“أمم إفريقيا” فكرة سودانية.. قصة البطولة من كأس “سالم” حتى نسخة “المشاكل” في الكاميرون

عربي بوست
تم النشر: 2022/01/18 الساعة 10:19 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/01/18 الساعة 10:20 بتوقيت غرينتش
كأس أمم إفريقيا في نسختها رقم 33 بالكاميرون أدارت ظهرها للعرب / رويترز

تتواصل مباريات بطولة أمم إفريقيا لكرة القدم في نسخة "المشاكل" الحالية في الكاميرون، والكأس كانت فكرة سودانية انطلقت قبل نحو 67 عاماً، وهذه قصتها منذ البداية وحتى النسخة رقم 33.

ترتبط قصة ميلاد كأس أمم إفريقيا بنشأة الاتحاد الإفريقي لكرة القدم وكان ذلك في يونيو/حزيران عام 1956، خلال المؤتمر السنوي للاتحاد الدولي لكرة القدم المنعقد في البرتغال. في ذلك الوقت تم إعلان تأسيس الاتحاد الإفريقي، وكان صاحب فكرة تأسيس اتحاد قاري في القارة السمراء هو عبد الحليم محمد رئيس الاتحاد السوداني للعبة.

وبالفعل أعلن عن تأسيس الاتحاد الإفريقي، وتولى رئاسته المصري عبد العزيز عبد الله سالم، وفي ذلك الوقت كان أعضاء الاتحاد المؤسسون هم السودان ومصر وإثيوبيا وجنوب إفريقيا، إذ كانت تلك الدول الأربع هي فقط الحاصلة على استقلالها في ذلك الوقت.

كأس عبد العزيز سالم

أراد السوداني عبد الحليم محمد إقامة بطولة قارية لإفريقيا على غرار بطولة كأس أمم أمريكا الجنوبية، أقدم بطولة قارية وانطلقت عام 1916، وبالفعل تم الاتفاق بين رؤساء الاتحادات الإفريقية الأربعة على إقامة بطولة كأس الأمم الإفريقية والتي استضافتها السودان في فبراير/شباط عام 1957، أي بعد عدة أشهر فقط من تأسيس الاتحاد الإفريقي.

بالطبع لم تكن هناك حاجة لإقامة تصفيات مؤهلة للبطولة، فالمشاركون فيها أربعة منتخبات فقط، وتم الاتفاق على إقامة قرعة لتحديد أطراف نصف النهائي، لكن جنوب إفريقيا رفضت أن يضم فريقها المشارك في البطولة لاعبين سوداً أو ملونين، إذ كان نظام الفصل العنصري مطبقاً في ذلك الوقت.

الشعار الحالي للاتحاد الإفريقي لكرة القدم

وهكذا أقيمت أول بطولة إفريقية بمشاركة 3 منتخبات فقط هي السودان ومصر وإثيوبيا، وجنبت القرعة إثيوبيا من لعب مباراة نصف النهائي لتتأهل إلى النهائي مباشرة بينما لعبت مصر والسودان ليفوز المنتخب المصري ويواجه إثيوبيا في النهائي ويفوز باللقب الأول للبطولة.

تولى عبد العزيز سالم، رئيس الاتحاد المصري، والذي تم الاتفاق على أن يتولى رئاسة الاتحاد الإفريقي أيضاً ليكون أول رئيس للاتحاد القاري، تصميم أول كأس يتسلمها الفريق الفائز. وكانت من الفضة وحملت اسم "عبد العزيز سالم".

تطور البطولة الإفريقية لكرة القدم

أقيمت النسخة الثانية من البطولة في القاهرة بمشاركة نفس المنتخبات الثلاثة، لكن هذه المرة لعبت مصر والسودان في النهائي وفازت مصر بلقبها الثاني عام 1957. وأقيمت النسخة الثالثة من كأس أمم إفريقيا عام 1962 في ضيافة إثيوبيا، وشهدت تلك النسخة تصفيات تأهيلية للمرة الأولى.

تأهلت مصر (حامل اللقب) وإثيوبيا (البلد المستضيف) تلقائياً للنهائيات بينما شاركت المنتخبات الإفريقية التي كانت قد حصلت بلادها على الاستقلال وقتها في مباريات التصفيات، فتأهلت منها نيجيريا وتونس للنهائيات، لتغيب السودان للمرة الأولى. وتأهلت مصر وإثيوبيا للمباراة النهائية ليفوز المنتخب الإثيوبي بلقبه الأول ويحرم مصر من الثلاثية.

النسخة الرابعة من البطولة أقيمت عام 1963 (العام التالي مباشرة للنسخة الثالثة) وكانت في ضيافة غانا، التي سجلت حضورها الأول ومعه لقبها الأول أيضاً، وكرر المنتخب الغاني الفوز باللقب القاري في البطولة التالية عام 1965 في ضيافة تونس ليعادل رقم المنتخب المصري.

أقيمت النسخة السادسة عام 1968 وشهدت للمرة الأولى مشاركة 8 فرق في النهائيات، تأهلت من خلال تصفيات شارك فيها 22 منتخب إفريقي. وفي النهائيات تم تقسيم المنتخبات الثمانية إلى مجموعتين يتأهل أول وثاني كل مجموعة إلى نصف النهائي ويتأهل الفائزان إلى المباراة النهائية، وحرمت زائير (جمهورية الكونغو الديمقراطية) غانا من اللقب الثالث توالياً بعد أن فازوا بالمباراة النهائية على منتخب "النجوم السوداء".

المنتخب الجزائري حامل لقب كأس الأمم الإفريقية الثانية والثلاثين

استقر نظام البطولة على هذا النحو، أي 8 فرق في النهائيات تقسم إلى مجموعتين، في الفترة من 1968 حتى نسخة 1992 التي شهدت زيادة عدد الفرق المتأهلة للنهائيات إلى 12 فريقاً تقسم إلى أربع مجموعات يتأهل عن كل مجموعة أصحاب المركز الأول والثاني، ليلعبوا في الدور ربع النهائي أو دور الثمانية ثم نصف النهائي والنهائي.

وظل عدد المنتخبات المتأهلة للنهائيات 12 فريقاً حتى نسخة عام 1996 التي استضافتها جنوب إفريقيا (التي ظهرت على الساحة الإفريقية بعد انتهاء نظام الفصل العنصري)، حيث أصبح عدد الفرق المتأهلة للنهائيات 16 فريقاً مقسمة على أربع مجموعات.

واستمر العدد 16 منتخباً في النهائيات حتى نسخة 2019 التي استضافتها مصر، إذ تم رفع عدد المنتخبات المتأهلة للنهائيات إلى 24 فريقاً مقسمة على 6 مجموعات يصعد متصدر ووصيف كل مجموعة إلى الدور التالي، ومعهم أفضل 4 منتخبات حققت نتائج وحلت في المركز الثالث، ليلعبوا في الأدوار الإقصائية الـ16 والـ8 ونصف النهائي والنهائي.

كأس إفريقيا والتدخلات الأوروبية

يمكن القول إن احتراف المواهب المتميزة في القارة السمراء في الأندية الأوروبية الكبرى بدأ يكون له تأثير سلبي على نظرة الاتحاد الأوروبي والاتحاد الدولي أيضاً لأمم إفريقيا، بسبب توقيت إقامة البطولة (خلال شهر يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط) من ناحية وبسبب إقامتها كل عامين من ناحية أخرى.

المسابقات الأوروبية تكون مستمرة أثناء إقامة أمم إفريقيا وبالتالي تخسر الأندية الأوروبية جهود لاعبيها الأفارقة المحترفين، وهكذا بدأت البطولة القارية في إفريقيا تتعرض لما يمكن وصفه بالتنمر الأوروبي والدولي. وجهة نظر القائمين على الكرة الإفريقية تتمثل في أن أغلب دول القارة تفتقر إلى ملاعب وتجهيزات رياضية عالية المستوى، وبالتالي فإن إقامة البطولة كل عامين يساعد تلك الدول على تطوير بنيتها التحتية من حيث الملاعب والطرق والاتصالات وما إلى ذلك.

كرة القدم كل سنتين
جاني إنفانتينو رئيس الفيفا – رويترز

لكن الاتحاد الأوروبي والفيفا أيضاً يرون أن إقامة البطولة كل 4 سنوات شأنها شأن أمم أوروبا وأمم آسيا وكوبا أمريكا وكأس العالم، ستجعلها أكثر قوة وتنافسية وتعطي فرصة أكبر لعدم حرمان الأندية الأوروبية من لاعبيها المحترفين، إضافة إلى ضرورة أن تلعب البطولة في فصل الصيف.

لكن إقامة البطولة في فصل الصيف لن تكون سهلة بالنسبة لكثير من دول القارة السمراء، بسبب الحرارة العالية والأمطار أيضاً خصوصاًفي دول وسط وجنوب القارة.

وكان سيب بلاتر رئيس الفيفا السابق قد اتفق مع عيسى حياتو الرئيس الأسبق للاتحاد الإفريقي على إقامة أمم إفريقيا في السنوات الفردية حتى لا تتعارض مع كأس العالم، وهو ما بدأ بالفعل منذ نسخة 2013، التي أقيمت بعد نسخة 2012 مباشرة، لكن ها هو وباء كورونا يعيد البطولة إلى الأعوام الزوجية مرة أخرى. النسخة الحالية التي تستضيفها الكاميرون (من 9 يناير/كانون الثاني وحتى 6 فبراير/شباط 2022) كان من المفترض أصلاً إقامتها عام 2021.

نسخة "المشاكل" من أمم إفريقيا

يطلق أغلب المتخصصين في كرة القدم على النسخة الحالية من أمم إفريقيا –النسخة رقم 33 في الكاميرون– "نسخة المشاكل"، وذلك بسبب جملة من الأحداث سبقت انطلاق البطولة واستمرت في الملاعب وليس فقط خارجها.

تمثلت أبرز أسباب الدعوة لتأجيل أو حتى إلغاء النسخة الحالية من أمم إفريقيا في الكاميرون في الآتي: عدم اكتمال التجهيزات ووجود اضطرابات مسلحة بسبب قوات انفصالية إضافة إلى مخاطر انتشار أوميكرون. والحقيقة أن تلك الدعوات لم تقتصر فقط على الأندية الأوروبية الكبرى ولا مسؤولي الاتحاد الدولي بل انضم لها أيضاً مسؤولون عن اللعبة في بعض الدول الإفريقية.

لكن بعد أن أصبح تأجيل البطولة أو إلغاؤها حديث الساعة، رفع صامويل إيتو رئيس الاتحاد الكاميروني لكرة القدم شعار "استقلال القارة" في وجه الجميع ودافع عن حق بلاده الكاميرون في استضافة البطولة وإقامتها في موعدها، وفي النهاية كان للنجم الكاميروني ما أراد.

صامويل إيتو واحد من أبرز نجوم كرة القدم الأفارقة وهو حامل الرقم القياسي لأعلى هدافي أمم إفريقيا برصيد 18 هدفاً، وكان أحد أبرز نجوم فريق برشلونة الإسباني وصاحب مسيرة احترافية مميزة في اللعبة الأكثر شعبية حول العالم، وبالتالي فهو يتمتع بنفوذ قوي، واستخدم حجة قوية تتمثل في "استقلال القارة السمراء" وضرورة إقامة البطولة في موعدها، وبالتالي انطلقت البطولة.

افتتاح أمم إفريقيا في الكاميرون

لكن الأحداث التي شهدتها الأيام الأولى من البطولة حتى الآن أكدت أنها قد لا تكون فقط بطولة "المشاكل"، بل يمكن وصفها ببطولة "الفضائح"، التي قد تكون بداية النهاية لإحداث تغييرات جذرية في نظام البطولة ودورية وتوقيت إقامتها.

إذ شهد اليوم من البطولة تعرض 3 صحفيين من الجزائر للاعتداء والسرقة في مدينة دوالا الكاميرونية التي احتضنت أولى مباريات منتخب الجزائر (حامل اللقب) في البطولة، ليقدم إيتو اعتذاره في مقطع فيديو قال فيه إن "السلطات ستعمل على ضمان سلامة الصحفيين الجزائريين، يجب أن يشعروا بالأمان كما لو كانوا في الجزائر العاصمة".

كما نشر نجوم المنتخب التونسي صوراً من فندق الإقامة الخاص بهم كشفت حالة الفندق السيئة وانتشار الزواحف فيه. وواجه منتخب الجزائر مشاكل في الانتقال إلى ملعب التدريب لعدم وجود أتوبيس مخصص لذلك، فنشر اللاعبون صوراً لهم وهم يستقلون سيارات أجرة للذهاب إلى التدريب.

وشهدت مباراة مصر ونيجيريا تكرار توقف اللعب بسبب الكرات وسوء حالتها. لكن مباراة تونس ومالي شهدت حادثة من الصعب تفسيرها، عندما أطلق حكم المباراة صافرة انتهاء اللقاء قبل نهاية الوقت الأصلي، ولم يفعلها مرة واحدة فقط بل مرتين.

هذا بخلاف سوء أرضية أغلب ملاعب البطولة والنقل التليفزيوني الضعيف للغاية وسوء التنظيم في أغلب المؤتمرات الصحفية، مما يشير إلى أن الكاميرون لم تكن مستعدة لإقامة البطولة في هذا التوقيت، إضافة إلى تفشي عدوى فيروس كورونا بين اللاعبين والإداريين لأغلب المنتخبات.

اللافت هنا أن هذه البطولة كان من المفترض أن تقام في الكاميرون عام 2019، لكن عدم إكمال الكاميرون الاستعدادات جعل الاتحاد الإفريقي ينقل البطولة إلى مصر ليعطي السلطات الكاميرونية مزيداً من الوقت للاستعداد، ويبدو واضحاً أن ذلك لم يحدث، فهل يندم صامويل إيتو على تمسكه بإقامة البطولة في موعدها؟

تحميل المزيد