تقول التقارير الغربية والأمريكية إن روسيا تستعد لغزو أوكرانيا في أي لحظة، بينما تنفي موسكو نيتها ذلك، وتتهم الغرب باستفزازها عن طريق "نشر قوات لحلف الناتو بالقرب من حدود روسيا".
وعلى الأرض، تتواصل الإمدادات العسكرية الأمريكية والأوروبية لكييف، من الأسلحة الخفيفة إلى الصواريخ المحمولة المضادة للدروع الأمريكية والبريطانية، حتى الطائرات المسيرة من كـ"بيرقدار" التركية وغيرها.
لكن في الوقت نفسه يمكن لهذه الأسلحة إبطاء الغزو الروسي لأوكرانيا وليس إيقافه بالكامل، وذلك بالنظر إلى ضخامة الحشود الروسية من المشاة إلى المدرعات، وعدم تكافؤ ميزان القوى العسكرية بين موسكو وكييف، إذ سيرغب الجيش الروسي في تقويض معظم دفاعات أوكرانيا قبل وقت طويل من اجتياحه للمدن الأوكرانية.
لكن هناك سلاح أمريكي، تمتلكه أيضاً بعض الدول الحليفة لواشنطن في أوروبا، يمكنه أن يجعل روسيا تفكّر مرتين قبل أن تقرر غزو أوكرانيا، ألا وهو نشر مقاتلات الشبح إف-35. كيف ذلك؟
هل يمكن أن يوقف نشر مقاتلات إف-35 وقف الغزو الروسي لأوكرانيا؟
بينما تفكر الولايات المتحدة وحلفاؤها بالناتو، في تمركز القوة في القارة الأوروبية رداً على تهديدات الغزو الروسي لأوكرانيا، هناك متغير رئيسي يكمن على ما يبدو تحت الرادار، وهو مقاتلات الشبح من الجيل الخامس إف-35 الأمريكية، كما تقول مجلة national interest الأمريكية.
وإذا تم حشد أو تجميع أي نوع من مقاتلات إف-35 لدى القوات الأمريكية وحلفائها، في أوروبا الشرقية، لدعم أوكرانيا، فقد يقود ذلك الاستراتيجيين العسكريين الروس إلى "التوقف" عند التفكير في ثمن الغزو، بحسب "ناشونال إنترست".
وتتساءل المجلة: لماذا لا يتم وضع مجموعة من مقاتلات إف-35 بالقرب من أوكرانيا أو حتى فيها، وتجري التدريبات والتمارين وعمليات الاستعداد للقتال؟
وفي حين أن الناتو والولايات المتحدة قد يحجمان عن استخدام طائرات F-35 للاشتباك مع القوات الروسية أو مهاجمتها نظراً للمخاوف بشأن التصعيد المحتمل، ألن يؤدي مجرد وجود أو إظهار قوة طائرات إف-35 إلى تعزيز أي نوع من موقف الردع للولايات المتحدة والناتو؟
الفكرة منطقية، لا سيما في ضوء العدد المتزايد من الدول الأوروبية التي حصلت أو تعمل للحصول على طائرات F-35، والتي يمكن لجميعها التعامل مع بعضها البعض باستخدام روابط البيانات الآمنة.
العديد من الدول الأوروبية تمتلك طائرات إف-35
لا يقتصر الأمر على امتلاك الولايات المتحدة الآن لأسراب F-35 العاملة في أوروبا، ولكن الدنمارك قد تسلمت أول طائرة لها منها؛ فيما تشغل النرويج والمملكة المتحدة حالياً طائرات F-35، كما بدأت كل من بولندا وسويسرا وفنلندا بدعم قواتها بطائرات F-35، وتعتبر كل من إيطاليا وهولندا أيضاً شريكين في برنامج F-35.
يضاف إلى هذا الاحتمال حقيقة أن الدول الأوروبية على مقربة من بعضها البعض، ما يجعل من الممكن تماماً لمقاتلات F-35 الوصول إلى أوكرانيا من بولندا أو دول أوروبا الشرقية الأخرى بسهولة.
وبغض النظر عما إذا كانت مقاتلات الشبح F-35 ستستخدم بالفعل في القتال ضد القوات الروسية، فإن الاحتمال الواقعي بأنه "يمكن" استخدامها لمواجهة الغزو الروسي، من المرجح أن يؤثر بشكل كبير على معادلة الردع الاستراتيجية.
وأسباب ذلك واضحة، حيث من المحتمل أن يتسبب أي نوع من القوة الدفاعية من طراز F-35 في مشاكل حقيقية للجيش البري الروسي، حيث ستجعل طائرات F-35 من الصعب جداً على روسيا العمل مع أي نوع من التفوق الجوي، وليس من الواضح على الإطلاق أن الطائرات المقاتلة الروسية Su-57 يمكن أن تنافس مقاتلات F-35 أو حتى تتواجد بأعداد كافية لتقديم الدعم الجوي لها، كما تقول المجلة الأمريكية.
"ثمن باهظ ستتكبده روسيا"
وبحسب ناشونال إنترست، يمكن أن تهدد سرعة المقاتلة F-35 وقدرتها على المناورة بوقف أو حتى تدمير الدبابات الروسية والمدرعات والقوات البرية المتقدمة.
وإذا تم استخدامها بشكل استراتيجي وبأعداد كافية لتشكيل قوة متعددة الجنسيات من الجو، فإن طائرات F-35 سترسل رسالة واضحة، مفادها أنه "ستكون هناك مخاطر جدية وتكلفة باهظة لروسيا في حالة غزوها بالفعل".
يمكن أن يؤدي إرسال أعداد كبيرة من طائرات F-35 ضمن نطاق الاشتباك على الحدود الأوكرانية الروسية إلى إحداث "تأثير ردع كبير" دون الحاجة إلى نشر الآلاف من القوات البرية للولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي في أوكرانيا.
ومن المحتمل أن تفكر روسيا ملياً فيما إذا كانت تريد أن تواجه قوتها البرية هجمات جوية من طائرات F-35، قد يكون ذلك كافياً لتغيير رأي الرئيس فلاديمير بوتين ومنع غزو أوكرانيا فعلياً، بحسب المجلة الأمريكية.
لماذا هذا السلاح الفتّاك؟
بحسب موقع FlightGlobal المتخصِّص في صناعة الطيران، تواصل الولايات المتحدة الأمريكية تشغيل أكبر أسطول عسكري في العالم، حيث شكلت أمريكا 19% من الحصة العالمية للطائرات المقاتلة خلال العام 2021، بينما تحتلُّ الصين المرتبة الثانية بنسبة 11% -وهو ما يعكس برامج التحديث والمشتريات القوية لجيش التحرير الشعبي- تليها روسيا بنسبة 9%.
واقتحمت طائرة لوكهيد مارتن، إف-35، فئة العشر الأوائل للمرة الأولى، وهي شهادةٌ على الانتشار المحلي السريع لمقاتلات الشبح من الجيل الخامس والنجاح المستمر في أسواق التصدير العالمية.
والمقاتلة إف-35 مصممة بعديد من التجهيزات المختلفة، لتنفيذ مجموعة واسعة من المهام. إذ يحتوي تجهيز "الشبح" على أربعة صواريخ إيه آي إم-120 (أمرام) لمهمات الجو-جو، أو مزيج من أربع "قنابل ذكية" أمرام، وذخائر الهجوم المباشر المشترك (جدام) للمهمات الجو-أرض، وجميعها محمَّلة داخل مخزن التسليح الداخلي للمقاتلات؛ من أجل تقليل ظهورها على الرادار.
وتستطيع أجهزة الاستشعار المتعددة على متن طائرات إف-35 توليد صورة في الوقت الفعلي لساحة المعركة. ومن ثم تستطيع إف-35 نقل تلك المعلومات الحية إلى الوحدات ومراكز التشغيل القريبة، لتساهم في شبكة البيانات المشتركة القائمة على المعلومات الحية.
وبهذا تكون مقاتلات إف-35 مُضاعفة للقوة، إذ تستطيع تعزيز قدرات الوحدات الجوية والأرضية والبحرية الصديقة عن طريق الاستفادة من حزمة أجهزة استشعارها المتقدمة لتوفير معلومات لن يحصلوا عليها في غياب المقاتلة.
تتميز مقاتلات إف-35 أيضاً بهيكل طائرة مصمم خصيصاً لتوليد أقل مقطع عرضي على شاشات الرادار، كما أنها مغطاة بمادة تمتص موجات الرادار.
ويُعتقد عادةً أن مقاتلات إف-35 تكون أكثر تخفّياً من مقاتلات إف-22 رابتور -التي يُمكن القول إنها المعيار الذهبي لأداء التخفي في الجيل الخامس- ما يُولّد مقطعاً عرضياً منخفضاً للغاية على شاشات الرادار، لدرجة أنه غالباً ما يُقارَن بكُرة غولف معدنية. وهذا يجعل الـ"إف-35″ الخيار المناسب لمهمات الاختراق في عمق المجال الجوي للعدو.