في ظل الحرب الباردة بين الصين والولايات المتحدة، تعقد مقارنات مستمرة بين القدرات العسكرية لجيشي البلدين، لكن بحرية جيش التحرير الصيني لا تمثل سوى ضلع واحد من ثلاثي الرعب البحري لبكين.
ونشرت مجلة National Interest الأمريكية تقريراً عنوانه "هل أصبحت الصين أكبر قوة بحرية في العالم؟"، رصد امتلاك الصين أسطولاً بحرياً أكبر حجماً من نظيره الأمريكي، لكن ذلك الأسطول التابع للبحرية الصينية لا يمثل سوى ضلع واحد من أضلاع البحرية الصينية الإجمالية.
وكانت تقارير غربية قد تحدثت في عام 2020 عن اعتماد بكين على ميليشيات بحرية، تتكون من سفن الصيد وتنتشر في بحر الصين الجنوبي لتنفيذ مهام محددة؛ تفادياً لمواجهة عسكرية مفتوحة مع واشنطن.
وتزامنت التقارير حول تلك الميليشيات، التي تتشكل من المئات من سفن الصيد ذات اللون الأزرق والآلاف من الرجال الذين يرتدون زياً باللون نفسه، مع الكشف مؤخراً عن استراتيجية تعمل من خلالها الصين على بناء مدمرات وسفن حربية برمائية وحاملات وغواصات مُسلَّحة نووياً وقوارب هجوم سريع، إضافة إلى العديد من المنصات البحرية الأخرى ضمن جهد واضح لفرض هيمنتها إقليمياً وعلى البحار الدولية، وكذلك "استبدال الولايات المتحدة، الشريك المفضل لعدد من الدول في أنحاء العالم".
والحديث هنا عمن باتوا معروفين لدى خبراء الشأن الصيني بلقب "الرجال الزرق الصغار"، وهم في واقع الأمر ميليشيات بحرية تُسيطر عليها بكين، ويقول المراقبون إن حجمها قد يصل إلى مئات القوارب والسفن، إلى جانب آلاف من أفراد الطواقم العاملة بها، بحسب تقرير لشبكة CNN الأمريكية. لكن الصين لا تعترف بوجود تلك الميليشيات.
البحرية الصينية الرسمية
تمتلك بحرية جيش التحرير الشعبي الصيني ما بين 313 و342 سفينة حربية، وفقاً لتقديرات مكتب الاستخبارات البحرية الأمريكي عام 2018، وبالمقارنة، كانت البحرية الأمريكية تملك 285 سفينة حربية في منتصف العام نفسه.
لكن بحرية جيش التحرير الشعبي الصيني لا تمثل سوى جزء ضئيل من القوة البحرية للصين، وفقاً لأندرو إريكسون، الأستاذ في الكلية الحربية البحرية الأمريكية. إذ كتب إريكسون في منتدى الدفاع بالمحيطين الهندي والهادئ: "تتألف القوات المسلحة الصينية من ثلاثة أقسام رئيسية، لكل منها مكون بحري فرعي يعد بالفعل أكبر قوة بحرية من نوعها في العالم من حيث عدد السفن".
فإلى جانب بحرية جيش التحرير الشعبي الصيني، يوجد خفر السواحل الصيني والميليشيات البحرية للقوات المسلحة الشعبية PAFMM.
وخفر السواحل والميليشيا البحرية يساعدان الحزب الشيوعي الصيني على تحقيق أهداف سياسته الخارجية. وكتب إريكسون: "لا تسعى بكين للحرب ولكنها عازمة على تغيير الوضع الراهن بالقوة، وتستعين بكين بقوتيها البحريتين الهائلتين الثانية والثالثة فيما يسمى بعمليات المنطقة الرمادية البحرية، لدعم مزاعمها بسيادتها على المناطق المتنازع عليها في البحار القريبة (البحر الأصفر وبحر الصين الشرقي وبحر الصين الجنوبي)".
وكشف إريكسون أن خفر السواحل والميليشيا تطورا بالتوازي مع بحرية جيش التحرير الشعبي الصيني. وكتب: "القوة البحرية الثانية للصين، خفر السواحل، هي … الأكبر في العالم، حيث تتجاوز أعداد سفنها جميع سفن جيرانها مجتمعين في المنطقة: 225 سفينة يزيد وزنها على 500 طن، قادرة على العمل في المياه البعيدة، و1050 سفينة أخرى ينحصر عملها في المياه القريبة، ومجموع الاثنتين 1275".
وسفن خفر السواحل الصيني الجديدة أكثر تطوراً بكثير من السفن التي حلت محلها. وكتب إريكسون: "من حيث التطوير النوعي، فقد أبدلت الصين سفنها القديمة الأقل تطوراً. وهي تطبق الدروس التي تعلمتها من دراسة خفر السواحل الأمريكي والياباني (المعيار الذهبي)، فضلاً عن خبرة خفر السواحل الصيني المتنامية في العمل بالمياه البعيدة لفترات طويلة. ومن الميزات التي تضمها السفن الجديدة مروحيات وقوارب اعتراض ومدافع سطح ومدافع مياه بسعة عالية وتحسُّن في صلاحيتها للملاحة".
ميليشيات الصين البحرية
تطورت الميليشيا البحرية الصينية بالمثل. وأوضح إريكسون: "منذ عام 2015، بدأت الصين من مدينة سانشا بجزر باراسيل، في تطوير قوة مكتملة للميليشيا البحرية: وحدات عسكرية متطورة تضم مجندين عسكريين يعملون في 84 سفينة كبيرة مزودة بمدافع مياه وهيكل متطور".
وأضاف: "ويتدرب الأفراد على حالات الطوارئ المتنوعة في أوقات السلم وأوقات الحرب، وتدريبهم يشمل الأسلحة الخفيفة، وينتشرون من حين لآخر في مناطق بحر الصين الجنوبي المتنازع عليها حتى في أثناء فترات وقف الصيد".
وتملك بحرية جيش التحرير الشعبي الصيني وخفر السواحل والميليشيا البحرية مجتمعة نحو 650 سفينة كبيرة ذات قدرات عسكرية. لكن الصين ليست الدولة الوحيدة التي تملك أكثر من قوة بحرية. إذ تمتلك الولايات المتحدة أيضاً خفر سواحل شبه عسكري ينفذ دوريات في المحيطات وقيادة النقل البحري العسكرية MSC.
ويملك خفر السواحل الأمريكي نحو 240 مركبة مائية يزيد طولها على 65 قدماً (نحو 20 متراً). وقيادة النقل البحري العسكرية تملك 120 سفينة مواد لوجستية وشحن ودعم. وبإضافة هذه السفن إلى 285 سفينة حربية في البحرية الأمريكية، يصبح مجموع ما يملكه الأسطول الأمريكي 645 سفينة ذات قدرات عسكرية.
وبعبارة أخرى، فالأسطولان الأمريكي والصيني بالحجم نفسه تقريباً، من حيث السفن ذات القدرات العسكرية. والسفن الأمريكية، في المتوسط، أكبر وأكثر تطوراً، ولكن إريكسون يقول موضحاً: "الأرقام شديدة الأهمية في الحفاظ على الحضور والتأثير في البحار الحيوية". وكتب إريكسون: "حتى أكثر السفن تطوراً لا يمكن أن تكون في أكثر من مكان في الوقت نفسه".
وفضلاً عن ذلك، فالمصالح الأمريكية عالمية لكن مصالح الصين إقليمية. يقول إريكسون: "تتركز مركبات خفر السواحل الصينيةُ بالقرب من المياه الإقليمية للصين، بعيداً عن أي نزاعات دولية، لكن البحرية الأمريكية منتشرة على مستوى العالم، والعديد من السفن منفصلة عن بحرية شرق آسيا بالمسؤوليات والجغرافيا والوقت.
وعلى النقيض، ينصب تركيز جميع القوات البحرية الصينية الرئيسية الثلاث على البحار القريبة المتنازع عليها، والتغطية الجوية الأرضية والصاروخية وخطوط الإمداد على الأرض".
ماذا يعني تفوق البحرية الصينية لحلفاء أمريكا؟
يساهم حلفاء أمريكا بقواتهم في الجهود الدولية للحد من صعود قوة الصين العسكرية. لكن هذا لا يعني ألا تعيد الولايات المتحدة النظر في استراتيجيتها في ضوء الميزة العددية للصين في البحر، بحسب مجلة ناشيونال إنترست.
صحيحٌ أن الصين لا تعترف بوجود الميليشيات البحرية وعندما تُسأل عنهم ترد بأن تلك مزاعم غربية، لكن يقول خبراء غربيون إن تلك السفن وطواقمها في حقيقة الأمر جزءٌ لا يتجزأ من فرق العمل التي تستعين بها بكين لدفع مطالبها الإقليمية في بحر الصين الجنوبي وما وراءه قدماً.
ويذهب هؤلاء الخبراء إلى أن تلك السفن المطلية باللون الأزرق وطواقمها -التي يُزعم أن جيش التحرير الشعبي الصيني يموّلها ويسيطر عليها- تملك القدرة على استدعاء حضورٍ صيني مكثف وسريع للغاية حول الشعاب الصخرية والجزر المتنازع عليها، بحيث يكاد يكون من المستحيل تجاوزها دون إشعال مواجهة عسكرية.
وكانت تلك السفن الصينية، التي تدور المزاعم حول كونها ميليشيات بحرية، قد تصدرت عناوين الأخبار في مارس/آذار 2020، عندما احتشدت أكثر من 200 سفينة صيد صينية حول منطقة الشعاب الصخرية "ويتسون ريف" Whitsun Reef، وهي ملكية فلبينية في سلسلة جزر "سبراتلي" Spratly الواقعة في بحر الصين الجنوبي.
وقال المحللون بالمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية (IISS) في سنغافورة إنهم لم يروا قط عمليةً صينية بحرية بهذا الحجم من قبل، وفي تناولهما للواقعة، كتب سمير بوري وغريغ أوستن، وكلاهما زميل بارز في المعهد: "واقعة (ويتسون ريف) لم يسبقها مثيل من حيث الحجم، والأهم من ذلك، من حيث طول المدة: فقد تجمَّع أكبر عدد شهدناه في أي وقت، من سفن الصيد الصينية على تخوم إحدى مناطق الشعاب الصخرية في أرخبيل سبراتلي، وبقيت هناك لعدة أسابيع".
واحتجّت الفلبين على واقعة "ويتسون ريف" في بكين، ووصفت تحركات السفن بأنها نوع من "الاحتشاد والحضور التهديدي"، وقالت إن أسطول السفن الصيني ينتهك أراضي فلبينية ومناطق صيد تابعة لها. وطالبت مانيلا السفن الصينية بمغادرة المنطقة التي يُفترض أنها منطقة اقتصادية خالصة تابعة لها.
بينما ردَّت بكين بأن القوارب، التي وصل عددها إلى 220 قارباً وسفينة في أحد الأوقات وفقاً للحكومة الفلبينية، كانت ببساطة تهرب من موجات بحرية هائجة ولجأت إلى بحيرة شكّلتها شعاب "ويتسون ريف" الصخرية على شكل زاوية منفرجة، والتي تسميها بكين منطقة "نيو جياو" وتدّعي أنها جزء من أراضيها.
وفي هذا السياق، نصح إريكسون بالقول: "يتعين على الولايات المتحدة اتخاذ مزيد من الخطوات القيادية الاستباقية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ عن طريق مشاركة مزيد من المعلومات عن جميع القوات البحرية الصينية الثلاث، وتأكيد الطبيعة التعاونية للأمن الجماعي، وتشجيع الحلفاء والشركاء على الاستثمار في القدرات المكمّلة لقدرات الولايات المتحدة".