شهد عام 2021 العديد من الأزمات التي سيطرت على المشهد السياسي في ليبيا، رغم أن العام نفسه شهد عدداً من الأحداث كانت تشي بإمكانية حدوث استقرار سياسي في قابل الأيام، لكن ذلك استعصى بشكل كبير بعد فشل إجراء الانتخابات الرئاسية في 24 ديسمبر/كانون الأول 2021، فهل يشهد العام الجديد انفراجة سياسية؟
2021 بدأ بحل سياسي ولكنه انتهى بفشل انتخابي
بدأ عام 2021 بحدث مفصلي في الخامس من شباط/فبراير، حيث انتخب المشاركون في الحوار الليبي خلال اجتماعات في جنيف برعاية الأمم المتحدة عبدالحميد الدبيبة رئيس حكومة للفترة الانتقالية، إلى جانب مجلس رئاسي مكون من ثلاثة أعضاء، وبعدها في 10 آذار/مارس نالت الحكومة الانتقالية ثقة البرلمان وحلت محل حكومة الوفاق الوطني وحكومة الشرق.
وفي 22 أيلول/سبتمبر جمّد الجنرال الانقلابي خليفة حفتر مهامه العسكرية استعداداً للانتخابات الرئاسية، ما أدى لسريان أجواء من الارتياح والأمل في استمرار التهدئة حتى إجراء الانتخابات الرئاسية في نهاية العام، رغم ما أثاره ترشح رجل شرق ليبيا القوي من قلق عارم لدى الآخرين.
وفي أوائل تشرين الأول/أكتوبر، اعتمد البرلمان الموجود في الشرق القانون الذي ينظم الانتخابات التشريعية، لكن المجلس الأعلى للدولة -وهو بمثابة هيئة ثانية في البرلمان ومقره طرابلس- اعترض على هذا القانون الذي قيل إنه شابه العديد من الثغرات، بعدها عدل البرلمان مواعيد التصويت على أن تجرى الانتخابات الرئاسية في موعدها في 24 كانون الأول/ديسمبر الجاري، بيد أن المفوضية العليا اقترحت تأجيلها لمدة شهر، بسبب خلافات على القواعد الأساسية الحاكمة لها ومنها أهلية.
مفاجآت الترشح للانتخابات وفشل إقامتها بموعدها
في الثامن من تشرين الثاني/نوفمبر فتح باب تقديم الترشيحات للانتخابات. وتصاعدت وتيرة الأحداث مع إعلان سيف الإسلام القذافي وخليفة حفتر خوض الانتخابات الرئاسية ليشتعل صراع قانوني، على ضوء موقعهما الخلافي والقضايا القانونية التي تلاحقهما بسبب الاتهامات بارتكاب جرائم إنسانية.
ومع نهاية تشرين الثاني/نوفمبر شكك وزير الداخلية خالد مازن في إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها بسبب "اتساع رقعة الخروقات"، ليأتي يوم 11 كانون الأول/ديسمبر وتعلن المفوضية الوطنية العليا للانتخابات في ليبيا إرجاء نشر القائمة النهائية لمرشحي الرئاسة، ما أبعد أكثر احتمال إجراء الانتخابات في الموعد المحدد في 24 كانون الأول/ديسمبر.
وقبل أيام من موعد الاستحقاق، أكد العديد من المسؤولين الليبيين استحالة إجراء الانتخابات في موعدها المقرر بسبب عدم وجود قائمة رسمية بالمرشحين واستمرار الخلافات بين الأطراف السياسيين حول القاعدة القانونية للاقتراع.
كان 17 مرشحاً للانتخابات الرئاسية الليبية قد دعوا المفوضية الوطنية العليا للانتخابات إلى تزويدهم بتفسيرات لأسباب عدم إجراء الاقتراع في الموعد المحدد، ما شكّل اعترافاً ضمنياً بأن ليبيا لن تشهد انتخابات رئاسية في 24 كانون الأول/ديسمبر.
وفي مقال له بصحيفة "تايمز" البريطانية، قال ريتشارد سبنسر مراسل شؤون الشرق الأوسط إن "الانتخابات الرئاسية الليبية تمثل اختياراً بائساً لمرشحين يدعمون الفوضى"، منتقداً ما سمّاه مساعي "مجموعة من الفاسدين والمجرمين الباحثين عن السلطة، قد تدفع ليبيا التي مزقتها الحرب إلى منعطف درامي في مسيرتها نحو تحقيق الاستقرار والسلام، خاصة أن بينهم متهمين بارتكاب جرائم حرب".
ويرى مراقبون للشأن الليبي أن الفشل في إجراء الانتخابات غالباً ما سيؤدي إلى اندلاع دائرة جديدة من العنف، خاصة إذا رفض أحد المرشحين للرئاسة النتيجة وكان يرتكن إلى ميليشياته المسلحة، وهو أمر غير مستبعد على الإطلاق في بلد يسبح في بحر من المرتزقة وتتداخل فيه مصالح إقليمية ودولية.
المصالحة الوطنية لا تزال بعيدة المنال
في السياق، يرى سامي حمدي، العضو المنتدب للشركة العالمية للمخاطر والاستخبارات "International Interest" ومقرها في لندن، أن الانقسامات بين الليبيين عميقة للغاية وصارخة، كما أن المظالم عميقة ما يصعب من إمكانية المصالحة الوطنية ويجعلها بعيدة المنال.
قال حمدي لشبكة "دويتشه فيله" الألمانية، إنه من الصعب للغاية إجراء الانتخابات خاصة مع غياب الإجماع السياسي داخل ليبيا على إنجازها، وهو العنصر الذي يفترض أن له قوة الدفع الأكبر لإنجازها، "فمن دون الإجماع السياسي، ومن دون أن تتمكن الفصائل الليبية على الأقل من الجلوس معاً على طاولة واحدة، لا يمكن إجراء الانتخابات وقد يصبح الخيار الوحيد هو الحرب".
ويرى الخبير السياسي أنه ربما لهذا السبب وغيره أدرك الفاعلون الدوليون ومنهم الدبلوماسي السلوفاكي يان كوبيش المبعوث الدولي – المستقيل – للأمم المتحدة، وستيفاني ويليامز المستشارة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة لليبيا، الحاجة إلى مشاركة حفتر في العملية السياسية، حتى على الرغم من رفض قطاع عريض من الليبيين مشاركته، لكني أعتقد أن الجميع يدرك أن المصالحة الوطنية يجب أن تأتي أولاً، وهو الأمر الغائب في ليبيا، على الأقل في المدى المتوسط القريب".
لم يستبعد الخبير في الشأن الليبي سيناريو الحرب الأهلية، "خاصة مع ما نراه اليوم من استعراض للقوة من جانب الميليشيات والتي أصبحت تعبر عن نفسها ووجودها بكل وضوح وصراحة وتحاول التمركز في المشهد السياسي".
وليس بالضرورة أن ينتج عن مثل هذه المشاهد والأمور كمحاصرة المحاكم ومنشآت الدولة حرب أهلية لكنها تبدو كإشارة على ما يمكن عمله أو المدى الذي قد يصل إليه هؤلاء "هذا يبدو كمن يقول: اسمع.. لديّ القدرة على تدمير العملية السياسية برمتها. لذا أعطني مقعداً أفضل على الطاولة. أعلم أن هناك عملية سياسية قادمة هذه المرة. لا تجلسني في المقاعد الخلفية.. أريد مقعداً في الصف الأمامي بجوار حفتر، بجوار الدبيبة".
يختم حمدي حديثه بالقول: "أعتقد أن المجتمع الدولي يقوم الآن بمسح المشهد في ليبيا، ليرى من هم الأقوياء على الساحة. وسيتعامل مع الوضع في ليبيا وفقاً لذلك، وهو ما يبدو أن يان كوبيتش كان يحاول القيام به خلال الأشهر الأربعة الماضية على الرغم من الانتقادات الكثيرة، فالأمر لا يتعلق بليبيا، لكنه الآن صراع على من لديه المقعد الأعلى على الطاولة".
وتحاول ليبيا منذ سقوط نظام معمر القذافي عام 2011 تجاوز عقد من الفوضى، اتسم في السنوات الأخيرة بوجود قوى متنافسة في شرق وغرب البلاد. وكان حوار سياسي بين الفرقاء الليبيين برعاية الأمم المتحدة في جنيف في شباط/فبراير الماضي، أفضى إلى تشكيل سلطة سياسية تنفيذية موحدة مهمتها التحضير للانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي حددت على التوالي في كانون الأول/ديسمبر وكانون الثاني/يناير.