انتهى الاتصال بين الرئيس الأمريكي جو بايدن ونظيره الروسي فلاديمير بوتين بشأن الأزمة في أوكرانيا، لكن الأزمة التي تهدد باندلاع حرب في أوروبا لا تزال قائمة، فما نقاط الاختلاف بينهما؟
القصة تتعلق بالتقارير الغربية التي تقول إن روسيا تضع اللمسات الأخيرة لغزو أوكرانيا نهاية الشهر المقبل، وبينما تنفي موسكو ذلك فإن الحشود العسكرية المتصاعدة أمر واقع وطبول الحرب تقلق القارة الأوروبية بالفعل.
فالموقف الآن على الحدود الروسية-الأوكرانية يشبه إلى حد كبير الأجواء التي مهّدت لاجتياح الجيش الروسي شبه جزيرة القرم الأوكرانية وضمها إلى روسيا عام 2014، وهو ما تسبب في أزمة كبرى وفرض عقوبات اقتصادية من جانب واشنطن وحلفائها على موسكو.
والآن مسرح التصعيد الجديد هو إقليم دونباس الأوكراني، حيث تواصل روسيا حشد عشرات الآلاف من جنودها وعتادها العسكري، وفي المقابل دفعت كييف بالقوة الضاربة من قواتها المسلحة إلى الإقليم، فيما يبدو أنها الأمتار الأخيرة قبل اندلاع الحرب مرة أخرى.
ووسط هذا الجو المشحون أجرى فلاديمير بوتين وجو بايدن اتصالاً عبر الفيديو استمر لنحو ساعتين، فماذا دار في الاجتماع الملتهب؟ وما نقاط الاتفاق والاختلاف بين واشنطن وموسكو فيما يتعلق بأوكرانيا؟
أجواء الحرب لا تزال تخيم على أوروبا
تناولت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية أبرز ما خرج به لقاء بايدن وبوتين في تقرير ركز على أن حدة الأزمة المتعلقة بأوكرانيا لم تتراجع، على الرغم من لقاء الساعتين الذي جرى عبر دائرة تلفزيونية مغلقة بين الرئيسين.
وبحسب تقرير الصحيفة، يعتبر ذلك الاجتماع الافتراضي بين الزعيمين هو أكبر تحد يواجهه بايدن فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، بعد نحو عام من توليه الرئاسة، لأن تداعيات ذلك اللقاء مع بوتين ستنعكس بشكل مباشر على الاستقرار في أوروبا من جهة وعلى مصداقية "التهديدات الأمريكية" من جهة أخرى، إضافة إلى مستقبل أوكرانيا، الدولة التي أمضت واشنطن سنوات طويلة محاولة حمايتها من "اعتداء السيد بوتين".
وفي هذه النقطة الأخيرة، لم ينجح لقاء الرئيسين في حل الأزمة على الحدود الأوكرانية، حيث لم يصدر عن البيت الأبيض أو الكرملين تصريحات تفيد بحدوث تقدم من أي نوع نحو إيجاد حل دبلوماسي للأزمة.
إذ قال جيك سوليفان مستشار الأمن القومي الأمريكي بعد اللقاء إن الرئيس الأمريكي عرض على نظيره الروسي الاختيار بين حل دبلوماسي أو عقوبات اقتصادية مشددة وتبعات سياسية، إذا ما اختارت موسكو غزو أوكرانيا، لكن ما لم يقله سوليفان هو كيف رد بوتين على ذلك الكلام من بايدن؟
موقف بوتين شديد الصرامة
لا يمكن لأحد الجزم بما إذا كانت تهديدات الرئيس الأمريكي ستمثل رادعاً لنظيره الروسي كي يوقف خطط الغزو العسكري، لكن بوتين لم يتبن لغة تصالحية أو مرنة خلال اللقاء، بحسب تقرير الشبكة الأمريكية.
وبحسب بيان صادر عن الكرملين، ألقى بوتين باللوم على الغرب، الذي يضع قواته العسكرية داخل أوكرانيا وحولها بصورة مستفزة لروسيا. وطالب الرئيس الروسي بضمانات قانونية تنص على أن حلف الناتو لن يتوسع شرقاً بالقرب من الحدود الروسية، من خلال التواجد في أوكرانيا أو نشر أنظمة تسليح هجومية على أراضيها.
وكانت تقارير إعلامية روسية قد أشارت إلى أن بوتين وضع "خطاً أحمر" يتعلق بإلغاء حلف الناتو بزعامة الولايات المتحدة لأي خطط تشمل ضم أوكرانيا إلى الحلف، بينما كان بايدن قد رد على تلك التقارير بقوله للصحفيين إنه "لا يقبل خطوطاً حمراء من أحد".
وترجع قصة "الخطوط الحمراء" بين روسيا والولايات المتحدة إلى نهايات الحرب الباردة بين الاتحاد السوفييتي -الذي كان يتزعم حلف وارسو- والمعسكر الغربي وحلفه العسكري "الناتو" بزعامة الولايات المتحدة.
وتناول تقرير لموقع Responsible Statecraft الأمريكي هذه القصة في تقرير عنوانه "بوتين يرسم خطاً أحمر جديداً لمنع الناتو من التوسع شرقاً إلى أوكرانيا"، إذ كشفت وثائق أمريكية وسوفييتية وأوروبية رُفعت عنها السرية مؤخراً أن وزير الخارجية الأمريكي، جيمس بيكر، أكَّد للرئيس السوفييتي، ميخائيل غورباتشوف، في عام 1990، أن الناتو لن يتوسع "بوصة واحدة" شرق ألمانيا، وآنذاك كان هذا هو الخط الأحمر لروسيا.
لكن بعد ثلاثين عاماً، وفي 2 ديسمبر/كانون الأول 2021 الجاري، تحوَّل هذا الخط الأحمر من بوصة واحدة إلى نحو 965 كيلومتراً، بعد أن قال فلاديمير بوتين إنه يسعى الآن للحصول على وعد بأن الناتو لن يتوسع شرقاً إلى أوكرانيا.
لكن في أعقاب الاتصال بين بوتين وبايدن، قال الكرملين إن الرئيس الأمريكي "وافق على مواصلة المناقشات بشأن مطالب الرئيس الروسي"، إلا أن مسؤولين أمريكيين رفضوا تحليل بوتين للموقف وقالوا إن واشنطن "لن تقدم وعوداً بشأن ضم الناتو أعضاء جدداً".
خط أنابيب الغاز الروسي إلى ألمانيا يواجه المجهول
بايدن حذر بوتين من أنه قد يواجه عقوبات اقتصادية صارمة، لم يحددها بالتفصيل، لكن الرئيس الأمريكي هدد بتعطيل خط أنابيب الغاز "نورد ستريم 2" إلى أوروبا، وهو خط الغاز بين روسيا وألمانيا، الذي يواجه بانتقادات عنيفة من جانب واشنطن منذ الإعلان عنه قبل سنوات.
وبعد أن قضت الشركات الروسية سنوات وأنفقت المليارات لبناء خط الأنابيب لنقل الغاز الروسي إلى أوروبا عبر ألمانيا، كبديل عن مرور الغاز الروسي بخط الأنابيب الحالي عبر أوكرانيا، ربما تكون الأزمة الحالية على الحدود الأوكرانية المسمار الأخير في نعش المشروع، خصوصاً في ظل الحكومة الألمانية الجديدة التي تولت المسؤولية بعد أنجيلا ميركل.
كانت إدارة بايدن قد رفضت تحركات الكونغرس لفرض عقوبات على ألمانيا بسبب خط أنابيب الغاز الروسي نورد ستريم2، وفضلت الإدارة الأمريكية محاولة السعي لدى برلين لإيقاف المشروع، الذي تقول واشنطن إنه يضع مزيداً من أوراق الضغط على أوروبا بين أيدي الدب الروسي.
وخلال إفادتها أمام لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشيوخ، الثلاثاء 7 ديسمبر/كانون الأول، قالت فيكتوريا نولاند، المسؤولة الكبيرة بالخارجية الأمريكية، لأعضاء اللجنة، إنه في حالة إقدام بوتين على مهاجمة أوكرانيا، "نتوقع أن يتم تعليق خط الأنابيب".
وتظهر هذه الشهادة أن إدارة بايدن ربما تكون حصلت بالفعل على "وعد" من الحكومة الألمانية بإجراء كهذا، رغم أن ألمانيا ستتعرض لخسائر مالية كبيرة في حالة إلغاء المشروع أو تعليقه أو حتى تأخيره.
وقال أحد كبار المستشارين بالكونغرس إن المسؤولين الأمريكيين أبلغوا الأعضاء بالفعل بأن لديهم تفاهماً مع ألمانيا، بشأن إغلاق خط أنابيب نورد ستريم 2 إذا غزت روسيا أوكرانيا، بحسب رويترز.
بايدن يحتاج للحلفاء
كان البيت قد أعلن الإثنين، قبل يوم من الاتصال بين بوتين وبايدن، أن زعماء من بريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وإيطاليا تحدثوا "واتفقوا على البقاء على اتصال وثيق بشأن وضع نهج منسق وشامل للرد على الحشد العسكري الروسي على حدود أوكرانيا".
وبمجرد أن انتهى الاتصال بين بايدن وبايدن، تحدث الرئيس الأمريكي هاتفياً مع قادة فرنسا وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا، حيث يرى الأمريكيون أن دعم هؤلاء الحلفاء الأوروبيين سيكون حاسماً لردع الرئيس الروسي عن غزو أوكرانيا.
وبحسب تقرير نيويورك تايمز، يسعى الرئيس الروسي منذ سنوات إلى زراعة بذور الخلاف بين الولايات المتحدة وحلفائها، بغرض إضعاف المقاومة الغربية لأفعاله ولتقويض حلف الناتو والشراكة بين أمريكا وأوروبا الغربية.
وقال سوليفان للصحفيين في أعقاب الاتصال بين بوتين وبايدن: "لدينا خبراء من وزارات الخزانة والعدل والخارجية على تواصل دائم مع العواصم الأوروبية الكبرى ومع بروكسيل (مقر الاتحاد الأوروبي) لمناقشة الخطوات العقابية التي سنتخذها معاً ضد روسيا".
وقال البيت الأبيض في بيان إن الرئيس "أوضح أن الولايات المتحدة وحلفاءنا سيردون بإجراءات اقتصادية وتدابير أخرى قوية في حال حدوث تصعيد عسكري".
وأضاف سوليفان للصحفيين: "الأشياء التي لم نفعلها في عام 2014 مستعدون أن نفعلها الآن" مشيراً إلى قيام روسيا بضم شبه جزيرة القرم من أوكرانيا، مؤكداً أنه في حالة وقوع هجوم، فإن الولايات المتحدة ستتطلع إلى الرد بإيجابية إذا طلب الحلفاء في منطقة البلطيق "قدرات" أمريكية إضافية أو "انتشار (للقوات)".
اتصالهما لم يكن "عدائياً" بالمرة
النقطة الخامسة التي يمكن التوقف عندها خلال ذلك الاجتماع الافتراضي الذي استمر ساعتين بين بوتين وبايدن تتعلق بالأجواء الشخصية بين الرجلين. إذ على الرغم من سخونة الملف الأوكراني وتهديده بالتحول إلى حرب فعلية في أي لحظة، كانت الأجواء الشخصية بين الرجلين "ودية وعملية دون تشنج"، بحسب ما رشح من مقاطع الفيديو وتعليقات المراقبين من الجانبين.
وقال سوليفان للصحفيين إن بايدن "كان مباشراً وصريحاً" مع بوتين، لكنه أضاف: "كان هناك الكثير من الأخذ والرد، ولم تكن هناك تهديدات، لكن الرئيس (بايدن) كان واضحاً بجلاء في تحديد أين تقف الولايات المتحدة من جميع هذه المسائل".
وأظهر مقطع فيديو قصير في بداية الاتصال المرئي بين بوتين وبايدن، بثته وسائل الإعلام الروسية، كيف بدأ الاتصال بابتسامات متبادلة وتحيات "ودودة"، وكيف أن بايدن بادر بوتين بالقول: "أمر جيد أن أراك مرة ثانية". وكان الرجلان قد عقدا قمة مباشرة في جنيف، منتصف يونيو/حزيران الماضي.
ووصف الكرملين الاتصال بأنه كان "صادقاً وعملياً"، بينما قال يوري يوشاكوف، أحد مستشاري بوتين للصحفيين، إن الرئيس الأمريكي تحدث عن تضحيات الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي معاً أثناء الحرب العالمية الثانية، مضيفاً أن الزعيمين تبادلا المزاح و"عبارات المجاملة" خلال الاتصال.