تتواصل معاناة المسلمين في الهند منذ تولي الهندوسي ناريندرا مودي رئاسة الوزارة، ليتحول زواج شاب مسلم من شابة هندوسية إلى سبب للقتل والتنكيل بالشاب، استناداً إلى مؤامرة يسمونها "جهاد الحب"، فما القصة هذه المرة؟
ووصلت الأمور إلى دعوات علنية لإبادة المسلمين جميعاً من جانب قادة هندوس متطرفين، بينما لا تتخذ حكومة ناريندرا مودي خطوات جادة لوقف ما يحدث. ويواجه المسلمون في الهند اضطهاداً غير مسبوق منذ تولِّي مودي رئاسة الحكومة عام 2014.
وشهدت أواخر 2021 تعرُّض المسلمين في ولاية آسام شمال شرقي الهند لإجراءات قمعية، وصلت إلى حد القتل والتهجير، من جانب الحكومة الهندوسية التابعة لحزب بهاراتيا جاناتا الذي يتزعمه مودي، وهي إجراءات متسقة مع سياسة اضطهاد المسلمين في أكبر ديمقراطيات العالم، والتي يطبقها مودي منذ مجيئه إلى سُدة الحكم.
وكانت البشاعة والوحشية، التي أظهرها مقطع فيديو انتشر لقتل شاب مسلم في ولاية آسام والقفز على جثته، سلطت الضوء على ما تقوم به حكومة مودي، ثم نشرت صحيفة New York Times الأمريكية تقريراً بعنوان "صمتٌ من قادة الهند إزاء دعوات متطرِّفين هندوس لقتل المسلمين"، رصد قيام المئات من النشطاء والرهبان الهندوس اليمينيين في مؤتمرٍ عُقِدَ الأسبوع الأخير من عام 2021، ليقسموا على أن يحوِّلوا الهند، الجمهورية العلمانية دستورياً، إلى أمةٍ هندوسية، حتى لو تطلَّب ذلك الموت والقتل.
قتل زوج مسلم والتمثيل بجثته
ونشرت صحيفة The Guardian البريطانية تقريراً بعنوان "قطعوه إلى أشلاء"، رصد تفاصيل جريمة قتل شاب مسلم في الهند تحت ذريعة "نظرية مؤامرة جهاد الحب".
إذ كانت ليلةً مُظلِمةً والأمطار تهطل بينما كان سمير باريشوادي يسير على طول خطوط السكك الحديدية. وفي مكانٍ ما، عندما كان يمسك مصباحه، رأى قدمين مبتورتين على القضبان. على بُعدِ أمتارٍ قليلة، عثر على رأسٍ مقطوعة تعرَّف على صاحبها. كان ذلك هو أرباز أفتاب الملا، ابن عمه وصديقه المُقرَّب منذ الطفولة. وقام باريشوادي بتسليم جثة ابن عمه ورأى أن يديه كانتا مُقيَّدتين بإحكام.
قال باريشوادي للغارديان وهو يمسح عينيه من الدموع: "لم يرتكب (أرباز أفتاب) جريمةً بحبِّه لشخصٍ ما، لكن ذلك كلَّفه حياته".
وترجع جريمة قتل الملا، وهو مسلم يبلغ من العمر 24 عاماً من ولاية كارناتاكا جنوب الهند، إلى القول إنه "وقع في حبِّ فتاةٍ هندوسية".
ولطالما حمل الزواج العابر للأديان وصمة عار اجتماعية وواجه مقاومةً من جميع الأديان في الهند، لأن مثل هذا الزواج يتطلَّب في كثيرٍ من الأحيان التحوُّل الديني.
ولكن في السنوات الأخيرة، منذ وصول حزب بهاراتيا جاناتا القومي الهندوسي إلى السلطة، أصبحت مثل هذه الزيجات -لا سيَّما بين النساء الهندوس والرجال المسلمين- بؤرةً سياسيةً خطيرة بسبب مؤامرةٍ فاقدة للمصداقية، ولكنها منتشرة تُعرف باسم "جهاد الحب".
ما أصل مؤامرة "جهاد الحب"؟
يزعم أولئك الذين يؤمنون بهذه النظرية بأن الرجال المسلمين يغرون النساء الهندوسيات بالزواج بدعوى كاذبة، من أجل تحويلهن إلى الإسلام وضمان هيمنة المسلمين على الهندوس في الهند.
لكن وفقاً لوكالة التحقيق الوطنية الهندية لا يوجد دليلٌ على "جهاد الحب"، ولا ينعكس ذلك في بيانات السكان في الهند، حيث لا يزال الهندوس يشكِّلون حوالي 80% والمسلمون 14%.
ولكن ما كان من قبل نظريةً متطرِّفة هامشية صار الآن جزءاً من التيار السياسي السائد، وفي العام الماضي أصدرت العديد من الولايات التي يحكمها حزب بهاراتيا جاناتا، بما في ذلك أوتار براديش ومادهيا براديش، تشريعاتٍ لتضييق الخناق على الزواج العابر للأديان، وهي قوانين تُعرَف باسم قوانين "جهاد الحب".
في حين أن التشريع يشمل جميع الأديان، فقد استُخدِمَ في الغالب على مدار العام الماضي لاستهداف الأقليات، بالإضافة إلى تشجيع الجماعات الهندوسية اليمينية الأهلية لوقف الزواج العابر للأديان.
لكن قانون حظر التحول الديني غير المشروع يهدف إلى مكافحة "جهاد الحب"، وهو مصطلح معاد للإسلام تستخدمه الجماعات الهندوسية المتشددة لمنع زواج المسلمين من النساء الهندوسيات، بحجة أن هذا الزواج يهدف إلى إرغام المرأة الهندوسية على تغيير ديانتها إلى الإسلام.
في ولاية أوتار براديش، تعرَّض الرجال المسلمون الذين حاولوا الزواج من نساءٍ هندوسيات لهجماتٍ عنيفة، وأُجبِروا على الاختباء أو زُجَّ بهم في السجن. والأشخاص الـ208 الذين اعتُقِلوا بموجب قانون مكافحة التحوُّل الجديد، بين نوفمبر/تشرين الثاني 2020، وأغسطس/آب 2021، كانوا جميعاً مسلمين، ولم يُدَن أيٌّ منهم حتى الآن.
ورصد تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية BBC قبل أكثر من عام تفاصيل ما تعرض له زوج مسلم وزوجته الهندوسية من تعذيب واعتقال وإجهاض للزوجة، التي كانت حاملاً، وسط أكاذيب وادعاءات من جانب سلطات الولاية بأن ذلك لم يحدث.
وفي باريلي، المنطقة الواقعة في أوتار براديش، التي شهدت أكبر عددٍ من اعتقالات "جهاد الحب" منذ صدور القانون الجديد، ادَّعى آشو أغاروال، 52 عاماً، وهو زعيمٌ محلي لواحدةٍ من أكثر الجماعات الهندوسية اليمينية نشاطاً، فيشفا هندو باريشاد، أن العائلات اقتربت "يوماً بعد يوم" للمساعدة في منع الزواج العابر للأديان والتصدي لـ"جهاد الحب".
وأشار أغاروال إلى حالة حديثة لـ"زواج جهاد الحب" المُمَوَّلة دولياً في باريلي، بقيادة رجلٍ مسلمٍ محلي، وهو سيد نظام، كدليلٍ على المشكلة.
"لكننا مسلمون ولا يمكننا فعل أي شيء"
لكن أسرة نظام قالت إن القضية مُلفَّقة وتُستَخدَم لمعاقبته لعلاقته بامرأةٍ هندوسية أكبر منه سناً. ويُزعم أن نظام تعرَّضَ للخطف والضرب من قبل أقارب المرأة، ثم سلَّموه إلى الشرطة، وتعرَّضَ للضرب في السجن حتى أدلى باعترافٍ بالفيديو بأنه كان يقبل نقوداً من الخارج لاغتصاب النساء الهندوسيات وتحويلهن دينياً.
وحالياً ما زال نظام وراء القضبان منذ أكثر من خمسة أشهر. قالت والدته لطيفة بيغوم للغارديان: "كان أباً لثلاثة أطفال ولم يكن مشاركاً في عمليات التحوُّل، ولم يكن حتى متديِّناً جداً". وأضافت: "هذه قضيةٌ كاذبة لكننا مسلمون، لا يمكننا فعل أي شيء".
كارناتاكا هي إحدى الولايات التي تقترح أيضاً تطبيق قانون "جهاد الحب"، وفيها تنشط الجماعات الهندوسية اليمينية نفسها. كانت إحدى هذه الجماعات، شري رام سينا هندوستان، هي التي عرفت العلاقة بين الملا المسلم وشويتا كومبار، وهي هندوسية في مدينة بيلجاوم.
كان الملا وكومبار جارين في نفس المنطقة، وجمعتهما علاقةٌ رومانسية في عام 2019. ورغم أنهما كانا يعلمان أن حبَّهما كان مستهجَناً، لم يشعرا بالحاجة إلى إخفائه. كان هاتف كلٍّ منهما مليئاً بصور السيلفي لبعضهما، وكان الملا يتحدَّث كثيراً عنها مع أصدقائه.
حاولت والدة الملا، نسيمة شيخ، التدخُّل. وعندما رفض الملا نقلت نسيمة الأسرة إلى منزلٍ جديد، لكن لا يزال الزوجان ينظمان لقاءاتٍ سرية ويتحدَّثان عبر الهاتف، لكن في العام الماضي بدأ الملا في تلقي مكالمات هاتفية تهديدية، زُعِمَ أنها من عائلة كومبار ثم من أفرادٍ من جماعة شري رام سينا هندوستان.
وفي 26 سبتمبر/أيلول، استدعى اثنان من قادة المجموعة الملا ووالدته إلى لقاءٍ على الجسر، حيث حذروه من أجل إنهاء العلاقة وقطع أيِّ اتصالٍ بحبيبته، وإلا سيواجه عواقب وخيمة. كسروا بطاقة هاتفه، وحذفوا جميع صور كومبار من عليه.
وبعد يومين، بينما كانت والدته مسافرة، حاول الاتصال بكومبار مرةً أخرى. ووفقاً للشرطة، في تلك الليلة، تلقَّى عضوان من الهندوس من جماعة شري رام سينا هندوستان أموالاً من عائلة كومبار لقتل حبيب ابنتهما المسلم.
يُزعَم أنهم طعنوه حتى الموت، ثم نقلوا جثة الملا إلى خطوط السكك الحديدية في خانابور، حيث قاموا بتقطيعها لجعلها تبدو وكأنه قفزٌ أمام القطار. وُجِّه الاتِّهام إلى عشرة أشخاص، من بينهم اثنان على الأقل من أعضاء الجماعة الهندوسية، ووالدا كومبار. ونفى رامكانت كوندوسكار، مؤسس وزعيم الجماعة الهندوسية، أيَّ تورُّطٍ لجماعته في القتل.
وزَعَمَ كوندوسكار أن هناك "مؤامرة كبيرة للتحولات التي تحدث في جميع أنحاء البلاد"، وقال إنه بينما كانت قضية الملا "مأساوية"، فإنه "يجب على الجميع أن يحبوا دينهم وألا يتصرفوا ضد دين الآخرين".
وقالت نسيمة، والدة الملا، إنها ستكافح من أجل العدالة لابنها حتى أنفاسها الأخيرة. وأضافت: "كيف يوجد مثل هؤلاء الأشخاص ذوي القلوب القاسية في هذا العالم؟ لم يرتكب أيَّ خطأٍ تجاه أي شخص ومع ذلك قاموا بتقطيعه إلى أشلاء". وتابعت باكيةً: "لا أستطيع النوم، لا أستطيع الأكل، صورة ابني دائماً معي".