المعلومات المُضلِّلة هي أحد أبرز معوقات الحرب على الوباء وكل ما يتعلق بأسلحة البشر، وأهمها لقاحات كورونا، لكن لماذا يتردد بعض أشهر الرياضيين في التطعيم؟ وما نسبتهم وحجم تأثيرهم؟
ومع دخول البشرية العام الثالث لجائحة كورونا، والعام الثاني منذ التوصل للقاحات، كان المفترض أن تكون الحرب ضد الوباء قد اتخذت إطاراً عاماً مستقراً يقوده خبراء الأوبئة والعلماء، لكن حقيقة الأمر ترسم صورة مختلفة للغاية، فالمعلومات المضللة لا تزال تواصل انتشارها وتجد من يصدّقها، بغض النظر عن مصدرها.
وإذا كانت منصات التواصل الاجتماعي، وبصفة خاصة فيسبوك، متهمة بالتسبب في انتشار المعلومات المضللة فيما يخص فيروس كورونا واللقاحات وكل ما يتعلق بتلك الأزمة الصحية الأخطر منذ أكثر من قرن، فإن وجود بعض أشهر الرياضيين من ذوي النجومية الهائلة ضمن فريق المترددين في التطعيم أو الرافضين للقاحات، فهذا أمر يستحق التوقف أمامه للكشف عن أسبابه.
مشاهير أثاروا الجدل بشأن اللقاحات
أدت أزمة احتجاز نوفاك يوكوفيتش، أسطورة التنس الصربي، في أستراليا، بسبب عدم تلقيه لقاح كورونا إلى إعادة تسليط الضوء على المشاهير من نجوم الرياضة والفن، الذين أعلنوا رفضهم التطعيم، إضافة إلى تفجر الجدل بشأن "اللقاح الإجباري" مرة أخرى.
فديوكوفيتش واحد من قائمة تضم مشاهير في الرياضة والفن، أعلنوا رفضهم تلقي لقاحات كورونا لأسباب متنوعة، أبرزها خوفهم من "الأعراض الجانبية"، رغم أن خبراء الأوبئة واللقاحات حول العالم يُجمعون على سلامة اللقاحات، وأن نسبة من يعانون من أعراض جانبية ضئيلة للغاية ولا تتعلق باللقاحات بقدر ما تتعلق بالحالة الصحية لمن عانوا من تلك الأعراض.
آرون رودجرز، لاعب كرة القدم الأمريكية الشهير، وجوشوا كيميتش لاعب بايرن ميونيخ والمنتخب الألماني لكرة القدم، وبرايسون ديكامبو نجم الجولف الأمريكي، وكيري إيرفنغ نجم كرة السلة الأمريكي، ودينيس ساندغيرن نجم التنس الأمريكي، والقائمة تضم أسماء أخرى شهيرة أعلنوا رفضهم للقاح لأسباب مختلفة، بحسب تقرير لموقع فرانس 24، كما تشمل قائمة المشاهير الرافضين للقاح ممثلين وممثلات ونجوم مجتمع.
والقصة هنا تتعلق بكون ديوكوفيتش وغيره في تلك القائمة من الرياضيين المشاهير قد جاهروا برفضهم تلقي لقاحات كورونا، ما يطرح سؤالاً يبدو بديهياً: لماذا يتردد بعض الرياضيين النخبة، الذين من المفترض أنهم من الأشخاص الأكثر وعياً بالصحة في العالم، في تلقي اللقاح المضاد لفيروس كورونا؟
ومن المهم هنا ذكر أن نسبة هؤلاء المشاهير المترددين بشأن اللقاحات ضئيلة، إذ تلقّى أكثر من 95% من أفضل 100 لاعب تنس من الذكور و80% من لاعبي التنس الذكور بشكل عام، جرعتين من لقاح كورونا وفقاً للهيئة الناظمة للاعبين الرجال في رابطة محترفي التنس (ATP).
لكن تلك النسبة كانت نحو 65% فقط قبل أن تعلن بطولة أستراليا المفتوحة عن سياسة التطعيم الإلزامية، في أكتوبر/تشرين الأول 2021، بحسب تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية BBC. كما تكشف أحدث الأرقام الصادرة عن اتحاد التنس النسائي (WTA) أن أكثر من 80% من اللاعبات تلقَّين جرعتين من اللقاح، بينما بلغت النسبة اعتباراً من 6 يناير/كانون الثاني 2022، بين أفضل 100 لاعبة 85%.
ماذا يقول لاعب التنس البرازيلي مونتيرو؟
لاعب التنس البرازيلي تياغو مونتيرو كان واحداً من المترددين في تلقي لقاحات كورونا، لكنه الآن يواصل التدريب للمشاركة في بطولة أستراليا المفتوحة للتنس بعد أن تلقى جرعتي اللقاح. مونتيرو المصنف في المرتبة 89، لم يرغب في المخاطرة بالحرمان من المشاركة في البطولة، ويرجع ذلك بشكل أساسي إلى أنه سيكسب 100 ألف دولار من أموال الجائزة بمجرد المشاركة في الجولة الأولى.
لكن سياسة التطعيم الإلزامي في أستراليا لم تكن السبب الذي دفع مونتيرو إلى تلقي اللقاح قبل بدء البطولة، إذ قال لبي بي سي: "قراري في تلقي اللقاح لم يكن له علاقة ببطولة أستراليا المفتوحة، فالأمر يتعلق بحرصي على حماية نفسي وحماية الآخرين من الفيروس".
مونتيرو نفسه وجد صعوبة بالغة في العثور على إجابة لسؤال لماذا تردد في تلقي اللقاح المضاد لفيروس كورونا؟ وفي الوقت الذي رفض مونتيرو تسمية زملائه الذين كانوا كارهين لفكرة تلقي اللقاح وترددوا كثيراً قبل تلقيه، إلا أنه كشف عن شعوره بالحيرة والاستغراب الشديدين لدى سماع الرياضيين المحترفين يشككون في النصائح العلمية.
"لا أعرف حقاً سبب حدوث ذلك، لكنني أشك في أن موقفهم هذا ما هو إلا نتيجة لجميع المعلومات المضللة التي يتم تداولها"، على حد قوله.
ويقول مونتيرو إن عدم تلقي اللقاح لم يكن أبداً خياراً وارداً في ذهنه، بالإضافة إلى أن والدته تعاني من اعتلال في صحتها، فقد صُدم من العدد الكبير للوفيات المرتبطة بجائحة كورونا في موطنه البرازيل، والتي بلغت أكثر من 600 ألف. لكن دون تسمية ديوكوفيتش على وجه التحديد، قال اللاعب المصنف الأول في البرازيل، إنه ينبغي على اللاعبين التفكير ملياً في تداعيات أفعالهم.
"يمكن أن يكون للناس آراءهم حول اللقاح، على الرغم من أنه قد ثبت ما له من دور مهم في إنقاذ الأرواح، لكنني أعلم أن الكثير من الناس حول العالم يتطلعون إلينا، لذا إن كانت لدينا بالفعل القدرة للتأثير عليهم فلنتأكد من أننا نؤثر بشكل إيجابي وصحيح".
25% من لاعبي الدوري الإنجليزي دون تطعيم
الدكتور دارين بريتون، عالم النفس الرياضي في جامعة سولنت في المملكة المتحدة، يرى أن الخطوة الأولى لفهم تردد بعض نجوم الرياضة هي دراسة كيف يميل الرياضيون إلى القلق بشأن أجسادهم أكثر من معظمنا.
يوضح بريتون: "بالنسبة للرياضيين، فإن أجسادهم هي أثمن ما يملكون". من المحتمل أن يتردد البعض منهم في أخذ لقاح إذا لم يحصلوا على المعلومات الكافية التي قد تدلهم بصورة واضحة عما إذا كان قد تم تضليلهم". ويضيف لبي بي سي: "كانت هناك مخاوف أولية، على سبيل المثال، من إمكانية أن تؤثر اللقاحات على أدائهم، أو حتى أن تظهر آثارها في اختبارات مكافحة المنشطات".
كان ديوكوفيتش قد قال في عام 2020 إنه "يعارض تلقي اللقاح"، ويعتقد خبراء مثل بريتون أن تشكيك اسم مرموق أو شخص مشهور مثل المصنف الأول في لعبة التنس علناً في اللقاح يكون لرأيه تأثير أكبر، رغم أنه ليس متخصصاً ولا عالماً في الأوبئة أو اللقاحات.
لكن المشكلة تتفاقم أكثر عندما يكون الرياضي المشهور نفسه سبباً في نشر "المعلومات المضللة"، وقد ظهر وضع مماثل في دوري كرة القدم الأمريكية للمحترفين (NFL)، إذ قال اتحاد كرة القدم الأمريكي إن أكثر من 90% من لاعبي كرة القدم الأمريكية تلقوا جرعتين من لقاح كورونا.
لكن نجم اتحاد كرة القدم الأمريكي آرون رودجرز أيّد بشكل مثير للجدل المعالجة بالمواد الطبيعية كشكل بديل لتلقي اللقاح ضد كوفيد-19. كما اتُّهم رودجرز أيضاً بتضليل الجمهور بشأن تلقيه اللقاح.
ويبدو أن هناك تردداً بشأن تلقي اللقاحات في صفوف لاعبي كرة القدم الإنجليزية أيضاً، حيث تم تأجيل العديد من المباريات بسبب تفشي كوفيد-19. وكشفت دراسة استقصائية في المملكة المتحدة، أجراها اتحاد كرة القدم الإنجليزي، فرع الهيئة الناظمة للأقسام الدنيا، في أواخر ديسمبر/كانون الأول، أن ربع اللاعبين في 72 فريقاً محترفاً "لا يعتزمون الحصول على لقاح".
أما في الدوري الإنجليزي الممتاز، دوري الدرجة الأولى في المملكة المتحدة، فإن نسبة 23% من اللاعبين لم يتلقوا جرعتي اللقاح، أو جرعة واحدة منه.
نجوم الرياضة و"المعلومات المضللة"
يمثل التردد في تلقي اللقاح أو رفضه بشكل عام أحد أبرز المعوقات في الحرب على الوباء، بحسب خبراء الصحة حول العالم، وفي ظل فرض قيود صارمة وإغلاقات متكررة وحظر الحركة داخلياً وخارجياً على من لم يتلقوا جرعات التطعيم بالكامل، تسبب حصول ديوكوفيتش على تأشيرة لدخول أستراليا والمشاركة في بطولتها المفتوحة، في عاصفة من الغضب سببها تساؤلات بشأن إذا ما كان النجم المشهور قد حظي بمعاملة تمييزية لا تتوفر لغيره من المواطنين العاديين.
وزاد الطين بلةً ما قدمه فريق الدفاع عن ديوكوفيتش من أوراق تثبت أن نتيجة فحص كورونا الخاص به يوم 16 ديسمبر/كانون الأول الماضي، جاءت إيجابية، وأن ذلك ما جعله يحظى بشهادة إعفاء من اللقاح من جانب مسؤولي الصحة في أستراليا، وفي اتحاد التنس، فالنجم الصربي حضر فعاليات تكريم في نفس اليوم المذكور دون ارتداء كمامة أو تباعد اجتماعي، كما كشفت صوره المنشورة من تلك الفعاليات.
ويقول الدكتور غافين ويدون، كبير المحاضرين في الرياضة والصحة والجسم في جامعة نوتنغهام ترنت في المملكة المتحدة: "نميل إلى التفكير في الرياضيين على أنهم بشر خارقون، لكنهم في الواقع عرضة للمعلومات الخاطئة أو نظريات المؤامرة كأي منا".
ويحذر ويدون، وهو منسق برنامج جديد للدراسات سيركز بشكل خاص على التردد في تلقي اللقاح بين الرياضيين، من أنه لا ينبغي التمييز ضدهم لدى مناقشة موضوع رفض اللقاحات أو التردد في تلقيها: "حتى لو لم يقل نوفاك ديوكوفيتش أي شيء عن اللقاحات، لكان لا يزال لدينا تردد واسع النطاق بشأن تلقيها على مستوى العالم".
لكن ويدون يتفق مع الرأي القائل إن المعارضة للقاح من قبل شخصيات بارزة لا تخدم جهود السلطات الدؤوبة لرفع معدلات التطعيم: "سواء كان ذلك في نيته أم لا، أصبح ديوكوفيتش رمزاً للتشكيك في اللقاح بسبب وضعه ومكانته، وربما بسبب تعابيره وآرائه".
وفي حين أن فرض اللقاح من قبل السلطات الصحية والهيئات الرياضية وحتى الفرق ساعد في زيادة الإقبال عليه بين الرياضيين، يحذر دارين بريتون من أن هذا الحل قد يكون سلاحاً ذا حدين، إذ يمكن أن يعيق أيضاً الجهود المبذولة لجعل الرياضيين "سفراء للقاح".
يقول بريتون: "كلما حاولت جعل أمر ما إلزامياً زادت احتمالات مقاومة الناس له، إذا كنت تريد من الرياضيين أن يكونوا مثالاً يحتذى به فما عليك فعله هو محاولة تثقيفهم".