تلتفّ الأنظار إلى الاجتماع الوزاري المرتقب لتحالف منتجي النفط "أوبك بلس"، المقرر عقده الخميس 2 ديسمبر/كانون الأول 2021، الذي من المقرر أن يرد التحالف خلاله على قرار سحب الاحتياطات الاستراتيجية، الذي اتخذته دول كبرى بقيادة الولايات المتحدة، في محاولة منها لخفض أسعار الخام عالمياً.
التحالف الذي أجّل اجتماعه يوماً واحداً -كان مقرراً عقده الأربعاء- سينظر أيضاً في التبعات المستقبلية للمتحور الجديد لفيروس كورونا "أوميكرون"، دون إغفال تحذيرات من "مخاوف جدية" صدرت الإثنين عن منظمة الصحة العالمية.
ويقف على رأس تحالف "أوبك+" كل من السعودية (الحليف القريب لواشنطن) وروسيا (الخصم التقليدي للولايات المتحدة)، إذ تواجهت الرياض وموسكو في حرب أسعار أكثر من مرة، لكنهما اليوم تتحولان إلى حليفين دفاعاً عن مصالحهما.
حروب النفط الباردة.. من أين بدأ التحالف بين السعودية وروسيا؟
كان عام 2014 مفصلياً في العلاقات بين روسيا والسعودية والولايات المتحدة، إذ أدى ازدياد إنتاج النفط الصخري للولايات المتحدة ومنتجين آخرين، إلى انهيار أسعار الخام من حوالي 114 دولاراً إلى أقل من 27 دولاراً في 2016.
شكَّلت هذه الهزة بداية تحالف غير رسمي بين السعودية وروسيا، قاد إلى إنشاء مجموعة "أوبك+"، التي تتكون من الأعضاء الـ13 بمنظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك"، وعلى رأسها السعودية، و10 منتجين من خارجها تتقدمهم روسيا.
ففي نوفمبر/تشرين الثاني 2016، اتفقت الدول المنضوية بالتحالف على أول خفض جماعي للإنتاج، تحملت معظمه السعودية (500 ألف برميل يومياً) وروسيا (230 ألف برميل يومياً).
منذ ذلك الحين، نجح تحالف السعودية وروسيا في إطار "أوبك+" في الحفاظ على توازن الأسواق العالمية واستقرار أسعار الخام بمستوى فوق 50 دولاراً لمعظم الفترة من 2016-2020.
كورونا تفجر التحالف في "أوبك بلس"
لكن أسواق النفط ومعها التحالف السعودي الروسي، واجهت أزمة من نوع جديد في 2020، تمثلت بجائحة "كورونا"، وهي أخطر جائحة في 100 عام.
حيث تراجع الطلب العالمي على الخام بحدة جراء مسارعة معظم دول العالم لفرض قيود على الحركة، بما في ذلك إغلاق الحدود والأجواء لأشهر.
في مواجهة الطارئ الجديد اقترحت السعودية، في 5 مارس/آذار 2020، على حلفائها في "أوبك بلس" تعميق تخفيضات الإنتاج لاستعادة التوازن للأسواق ورفع الأسعار، غير أن المقترح جوبه برفض روسي، ما فتح الباب أمام أقسى حرب أسعار في تاريخ الصناعة.
السعودية تعلن الحرب
في 7 مارس/آذار 2020، بعد يومين فقط على فشل اجتماع "أوبك بلس"، أعلنت السعودية خفض السعر الرسمي لبيع نفطها الخام، بما يصل إلى 8 دولارات للبرميل، في استراتيجية تهدف لتحقيق أكبر هبوط ممكن في سعر النفط وفي أسرع وقت ممكن.
وفي 10 مارس/آذار، ردّ وزير المالية الروسي بأن بلاده يمكنها أن تتحمل سعر نفط يتراوح بين 25 و30 دولاراً للبرميل، طوال السنوات الست أو العشر المقبلة.
هذا التصريح دفع السعودية للردّ، بأن أمرت شركة "أرامكو" برفع إمداداتها بمقدار الربع، وصولاً إلى 12.3 مليون برميل يومياً، أي بزيادة قدرها 2.6 مليون برميل يومياً عن مستويات إنتاجها في الفترة الأخيرة.
وفي اليوم التالي أصدرت وزارة الطاقة أمراً جديداً لأرامكو (أكبر شركة نفط في العالم)، برفع إنتاجها إلى الطاقة القصوى عند 13 مليون برميل، وقابل ذلك إعلان روسيا أنها تستطيع أن تضخ النفط بمعدلات أعلى أيضاً.
الثلاثاء الأسود لأسواق النفط العالمية
يوم الثلاثاء 21 أبريل/نيسان 2020، كان يوماً أسود في تاريخ صناعة النفط، إذ هوى سعر خام برنت القياسي إلى أقل من 16 دولاراً للبرميل، وهو الأدنى في 21 عاماً، فيما انهارت أسعار الخام الأمريكي إلى ما دون الصفر لأول مرة في التاريخ، وبلغ سالب 40 دولاراً للبرميل.
شكّل انهيار أسعار النفط ضربةً قاسمة لموازنات جميع الدول المنتجة، وبدأت احتياطياتها النقدية تتآكل، ولم يعد استمرار الأسعار بهذا المستوى محتملاً، حتى من قبل السعودية وروسيا.
فيما شهدت الولايات المتحدة موجة إفلاس غير مسبوقة لشركات النفط الصخري، ذي التكلفة العالية لاستخراجه.
دفعت الأضرار البالغة التي تسببت بها حرب الأسعار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب إلى التوسط بين الرياض وموسكو، التي كانت أولى بوادر نجاحها دعوة السعودية دول "أوبك+" إلى اجتماع، في 9 أبريل/نيسان 2020، بمشاركة دول من خارجه، بما في ذلك الولايات المتحدة.
أسفرت الدعوة عن اتفاق على خفض قياسي في الإنتاج بمقدار 9.7 مليون برميل يومياً، يجري تقليصها تدريجياً حتى أبريل/نيسان 2022.
تحسن الطلب بعد الوساطة الأمريكية
مع تحسن الطلب، بدءاً من النصف الثاني 2020، سرع تحالف "أوبك+" زيادة ضخ الخام في الأسواق العالمية، لكن وتيرة هذه الزيادة في إنتاج الخام لم تواكب تعافي الاقتصاد العالمي من جائحة كورونا.
على مدى أشهر، رفض "تحالف أوبك+" طلبات كبار المستهلكين في مقدمتهم الولايات المتحدة والهند، بضخ المزيد من النفط الخام، في وقت زادت أسعار الطاقة عن مستوياتها ما قبل الجائحة.
بايدن في أزمة سياسية
مع اقتراب موعد انتخابات التجديد النصفي للكونغرس الأمريكي، بمجلسيه النواب والشيوخ، وخوف الرئيس الأمريكي جو بايدن من فقدان الأغلبية الديمقراطية البسيطة، تحت الضغوط التضخمية، التي أحد أبرز أسبابها ارتفاع أسعار الطاقة قرر بايدن التحرك.
يوم الثلاثاء 23 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، أمر الرئيس الأمريكي باستخدام 50 مليون برميل من المخزونات الاستراتيجية، البالغ حوالي 600 مليون برميل، ضمن سحب منسق من الاحتياطي مع كل من الهند واليابان وبريطانيا وكوريا الجنوبية، لكن الخطوة لم تنجح في خفض الأسعار، بل قابلها ارتفاع تجاوز 2.5% في اليوم التالي.
ومع ذلك، بدأت السعودية وروسيا محادثات بعيدة عن الأضواء، لبلورة رد على خطوة الولايات المتحدة والدول الأخرى بالسحب من الاحتياطي، وسرع في ذلك ظهور السلالة الجديدة لكورونا، التي أدت إلى خفض الأسعار بأكثر من 13% في يوم واحد، الجمعة.
وأشارت تقارير إلى أن الحليفين الجديدين، السعودية وروسيا، تتجهان لاقتراح إلغاء زيادة معتمدة في الإنتاج بمقدار 400 ألف برميل يومياً حتى نهاية ديسمبر/كانون الأول المقبل، في تحدٍّ غير مسبوق من السعودية للإدارة الأمريكية.