تسارعت وتيرة التطور التكنولوجي بصورة لافتة مؤخراً، وانعكس ذلك على الأسلحة بأنواعها، لكن الطائرة المروحية AH-6 أو "البيضة القاتلة" لا تزال الهليكوبتر المفضلة لقوات الكوماندوز الأمريكي حتى اليوم.
ولا شك أن زيادة التوتر في البقع الساخنة حول العالم، سواء في الشرق الأوسط أو أوكرانيا أو تايوان أو الحدود الكورية، يلقي مزيداً من التركيز على الأسلحة وأنواعها والتطور الهائل فيها، وسط مقارنات مستمرة بين ما تمتلكه روسيا والصين من جهة وما يمتلكه الغرب وحلف الناتو من جهة أخرى.
لكن يبدو أن لكل معسكر سلاحاً يميزه أكثر عن المعسكر الآخر، فالغرب يتميز في الطائرات والشرق أو روسيا يتميز أكثر في الصواريخ أو الأنظمة الصاروخية. فالطائرة الشبح إف 35 الأمريكية لا تزال أكثر الطائرات العسكرية فتكاً وأخطرها عالمياً، فيما يظل نظام الدفاع الصاروخي الروسي إس-400 الأفضل عالمياً، بحسب الخبراء.
ما سر تميز "البيضة القاتلة"؟
مجلة The National Interest الأمريكية نشرت تقريراً حول أحد الأسلحة الأمريكية التي دخلت الخدمة قبل أكثر من أربع عقود، وهي مروحية AH-6 Little Bird (الطائر الصغير)، وهي مروحية عمليات خاصة، داعمة لقوات الكوماندوز الأمريكية حول العالم.
التقرير الشارح، الذي أعده ستافروس أتلاماز أوغلو الضابط السابق بالجيش اليوناني، رصد بداية تصميم "الطائر الصغير" استناداً إلى مروحيتيّ هيوز ماكدونيل دوغلاس MD 369 وMD 530، وكانت القوات البرية الأمريكية تفكر في البداية في استخدامها كطائرة استطلاع خفيف لفرقها المدرعة. لكن كان للقدر رأي آخر بخصوص المروحية.
وتُعَد AH-6، التي يستخدمها فوج طيران العمليات الخاصة رقم 160 المعروف باسم "مطارد الليل"، مروحية قتالية صغيرة قادرة على إحداث ضرر كبير. ففي عام 1980 ذهبت قوة عمليات خاصة مشتركة إلى إيران لإنقاذ 66 رهينة أمريكية كان يحتجزهم الإيرانيون في طهران. وانتهت عملية "مخلب النسر"، مثلما تُعرَف بالفشل، لكنَّها أدَّت إلى إنشاء هيكل عمليات خاصة رسمي والعديد من الوحدات الجديدة.
عملية مخلب النسر وقعت في أبريل/نيسان 1980، حيث نفذت الولايات المتحدة عملية إنزال كبرى كان هدفها تحرير الرهائن الأمريكيين في طهران وكان ذلك في عهد الرئيس الأسبق جيمي كارتر.
وأرسلت طائرات مروحية وطائرات نقل عسكرية ووحدة خاصة إلى صحراء "طبس" الواقعة شرقي إيران، إلا أن الأمور لم تسِر كما ينبغي منذ البداية، واكتملت مصاعب الأمريكيين بعاصفة رملية دفعتهم إلى محاولة التراجع، وحينها اصطدمت طائرة مروحية بطائرة شحن عسكرية، ما أدى إلى اشتعال النار فيهما ومقتل 8 عسكريين أمريكيين.
وأدت تلك العملية الفاشلة إلى أن تنشئ وزارة الدفاع (البنتاغون)، إلى جانب قيادة العمليات الخاصة الأمريكية وقيادة العمليات الخاصة المشتركة، فوج طيران العمليات الخاصة رقم 160 لتوفير قدرات عمليات خاصة باستخدام المروحيات للجيش الأمريكي. وكي يكونوا فعَّالين، احتاج "مطاردو الليل" إلى منصات قادرة على القيام بمجموعة واسعة من المهمات. واختاروا "الطائر الصغير" لتكون مروحيتهم الخفيفة، ومروحية MH-60 Black Hawk الشهيرة لتكون مروحيتهم المتوسطة، ومروحية MH-47 Chinook لمهام النقل الثقيل.
ما أنواع التسليح في الطائرة؟
هنالك نسختان من الطائر الصغير في الخدمة لدى مطاردي الليل. نسخة AH-6 هي نسخة الهجوم المتكرر، بينما MH-6 هي نسخة الهجوم/النقل. تضم النسخة الأولى مقعدين لطيارين، ويمكنها حمل ترسانة قوية متعددة الاستخدامات. بينما تضم الثانية مقعدين لطيارين أيضاً، لكن يمكنها حمل ما يصل إلى 6 جنود (أو أكثر في حالة الطوارئ القصوى) على منصتين على كلا جانبي المروحية.
ويمكن للنسخة "M" أيضاً حمل دراجات بخارية أو زوارق صغيرة، بل حتى زوارق الكاياك، ما يجعلها منصة إنزال واستخراج رائعة لعناصر العمليات الخاصة بالغة الصغر.
وتبلغ سرعة التحليق القصوى لمروحية AH-6 126 عقدة (288 كم/ساعة تقريباً) ومدى أقصى يبلغ 205 أميال (330 كم تقريباً)، وهو ما يعني ساعتين من التحليق في مسار مستقيم.
ويمكن للطائرة الوصول إلى ارتفاع 20 ألف قدم (6096 متراً)، لكنَّها تقدم أفضل أداء لها حين تحلق قريباً من الأرض، فهي تتمتع بقدرات طيران منخفض استثنائية ومعدل قوة إلى وزن رائع، الأمر الذي يجعل مروحية AH-6 الطائر الصغير تتمتع بقدرات كبيرة في المناورة.
وفيما يتعلق بالتسليح، فلا حدود للطائر الصغير AH-6. فيمكنها حمل عدد من الأسلحة، بما في ذلك رشاش Chain M230 عيار 30 ملم، ورشاش GAU-19 Gatling عيار .50، ورشاش M134 الصغير عيار 7.62 ملم، ومنصة صواريخ LAU-68A لصواريخ Hydra 70، وصواريخ AGM-114 Hellfire، بل حتى صواريخ FIM-92 Stinger جو – جو.
وتجعل القدرة على التبديل بين الأسلحة وفقاً لكل مهمة من الطائر الصغير AH-6 طائرة مرنة يمكنها مواجهة العديد من التهديدات.
قال ضابط الصف الرئيسي المتقاعد من الدرجة الرابعة غريغ كوكر لموقع Sandbox News: "تهديد العدو يُملي نوع نظام الأسلحة الذي نختار حمله. مهمتنا، بصفتنا طياريّ سلاح محترفينK هي تسليح المروحية وفقاً لنوع التهديد الذي قد نواجهه، مثل الدروع الخفيفة، والدبابات، والمركبات، والمباني، والأفراد، إلخ".
وأضاف: "التكوين القياسي لمروحية AH-6 هو ما ندعوه (الثنائيات)، أو رشاشيّ M134 صغيرين ومنصتيّ صواريخ سباعيتي الطلقات. إنَّها قوة نيرانية هائلة في حزمة صغيرة".
وكوكر هو مؤلف كتاب "Death Waits in the Dark: Six Gunds Don't Miss"، وهو رواية مذهلة لأحد طياري الطائر الصغير في الحرب والصراعات في حياة مطاردي الليل.
يحمل الطياران في الطائر الصغير AH-6 أيضاً بنادقهما الشخصية وأسلحتهما الجانبية، وكانت هناك حالات عدة اضطُرا فيها لاستخدام هذه الأسلحة ضد أهداف أرضية بعد نفاد ذخيرتهما.
تشبه فيراري طائرة
هنالك إجماع داخل مجتمع مطاردي الليل على أنَّ الطائر الصغير منصة رائعة عند التحليق بها. فقال كوكر لموقع Sandbox News: "مروحية AH-6 لا تشبه أي مروحية أخرى حلَّقتُ بها مطلقاً.. إنَّها تشبه قيادة سيارة فيراري، إنَّ التحليق بها متعة".
وأضاف: "مروحية AH-6 لديها قدرة بالغة على المناورة ورؤية رائعة من داخل قمرة القيادة، وهي منصة مستقرة جداً. ومروحية AH-6 مقاومة جداً لآثار التحطُّم".
ويعود جزء من جاذبية الطائرة إلى أدائها في ساحة المعركة. فمروحيات AH-6 مشهورة بمتانتها وقدرتها على تحمُّل الكثير من الضربات. وهذه الصفات تجعل منها طائرة طليعية رائعة.
ومع أنَّه كان هناك حديث حول استبدال مروحية AH-6 القوية بمنصة أخرى أكثر حداثة، يُصِرُّ مطاردو الليل الذين يحلقون بها على أنَّه لا يزال بمقدور "البيضة القاتلة" المساهمة في القتال بالرغم من عمرها. وحين سُئِلَ كوكر بشأن النقاش حول استبدال الطائر الصغير، كان حازماً في دعمه لمركبته الحربية القديمة.
وقال: "هنالك أمور لا تستطيع الآلة فعلها وحسب، لا يوجد حاسوب أسرع من الدماغ البشري".