذي كان يحظى به الهاشميون، واغتنمت فرصة حضورهم وشبكاتهم لمد نفوذها خارج مناطقها التقليدية. وهذه كانت خطوة أولى واضحة نحو تحرّك الحوثيين إلى ما يتجاوز الهوية الدينية، وصولاً إلى بلورة هوية سياسية جليّة.

وقد أيقظ صعود الحوثيين إلى السلطة مخاوف الكثير من اليمنيين من عودة نظام الإمامة الزيدية السابق ليحل محل النظام الجمهوري، وبالتالي العودة إلى التسلسل الهرمي الاجتماعي الذي كان سائداً قبل عام 1962 وإلى الانقسام الجغرافي على أسس طائفية.

وعلى الرغم من حالات التمرد والمواجهة التي خاضتها القبائل ضد جماعة الحوثيين، فقد أذعن الكثير منها، وحرص على السلام معها، محافظة على الحد الأدنى من مصالحها. إن أهم ما يمكن ملاحظته هو أن القبيلة اليمنية التي ظلت لأزمنة قوة لا يستهان به، لم يحدث لها انكسار مثلما حدث لها أمام جماعة الحوثيين، وإن لم يقضِ ذلك على القبلية كثقافة بطبيعة الحال، بل كرّسها.

 محاولة تقليد حزب الله

تبنى الحوثيون اسم أنصار الله المشابه لحزب الله، بكل ما يعنيه ذلك في المخيلة السياسية الشيعية والعربية التي يستحضرها اسم هذا الحزب اللبناني من دور مقاوم خاصة قبل تورطه في النزاعات المثيرة للجدل مثل أحداث 7 مايو/آيار 2008 والحرب السورية. 

ومنذ بداية أنشطتهم المتمردة العسكرية وشبه العسكرية، رفع الحوثيون شعارات تشبه الثورة الإيرانية مثل الموت لأمريكا وإسرائيل. 

كما طرح الحوثيون كذلك الرؤية السياسية وكتابات حسين الحوثي، التي عكست أفكاراً تتماشى مع التوجهات السنّية في المذهب الشافعي، على غرار الوحدة الإسلامية، والآثار النبوية، ومحاربة الفساد. وهذا سمح للحوثيين ليس فقط بتعبئة الزيديين بل أيضاً سكان المناطق ذات الغالبية الشافعية.

وبدأوا يقدمون أنفسهم كفصيل من المقاومة ضد إسرائيل في أمريكا علماً بأنهم لم يطلقوا رصاصة واحدة ضد أمريكا أو إسرائيل.

كما طرح الحوثيون أنفسهم كأعداء للتطرف. وقد استغلوا الهوية الزيدية لتأكيد معارضتهم للجماعات الجهادية السلفية، في وقت كانت الحكومة تقاتل تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية في بعض المناطق اليمنية. وهذا ما مكّنهم من استقطاب قطاعات أوسع في المجتمع اليمني وفتح لهم ذلك مجال لاتصالات مع أمريكا.

هل تحولوا للمذهب الشيعي؟

 تفيد تقارير بأنه طول الفترة بين 1994م وحتى 2004م، كانت العلاقة اليمنية الإيرانية على مستوى جيد، وتمكن الإيرانيون خلالها من التبشير المذهبي بشكل كبير، بواسطة كوادر شيعية عراقية ممن كانوا مقيمين في اليمن تحت ذريعة النزوح جراء الحصار الدولي المضروب على العراق حينها، وكان ذلك التبشير على محورين، الأول التبشير بالاثني عشرية، وكانت نتائجه غير مشجعة، فيما المحور الثاني وهو الأهم وذلك بإقامة علاقة جيدة مع رموز الزيدية الشيعية، التي أثمرت بعد ذلك ما بات يعرف بالظاهرة "الحوثية". 

ومنذ تصاعد نفوذ جماعة الحوثيين في اليمن عام 2011، أفادت تقارير بأن مظاهر الندب واللطم وطقوس وعادات شيعية حسينية، كتلك التي يمارسها أتباع المذهب الاثني عشري (الجعفري) في إيران والعراق بدأت تظهر في اليمن على نحو محدود داخل قاعات مغلقة .

وكثيراً ما تداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي مشاهد تسجيلية مصورة لشباب وأطفال يمارسون تلك الطقوس المذهبية غير المألوفة في اليمن، وربطها بتحول جماعة الحوثيين المتحالفة مع إيران عن المذهب الزيدي.

 ويرى بعض الباحثين أن حسين الحوثي، الذي يقال إن أنصاره يتبعون اسمه بتعبير "عليه السلام"، "كان مصمماً على مشروعه وهو بناء حزب إيراني في اليمن على غرار حزب الله واستعادة السلطة له بزعمهم آل البيت وهم أحق بالسلطة المغتصبة، وأن هناك المؤشرات التي تدل على الموقف الفكري للحوثي من أصحاب النبي محمد، وهم شخصيات محورية في المذهبي السني، وأن الحوثي يخص بالانتقاد الخلفاء أبا بكر وعمر وعثمان، ويشدد على مهاجمة عمر بن الخطاب وتحميله مسؤولية "كل معاناة وقعت للأمة". 

 ولكن رغم أن الحوثيين ينتمون إلى المذهب الجارودي وهو الأقرب في الشيعة الزيدية للمذهب الشيعي الاثني عشري، ورغم أنهم اقتربوا أكثر دينياً وسياسياً ولوجستياً من إيران في العقود الأخيرة، فإنه تظل هناك هناك خلافات بين المهتمين بالحوثيين حول حقيقة تحولهم للمذهب الشيعي الاثني عشري أم أنهم ازدادوا اقتراباً منه فقط.

وليس هناك مؤشرات قوية على أنهم يتبعون مرجعية مرشد الثورة الإيرانية على خامنئي الدينية، على الرغم من وضوح إعجابهم بالنموذج الإيراني وزعاماته، خاصة قائد الثورة الإيرانية الخميني، والمرشد الحالي علي خامنئي، والأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، ومن المعروف أن تقليد المراجع مسألة جوهرية في المذهب الشيعي وما يترتب عليها من دفع الخُمس.

ولكن معرفة مسألة هل أصبحوا شيعة اثني عشرية أم لا وهل أصبحوا من مقلدي خامنئي أم لا مسألة صعبة، بالنظر إلى خطاب الحوثيين المراوغ من ناحية، وأيضاً الطابع الكتوم للمذهب الشيعي بصفة عامة وخاصة الاثني عشري.

ولكن يمكن القول إن الحوثيين واصلوا عملية "جعفرة" المذهب الزيدي، التي بدأت أصلاً منذ نشأة المذهب الجارودي المتفرع من المذهب الزيدي قبل مئات الأعوام.

إيران متهمة بتزويد الحوثيين بالسلاح/روتيرز

وبالتالي فإن المسافة الدينية والمذهبية بين الحوثيين والشيعة الاثني عشرية قد تضاءلت، حتى يمكن القول إن الحوثيين مذهب أقرب للشيعة الاثني عشرية منهم للزيدية التقليدية.

ولكن احتمال أنهم يقلدون خامنئي، أو مرجعاً شيعياً جعفرياً آخر لا يبدو كبيراً، لأنه بالإضافة إلى عدم ثبوت دلائل راسخة على ذلك، فإنه من المستبعد أن يتخلى عبد الملك الحوثي عن هيمنته الدينية على الجماعة التي تجعله الحاكم الفعلي لليمن لطرف آخر، حتى لو كان هذا الطرف حليفاً له وداعماً له أو أنه معجب به، خاصة أنه لو تحول الحوثيون للشيعة الجعفرية بشكل رسمي سيفقد عبد الملك الحوثي الذي ليس له حيثية علمية كبيرة، سيطرته السياسية على الجماعة، وليس الدينية فقط، وسيصبح مجرد تابع لخامنئي لأن طبيعة المذهب الشيعي الاثني عشري هي التقليد الكامل للمرجع.

ولقد عززت نظرية الولي الفقيه التي تبناها قائد الثورة الإيراني آية الله الخميني من ذلك وجعلت الولي الفقيه الذي هو حالياً خامنئي زعيماً دينياً وسياسيا مطلق الصلاحيات وواجب على أتباعه طاعته في الأمور الدنيوية والحياتية والسياسية باعتباره نائباً للإمام الغائب.

وبالتالي على عكس حزب الله ففي الأغلب فإن الحوثيين لا يمكن وصفهم بأنهم اتباع دينيون وسياسيون لإيران.

ولكن يمكن وصف الحوثيين بأنهم جزء من المظلة الشيعية التي تقودها إيران وأنهم بمثابة حلفاء غير متساوين لطهران، حلفاء يتأثرون بالموقف الإيراني والتوجهات الإيرانية، ولكن ليس بالضرورة يطبقون الأوامر الإيرانية بنفس دقة حزب الله، وقد يشبهون في ذلك نظام الرئيس السوري بشار الأسد.

حليف إيران الأكثر تهوراً ورديكالية

ولكن ليس هذا جيداً على ما يبدو على الإطلاق لخصوم إيران، فرغم أن الحوثيين على الأرجح، شركاء وحلفاء ليسوا متساوين لإيران وليسوا أتباعاً ولكن يمثلون الشريك الأكثر راديكالية وتهوراً في محور الممانعة.

فرغم أن المذهب الزيدي هو أقرب المذاهب الشيعية للسنة كما سبق القول، ولكنه أيضاً أكثرها ميلاً لاستخدام السلاح، وللقوة، والنتيجة أن أتباعه رغم أنهم تاريخياً أقل عدداً من الاثني عشرية، ولكن مدة حكمهم أضعاف الأسر الشيعية، حيث حكموا اليمن لقرون، كما أسسوا دولة بنو بويه القوية في العصر العباسي في إيران والعراق.

وبالتالي فإن الحوثيين يقومون بإحياء هذه النزعة العسكرية القوية في المذهب الزيدي ضمن عملية إحياء شيعية عامة في المنطقة، يجعلهم هذا أكثر الأطراف الشيعية ميلاً للقوة في الوقت الحالي والسعي للسيطرة القسرية على محيطهم السني بشكل أكثر حدة من شيعة العراق ولبنان.

كما أن الطبيعية العسكرية المتأصلة في الحوثيين وفي كثير من القبائل الزيدية، وشعورهم التاريخي بالتفوق السلالي باعتبارهم هاشميين يؤصل نزعاتهم الاستعلائية على محيطهم السني، وميولهم العسكرية التي تستهين بقيمة الحياة البشرية بالنظر إلى أنهم يرون أن هدفهم أسمى، وهو استعادة الحق الطبيعي لورثة الرسول في الحكم.

ويفاقم من هذه الاستهانة بأهمية الحياة البشرية لخصومهم وحلفائهم على السواء، التركيبة الفقيرة والجبلية المقاتلة لليمن الشمالي، التي جعلت القتال والموت جزءاً من حياة البلاد، وهي التركيبة التي عززها الطابع الغيبي للتفكير الحوثي، إضافة لذلك طبيعة اليمن الوعرة وقدرات شعبه القتالية (خاصة القبائل الزيدية التي تعيش تاريخياً في المناطق الأكثر وعورة) التي تجعل هزيمة الحوثيين أمراً صعباً.

والأهم من كل ذلك أن تحقيق السلام أو شكل أشكال من الهدوء في اليمن المنكوب بأسوأ أزمة إنسانية في العالم مع استمرار سيطرة الحوثيين عليه يعني أنهم كحكام فعليين للبلاد، سيجدون أنهم مطالبون بتلبية احتياجات بلد مدقع الفقر، حطمت الحرب موارده المحدودة.

 وبالتالي من مصلحة الحوثيين بقاء حالة الصراع أو الحرب وما يترتب عليها من شعار "لا صوت يعلو فوق المعركة المقدسة التي بدأت قبل 1400 عام"، وهي حرب نتيجتها تقسيم اليمنيين بين حلف هاشمي وآخر غير هاشمي، ويصبح من حق الحلف الهاشمي الحصول على غنائم حرب من الأعداء الذين يرفضون الحق الهاشمي في حكم البلاد، إن لم يكن حكم العالم الإسلامي كله من وجهة الحوثيين ورعاتهم الخارجيين. 

تحميل المزيد