تسعى بريطانيا إلى الخروج من أزمة متحور "أوميكرون" الجديد لفيروس كورونا المستجد بمساعدة التطعيم، من خلال حملة متسارعة لإعطاء جرعة ثالثة معززة من اللقاح لجميع البالغين المؤهلين بحلول نهاية ديسمبر/كانون الأول.
وفي غضون ذلك، يقول الباحثون في جنوب إفريقيا إنَّ البيانات الأولية تشير إلى أنَّ "أوميكرون" يسبب أعراضاً أكثر اعتدالاً- لكن لا يزال من غير الواضح مدى الحماية التي تقدمها المناعة المتشكلة نتيجة التطعيم أو العدوى السابقة. إذاً ما الذي يمكن أن تتعلمه البلدان الأخرى من تجربتها؟
1- فات الأوان لإبقاء "أوميكرون" خارج حدودها
على الرغم من أنَّ العديد من الدول تفرض عدداً كبيراً من قيود السفر، فقد انتشر المتحور بسرعة في جميع أنحاء العالم، كما يقول تقرير لشبكة CNN الأمريكية.
صرّح المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم غيبريسوس، في مؤتمر صحفي يوم الثلاثاء 14 ديسمبر/كانون الأول، بأنَّ 77 دولة أبلغت الآن عن حالات إصابة بأوميكرون، و"الحقيقة هي أنَّ أوميكرون ربما يكون في معظم البلدان، حتى لو لم تكتشفه بعد".
وقال تيدروس: "أوميكرون ينتشر بمعدل لم نشهده مع أي متغير سابق. نشعر بالقلق من أنَّ الناس يستخفون بأوميكرون لأنه معتدل الشدة. لكننا بالتأكيد تعلمنا الآن ألا نقلل من خطورة هذا الفيروس على أرواحنا".
وأضاف أنه حتى لو تسبب أوميكرون في مرض أكثر اعتدالاً، "فإنَّ العدد الهائل من الحالات يمكن أن يربك مرة أخرى الأنظمة الصحية غير المستعدة".
2- قد لا يستغرق "أوميكرون" وقتاً طويلاً حتى يصير السلالة المهيمنة
اكتُشِفَت أول حالتين من متغير "أوميكرون" في المملكة المتحدة في 27 نوفمبر/تشرين الثاني. وبحلول يوم الثلاثاء 14 ديسمبر/كانون الأول، تجاوز متحور "دلتا" من حيث سلالة "كوفيد-19" السائدة في لندن، وفقاً لوكالة الأمن الصحي البريطانية.
وقال وزير الصحة البريطاني ساجيد جافيد، إنَّ حالات "أوميكرون" تتضاعف كل يومين في البلاد، مضيفاً أنَّ "النمو في حالات أوميكرون هنا في المملكة المتحدة يعكس الآن الزيادة السريعة التي نشهدها في جنوب إفريقيا".
بحلول يوم الخميس 16 ديسمبر/كانون الأول، أبلغت المملكة المتحدة عن 88376 إصابة جديدة بفيروس كورونا المستجد، وفقاً لبيانات حكومية- وهو أعلى رقم يومي منذ بدء الوباء. وسجلت جنوب إفريقيا أيضاً أعلى عدد من الحالات اليومية الأربعاء.
في هذه الأثناء، قالت رئيسة مفوضية الاتحاد الأوروبي، أورسولا فون دير لاين، للمشرعين في بروكسل إنَّ "أوميكرون" من المقرر أن يصبح متحور الفيروس المهيمن في الكتلة المكونة من 27 دولة بحلول منتصف يناير/كانون الثاني.
وفي أحدث تقييم للمخاطر، نُشِر يوم الأربعاء 15 ديسمبر/كانون الأول، حذر المركز الأوروبي للوقاية من الأمراض ومكافحتها من وجود مخاطر "عالية جداً" من أنَّ المتحور سينتشر انتشاراً أوسع في المنطقة، مرجحاً أنَّ "يتسبب في المزيد من حالات دخول المستشفى والوفيات"، بما يتجاوز تلك المتوقعة بالفعل من متغير دلتا.
أما في الولايات المتحدة، فقال مدير المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية الدكتور أنتوني فاوتشي، لشبكة CNN يوم الثلاثاء، إنَّ "أوميكرون" سيصبح البديل السائد لفيروس كورونا المستجد في البلاد "بالتأكيد" بالنظر إلى زمن تضاعف انتشاره.
تُقدِّر المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها، على موقعها على الإنترنت، أنَّ "أوميكرون" يشكل حالياً 2.9% من بدائل الفيروس المنتشرة، مقابل 96.8% من دلتا، حتى الأسبوع المنتهي في 11 ديسمبر/كانون الأول.
3- من المبكر معرفة ما إذا كانت عدوى أوميكرون أكثر اعتدالاً
تخضع البيانات الواردة من جنوب إفريقيا للتدقيق بحثاً عن أدلة حول كيفية تطور عدوى "أوميكرون" في الأماكن الأخرى.
وتمسك المعهد الوطني للأمراض المعدية في جنوب إفريقيا بنبرة متفائلة بحذر. وقال: "على الرغم من أنَّ البيانات لا تزال قيد الجمع، فإنَّ الأدلة تشير إلى أنَّ الموجة الحالية قد تكون أكثر اعتدالاً".
ووجدت دراسة أصدرتها يوم الثلاثاء Discovery Health -وهي شركة تأمين صحي كبيرة في جنوب إفريقيا تغطي 3.7 مليون شخص- أنَّ اللقاحات توفر حماية أقل ضد السلالة الجديدة، لكنها أعطت مؤشرات على أنَّ أوميكرون يسبب أعراضاً مرضية أخف من المتغيرات السابقة.
قال الباحثون إنَّ جرعتين من لقاح فايزر وفرتا وقاية بنسبة 33% ضد العدوى عامةً، لكنهما فعّالتان بنسبة 70% في منع المضاعفات الشديدة، بما في ذلك العلاج في المستشفى.
في الوقت نفسه، فإنَّ خطر الحاجة إلى العلاج في المستشفى بسبب الإصابة بـ"أوميكرون" كانت أقل بنسبة 29% لدى البالغين، مقارنة بالسلالة الأصلية، وفقاً لتقديرات الدراسة.
وقال كبير المسؤولين الطبيين في إنجلترا، كريس ويتي، يوم الأربعاء 15 ديسمبر/كانون الأول: "أريد أن أكون واضحاً.. أخشى أنَّ هذه ستمثل مشكلة. ولا يزال العلماء في جنوب إفريقيا والمملكة المتحدة وعلى مستوى العالم يحاولون بالطبع تحديد النسب الدقيقة لهذه المشكلة في الوقت الحالي".
فيما يقول مايكل هيد، زميل باحث قديم في جامعة ساوثهامبتون، لشبكة CNN، إنَّ هناك حاجة ماسة إلى مزيد من البيانات في الوقت الفعلي قبل أن يتمكن العلماء من البدء في تقييم شدة عدوى أوميكرون في مجموعات سكانية أخرى.
4- اللقاحات وحدها لن تبطئ انتشار "أوميكرون"
يوصي خبراء الصحة مع انتشار "أوميكرون" بأن تواصل البلدان نشر التدخلات غير الدوائية المعروفة بالفعل بقدرتها على الحد من انتقال الفيروسات المحمولة جواً؛ مثل التباعد الاجتماعي وتحسين التهوية في الأماكن المغلقة.
قال تيدروس أدهانوم، رئيس منظمة الصحة العالمية: "تستطيع الدول، بل يجب عليها، منع انتشار أوميكرون من خلال الإجراءات الموجودة حالياً. المسألة ليست اللقاحات بدلاً من الأقنعة، أو اللقاحات بدلاً من التباعد، أو بدلاً من التهوية أو نظافة اليدين. بل يجب تنفيذها كلها. طبقوها باستمرار، وتطبيقاً جيداً".
وقد أقر البرلمان البريطاني استحداث تصاريح "كوفيد-19″، التي تتطلب إظهار دليل على التطعيم أو اختبار حديث للكشف عن الفيروس تكون نتيجته سلبية، للدخول إلى النوادي الليلية والأماكن الكبيرة، على الرغم من تمرد كبير داخل حزب جونسون نفسه. وأقر المشرعون كذلك إجراءات تشمل ارتداء الأقنعة الإلزامي في معظم الأماكن المغلقة.
دعا وزير الصحة في جنوب إفريقيا جو فالا، يوم الخميس 16 ديسمبر/كانون الأول، إلى "سلوك مسؤول وامتثال أقوى" لقيود مكافحة "كوفيد -19" لمنع زيادة محتملة في الحالات المرتبطة بموسم العطلات، حسبما أفاد بيان صحفي للوزارة.
وقال الباحث مايكل هيد إنه من المهم مواصلة تدابير المكافحة مع ضمان حصول السكان في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك الدول الفقيرة، على ثلاث جرعات من لقاحات "كوفيد-19" في أسرع وقت ممكن، التي قد تستغرق من 12 إلى 24 شهراً أخرى.
5- قد يرتفع الطلب على اللقاحات والاختبارات
قد يشجع ظهور متحور "أوميكرون" المزيد من الأشخاص على الحصول على جرعة مُعزِّزة، ويسبب ارتفاعاً في الطلب على اختبارات "كوفيد-19".
عندما فتحت المملكة المتحدة برنامجها المعزز هذا الأسبوع لجميع البالغين المؤهلين، تعطل موقع هيئة الخدمات الصحية الوطنية بسبب تدفق الطلب على مواعيد الجرعة، ولم تعُد مجموعات اختبار التدفق الجانبي متاحة عبر الإنترنت واصطفت طوابير طويلة في مراكز التطعيم التي لا تحتاج لتسجيل مسبق. وقالت وكالة الأمن الصحي في المملكة المتحدة يوم الأربعاء إنها تضاعف عدد مجموعات الاختبار المنزلية التي ترسلها.
بدوره، ذكر معهد المصل الحكومي الدنماركي أيضاً، يوم الثلاثاء، أن نظام فحص الكشف عن "كوفيد-19" في البلاد يتعرض لضغوط مع ارتفاع معدلات الإصابة.
مع ذلك، لم يرتفع الطلب على اللقاحات في جنوب إفريقيا منذ ظهور "أوميكرون". لكن رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوزا، الذي ثبتت إصابته بـ"كوفيد-19″ يوم الأحد 12 ديسمبر/كانون الأول، حث مواطنيه على الحصول على اللقاح. وكتب على تويتر: "افعل كل ما بوسعك وتحتاج إليه لتحافظ على سلامتك، بدايةً بالتطعيم". وقال مكتب رامافوزا إنَّ الرئيس أُجبِر على تأخير تلقي الجرعة المعززة.
6- على الرغم من الإصابات المتزايدة قد لا نرى المزيد من عمليات الإغلاق
كان هناك القليل من الحديث عن عمليات إغلاق جديدة حتى الآن، على الرغم من القلق بشأن الانتشار السريع للمتحور الجديد.
في حديث خلال زيارة لمركز التطعيم في رامسغيت، جنوبي إنجلترا، قال رئيس الوزراء البريطاني إنه بدلاً من "الإغلاق"، تطلب الحكومة من الناس "توخي الحذر والتفكير في أنشطتهم في الفترة التي تسبق عيد الميلاد".
وأضاف جونسون: "الوضع الحالي مختلف كثيراً عن العام الماضي لأنَّ ما لدينا هو الحماية الإضافية التي توفرها اللقاحات، بجانب القدرة على الفحوصات". فيما قال هيد: "أعتقد من الناحية العلمية هناك حجة قوية جداً في الوقت الحالي لصالح المزيد من التدخلات، لكن هذا أقل قبولاً من الناحية السياسية".
ولا تزال البلدان تعتمد على مجموعة من الإجراءات الأخرى لمحاولة الحد من انتشار المتحورين "أوميكرون" و"دلتا". على سبيل المثال، فرضت النرويج حظراً على تقديم الكحول في المطاعم والحانات هذا الأسبوع، بالإضافة إلى فرض المزيد من القيود في المدارس وتسريع حملة التطعيم.
لكن يبدو أيضاً أنَّ هناك درجة معينة من التقبل التي يحتاج الناس إلى تعلمها و"التعايش مع" المتحور الجديد، خاصةً حيث تكون معدلات التطعيم ضد "كوفيد-19" مرتفعة.
على سبيل المثال، في ولاية نيو ساوث ويلز الأسترالية- حيث انتهى تطعيم 93.3% من الأشخاص الذين تبلغ أعمارهم 16 عاماً أو أكثر بالجرعتين- خففت السلطات القيود هذا الأسبوع على الرغم من اكتشاف حالات "أوميكرون". قال سكوت موريسون رئيس الوزراء الأسترالي لإذاعة 4BC: "الفيروس هنا، ومتحور أوميكرون وصل أستراليا. سنتعايش مع الفيروس ولن ندعه يجرنا إلى الوراء".