"عميل يعمل لصالح القاهرة يتجسس على المعارضين المصريين في أمريكا"، سلطت هذه القضية الضوء على الاختراقات الاستخباراتية للمؤسسات الأمريكية من قبل حلفاء واشنطن العرب والتي أصبحت مثار قلق في العديد من الدوائر الأمريكية التي تتهم الإدارات الأمريكية المتعاقبة بتسهيل هذه الاختراقات.
وأعلنت وزارة العدل الأمريكية، يوم الخميس 13 يناير/كانون الثاني، اعتقال وإدانة رجل في مانهاتن بنيويورك، يُدعى بيير جرجس، بتهمة التجسس على منتقدي الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، بأمر من المسؤولين المصريين.
وأوضح مساعد المدعي العام الأمريكي أنَّ "لائحة الاتهام هذه تبدأ عملية تحميله المسؤولية عن أفعاله التي تتعارض مع قوانيننا وقيمنا".
لكن اللافت للانتباه أنَّ ما يغيب عن هذا الإعلان- وعن أي تعليق عام من وزارة العدل الأمريكية وإدارة بايدن، في هذا الصدد- هو كيف سيُحاسَب "المسؤولون المصريون" الذين لم تُكشَف هوياتهم، والذين كانوا العقول المدبرة لعملية التأثير غير المشروع هذه، وفقاً لما ورد في تقرير لموقع Responsible Statecraft الأمريكي
ولسوء الحظ، هذا الإغفال ليس استثناءً؛ إذ إنَّ السماح للقوى الأجنبية بالتدخل في أمريكا دون عواقب وخيمة صار الوضع الطبيعي الخطير الجديد، حسب الموقع.
الجواسيس الصغار يلقى القبض عليهم، ولكن المدبرين لا يواجهون أي عواقب
عندما تكتشف إدارة الولايات المتحدة عملية تأثير غير مشروعة، تلقي القبض على العملاء في الدولة وتحاسبهم كما ينبغي، لكن مهندسي هذه العمليات غير المشروعة لا يواجهون أية عواقب على أفعالهم، أو عواقب قليلة إن وُجِدَت.
يعلق الموقع الأمريكي قائلاً: "باختصار، نحن نعاقب البيادق ونترك سادة الشطرنج دون رادع".
ويضيف قائلاً: "مصر هي أحدث حكومة سلطوية دبرت حملة غير مشروعة في أمريكا وتفلت من العقاب".
قائمة طويلة من الاختراقات الاستخباراتية للمؤسسات الأمريكية من قبل الحلفاء العرب
الإمارات لها الصدارة
الإمارات العربية المتحدة، على سبيل المثال، ضُبطت مراراً وتكراراً وهي تدير عمليات نفوذ غير مشروعة في الولايات المتحدة. وفي الصيف الماضي، وجّه مكتب التحقيقات الفيدرالي لائحة اتهام إلى الملياردير الأمريكي توم باراك حليف الرئيس السابق دونالد ترامب، والمتآمرين المزعومين معه بسبب "جهود غير قانونية لتعزيز مصالح أبوظبي في الولايات المتحدة بتوجيه من كبار المسؤولين الإماراتيين".
وفي عام 2019، اتهمت وزارة العدل الأمريكية الملياردير الأمريكي اللبناني الأصل آندي خواجة وسبعة آخرين بتحويل ما مجموعه أكثر من 5 ملايين دولار من المساهمات غير المشروعة في الحملة الانتخابية الأمريكية بناءً على طلب من المسؤولين الإماراتيين، بما في ذلك ولي عهد الإمارات محمد بن زايد.
إضافة إلى ذلك، كانت الإمارات وراء حملة سرية بقيمة 2.5 مليون دولار في عام 2017 يديرها رجل الأعمال الأمريكي اللبناني جورج نادر وإليوت برويدي، جامع التبرعات الذي عمل لصالح ترامب، لإقناع أعضاء الكونغرس باتخاذ موقف صارم بشأن قطر.
كما اعترف نادر الذي كان يعد مستشاراً لحكومة الإمارات وصاحب الزيارات المتكررة للبيت الأبيض خلال العام الأول للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في منصبه، بالذنب لدوره في مساعدة الإمارات على ضخ ملايين من الدولارات للتأثير بطرق غير مشروعة في النظام السياسي الأمريكي خلال الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2016، والمفاجأة أنه دعم المرشحة الرئاسية الديمقراطية هيلاري كلينتون ومنافسها دونالد ترامب معاً!
وفي كل هذه الحالات، تعرضت البيادق- مثل باراك وخواجة ونادر- للمحاسبة، لكن كبار المسؤولين الإماراتيين- مثل محمد بن زايد- لم يُعاقبوا على تدبير هذه الهجمات على الديمقراطية الأمريكية، حسب الموقع الأمريكي.
السعودية اخترقت تويتر وتبرأ مواطنوها في أمريكا
وينطبق الشيء نفسه على تدخل السعودية في أمريكا. في عام 2019، اتُّهِم موظفان سابقان في تويتر بالتجسس على مستخدمي منصة التغريدات الذين ينتقدون المملكة. واتُّهِمَت السفارة السعودية بإدارة حلقة من "الوسطاء" لمساعدة المواطنين السعوديين على الفرار من الولايات المتحدة عند اتهامهم بارتكاب جرائم، بما في ذلك الاغتصاب والقتل، وفقاً لما ورد بتقرير الموقع الأمريكي.
وعلى الرغم من الغضب شبه العالمي من القتل البشع للأنظمة السعودية بحق المقيم الأمريكي والمعارض السعودي جمال خاشقجي، فقد استغرق الأمر أكثر من عامين للولايات المتحدة لمعاقبة أي شخص متورط. وحتى في ذلك الوقت، فإنَّ ما يسمى بعقوبات "حظر خاشقجي" التي فرضتها إدارة بايدن في أوائل عام 2021 لم تقترب من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، الذي حدد مجتمع المخابرات الأمريكي أنه المسؤول في النهاية عن الإذن بالقتل.
وتماماً كما هو الحال مع مصر والإمارات العربية المتحدة، عوقبت البيادق المتورطة في مغامرات المملكة العربية السعودية بينما لم يواجه سادة الشطرنج الذين يقفون وراءهم أية عواقب، ولا يزالون أحراراً في البقاء على الطاولة ومواصلة نفس اللعبة الخطرة.
هذا النهج غير المكتمل لمعاقبة الأفعال الاستبدادية قد خلق بيئة تشجع الجهات الأجنبية الخبيثة على التدخل في أمريكا. ويمكن بسهولة استبدال البيادق في هذه الأنشطة غير القانونية.
فعندما يخرج بيير جرجس أو جورج نادر من اللعبة، يمكن لمصر والإمارات العربية المتحدة بسهولة البحث عن الانتهازي التالي المستعد للقيام بعملهم القذر نيابةً عنهم، حسب تعبير الموقع الأمريكي.
ترامب، شجع الأمر، وبايدن غير حاسم في التصدي له
ويشكل نهج إدارة بايدن تجاه الاختراقات الاستخباراتية للمؤسسات الأمريكية، تحسناً ملحوظاً عن ذلك الخاص بالرئيس دونالد ترامب، الذي دعا علناً الجهات الفاعلة الخبيثة، مثل الصين وروسيا، للتدخل في السياسة الأمريكية.
ومع ذلك، فإنَّ فشل الرئيس بايدن في معاقبة جميع "المسؤولين الحكوميين" الذين يديرون هذه العمليات، سيؤدي إلى الاستمرار في رؤية المزيد من هذه المحاولات للتأثير سراً على العملية السياسية الأمريكية.
يقول الموقع الأمريكي في ختام تقريره: "آن الأوان أن تأخذ الإدارة الأمريكية هذه الهجمات على مؤسساتها الديمقراطية على محمل الجد، وتؤسس مثبطات حقيقية- بما في ذلك مصادرة الأصول وغيرها من الإجراءات العقابية- لردع الجهات الأجنبية الخبيثة عن البدء في عمليات التأثير غير المشروع في الولايات المتحدة. إنَّ الاستمرار في معاقبة البيادق فقط، وليس الجهات الأجنبية الخبيثة التي توجههم، سيؤدي إلى استمرار الهجمات على الديمقراطية في أمريكا.