جاء إعلان جامعة الدول العربية عن تأجيل القمة العربية القادمة المقررة بالجزائر، قبيل زيارة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى مصر التي بدأت أمس الإثنين، ليؤشر إلى المأزق الذي يواجه قمة الجزائر التي يسعى تبون لإنجازها لتكون ممراً لتأكيد عودة الجزائر لمكانتها الإقليمية بعد توليه السلطة.
وأعلن الأمين العام المساعد للجامعة العربية السفير حسام زكي أن موعد القمة القادم سوف يتحدد في اجتماع مجلس الجامعة العربية القادم على مستوى وزراء الخارجية المقرر عقده في مارس/آذار القادم، علماً بأن مارس/آذار هو الموعد الدوري لعقد القمة العربية، بما يعني أنها لن تعقد على الأرجح في مارس/أذار القادم بل بعد ذلك بعدة أشهر.
الجزائر تعتبر الحديث عن تأجيل القمة مغالطة
ويعد هذا التأجيل الثالث، حيث عقد القمة الأخيرة في تونس عام 2019، وتم إلغاء نسختي 2020 و2021 بسبب "كوفيد – 19". بالإضافة إلى الأوضاع السياسة في الجزائر حيث كان رئيسها الراحل عبد العزيز بوتفليقة مريضاً ثم اندلع الحراك المعارض لتجديد رئاسته، ثم تخليه عن الرئاسة وما صاحب ذلك من عدم استقرار، ثم انتخابات قاطعتها المعارضة.
ولكن بعد تولي تبون السلطة وتكيف العالم مع جائحة كورونا بما في ذلك، عقد قمم دولية عديدة، بدا أن الجزائر في عهد تبون تريد استضافة القمة كعنوان لعودة الأوضاع لطبيعتها وعودتها لدورها العربي والإقليمي والدولي.
وقال الأمين العام المساعد للجامعة حسام زكي في تصريحات متلفزة، إنه و"بالتشاور مع دولة الاستضافة وهي الجزائر، كان لديهم تفضيل أيضاً (لتأجيل القمة) لأن هذه الفترة تشهد ارتباكاً بسبب وضع كورونا".
وأضاف حسام زكي: "أستطيع أن أقول بكل اطمئنان.. لا توجد أسباب سياسية لهذا التأجيل، ولكن يمكن الاستفادة به لتحسين المناخات السياسية"، ولم يكشف زكي الموعد الجديد للقمة.
في المقابل، اعتبرت الجزائر باعتبارها البلد المضيف أن الحديث عن تأجيل القمة "مغالطة".
وقالت وزارة الخارجية الجزائرية، إن ما يتم تداوله من تقارير عن تأجيل القمة العربية في الجزائر "مغالطة، لأن تاريخها لم يحدد أصلاً".
ونقل بيان للخارجية الجزائرية عن وزير الخارجية رمطان لعمامرة قوله إن "السيد رئيس الجمهورية يعتزم طرح موعد يجمع بين الرمزية الوطنية التاريخية والبعد القومي العربي ويكرس قيم النضال المشترك والتضامن العربي".
وأضاف البيان: "هذا التاريخ الذي ينتظر اعتماده من قبل مجلس الوزراء العرب، في دورته العادية المرتقبة شهر مارس/آذار المقبل، بمبادرة الجزائر وتأييد الأمانة العامة للجامعة، من شأنه أن يسمح أيضاً باستكمال مسلسل المسار التحضيري الجوهري والموضوعي بما يسمح بتحقيق مخرجات سياسية تعزز مصداقية ونجاعة العمل العربي المشترك".
وأشار البيان إلى أن وزير الخارجية الجزائري، أكد خلال لقائه سفراء البلدان العربية المعتمدين بالجزائر، في إطار لقاء تشاوري يندرج ضمن اللقاءات الدورية مع مختلف مجموعات السلك الدبلوماسي، "التزام الرئيس عبد المجيد تبون بمواصلة عملية التشاور والتنسيق مع أشقائه قادة الدول العربية وبمعية قيادة الأمانة العامة لجامعة الدول العربية".
لماذا تم إلغاء القمة؟ الجائحة المظلومة
ومن المعلوم أن القمة العربية تقليدياً تعقد في شهر مارس/آذار من كل عام، علماً بأن الوقت المتبقي على الموعد الدوري للقمة يقارب ثلاثة أشهر، وهو كافٍ للتحضير للقمة، خاصة إذا استضافتها دولة ذات إمكانيات كبيرة كالجزائر.
أما تفسير الجامعة العربية على لسان أمينها العام حسام زكي لقرار التأجيل بأنه سبب جائحة كورونا، فلا يبدو منطقياً بالنظر إلى أن العالم تكيف مع الجائحة وأصبحت قمم ومؤتمرات بل حتى دورات ألعاب أولمبية تقام رغم الوباء.
كما أن بيان الخارجية الجزائرية يخلو من أي إشارة إلى جائحة كورونا.
ولكن من الواضح أن تأجيل القمة يأتي لأسباب سياسية رغم نفي الجامعة العربية ذلك، وما يعزز هذا الاحتمال زيارة عبد المجيد تبون للقاهرة، والتي قيل إنها تهدف إلى مناقشة ملفات عدة من بينها القمة العربية.
وبحسب بيان الخارجية الجزائرية فإن قرار تحديد موعد القمة مرتبط باستكمال الاتصالات المباشرة التي تجمع تبون دورياً مع العديد من نظرائه العرب، وكذا تلك التي تتم عبر مبعوثه الخاص.
ووفقاً لما قاله مصدر جزائري مطلع رفض الكشف عن اسمه لـ"عربي بوست"، فإن الجزائر تعمل على ضمان مشاركة كل من الملك سلمان بن عبد العزيز أو ولي عهده محمد بن سلمان، وولي عهد أبوظبي والحاكم الفعلي للإمارات محمد بن زايد، إضافة إلى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.
وتعتبر الجزائر أن مشاركة الزعماء الثلاثة من شأنها أن تضمن مشاركة حلفائهم وتعطي زخماً كبيراً للقمة العربية المنتظر تنظيمها السنة المقبلة.
الخلاف الجزائري المغربي
ومن الواضح أن أكبر العراقيل أمام القمة هي العلاقات الجزائرية المغربية، والتي وصلت لأسوأ أحوالها منذ سنوات، حيث قطعت الجزائر علاقتها مع الرباط، وأوقفت خط الأنابيب الذي يمد المغرب بالغاز الجزائري ويذهب إلى إسبانيا، في مؤشر على قطيعة طويلة الأمد على خلفية النزاع حول الصحراء، واتهامات الجزائر للمغرب بالتدخل في الشؤون الداخلية الجزائرية عبر فتح ملف الأمازيغ لأول مرة.
ورغم أنها ليست أول مرة تستضيف دولة عربية قمة وهي على خلاف يصل لحد القطيعة مع دولة أخرى، ولكن الجديد أن الخلاف المغربي تعتبر بعض الدول الخليجية طرفاً فيه خاصة الإمارات، بالنظر إلى اعترافها بمغربية الصحراء ودورها في تشجيع اعتراف الولايات المتحدة بأن الصحراء جزء من الأراضي المغربية مقابل التطبيع المغربي مع إسرائيل الذي تعد أبوظبي عرابته في المنطقة حالياً.
توتر العلاقة مع الإمارات والخلاف حول الأزمة الليبية
في المقابل، توترت علاقات الجزائر مع الإمارات بالنظر إلى تلميحات جزائرية بتدخل الإمارات في شؤون البلاد الداخلية عبر دعم بعض الجنرالات السابقين، إضافة إلى الخلاف حول الملف الليبي وحول خلاف يشمل مصر والسعودية بصورة أقل.
إذ ترفض الجزائر تأييد مصر والإمارات للجنرال الليبي المتقاعد خليفة حفتر الذي سبق أن هاجم الجزائر، في المقابل، أكدت الجزائر أن دخول حفتر للعاصمة الليبية طرابلس خط أحمر بالنسبة لها.
ورغم أن الخلاف المصري الجزائري حول ليبيا معروف، إلا أنه مستبعد أن يكون سبباً لاعتراض مصري على استضافة القمة العربية، بالنظر إلى أن مجمل العلاقات بين البلدين جيدة، كما أن الجزائر كانت من أول بلد استقبل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بعد توليه السلطة حينما كانت علاقته بالغرب فاترة.
وهناك عودة نظام الأسد للجامعة
ولكن الخلافات العربية التي تعرقل القمة لا تقتصر على الملفين الليبي والمغربي، ولكن هناك أيضاً خلاف حول عودة سوريا للجامعة العربية، حيث تفيد تقارير بوجود اعتراض سعودي وقطري على ذلك، وكذلك ضعوط أمريكية لمنع التطبيع العربي مع الأسد، علماً بأن موقفي الجزائر والإمارات متشابهان في هذا الملف.
ولا يعرف هل غيرت السعودية موقفها أم لا، وهل تتقبل عودة نظام الأسد للجامعة العربية، ولكن المملكة تصعد ضد حزب الله حليف سوريا وإيران في لبنان، وقد يكون اعتراض السعودية على عودة دمشق للجامعة العربية نابعاً بالأساس من قلقها من تحول نظام الأسد لبيدق لصالح طهران في الجامعة العربية أكثر من قلقها من جرائمه بحق الشعب السوري حرصها على قيام الأسد بمنح بعض الحقوق والصلاحيات للمعارضة كما أكدت الجامعة العربية من قبل وكما تنص عملية التسوية الأممية في سوريا، التي لم تتحرك قيد أنملة تقريباً.
كما أن السعودية تحتاج إلى مقابل من الأسد ولو معنوي وهو الرجل الذي وصف معارضي حرب لبنان عام 2006 بأنصاف الرجال.
وكان لافتاً في هذا الصدد زيارة وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة إلى السعودية والتي يعتقد أن لها علاقة بالقمة ومساعي الجزائر لتحسين علاقاتها مع دول الخليج قبل انعقادها.
الموقف من التطبيع سبب آخر للخلاف
ويمثل الخلاف حول التطبيع مع إسرائيل خلافاً آخر في القمة، رغم أنه قد لا يكون سبباً للتأجيل علماً بأن الجزائر تكاد تكون حالياً الدولة العربية الرئيسية المعترضة على التطبيع، وتريد أن تكون قمة الجزائر هي قمة فلسطين بالنظر إلى أن الجزائر تعتبر أن لديها مسؤولية خاصة تجاه هذه القضية.
بينما تقود الإمارات تيار التطبيع مع إسرائيل في المنطقة بينما يبدو الخفي في موقف السعودية من التطبيع أكبر من الظاهر، مع وضوح أن زخم احتمالات التطبيع السعودي العلني مع إسرائيل قد تراجعت وقد يكون ذلك بسبب ذهاب ترامب من البيت الأبيض أو رفض الملك سلمان بن عبد العزيز بنفسه هذا التوجه.
هل تساهم زيارة تبون لمصر في تذليل العقبات أمام القمة؟
زيارة تبون لمصر لا تأتي فقط باعتبارها أكبر دولة عربية ومقر الجامعة العربية، ولكن يمكن القول إن الخلافات المصرية الجزائرية هي خلافات مسيطر عليها وفي الأغلب لن تعترض القاهرة على عقد القمة بالجزائر، كما أنه ليس لديها اعتراض ذاتي على عودة سوريا بقدر ما أنها لا تريد أن تغضب السعودية والولايات المتحدة في هذا الملف.
فزيارة تبون لمصر تشير إلى أن القاهرة سوف تصبح محطة رئيسية لمناقشة القضايا الخلافية حول القمة من بينها ليبيا، علماً بأن الخلافات حول الملف الليبي بين الأطراف المعنية بما فيها مصر والجزائر والإمارات، قد تراجعت عن ذروة حدتها بعد وقف إطلاق النار وإبرام الاتفاق السياسي المتعثر بوساطة الأمم المتحدة.
وفي الملف المغربي، كانت مصر من أوائل الوسطاء في الخلاف المغربي الجزائري في السبعينيات، وطبيعة علاقتها ليست منزاحة تجاه أحدهما على حساب الآخر، رغم أن الجزائر تظل أهم للقاهرة سواء من منظور التنافس في ليبيا أو مجمل الإطار العربي المشترك الذي تلعب فيه الجزائر دوراً أكثر نشاطاً من المغرب، إلى جانب المجالات المشتركة المتعددة بين القاهرة والجزائر بحكم القرب الجغرافي، وقدرات الجزائر في مجال الطاقة، ودورها في مكافحة الإرهاب في الصحراء، إضافة إلى جوارها مع ليبيا.
كما يبدو أن هناك قدر من التشابه بين موقفي البلدين في الأزمة التونسية، فمن الواضح أن كلاهما يدعم الرئيس قيس سعيد في توجهاته المعادية للديمقراطية، وإن كانت الجزائر في الأغلب تميل إلى أن يتم ذلك دون قمع للمعارضة وضمنها حركة النهضة، بينما القاهرة وأبوظبي تفضلان عادة إقصاء الإسلاميين بوسائل قمعية، إضافة إلى أن التشابه في المواقف لا ينفي حساسية الجزائر من فكرة التدخل المشارقي في منطقة المغرب العربي ولاسيما تونس الأقرب للجزائر.
يجعل ذلك القاهرة مرشحة مثالية بالنسبة للجزائر لتأييد الرغبة الجزائرية في عقد القمة، بل وسيطاً محتملاً في القضايا الخلافية.
ورغم إمكانية تأجيل عودة سوريا للجامعة العربية أو القيام بخطوة رمزية أقل وتنحية الخلافات حول التطبيع وليبيا، فإن الخلاف المغربي الجزائري يظل أكبر العوائق أمام القمة العربية، في ظل صعوبة احتمال تحقيق مصالحة ولو جزئية بين البلدين قبل القمة، وصعوبة إيفاد المغرب ممثلاً لها للقمة حتى ولو على مستوى منخفض في ظل العلاقة المقطوعة بين البلدين.