فتحت واقعة رفض اللجنة المنظمة لأمم إفريقيا مشاركة حارس جزر القمر ضد الكاميرون باب الاتهامات الموجهة للكاف، فهل جامل الاتحاد الإفريقي لكرة القدم الدولة المضيفة؟
كان منتخب جزر القمر قد اضطر لإشراك أحد لاعبي الخط الخلفي في مركز حراسة المرمى بسبب إصابة الحراس الثلاثة في قائمة الفريق العربي بفيروس كورونا، وذلك في مباراة دور الـ16، والتي خسرها الفريق لصالح منتخب الكاميرون مستضيف البطولة بهدفين لهدف واحد.
جزر القمر شارك في أمم إفريقيا للمرة الأولى في تاريخه وحقق إنجازاً ضخماً بتأهله للدور التالي بفوز تاريخي على منتخب غانا ليتأهل كواحد من أصحاب أفضل النتائج في المركز الثالث، ليواجه الكاميرون ويغادر البطولة بطريقة درامية.
هل جاملت اللجنة المنظمة الكاميرون؟
أن يخسر منتخب جزر القمر من الكاميرون فهذا أمر منطقي بشكل عام، لكن الظروف التي سبقت اللقاء وسير المباراة نفسها والنتيجة التي انتهت عليها أثارت عاصفة من التساؤلات والاتهامات أيضاً بحق اللجنة المنظمة والاتحاد الإفريقي (الكاف).
وبحسب ما قاله رئيس اتحاد جزر القمر سعيد علي سعيد عثمان لقناة Bein الناقل الحصري للبطولة، فإنه كان يأمل أن يشارك أحد حراس المرمى الثلاثة بالمباراة، خاصة بعد أن ظهرت نتيجة فحص كورونا الخاصة به سلبية، بعدما كانت إيجابية قبل أيام، مضيفاً أنه فوجئ بقرار اللجنة الطبية ليلة المباراة، بضرورة خضوع اللاعبين الذين سبق وكانت نتيجتهم إيجابية للحجر لمدة 5 أيام، وهو أمر لم يكن متبعاً سابقاً في دور المجموعات.
عثمان أكد أيضاً أنه حاول إقناع اللجنة الطبية بمشاركة الحارس الثالث الذي كانت نتيجته سلبية، ولكنهم لم يوافقوا، مما اضطر مدرب المنتخب للبحث عن لاعب من الفريق لشغل موقع حارس المرمى، فوافق شاكر الهدهور الذي يلعب كمدافع.
وتسببت القصة وغضب رئيس اتحاد جزر القمر مما وصفها بالطريقة غير المناسبة التي تعامل بها الكاف مع فريقه، في سكب مزيد من البنزين على حالة الجدل المحيطة بالنسخة الحالية من الكان (كأس أمم إفريقيا)، والتي كانت مهددة بالتأجيل أو الإلغاء من الأساس.
ويطلق أغلب المتخصصين في كرة القدم على النسخة الحالية من أمم إفريقيا –النسخة رقم 33 في الكاميرون– "نسخة المشاكل"، وذلك بسبب جملة من الأحداث سبقت انطلاق البطولة واستمرت في الملاعب وليس فقط خارجها.
وكانت أبرز أسباب الدعوة لتأجيل أو حتى إلغاء النسخة الحالية من أمم إفريقيا في الكاميرون متنوعة، وتشمل عدم اكتمال التجهيزات ووجود اضطرابات مسلحة بسبب قوات انفصالية، إضافة إلى مخاطر انتشار أوميكرون. والحقيقة أن تلك الدعوات لم تقتصر فقط على الأندية الأوروبية الكبرى ولا مسؤولي الاتحاد الدولي بل انضم لها أيضاً مسؤولون عن اللعبة في بعض الدول الإفريقية.
وبعد أن أصبح تأجيل البطولة أو إلغاؤها حديث الساعة، رفع صامويل إيتو رئيس الاتحاد الكاميروني لكرة القدم شعار "استقلال القارة" في وجه الجميع ودافع عن حق بلاده الكاميرون في استضافة البطولة وإقامتها في موعدها، وفي النهاية كان للنجم الكاميروني ما أراد.
شبهات "الفساد" تلاحق الكاف
الحديث عن احتمال اتخاذ اللجنة المنظمة للبطولة قراراً يحمل شبهة مجاملة لأصحاب الضيافة منتخب الكاميرون، أعاد فتح ملفات "الفساد" التي تسببت في إبعاد رئيس الاتحاد الإفريقي السابق عن منصبه.
إذ كان الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) قد أوقف أحمد أحمد الرئيس السابق للكاف لمدة خمس سنوات عن ممارسة أي نشاط كروي بسبب قضايا فساد مالي، بعد أن أدانت الغرفة القضائية في لجنة الأخلاقيات المالاغاشي أحمد، بخرق عدة مواد متعلقة بـ"واجب الولاء. عرض وقبول هدايا أو مزايا أخرى. إساءة استخدام المنصب" بالإضافة إلى "اختلاس الأموال".
وكان أحمد يسعى للفوز بفترة ثانية في رئاسة الكاف، الذي تولى رئاسته منذ عام 2017، لكن تحقيقات لجنة القيم المستقلة وجدته مذنباً بتقديم وتلقي الهدايا وبعض المنافع الأخرى إلى جانب تجاوزات أخرى على مستوى الإدارة المالية للمؤسسة، وبالتالي لم يترشح في الانتخابات التي فاز بها الرئيس الحالي باتريس موتسيبي من جنوب إفريقيا.
وقبل ذلك بعدة أعوام كان أربعة من المسؤولين في الاتحاد الإفريقي قد أدينوا بتلقي رشاوى وتهم فساد أخرى في قضية الفساد الكبرى في الاتحاد الدولي الفيفا والتي أعلنت نتائج التحقيقات الدولية فيها عام 2015.
لكن ما يتم تداوله في آخر عامين تقريباً يتركز أكثر حول كيفية تحكم الاتحاد الدولي برئاسة جيانو إنفانتينو في شؤون الاتحاد الإفريقي بصورة غير مسبوقة ولا مثيل لها بشأن أي اتحاد قاري آخر. وتحدث كثير من المراقبين حول كيف أن إنفانتينو أدار انتخابات الكاف الأخيرة، والتي شهدت تعيين ثلاثة نواب لرئيس الكاف للمرة الأولى على الإطلاق.
وظهرت سيطرة الفيفا على قرارات الكاف بصورة لافتة خلال الأشهر القليلة الماضية، والتي دار فيها جدل كبير حول مواعيد بطولتين، واحدة منهما ينظمها الفيفا والأخرى ينظمها الكاف. كأس العالم للأندية ينظمها الفيفا وستكون في ضيافة قطر خلال 3-12 فبراير/شباط المقبل، وكأس أمم إفريقيا في ضيافة الكاميرون في الفترة من 9 يناير/كانون الثاني الجاري حتى 6 فبراير/شباط المقبل، والتداخل بين مواعيد البطولتين واضح بالطبع.
الأهلي المصري، بصفته حامل لقب دوري أبطال إفريقيا، يشارك في كأس العالم للأندية ممثلاً للكاف، وفي حالة وصول المنتخب المصري لأدوار متقدمة في الكان سوف يفتقد النادي جهود قوامه الأساسي من اللاعبين الدوليين، سواء من المصريين أو الأجانب الدوليين. وتسبب هذا التداخل في إحراج كبير للاتحاد الإفريقي، حيث بات واضحاً أن الفيفا "لا يحترم" الكاف، بحسب وصف كثير من نجوم اللعبة، ومن بينهم أبو تريكة، لما حدث من تداخل في مواعيد البطولات.
المشاكل في الكاميرون "عرض مستمر"
بالعودة إلى ما تشهده النسخة الحالية من الكان "كأس الأمم الإفريقية"، نجد أن سلسلة المشاكل بل والكوارث التي تشهدها البطولة لا تزال تتواصل بصورة تدعو إلى التساؤل بشأن مستقبل البطولة من الأساس.
وبدلاً من أن تكون الأخبار الكروية والأهداف الجميلة في صدارة التغطية المحلية والإفريقية والدولية للحدث الكروي الأهم في القارة السمراء، باتت أخبار الكوارث والمشاكل التي تشهدها الكاميرون على هامش البطولة هي التي تتصدر التغطية الإعلامية الدولية.
شبكة CNN الأمريكية، التي لا تتابع أخبار البطولة من الأساس، نشرت تقريراً عنوانه "وفاة 8 أشخاص على الأقل في تدافع خلال مباراة في أمم إفريقيا في الكاميرون"، في إشارة لحادث التدافع الذي وقع في استاد أولمبي بياوندي، الذي احتضن لقاء الكاميرون وجزر القمر مساء الإثنين 24 يناير/كانون الثاني.
ورصد التقرير حادثاً آخر وقع في أحد الأندية الليلية في العاصمة الكاميرونية مساء الأحد وأدى إلى مقتل 16 شخصاً بعد انفجارات تسببت فيها ألعاب نارية تم تفجيرها داخل الملهى وأطاحت بالسقف.
وتشير هذه الأحداث المستمرة إلى أن النسخة 33 من الأمم الإفريقية قد لا تكون بطولة "المشاكل"، بل يمكن وصفها ببطولة "الفضائح"، إذ شهد اليوم الأول منها تعرض 3 صحفيين من الجزائر للاعتداء والسرقة في مدينة دوالا الكاميرونية التي احتضنت أولى مباريات منتخب الجزائر (حامل اللقب) في البطولة.
وتقدم صامويل إيتو رئيس الاتحاد الكاميروني اعتذاراً في مقطع فيديو قال فيه إن "السلطات ستعمل على ضمان سلامة الصحفيين الجزائريين، يجب أن يشعروا بالأمان كما لو كانوا في الجزائر العاصمة".
ونشر نجوم المنتخب التونسي صوراً من فندق الإقامة الخاص بهم كشفت حالة الفندق السيئة وانتشار الزواحف فيه. وواجه منتخب الجزائر مشاكل في الانتقال إلى ملعب التدريب لعدم وجود أتوبيس مخصص لذلك، فنشر اللاعبون صوراً لهم وهم يستقلون سيارات أجرة للذهاب إلى التدريب.
وشهدت مباراة مصر ونيجيريا تكرار توقف اللعب بسبب الكرات وسوء حالتها. لكن مباراة تونس ومالي شهدت حادثة من الصعب تفسيرها، عندما أطلق حكم المباراة صافرة انتهاء اللقاء قبل نهاية الوقت الأصلي، ولم يفعلها مرة واحدة فقط بل مرتين.
هذا بخلاف سوء أرضية أغلب ملاعب البطولة والنقل التليفزيوني الضعيف للغاية وسوء التنظيم في أغلب المؤتمرات الصحفية، مما يشير إلى أن الكاميرون لم تكن مستعدة لإقامة البطولة في هذا التوقيت، إضافة إلى تفشي عدوى فيروس كورونا بين اللاعبين والإداريين لأغلب المنتخبات، رغم أن هذه البطولة كان من المفترض أن تقام في الكاميرون عام 2019، لكن عدم إكمال الكاميرون الاستعدادات جعل الاتحاد الإفريقي ينقل البطولة إلى مصر ليعطي السلطات الكاميرونية مزيداً من الوقت للاستعداد، ويبدو واضحاً أن ذلك لم يحدث.