قال الرئيس الأمريكي جو بايدن الأربعاء، 19 يناير/كانون الثاني 2022، إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين "يرغب في امتحان الولايات المتحدة والحلف الأطلسي، ولكنه سيدفع ثمناً باهظاً"، وأضاف: "سنجعل روسيا تدفع ثمناً باهظاً في حال غزت أوكرانيا"، وأكد بايدن أنه بحث "مع قادة الناتو مُساءلة روسيا في حال أقدمت على غزو أوكرانيا".
وبالطبع، إذا ما غزت روسيا أوكرانيا ستكون العواقب سياسياً وعسكرياً واقتصادياً كبيرة ومدمرة، وفي ظل موجة من التضخم العالمي تعاني منها أمريكا أوروبا بشكل كبير، فمن المرجح أن يشهد الغرب ارتفاعاً كبيراً لأسعار النفط والغاز بشكل فوري.
كيف سترتفع أسعار النفط والغاز إذا غزت روسيا أوكرانيا؟
ارتفعت أسعار النفط والغاز بالفعل إلى أعلى مستوياتها في سبع سنوات خلال الأيام الماضية، وسيكون الصراع بين روسيا وأوكرانيا، الذي حذر البيت الأبيض من أنه قد يكون وشيكاً، لديه القدرة على دفعهما إلى أعلى بكثير.
ذلك لأن روسيا هي المنتج الثاني للنفط على هذا الكوكب، بعد الولايات المتحدة فقط، وأوكرانيا هي مركز رئيسي لنقل الطاقة، حيث تتدفق كمية كبيرة من صادرات الغاز الطبيعي الروسي إلى أوروبا. وتقول وكالة الأنباء الفرنسية إنه مع اضطرابات جديدة في الإمدادات بالغاز الروسي إلى أوروبا، فإن أسعار الطاقة، وبالتالي النفط، يمكن أن ترتفع بشكل إضافي.
في السياق ذاته، يقول محللون لشبكة CNN الأمريكية، إن غزو أوكرانيا قد يؤدي إلى مخاوف فورية من فرض عقوبات من واشنطن على موارد الطاقة الهائلة لروسيا، وإلحاق الضرر بالبنية التحتية للطاقة في المنطقة وإثارة شبح تسليح بوتين لصادرات الغاز الطبيعي والنفط الخام.
وقال روبرت يوجر مدير العقود الآجلة للطاقة في شركة MHFG للأوراق المالية، إن "هناك فرصة قوية لأن يصل سعر برميل النفط إلى 100 دولار. سيكون هذا تضخمياً بعلامة تعجب، العالم ليس بحاجة إلى ذلك، لا يمكننا تحمل ذلك على الإطلاق".
ما الحد الذي سترتفع عنده أسعار الطاقة عالمياً؟
يقول الخبراء الأمريكيون إنه من المستحيل تحديد مدى ارتفاع الأسعار في حال غزو روسيا لأوكرانيا، وإلى متى ستبقى مرتفعة، لكن من المؤكد أن سعر برميل نفط بقيمة 100 دولار أو أكثر كما يتوقع البعض سيرفع الأسعار في محطات الوقود حول العالم، وهذا يعني أن الصراع بين روسيا وأوكرانيا لديه القدرة على التأثير معظم الأمريكيين والأوروبيين بل ومعظم دول العالم.
بدأت أسعار البنزين، التي تتحرك مع اضطرابات النفط في الارتفاع بالفعل في الأيام الأخيرة، حيث بلغ سعر برميل خام غرب تكساس الوسيط في العقود الآجلة 85,25 دولار، بعدما بلغ 85,74 دولار في التعاملات الآسيوية، وهو أعلى مستوى يسجله منذ تشرين الأول/أكتوبر 2014.
يقول كلاوديو جاليمبرتي، المحلل الكبير في شركة "ريستاد إنرجي": "إذا كانت هناك حرب مع روسيا، فعندئذ ستنتهي كل الرهانات". من جانبها، تقول هيليما كروفت، من شركة "آر بي سي كابيتال ماركتس": كان السوق بطيئاً حقاً في تقدير مخاطر الغزو، بوتين ليس مخادعاً حقاً.. إنه معروف بدعم الكلمات بالأفعال"، بحسب تعبيرها.
البيت الأبيض في مأزق
يسلط كل ذلك الضوء على الوضع الصعب الذي يجد البيت الأبيض نفسه فيه اقتصادياً وسياسياً وبالطبع من وجهة نظر الأمن القومي، كما تقول شبكة CNN، إذ يعتبر التضخم بالفعل مشكلة سياسية واقتصادية رئيسية للرئيس جو بايدن.
ويهدد الارتفاع الأخير في أسعار النفط بمزيد من تفاقم التضخم، وسيزيد ارتفاع النفط بمقدار 100 دولار أو أكثر في الصراع بين روسيا وأوكرانيا الأمر أكثر سوءاً.
وقال متحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي لشبكة CNN في بيان: "أياً كان ما نقرره هو المسار الصحيح لمصلحتنا الجماعية وأمننا.. ونحن مستعدون لتحمل تكاليف باهظة للاقتصاد الروسي بما في ذلك نظامه المالي والقطاعات التي تعتبر بالغة الأهمية للاقتصاد الروسي.
من جانبه قال مسؤول كبير في الإدارة الأمريكية لـ CNN إن المسؤولين يأخذون وضع خطط للطوارئ على محمل الجد "للتأكد من أننا مستعدون للتخفيف من أي تأثير وتقييم التداعيات المحتملة". وقال المسؤول إن خطة الطوارئ تشمل محادثات مع شركات الطاقة والبلدان.
أضاف المسؤول الأمريكي أن البيت الأبيض كان "واضحاً للغاية بشأن كيفية رده على الغزو الروسي لأوكرانيا، ويجب أن يبدأ بالفعل تسعير ذلك في الأسواق".
وفي أوروبا ستكون المعاناة كبيرة بسبب ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي
سيدفع الأوروبيون الثمن الأكبر في الصراع، ذلك لأن أوروبا تعتمد على روسيا بشكل أساسي في إمدادات الغاز الطبيعي. وارتفعت تكاليف التدفئة في أوروبا في الخريف الماضي مع ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي الآجلة.
وحذرت ألمانيا من أنها ستدرس وقف خط أنابيب "نورد ستريم 2″، وهو مشروع خط أنابيب للغاز الطبيعي يمتد من موسكو إلى ألمانيا، إذا هاجمت روسيا أوكرانيا. وهذا من شأنه أن يحد من إمدادات الغاز الطبيعي إلى أوروبا.
في المقابل، تشحن روسيا كميات متواضعة نسبياً من النفط إلى الولايات المتحدة، بإجمالي 200 ألف برميل فقط يومياً، وهذا يمثل 3% فقط من إجمالي واردات الولايات المتحدة من النفط البالغ 6 ملايين برميل.
مع ذلك، فإن النفط الخام هو سلعة يتم تداولها عالمياً وتستند الأسعار عند المضخات في محطات الوقود إلى أسعار النفط العالمية، وبالتالي فإن صدمة النفط في أي مكان سيتردد صداها في كل مكان.
ليس ذلك فحسب، بل إن ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي في الخارج سيكون له آثار مضاعفة كبيرة. ذلك لأن أسعار الغاز الطبيعي المرتفعة للغاية ستجبر بعض محطات الطاقة والمصانع في أوروبا وآسيا على التحول من الغاز إلى النفط. بعبارة أخرى، سيرتفع الطلب على النفط.
روسيا و"تسليح" النفط والغاز
في الوقت نفسه، سيكون العرض في موضع شك، أولاً، قد يهدد الصراع العسكري البنية التحتية للطاقة في المنطقة. ولكن حتى إذا تم الحفاظ على خطوط الأنابيب والمصافي، فقد تقرر روسيا خفض إمداداتها من الغاز الطبيعي، أو حتى النفط الخام. ويقول الخبراء إنه يمكن لروسيا أن تستخدم صادرات الطاقة كسلاح، لتجعل الغربيين يشعرون بالألم ودفع الثمن.
ثم هناك خطر أن يرد البيت الأبيض على غزو روسيا لأوكرانيا بفرض عقوبات على النفط والغاز الطبيعي الروسي. وحذر الرئيس بايدن الأربعاء من فرض "تكاليف باهظة وأضرار كبيرة" على الاقتصاد الروسي إذا غزا بوتين أوكرانيا.
كما أشار بايدن إلى أن "روسيا ستتكبد خسائر بشرية كبيرة في حال غزت أوكرانيا، بسبب الدعم العسكري الذي قدمناه لكييف"، وأن روسيا "ستتعرض لتداعيات هائلة في حال غزو أوكرانيا، ومصارفها لن تتمكن من التعامل بالدولار الأمريكي".
وتعد الطاقة أمراً حيوياً للاقتصاد الروسي، ما يجعلها هدفاً واضحاً للعقوبات ووسيلة لجعل بوتين يواجه عواقب حقيقية. وشكّل النفط الخام والغاز الطبيعي حوالي 43%، في المتوسط، من الإيرادات السنوية للحكومة الروسية بين عامي 2011 و 2020، وفقاً لإدارة معلومات الطاقة الأمريكية.
وارتفعت عائدات النفط والغاز بنسبة 60% خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الماضي، ما يجعلها أكبر محرك لنمو الإيرادات الحكومية، وفقاً للبنك الدولي. ومع ذلك فإن استغلال هذا الضعف من خلال الحد من المعروض من الغاز الطبيعي والنفط الروسي من شأنه أن يدفع الأسعار إلى الأعلى في وقت ارتفعت فيه بالفعل.
هل ستتدخل منظمة أوبك للإنقاذ؟
يقول المحللون إن إدارة بايدن من المرجح أن تستجيب لارتفاع الأسعار من خلال إطلاق المزيد من البراميل من الاحتياطي البترولي الاستراتيجي، على الأرجح بطريقة منسقة مع الدول النفطية الأخرى، حيث يمكن أن يساعد ذلك في تخفيف الضربة.
كما يمكن أن يحاول بايدن أيضاً إقناع منظمة أوبك التي تقودها المملكة العربية السعودية بفتح صنابير النفط، بحجة أن الأسعار المرتفعة جداً ليست جيدة للمنتجين إذا دمروا الطلب.
كما يقول المحللون للشبكة الأمريكية، إن شركات النفط الأمريكية، التي كانت حتى وقت قريب مترددة في زيادة الإنتاج بشكل كبير، ستستجيب لنفط يزيد سعره عن 100 دولار عن طريق زيادة الإنتاج، وفي غضون ذلك ستظل الأسعار في محطات الوقود مرتفعة.