بعد 141 يوماً، كانت فيها حياة المعتقل إدارياً الفلسطيني هشام أبو هواش في خطر، وكان يمكن أن يموت في أي لحظة، تم الاتفاق الثلاثاء 4 يناير/كانون الثاني 2022، على إطلاق سراحه، في 26 فبراير/شباط القادم، بعد أربعة أشهر ونصف الشهر فقط من الإضراب عن الطعام؛ احتجاجاً على اعتقاله إدارياً دون محاكمة، وبعد التفاعل مع قضيته محلياً ودولياً، وتهديدات المقاومة الفلسطينية بالتصعيد العسكري تم تحقيق هذه النتيجة المرجوة.
وهشام أبو هواش ليس الأسير الفلسطيني الأول ولن يكون الأخير الذي يُضرب عن الطعام لأجل إنهاء عذاب اعتقاله إدارياً والإفراج عنه، إذ سبقه الكثير من الأسرى الذين لم تُوجه إليهم أي تهم أو تُعقد لأجلهم محاكمات، وهناك المئات مازالوا معتقلين إدارياً حتى اللحظة. وفي هذا التقرير سنحاول تسليط الضوء على قضية الاعتقال الإداري وأبعادها على الفلسطينيين.
ما هو الاعتقال الإداري؟
يُعرف الاعتقال الإداري بأنه اعتقال بدون تهمه أو محاكمة، يعتمد على "ملف سري" أو "أدلة سرية" لا يمكن للمعتقل أو محاميه الاطلاع عليها، ويمكن حسب الأوامر العسكرية الإسرائيلية تجديد أمر الاعتقال الإداري مرات غير محدودة، حيث يتم استصدار أمر اعتقال إداري لفترة أقصاها ستة أشهر قابلة للتجديد.
ويعبّر الاعتقال الإداري عن سياسة حكومية رسمية لدولة الاحتلال تستخدمه كعقاب جماعي ضد الفلسطينيين. والاعتقال الإداري بالشكل الذي تستخدمه إسرائيل محظور في القانون الدولي، فقد استمر الاحتلال في إصدار أوامر اعتقال إداري بحق شرائح مختلفة من المجتمع الفلسطيني في الضفة الغربية: نشطاء حقوق إنسان، عمال، طلبة جامعيون، محامون، أمهات معتقلين وتجار.
ولا تكتفِ سلطات الاحتلال باعتقال المئات من المدنيين الفلسطينيين إدارياً دون تهمة أو محاكمة، بل تسعى لتجديد اعتقالهم الإداري بشكل متواصل ولمرات عديدة، دون أن يعلم المعتقل تاريخ الإفراج عنه، حيث يصدر أمر تجديد المعتقل الإداري قبل أيام قليلة من موعد الإفراج عنه، أو في ذات اليوم المقرر فيه الإفراج عنه، وسبق أن اتبعت دولة الاحتلال سياسة الإفراج عن المعتقل بعد انتهاء أمر الاعتقال الصادر بحقه، وأصدرت أمر اعتقال آخر وهو على باب السجن، ليعاد اعتقاله وزجّه في المعتقل بعد دقائق من الإفراج عنه.
ويقع إصدار أوامر الاعتقال الإداري دون تحديد عدد مرات التجديد للمعتقلين من سكان الضفة الغربية وغزة بيد الحاكم العسكري الإسرائيلي للمنطقة، فيما يقع إصداره ضمن صلاحيات وزير الأمن الإسرائيلي للمعتقلين من سكان القدس، حيث يمنح القانون الإسرائيلي للقائد العسكري صلاحية إجراء أية تعديلات على الأوامر العسكرية المتعلقة بالاعتقال الإداري، بما يتلاءم والضرورة العسكرية، دون الأخذ بالحسبان أية معايير دولية لها علاقة بحقوق المعتقلين.
كم عدد الفلسطينيين المعتقلين إدارياً؟
بحسب آخر إحصائيات مؤسسات الأسرى الفلسطينية، يحتجز الاحتلال حتى نهاية العام 2021، نحو 500 معتقل فلسطيني تحت أوامر الاعتقال الإداري دون تهمة أو محاكمة لمدة غير محددة من الزمن، منهم 3 معتقلات إداريات. ويحتجز معظم الإداريين الذكور حالياً في سجون عوفر، والنقب ومجدو، وتُحتجز الأسيرات الفلسطينيات المعتقلات إدارياً في سجن الدامون، وهو مخالف لما نصت عليه اتفاقية جنيف الرابعة، بوجوب أن تقع السجون داخل الأراضي المحتلة.
وتتزايد حالات الاعتقال الإداري أثناء الهَبّات والانتفاضات الشعبية، حيث تستخدم سلطات الاحتلال هذه السياسة لقمع وترهيب الفلسطينيين من مختلف الشرائح المجتمعية، فأصدرت قوات الاحتلال منذ العام 1967 ما يزيد عن (50,000) أمر اعتقال إداري، 24 ألفاً منها صدرت ما بين العامين 2000 و2014.
وأثناء انتفاضة الحجارة، وصل عدد المعتقلين إدارياً في العام 1989 إلى ما يزيد على (1700) معتقل، وفي العام 2003 إبان انتفاضة الأقصى بلغ عدد المعتقلين إدارياً (1140) معتقلاً. ومنذ الهبة الشعبية عام 2015 حتى نهاية العام 2018، أصدرت سلطات الاحتلال 5068 أمر اعتقال إداري بين أمر جديد وتجديد لأمر.
عقاب جماعي قديم جديد تُنفذه إسرائيل بحق الفلسطينيين
ترجع القوانين العسكرية الإسرائيلية المتعلقة بأوامر الاعتقال الإداري إلى قانون الطوارئ الانتدابي لعام 1945، الذي كان يعاقب الفلسطينيين جماعياً. ويستند القائد العسكري الإسرائيلي في غالبية حالات الاعتقال الإداري على مواد سرية، وهي بالأساس مواد البيانات ضد المعتقل، والتي تدعي السلطات الإسرائيلية عدم جواز كشفها حفاظاً على سلامة مصادر هذه المعلومات، أو لأن كشفها قد يفضح أسلوب الحصول على هذه المواد.
وقد أقرت المحكمة العليا الإسرائيلية في حالات عدة جواز إمكانية عدم كشف هذه البيانات، وعدم إلزام السلطة باحترام حق المشتبه به بالحصول على إجراءات محاكمة عادلة، بما يعد انتهاكاً لحق المعتقل الإداري في معرفة سبب اعتقاله، فمن حق كل شخص أن يعرف سبب اعتقاله، وتنص المادة 9 من "العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية"، الذي أقرته الأمم المتحدة، على ما يلي: "يجب إبلاغ كل شخص يُقبض عليه بأسباب القبض عليه لدى وقوعه، ويجب إبلاغه على وجه السرعة بأية تهمة تُوجَّه إليه".
وانتهاك حق المعتقل الإداري في عدم التعرض للقبض عليه أو اعتقاله تعسفياً، حيث تنص المادة التاسعة، على أنه "لا يجوز القبض على أحد أو اعتقاله تعسفاً"، وأنه "لا يجوز حرمان أحد من حريته إلا لأسباب ينص عليها القانون وطبقاً للإجراء المقرر فيه". وقد ذكرت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان أن مصطلح "التعسف" لا يعني فقط أن الإجراء "مخالف للقانون"، بل يجب تفسيره تفسيراً أوسع، ليتضمن بعض العناصر الأخرى، مثل عدم اللياقة والظلم وعنصر المفاجأة.
ما الآلية التي تعتقل إسرائيل الفلسطينيين إدارياً بموجبها؟
تقول مؤسسة "الضمير" لرعاية الأسير وحقوق الإنسان، إنه يتم محاكمة الفلسطينيين في محاكم عسكرية إسرائيلية لا تراعي أصول المحاكمة العادلة المنصوص عليها قانونياً ودولياً، والتي تحفظ لهم حقهم في المساواة أمام القانون، والمثول أمام محكمة مختصة ومستقلة وحيادية ومنشأة بحكم القانون، ونظراً لأن الاعتقال الإداري يتم دون محاكمة فعلية، فتكون مراجعة ملفات الاعتقال الإداري في محكمة رقابة قضائية من قبل قاضٍ عسكري وليس لجنة.
وكانت المحكمة تقوم باستدعاء مندوب المخابرات عند بحث كل ملف لعرض البينات السرية بالتفصيل من قبله أمام القاضي في السابق، وتم التنازل عن هذا الإجراء خلال فترة إعادة احتلال الجيش الإسرائيلي لمدن الضفة الغربية عام 2002، ويرجع قرار استدعاء ممثل المخابرات من عدمه اليوم للقاضي، وهذا يعني أنه في الغالبية المطلقة من الحالات يقوم القاضي بالاطلاع على ملخص البيانات ضد المعتقل، وليس كافة المواد السرية، ولا تتاح له الفرصة لمناقشة رجل المخابرات في كيفية حصوله على المعلومات، وكيفية فحصها للتأكد من صحتها.
تقع جلسات مراجعة الاعتقال الإداري تحت مصنف الجلسات غير العلنية، أي المغلقة، والتي لا يُسمح للجمهور أو لأفراد من العائلة بحضورها، أي يمثل فقط المحامي، والمعتقل، والقاضي، والمدعي العسكري، وممثلو المخابرات في بعض الأحيان، ما يشكل حرماناً للمعتقل من حقه في الحصول على محاكمة علنية، حيث تكفل المادة 14 من "العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية" الحق في المحاكمة العلنية، باعتبار ذلك عنصراً أساسياً من عناصر المحاكمة العادلة.
ويجب أن تكون القاعدة هي إجراء المحاكمة شفوياً وعلنياً، ويجب أن تعلن المحكمة أياً كان نوعها، المعلومات الخاصة بوقت إجراء المحاكمة ومكانها، ويجوز منع الجمهور وأجهزة الإعلام من حضور جانب من المحاكمة أو من حضورها كلها، ولكن ذلك يقتصر على ظروف استثنائية (كأن يكون الإعلان عن بعض المعلومات الخاصة بالقضية مصدر خطر حقيقي على أمن الدولة) ولأسباب محددة، على نحو ما نصت عليه المادة المذكورة.
وقد أجازت محكمة العدل العليا للسلطات الإسرائيلية إصدار أوامر اعتقال إداري، دون تحديد مكان الاحتجاز بأمر الاعتقال نفسه، بالرغم أنه حسب الأوامر العسكرية الإسرائيلية وقانون الطوارئ (الاعتقالات) لعام 1979، يجب احتجاز المعتقلين الإداريين في أقسام منفصلة عن المعتقلين غير الإداريين، وجاء قرار المحكمة العليا لتسهيل مهمة الاحتجاز في أي مركز توقيف، دون الالتزام باحتجاز المعتقل في مراكز خاصة فقط بالإداريين كسجن النقب، وبداية كان هذا التعديل سارياً حتى 4 ديسمبر/كانون الأول 2002، وتم تجديد سريانه لاحقاً.
قاضٍ ومدعٍ عام من الجيش الإسرائيلي
وكان في السابق إذا صدر الأمر لمدة 6 شهور وجب مراجعته قانونياً من قبل قاض عسكري مرتين خلال هذه الفترة، وهناك حق بالاستئناف على كل قرار يصدر من القاضي، أما منذ أبريل/نيسان 2002، فقد أبطل هذا الإجراء، وتتم المراجعة فقط مرة واحدة مع الحق بالاستئناف.
يتم إحضار المعتقل أمام القاضي خلال 8 أيام من يوم إصدار أمر الاعتقال الإداري، بينما بموجب القانون الإسرائيلي خلال 48 ساعة، وهذه المدة تخضع لصلاحية القائد العسكري، المشرع له إجراء التعديلات كلما اقتضت الحاجة، كما حدث في أبريل/نيسان 2002، حيث مُددت الفترة لمدة 18 يوماً.
يذكر أن القاضي العسكري والمدعي العام يخدمان في الجيش الإسرائيلي، ويعملان في نفس الوحدة القانونية في الجيش الإسرائيلي، ويتم تعينهما من قبل نفس الهرم الوظيفي، وهناك عدد من المدعين العامين الإسرائيليين الذين عملوا ويعملون قضاةً حالياً في محاكم الاعتقال الإداري.
يمنح القانون الإسرائيلي للقائد العسكري صلاحية إجراء أية تعديلات على الأوامر العسكرية المتعلقة بالاعتقال الإداري، بما يتلاءم والضرورة العسكرية، دون الأخذ بالحسبان أية معايير دولية لها علاقة بحقوق المعتقلين.
أطول مدة اعتقال إداري
تاريخياً، أمضى أطول معتقل فلسطيني إدارياً، 7 سنوات دون توجيه تهمة له، وهو الأسير الفلسطيني المحرر علي عوض الجمّال، الذي اعتُقل بتاريخ 9 مايو/أيار 1975، إثر مقتل ضابط إسرائيلي في سوق مدينة جنين عام 1974، وتعرض لتحقيق قاسٍ وتعذيب شديد في مركز التحقيق مدة 100 يوم، إلى أن تم تحويله إلى الاعتقال الإداري الذي أمضى فيه 7 سنوات.
واعتقلت القوات الإسرائيلية منذ عام 1967 فقط، أكثر من 700.000 فلسطيني، يشكلون تقريبا 20% من مجموع السكان الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن غالبية هؤلاء المعتقلين هم من الرجال، نصل إلى حقيقة أن أكثر من 40% من مجموع الذكور الفلسطينيين في الأراضي المحتلة تم اعتقالهم.