يُنهي جو بايدن سنته الأولى في رئاسة الولايات المتحدة في لحظةٍ قاتمةٍ على نحوٍ استثنائي لرئيسٍ أمريكي وَعَدَ بالكفاءة والاستقرار. تظلُّ الكثير من جوانب أجندته المحلية مُعطَّلة في الكونغرس، ويعرقلها أعضاءٌ من حزبه.
وخلال العام الأول، أدت الأخطاء الكبيرة لإدارة بايدن إلى انخفاض معدلات قبول بايدن نفسه، فقد استهان بالتضخم الهائل، وأفرط في الوعود بشأن الوباء الذي يسخر من الجداول الزمنية السياسية، وأشرف على كارثة في أفغانستان، كما تصف ذلك شبكة CNN الأمريكية.
في الولايات المتحدة، بدأ فيروس كورونا مرةً أخرى في الخروج من نطاق السيطرة؛ إذ ارتفعت الإصابات اليومية إلى مستوياتٍ قياسية، مِمَّا أدَّى إلى دخول عدد أكبر من الأمريكيين إلى المستشفيات أكثر من أيِّ نقطةٍ سابقة خلال الجائحة. وحُظِرَ تفويض الإدارة بإجراء "اللقاح أو الاختبار" لأصحاب العمل الكبار من قِبَلِ الأغلبية العظمى المحافظة للمحكمة العليا. وبَلَغَ التضخُّم أعلى مستوياته منذ 40 عاماً تقريباً. وفشلت المحادثات الدبلوماسية حتى الآن في منع روسيا من الحرب مع أوكرانيا.
بعد فوزه بأصواتٍ أكثر من أيِّ مرشحٍ رئاسيٍّ في التاريخ الأمريكي، أصبح بايدن الآن- بعد 12 شهراً فقط- واحداً من أكثر الرؤساء الأقل شعبيةً في البلاد. وبات الأمريكيون يعتبرون بايدن رجلاً فاشلاً في مهمة توحيدهم وفي مواجهة الأزمة الاقتصادية، وفقاً لنتائج آخر استطلاع أجرته شبكة NBC News الأمريكية. فكيف وصل بايدن إلى هنا؟
كيف أصبح بايدن أحد أقل الرؤساء الأمريكيين شعبية؟
تقول صحيفة The Guardian البريطانية، إن تقييمات قبول بايدن تراجعت إلى منتصف الأربعينيات في المائة أو أقل من ذلك، بمتوسِّط 42%، على مدار الأشهر الماضية. وأظهر استطلاع للرأي أجرته جامعة كوينيبياك الأسبوع الماضي أن بايدن في حالةٍ مزرية تبلغ 33%، وهو ما وصفه البيت الأبيض بأنه استثناء. ومع ذلك، من بين أسلافه المعاصرين، كان دونالد ترامب فقط أسوأ حالاً في هذه المرحلة من الرئاسة.
يقول منظِّمو استطلاعات الرأي والمُحلِّلون السياسيون إن لغز عدم شعبية بايدن له العديد من الجوانب، ومن الصعب تحديد مقدار ما يظلُّ بالفعل تحت سيطرته.
تولَّى بايدن منصبه بطموحات سامية، فقد وَعَدَ بالقضاء على تهديد الفيروس القاتل والدخول في حقبةٍ جديدة من الحكم والحياة الحزبية في واشنطن. لكن بعد مرور عامٍ على رئاسته، لا يزال بايدن يواجه جائحةً متواصلة، وأمةً لا تزال منقسمةً إلى حدٍّ كبير، وحزباً جمهورياً لا يزال يتبنَّى فكرة "الكذبة الكبيرة" بأن دونالد ترامب فاز في انتخابات 2020.
ويقول بيل غالستون، الباحث البارز في معهد بروكينغز والذي عمل أيضاً مستشاراً لسياسة البيت الأبيض للرئيس السابق كلينتون: "عندما يخيِّب الرئيس التوقعات، فهذه مشكلة".
ويرى غالستون في حديثه للغارديان، أن الإدارة الأمريكية "لم تبلِ بلاء حسناً في تلبية التوقُّعات حول كوفيد-19". وفي يوليو/تموز، أعلن بايدن باستحياءٍ القضاء على الفيروس، لكن ثبت خطؤه بتفشِّي متغير دلتا سريع الانتشار.
وقت عصيب يمر على الإدارة الأمريكية
والآن، في ظلِّ طفرةٍ ناجمة عن متحوِّر أوميكرون، يعيد الرئيس وفريقه تقييم الجهود. يقول الدكتور أنتوني فوسي، أكبر متخصص في الأمراض المعدية في البلاد، مؤخراً إن أوميكرون "سيصل إلى الجميع تقريباً". واعترف بايدن مؤخراً بأن القضاء على الفيروس أمر غير مُرجَّح، لكن من الممكن "السيطرة عليه".
وتابع غالستون أن هذا هو الحال بالنسبة للناخبين المتأرجحين الذين اعتقدوا أن بايدن سيكون حاكماً بمثابة جسر وسطي في عصرٍ من الانقسام العميق، والحال نفسه بالنسبة للديمقراطيين الذين وعدهم بايدن بأجندةٍ تشريعيةٍ طموحة على الرغم من أنهم يسيطرون فقط على هوامش ضئيلة في الكونغرس.
لاحظت سارة لونغويل، الخبيرة الإستراتيجية الجمهورية المناهضة لترامب، تراجع التأييد للرئيس بين الناخبين خلال العام الماضي. عندما طُلب من العديد من الناخبين الذين تحدثت إليهم، بمن في ذلك الديمقراطيون، تصنيف السنة الأولى لبايدن، أعطوه درجاتٍ بين C وD وF.
وقالت لونغويل إن الدرجات لم تكن انعكاساً لبايدن، الذي قالت إن الكثيرين لا يزالون يؤيِّدونه، ولكنها انعكاسٌ مشتركٌ مع دخول الجائحة عامها الثالث واستمرار التضخُّم في الارتفاع. وقالت: "هناك عنصر لا علاقة له بجو بايدن. إنه فقط وقتٌ عصيب".
بدأت شعبية بايدن في التراجع مع تفشِّي متحوِّر دلتا من الفيروس في جميع أنحاء البلاد، ثم تراجعت بشكل حاد بعد الانسحاب الفوضوي للولايات المتحدة من أفغانستان، حيث قُتل 13 من أفراد الجيش في تفجيرٍ انتحاري في مطار كابول.
ورغم أن غالبية الأمريكيين يفضِّلون سحب القوات من أفغانستان، قوَّضَت المشاهد اليائسة من كابول، عندما سيطرت طالبان على السلطة، التصوُّرات عن بايدن كخبيرٍ مُحنَّكٍ في السياسة الخارجية سيعيد مكانة الولايات المتحدة على المسرح العالمي.
هل يعاقب الناخبون الأمريكيون بايدن في الانتخابات النصفية؟
تاريخياً، يميل الناخبون إلى معاقبة حزب الرئيس في أول انتخاباتٍ تجريبية بعد تولِّي إدارة جديدة السلطة. لكن الهزائم تميل إلى أن تكون أكثر حِدَّةً عندما لا يحظى الرئيس بشعبية. وفقاً لاستطلاع رأي مؤسَّسة غالوب، شهد الرؤساء الذين تقل نسبة تأييدهم عن 50% خسارة أحزابهم في المتوسط 37 مقعداً في مجلس النواب خلال انتخابات التجديد النصفي.
أشارت النتائج إلى أن العاطفة التي تحركها المقاومة والتي دفعت انتصارات الديمقراطيين خلال عهد ترامب قد تلاشت. وربما كان أكثر ما يزعج الديمقراطيين هو شعور الناخبين العميق بالضيق. ورغم حملة التطعيم الضخمة وتريليونات الدولارات من أموال الإغاثة، يشعر الناخبون الآن بسوء حالة الجائحة والاقتصاد مِمَّا كانا عليه في وقتٍ سابق في رئاسة بايدن.
قلةٌ من الناخبون هم مَن يمنحون بايدن الفضل في استثمار تريليون دولار في البنية التحتية للبلاد أو تمرير خطة الإنقاذ الأمريكية، التي منحت معظم الأمريكيين شيكاتٍ من الأموال وخفَّضَت معدَّلات الفقر.
وقالت سيليندا ليك، وهي مستطلعة رأي ديمقراطية مخضرمة: "إنه وضعٌ مثير للسخرية حيث السياسات أكثر شعبية من السياسيين، وهو أمر نادرٌ للغاية. عادةً ما يكون العكس".
طغت المفاوضات الفوضوية بين الحزبين حول مشروع قانون المناخ والسياسة الاجتماعية على السياسة، تاركةً للجمهور فهماً ضحلاً لمحتوياتها علاوة على القلق بشأن تكلفتها. ولا يزال التشريع غير مؤكَّد بعد أن أعلن السيناتور جو مانشين، وهو ديمقراطي محافظ من ولاية فرجينيا الغربية، أنه لا يستطيع دعم الإجراء في شكله الحالي.
حتى الديمقراطيون أصبحوا محبطين منه
ووسط الجمود بشأن أجندته، أصبح الديمقراطيين مُحبَطين من بايدن. منذ أشهر، دقَّ المشرِّعون والناشطون الديمقراطيون ناقوس الخطر من أن الرئيس يفقد الدعم بين القطاعات الرئيسية في ائتلاف الحزب. إنه ينزف الدعم بين الناخبين الشباب الغاضبين من عدم اتِّخاذ أيِّ إجراءٍ بشأن تغيُّر المناخ والرعاية الصحية وإعفاء الطلاب من ديونهم.
وتقول "الغارديان" إن الناخبين من أصلٍ إسباني لم يعودوا يثقون في تعامل بايدن مع الجائحة والاقتصاد، وهو إنذارٌ للديمقراطيين أنفسهم. ويتراجع الدعم بين الناخبين السود، الذين كانوا حاسمين في فوز بايدن، ولكنهم أُصيبوا بخيبة أملٍ بسبب عدم إحراز تقدُّمٍ في حقوق التصويت وإصلاح جهاز الشرطة.
ورغم خروج بعض المتغيِّرات في الساحة من نطاق سيطرة بايدن، قالت ليك إنه لا يزال هناك متسعٌ من الوقت- والفرص- لتحسين وضعه قبل انتخابات التجديد النصفي في نوفمبر/تشرين الثاني. وقالت إن نبرة الرئيس الجديدة الجريئة كانت بداية جيدة، من شأنها أن تساعد على "تنشيط" الديمقراطيين. وقالت: "إنه في وضع القيادة الآن".
وقالت لوريلا برايلي، الرئيسة المشاركة للمجموعة التقدُّمية Community Change Action إن الناخبين بحاجةٍ إلى أن يروا بايدن يكافح نيابةً عنهم.
وحثت الرئيس على استخدام كلِّ أداةٍ تنفيذية تحت تصرُّفه لتخفيف الضغوط المالية التي تواجه ملايين الأمريكيين، مثل إلغاء ديون الطلاب، بينما يواصل الضغط من أجل المُضيِّ قُدُماً في خطة "إعادة البناء الأفضل" التشريعية وإصلاح حقوق التصويت ونظام الهجرة.
وقالت برايلي إن جزءاً من التحدي الذي يواجه بايدن هو إقناع الجمهور المُحبَط بأن "المستقبل لا يزال أمامه". وأضافت: "كافحوا من أجل الناس، قدِّموا لهم ما يريدون ثم تأكَّدوا أنهم يعرفون ما حدث. الأمر بهذه البساطة حقاً".