تدفقت صواريخ جافلين (FGM-148 Javelin) أمريكية الصنع المضادة للدبابات إلى أوكرانيا خلال الأشهر الماضية من كل حدب وصوب، حيث تعول كييف على هذه الصواريخ بشكل كبير لصدّ الغزو الروسي وتدمير أعتى الدبابات والمدرعات الروسية. فما هي صواريخ جافلين الأمريكية التي يصفها البعض بـ"جزار الدبابات"؟
ما هي صواريخ جافلين ولماذا تعلق أوكرانيا الآمال عليها كثيراً؟
خلال الأشهر والأسابيع الماضية، كان يمكن العثور على أبرز علامات جهود الغرب لدعم أوكرانيا، على مدارج مطار بوريسبيل الدولي في العاصمة الأوكرانية كييف، حيث توجد أنظمة صواريخ جافلين المضادة للدبابات، والصواريخ المحمولة على الكتف والمصممة لمساعدة القوات الأوكرانية على تدمير الدبابات الروسية المتقدمة، بعد أن وصلت من الولايات المتحدة وبريطانيا ودول البلطيق، كما يقول تقرير سابق مجلة Foreign Policy الأمريكية.
وتضيف المجلة أن إيمان أوكرانيا بنظام جافلين قوي للغاية، لدرجة أن وزير الدفاع في البلاد ذهب مؤخراً إلى حد القول إن ثقته في القوات المسلحة كانت فعالة "مثل ذلك الصاروخ جافلين الذي يطلق من على الكتف".
ولكن ما الذي يجعل هذا السلاح مفيداً جداً أمام الجيش الروسي؟ الإجابة تكمن في أن صواريخ جافلين (Javelin)، التي تعني "الرُّمْح"، التي تصنعها شركة "لوكهيد مارتن" الأمريكية، تعمل بنظام "أطلق وانسَ"، ما يعني أن الجنود يمكنهم بشكل أساسي إطلاق الصاروخ على الهدف دون الحاجة للتصويب عليه بدقة، ويصيب الصاروخ هدفه بفضل المعدات الإلكترونية والمستشعرات الحرارية والبصرية بداخله، بحيث يتتبع الصاروخ الحرارة الصادرة عن مدرعات أو دبابات العدو ليصيبها مباشرة.
وتتمتع صواريخ جافلين بخبرة قتالية قليلة نسبياً، لكنها تميل إلى أن تكون فعالة وسهلة الاستخدام، لدرجة أن الجنود سيُطلقون الصواريخ على أي شيء تقريباً، وليس الدبابات فحسب، إذ تقول مجلة فورين بوليسي إن الجيش الأمريكي كان يستخدم هذا السلاح ضد المخابئ والكهوف والجنود المشاة في حروبه الأخيرة بأفغانستان والعراق وسوريا.
صواريخ جافلين.. مخاطر أقل وكفاءة أعلى في مواجهة الدبابات الروسية
السبب الآخر للثقة بهذا السلاح الذي يوصف بـ"جزار الدبابات"، هو أنه يعرض طاقمه لمخاطر أقل من أنظمة الصواريخ الموجهة التقليدية، إذ أورد تقرير لمجلة National Interest الأمريكية، أنه يمكن إطلاق صاروخ جافلين أيضاً في وضع الهجوم المباشر لضرب الأهداف القريبة جداً، لدرجة عدم ملاءمة الهجوم العلوي أو إن كانت الأهداف تستفيد من غطاء حماية علوي مثل خندق أو مدخل كهف. كما يمكن أن يكون وضع الإطلاق المباشر فعالاً ضد الطائرات المروحية التي تحلق على ارتفاع منخفض.
لكن يظل نطاق ومدى صاروخ Javelin أقل من المعتاد، إذ يصل إلى 2.5 كيلومتر فقط. قد يكون ذلك مناسباً وكافياً لمعظم المواقف القتالية، إلا أن مدى صواريخ التوجيه السلكي الأقدم أو صواريخ Kornet يصل إلى 5 كيلومترات أو أكثر.
ولأن جافلين نظام خفيف الوزن، أصبح سلاح الاستجابة الأول على الأرض في حالات الطوارئ التي يمكن وصفها بـ"غزو دبابات كبير وغير متوقع"؛ السيناريو الذي كان من الممكن أن تواجهه القوات الأمريكية في حرب الخليج، وتكرار نفس المخاوف حالياً في منطقة البلطيق.
وبلغت فاعلية وكفاءة صواريخ Javelin درجة أن مسألة بيع أو إعطاء الولايات المتحدة تلك الصواريخ لأي دولة أو كيان تصبح ذات أبعاد سياسية معقدة، وهو ما تكرر أكثر من مرة، وكان آخره في أوكرانيا.
ويصل وزن وحدة الإطلاق عند تحميلها بالصاروخ إلى 23 كغم (معظم الوزن يكون من الصاروخ)، ويمكن إطلاقه من وضعية الانحناء أو الجلوس، وهذا أخف بكثير من الصواريخ الموجهة بالأسلاك أو الصواريخ بعيدة المدى الأخرى، التي تتطلب عادةً حاملاً ثلاثياً ثقيل الوزن.
بمجرد رصد المستخدم للهدف يتم تسليط الراصد بالأشعة تحت الحمراء عليه ويضغط على الزناد، ليُطلق صاروخ جافلين من وحدة الإطلاق دون استخدام محرّكه الصاروخي في "إطلاق ناعم"، يتسبب في أن يكون الانفجار الخلفي قليلاً نسبياً. يسمح الانفجار الخلفي عند إطلاق الصواريخ للقوات المعادية برصد مكان مُطلِق الصاروخ، بل وتجعل عملية إطلاق الصاروخ من داخل مكان مغلق (مبنى) مخاطرة قاتلة، لذا الانفجار الخلفي المنخفض لصاروخ جافلين يزيد من احتمالات نجاة مطلق الصاروخ.
"جزار الدبابات".. كيف تحاول الدبابات الروسية تفادي صاروخ جافلين القاتل؟
بالطبع صواريخ بهذه المميزات ليست رخيصة، إذ يبلغ ثمن الواحد منها حوالي 80 ألف دولار، وأرسلت الولايات المتحدة 300 صاروخ جافلين إلى أوكرانيا قبل غزوها من قبل الروس، و180 صاروخاً إضافياً، و30 قاذفة في أكتوبر/تشرين الأول 2021. واشترت كييف لأول مرة 210 صواريخ جافلين المضادة للدبابات و37 قاذفة من الولايات المتحدة في عام 2018، وقال مسؤولون أمريكيون في أكثر من مناسبة خلال الأشهر الماضية، إنه يمكن أن يكون المزيد في الطريق إذا أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين غزوه لأوكرانيا، وهو ما حدث بالفعل.
إذ أعادت أمريكا تزويد أوكرانيا بزحمة جديدة من صواريخ جافلين المضادة للدروع، بحسب ما أعلن مسؤول رفيع في البنتاغون يوم السبت 26 فبراير/شباط 2022، وذلك في سبيل دعم الدفاعات الأوكرانية ضد الغزو الروسي.
وكان وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، أعلن السبت أيضاً، أن الولايات المتحدة ستقدم لأوكرانيا مساعدات عسكرية إضافية بقيمة 350 مليون دولار لصد الغزو الروسي، ستشمل وسائل عسكرية دفاعية جديدة لمساعدة أوكرانيا على مواجهة تهديدات المدرعات والمقاتلات والمروحيات والتهديدات الأخرى، من بينها صواريخ جافلين.
ورغم أن روسيا طوّرت تقنيات ردع جديدة، إلا أن القوات الأوكرانية نجحت بتدمير عشرات الدبابات الروسية وإخراجها عن الخدمة بواسطة صواريخ جافلين الأمريكية وغيرها من الصواريخ الحرارية المحمولة على الأكتاف، وذلك خلال المعارك في وسط وشرق وجنوب أوكرانيا، بحسب ما وزارة الدفاع الأوكرانية.
وأظهرت العديد من مقاطع الفيديو والصور المنشورة على منصات التواصل الاجتماعي لقطات لما قيل إنها دبابات روسية بعضها من طراز T27، قد تم إعطابها بواسطة صواريخ جافلين، التي زودت الولايات المتحدة الأمريكية القوات الأوكرانية بها.
وسبق أن وصف المسؤولين الأمريكيين شحنات جافلين الأمريكية إلى أوكرانيا على أنها "مصممة خصيصاً لتغيير حسابات بوتين بشأن غزو محتمل"، كما تنقل مجلة "فورين بوليسي".
وخلال الأعوام الماضية، أصبحت روسيا على دراية بقدرات وإمكانات صواريخ Javelin، وأضافت العديد من التدابير المضادة في إحدى دباباتها لتصبح منيعة أمام تلك الصواريخ.
وبحسب تقرير لمجلة National Interest الأمريكية، تتمثل تلك التدابير المضادة في أنظمة الدروع المتفجرة التفاعلية الجديدة، Relikt وMechanit، التي تتميز بطبقة مزدوجة من ألواح الدروع المتفجرة التفاعلية المصممة للتغلب على الرؤوس الحربية ذات الشحن الترادفي. كما يمكن أيضاً استخدام أنظمة الحماية النشطة مثل Shtora ونظام Afganit الأحدث لنشر قنابل "تعتيم" ووهج متعدد الأطياف لإخفاء الدبابة عن أجهزة الرصد بالأشعة تحت الحمراء أو تحويل أجهزة الرصد إلى مصادر حرارية أخرى.
إلا أن أجهزة الاستشعار الأحدث حسّنت من قدراتها أيضاً حتى تتمكن من رصد الهدف الأصلي من خلال سحابة التعتيم. أما عن أنظمة الدفاع النشطة المصممة للإطلاق على الصواريخ القادمة فستحتاج إلى إطلاقها عمودياً فوق الدبابة حتى توقف هجوم صاروخ Javelin من أعلى، ولا يبدو أن أي نظام دفاع نشط حالياً لدى روسيا يمكنه فعل ذلك.
وبمساعدة صواريخ جافلين، يمكن لبعض جنود الاحتياط الأوكرانيين البالغ عددهم 900 ألف لعام 2022 وفقاً لموقع Global Firepower المختص بتصنيف دول العالم حسب قدرتها العسكرية، تعلم كيفية استخدام هذه الصواريخ والانتشار على طول الحدود وطرق الدبابات المعروفة، لإبطاء أو مقاطعة أو إضعاف هجوم الدبابات الروسية على أوكرانيا.
ولكن في الوقت نفسه، قد لا تكون صواريخ جافلين قادرة على إيقاف الجحافل المدرعة الروسية بالكامل، بالنظر إلى أن روسيا تقوم بتشغيل 13 ألف دبابة كما يقول موقع Global Firepower، وهذا رقم هائل بالطبع، وتحتاج أوكرانيا لدعم أكبر بكثير لإيقاف هذه الدبابات بشكل كبير.
مع ذلك، يمكن للجيش الأوكراني الاستفادة خلال هذه المهمة بشكل كبير من خلال الدعم الجوي المتفوق، وتطوير أسطول دباباته وترقيتها بشكل صحيح، وعندها يمكن لقوة دبابات أصغر صد أو هزيمة أو ببساطة إبطاء هجوم الدبابات الروسية لفترة كافية لوصول الأصول الغربية المتقدمة، كما تقول مجلة National Interest الأمريكية.
صواريخ "NLAW".. أنظمة أخرى مضادة للدروع بين أيدي الجيش الأوكراني
ودعمت الولايات المتحدة أوكرانيا بالمساعدات العسكرية لسنوات عديدة حتى الآن، ومنذ عام 2014 خصصت الولايات المتحدة ما يصل إلى 2.5 مليار دولار للدعم العسكري لأوكرانيا.
وتزود واشنطن كييف بالأسلحة وترسل مدربين لتدريب الجيش الأوكراني. وتلقت أوكرانيا 350 مليون دولار من المساعدات العسكرية الأمريكية في عامي 2017 و2018، بالإضافة إلى 250 مليون دولار في عام 2019، وكذلك 300 مليون دولار في عام 2020. وبدأت كييف في تلقي أنظمة صواريخ جافلين المضادة للدبابات بعد أن وافقت إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب على بيع أسلحة فتاكة إلى كييف، بحسب تقرير لوكالة الأنباء الروسية "تاس".
كما دعمت بريطانيا أوكرانيا بشحنات من الأسلحة خلال الأسابيع الأخيرة، وتقول مجلة Economist البريطانية، إن في 17 يناير/كانون الثاني 2022، أعلن بين والاس، وزير الدفاع البريطاني، أن المملكة المتحدة قامت بتزويد أوكرانيا بأنظمة أسلحة دفاعية خفيفة مضادة للدروع"، وأظهرت صور من أوكرانيا طائرات النقل البريطانية ممتلئة بالجيل التالي من الصواريخ المضادة للدبابات (NLAW).
وتعد صواريخ MBT LAW سلاح قتال رئيسياً مضاداً للدروع، وهي نظام بريطاني- سويدي مشترك للصواريخ المضادة للدبابات قصيرة المدى، وتعمل أيضاً على نظام "أطلق وانسَ. وصُممت صواريخ NLAW للاستخدام من قِبل المشاة، حيث تطلق من الكتف ويُمكن التخلص منه بعد الإطلاق. وبحسب والاس، فقد أرسلت بريطانيا الآلاف من هذه الصواريخ لكييف مؤخراً وقد ترسل المزيد.
وبحسب الإيكونوميست، فإن صواريخ "أطلق وانسَ"، مثل NLAW و Javelin يمكن أن تصعّب من مهمّة الجيش الروسي بدخول المدن الأوكرانية، إذ تعد الصواريخ المضادة للدبابات "أسلحة كمائن". وعلى الرغم من أن صواريخ جافلين يمكن أن تضرب الدبابة على بعد ميلين، فإن صواريخ NLAW تتطلب من صاحبها الدخول في مسافة تصل إلى 800 متر أو نحو ذلك لضرب العدو، وهي مهمة أسهل في الغابات أو المدن أكثر من السهول.
وبالتالي ستكون ترسانة أوكرانيا الكبيرة والمتنامية من هذه الصوريخ أكثر فاعلية في المناطق الحضرية أو مناطق الغابات، حيث يمكن للمدافعين الاختباء بين المباني أو الأشجار والاقتراب دون أن يتم اكتشافهم.
ورغم ذلك، فإن القادة الروس، الذين يتذكرون معاركهم الحضرية المريرة في غروزني، عاصمة الشيشان، في التسعينيات، سيرغبون في تقويض دفاعات أوكرانيا المضادة للدبابات قبل وقت طويل من اجتياحهم للمدن، كما تقول "ذي إيكونومست". وبعبارات بسيطة تتمثل الطريقة الروسية في الحرب في تدمير الأعداء بنيران المدفعية الحاشدة وتطهير الناجين بالمشاة والدروع، ويأمل الروس في تدمير معظم القوة المدفعية المضادة للدبابات، قبل وقت طويل من دخول دباباتهم إلى المدن الأوكرانية، حيث سيكونون في مرمى الصواريخ المحمولة على الأكتاف.