"اللقاحات الصينية ومتغير أوميكرون قد يسببان كارثة خلال أولمبياد بكين"، هذا ما يخشاه المسؤولون الصينيون الذين يستعدون لاستضافة دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في عاصمة البلاد في فبراير/شباط 2021.
فبينما تحتفي الصين باستراتيجيتها "صفر كوفيد" باعتبارها نموذجاً يحتذي به العالم، بات من الواضح أن بكين أصبحت أسيرة لهذه الاستراتيجية، وتخشى حدوث أي اختراق لها في ظل ضعف مناعة شعبها.
في أحدث دليل على الرغبة الحازمة لبكين في القضاء على الفيروس، وليس محاولة التعايش معه، فرض المسؤولون الصينيون إغلاقاً جديداً على سكان مدينة شيان الشمالية الغربية البالغ عددهم 13 مليون نسمة بعدما وصل عدد الإصابات فيها إلى 200 حالة، بينما هناك دول غربية تسجل عشرات الآلاف يومياً، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Times البريطانية.
ومع ذلك، يزداد الوضع خطورة بالنسبة للرئيس الصيني، شي جين بينغ، رغم هذه اللهجة المتباهية والنهج الحازم المتشدّد. لن يقبل الحزب الشيوعي الصيني الحاكم التهاون في جهوده الرامية إلى القضاء على العدوى ومنع تفشي المرض حتى لا يلقي بظلاله على استضافة بكين لدورة الألعاب الأولمبية الشتوية والألعاب البارالمبية المقرر عقدها في فبراير/شباط ومارس/آذار 2022.
بالنسبة لبكين، لا شيء يجب أن يقوّض السردية الدعائية بشأن انتصار البلاد بقيادة الرئيس شي في حربها ضد الفيروس.
اللقاحات الصينية أضعف من نظيراتها الغربية
بالإضافة إلى هذا الشعور بالإلحاح، ثمة دراسة جديدة كشفت عن نقص الحماية التي توفرها اللقاحات المطوّرة محلياً في الصين. في هذه الأثناء، حذر علماء صينيون من حدوث "تفش هائل" للوباء إذا تقرّر تخفيف الاستراتيجية الحالية.
يمكن أن يضاف لذلك عامل آخر، فنظراً لتطبيق الصين استراتيجية صفر كوفيد من انتشار الفيروس فإن نسبة المصابين السابقين لديها من أقل النسب في العالم، وبالتالي المناعة الطبيعية لدى شعبها إضافة إلى ضعف لقاحاتها المحلية.
قال يانتشونغ هوانغ، خبير صيني في شؤون الصحة العالمية في مجلس العلاقات الخارجية، إنَّه ثمة رسالة من بكين مفادها مواصلة التمسك بـ "سياسة عدم التسامح المطلق" في مواجهة متحور أوميكرون. وأضاف: "قد نشهد فرض قيود أكثر صرامة خلال الأشهر المقبلة لأنَّهم مستميتين للتأكد من أنَّ متحور أوميكرون لن ينتشر كالنار في الهشيم".
أدّى الانتشار العالمي للسلالة الجديدة شديدة العدوى إلى تعزيز عزيمة بكين في المضي قدماً في قيودها الصارمة.
ظهر ذلك واضحاً عندما أمرت حكومة مدينة شيان جميع السكان بالبقاء في المنازل مع السماح بخروج فرد واحد فقط من أفراد الأسرة مرة واحدة كل يومين لشراء الإمدادات الأساسية، لم تكن سلطات المدينة قد سجلت بعد أي إصابات بالمتحور "أوميكرون". قررت السلطات أيضاً حظر السفر غير الضروري من وإلى المدينة.
بكين مُصرة على هذه الإجراءات رغم تداعياتها الاقتصادية
تعد هذه القيود من أقسى التدابير المفروضة في الصين منذ التفشي الأصلي الأول لـ كوفيد-19 في مدينة ووهان، حيث اندلعت شرارة انتشار الوباء عالمياً. تجاوز إجمالي الإصابات المؤكدة بـ "كوفيد-19" في البلاد 100 ألف إصابة هذا الشهر، بعد عامين من اكتشاف الحالات الأولى في ووهان. ولم تسجل وفيات بفيروس كورونا منذ يناير/كانون الثاني.
لكن حتى لو أخذنا بعين الاعتبار الشكوك حول حقيقة الإحصاءات الحكومية واستبعاد الحالات غير المصحوبة بأعراض، فإنّ هذه الأرقام مميزة بالنسبة لدولة يبلغ عدد سكانها 1.4 مليار نسمة مقارنةً بمعدلات الإصابات عالمياً.
وزّعت السلطات الصينية كتيباً إرشادياً للتأكّد من تنفيذ استراتيجيتها الصارمة التي تتضمن قيوداً مُشدّدة على الحدود وعمليات إغلاق لأماكن بعينها وحجراً صحياً مطوّلاً ومواصلة إجراء اختبارات واسعة النطاق لتشخيص كوفيد-19 وتتبع السكان بهدف سحق أي تجمعات للفيروس حتى إن كانت صغيرة.
يستمر هذا النهج في عرقلة سلاسل التوريد العالمية والتأثير في أسعار السلع عالمياً. استجابة لتفشي المرض في وقت سابق من هذا الشهر، أمرت كوادر الحزب الشيوعي الصيني في مقاطعة تشجيانغ الصناعية الكبرى بإغلاق المصانع وحظر السفر.
لماذا تخشى بكين متحور أوميكرون أكثر من غيرها؟
اعتمدت الصين على اللقاحات المحلية فقط لتلقيح شعبها -وهو سبب غير معلن لقلق بكين العميق بشأن متحور أوميكرون، وفقاً لصحيفة The Times.
تلقّى الآن أكثر من 1.1 مليار صيني -ما يقرب من 80% من السكان- جرعتي اللقاح المضاد لفيروس كورونا.
لكن على الرغم من أنَّ جميع اللقاحات تكافح ضد متحور أوميكرون، كان أداء الجرعات الصينية ضعيفاً بالفعل ضد السلالات السابقة، لاسيما "دلتا"، في دول داخل آسيا وأمريكا اللاتينية.
تضخمت هذه المخاوف جراء دراسة أجراها علماء في جامعة هونغ كونغ على 25 متلقياً للقاح "سينوفاك"، وهو اللقاح السائد في الصين. لم ينتج أي من هؤلاء المشاركين في الدراسة مستويات كافية من الأجسام المضادة في الدم لتحييد خطر متحور أوميكرون بعد تلقي الجرعتين.
ثلاث جرعات صينية لم توفر حماية من المتغير الجديد
على الرغم من أنَّ النتائج لم تكن أفضل كثيراً بالنسبة لأولئك الذين تلقوا لقاح فايزر-بايونتيك، فإنَّ ضعف فاعلية لقاح سينوفاك أثار مخاوف في بكين، ليس أقلها مع استمرار النظام في الترويج لما بات يُعرف بـ "دبلوماسية اللقاحات" من خلال تصدير مئات الملايين من جرعات اللقاحات إلى دول أخرى.
استجاب مصنّعو لقاح "سينوفاك" لهذه المخاوف بالإعلان أنَّ جرعة ثالثة ستوفر حماية بنسبة 94% ضد أوميكرون.
لكن، كما هو الحال مع التجارب السريرية السابقة، لم تقدم الشركة أية بيانات لدعم هذا التصريح. خلصت دراسة أخرى في هونغ كونغ إلى أنَّه حتى ثلاث جرعات من لقاح سينوفاك لم تكن قادرة على مجابهة أوميكرون.
بكين تتوقع حدوث تفشّ هائل إذا تخلت عن استراتيجية صفر كوفيد
تعارض بكين مثل هذه الإحصاءات، لكنها نشرت أرقامها الخاصة بها لتفسير الوصول إلى مرحلة "الوقف الكامل لانتقال العدوى" (صفر انتقال)، مستشهدة بنمذجة وبائية تشير إلى حدوث "تفشي هائل" للوباء إذا تخلّت عن إستراتيجية "صفر كوفيد".
قال وو زونيو، كبير اختصاصيي الوبائيات في مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC): "بحسب أكثر التقديرات تحفظاً، نجحت الاستراتيجية الصينية في تجنّب 47.8 مليون إصابة بفيروس كوفيد-19 و 950 ألف حالة وفاة ذات صلة في الصين".
ثمة هدف ثاني لهذا الإسقاط الصارخ يتمثّل في إثارة المخاوف المحلية من تخفيف القيود. على الرغم من أن قياس اتجاهات الرأي العام أمر مستحيل في ظل الرقابة الصينية المشددة، تبقى عقلية "صفر كوفيد" راسخة بعمق في الصين، حتى مع التخلّي عن هذا النهج في أماكن أخرى من العالم.
أشاد تشانغ وينهونغ، خبير الأمراض المعدية الرائد في الصين، بالاستراتيجية الصينية باعتبارها آلية ناجحة ينبغي للدول الأخرى محاكاتها في مواجهة متحور أوميكرون. كان تشانغ في السابق أحد الأصوات البارزة القليلة التي دعت الصين إلى التعايش مع الفيروس، وهو ما جعله يواجه انتقادات من وسائل الإعلام الحكومية وعبر الإنترنت قبل تبنيه إستراتيجية الحزب الحاكم.
ثمة مصدر قلق مُلح آخر يتعيّن على المسؤولين الصينيين التعامل معه، وهو احتفالات السنة القمرية الجديدة (رأس السنة الصينية) المقرر أن تبدأ الشهر المقبل. أصدرت عدة مقاطعات بالفعل أوامر بالبقاء في المنازل خلال العطلة، حيث يكون هناك عادةً نزوح جماعي لسكان المدينة إلى مدنهم وقراهم.
في المقابل، أشيد على نطاق واسع بنهج تايوان -الجارة الديمقراطية التي تختلف بكين معها كثيراً- خلال المراحل الأولى من الجائحة، حيث تبنت نهج قائم على فرض ضوابط حدودية صارمة وحجر صحي لمدة 14 يوماً لجميع الوافدين بينما استمرت الحياة بدون إغلاق.
وضع متحور أوميكرون حكومات آسيوية أخرى في موقف غير مؤات. حظرت ماليزيا الاحتفالات الكبيرة بالعام الجديد وعلّقت تايلاند تصريح السفر الخالي من الحجر الصحي وشدّدت اليابان إجراءات الدخول إلى أراضيها وفرضت سنغافورة ضوابط جديدة بينما تصر أنّها لا تزال "تتعايش مع كوفيد-19".
قيود غير مسبوقة في التاريخ خلال أولمبياد بكين.. الرياضيون سيعيشون بأنبوب مغلق
وفي ظل ضعف المناعة الطبيعية والصناعية لشعبها، فإن الصين تخشى ما قد يحدث خلال أولمبياد بكين الشتوي المقرر إقامته في فبراير/شباط 2022، إذ تظل استضافة عدد كبير من الأجانب أمراً محفوفاً بالمخاطر بالنسبة لقادة البلاد، حسبما ورد في تقرير لموقع ndtv والهندي.
وستكون دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في بكين هي الحدث الرياضي الجماعي الأكثر خضوعاً للقيود منذ بدء الوباء، حيث تم حظر المتفرجين الدوليين، كما يُطلب من جميع المشاركين البقاء داخل نظام يعرف باسم "الحلقة المغلقة" أو "الأنبوب المغلق" (Closed loop management) الذي سيؤدي بشكل فعلي إلى تقييد التعامل بين الرياضيين والزوار الأجانب وبين سكانها خلال أولمبياد بكين.
وقال المسؤولون الصينيون إنهم مستعدون لتفشي فيروس كورونا خلال الألعاب الأولمبية الشتوية، مع وجود خطط لإرسال الرياضيين الذين تظهر عليهم الأعراض إلى مستشفيات مخصصة في بكين.
وفقًا لكتيب إرشادات البطولة ، تختلف التعليمات الخاصة بالرياضيين والمسؤولين وغيرهم من الأفراد في بعض التفاصيل، ولكن بشكل عام يتعين عليهم تلبية متطلبات مماثلة قبل المغادرة والدخول إلى الصين ومغادرتها.
قبل قدوم المشاركين في الدورة إلى الصين، يتعين عليهم إجراء اختبارين (PCR) في يومين منفصلين خلال 96 ساعة قبل توجههم للصين.
وسيكون إلزامياً أن يتم تطعيمهم بالكامل قبل 14 يوماً على الأقل من مغادرة بلادهم، ولكن قد يتم منح الرياضيين والمسؤولين استثناءً بناءً على أسباب طبية. يتم تشجيع الجرعات المعززة للمشاركين بشدة على الرغم من أنها ليست إلزامية.
ضمن نظام الحلقة المغلقة الذي ستفرضه الصين، سيخضع جميع المشاركين في الألعاب لمراقبة واختبار صحة يومياً وسيُسمح لهم بالتنقل بين الوجهات المسموح بها في وسائل النقل المخصصة. سيتم تطبيق نظام الحلقة المغلقة طوال فترة إقامتهم في الصين، وفقاً لصحيفة Global Times الصينية.
إذا كانت نتائج اختباراتهم إيجابية، فلن يُسمح لهم بالمنافسة أو مواصلة دورهم، وسيُطلب منهم البقاء في المستشفى المخصص للعلاج أو البقاء في منشأة عزل.
سيكون المخالطون للمصابين قادرين على التنافس أو الاستمرار في دورهم إذا استوفوا متطلبات معينة بما في ذلك الحجر الصحي في غرفة واحدة، وتناول الطعام بمفردهم وإجراء اختبارين في اليوم.
ويوصى بأن يغادر الرياضيون الصين في غضون 48 ساعة من آخر منافسة لهم. وسوف يسافرون إلى مطار العاصمة بكين الدولي باستخدام وسائل النقل المحددة وسيتم ترتيب المغادرة من الصين باستخدام الرحلات المؤقتة ورحلات الطيران العارض "الشارتر" فقط.
بالنسبة للرياضيين والمسؤولين، قد يؤدي انتهاك هذه القواعد إلى تحذير أو استبعاد من الألعاب أو استبعاد أو عقوبات مالية، وفقاً لكتيب الإرشادات الخاصة بالدورة.
لم تفرض اليابان قواعد صارمة على التطعيم، ولم يكن الاتصال بالسكان المحليين خارج الفقاعة أو الحلقة ممنوعاً تماماً.
قال خبراء الصحة الصينيون إن قواعد COVID-19 الصينية ضرورية لدرء المخاطر التي تسببها المتغيرات المتحولة.
قال وانغ جوانجفا، خبير الجهاز التنفسي في مستشفى جامعة بكين الأول، لصحيفة غلوبال تايمز الصينية، إنه بعد نصف عام من أولمبياد طوكيو، تواجه أولمبياد بكين الشتوية وضعاً مختلفاً مع عدم اليقين من متغير أوميكرون الجديد واحتمال انتشار سريع للمرض في فصل الشتاء.
يؤكد فريق “عربي بوست” على أهمّية مراجعة الطبيب أو المستشفى فيما يتعلّق بتناول أي عقاقير أو أدوية أو مُكمِّلات غذائية أو فيتامينات، أو بعض أنواع الأطعمة في حال كنت تعاني من حالة صحية خاصة.
إذ إنّ الاختلافات الجسدية والصحيّة بين الأشخاص عامل حاسم في التشخيصات الطبية، كما أن الدراسات المُعتَمَدَة في التقارير تركز أحياناً على جوانب معينة من الأعراض وطرق علاجها، دون الأخذ في الاعتبار بقية الجوانب والعوامل، وقد أُجريت الدراسات في ظروف معملية صارمة لا تراعي أحياناً كثيراً من الاختلافات، لذلك ننصح دائماً بالمراجعة الدقيقة من الطبيب المختص.