أثارت السلالة الجديدة من فيروس كورونا المسماة "أميكرون" الذعر في العالم مسببة انهياراً في البورصات العالمية وموجة جديدة من قيود السفر، وسط قلق من سرعة انتشارها تحديداً، وتساؤلات حول قدرتها على إصابة متلقي اللقاحات.
وبينما تعززت المخاوف من قدرة متحور أميكرون على الانتشار، فإن مسألة فاعلية اللقاحات ضد السلالة الجديدة ما زالت أكثر غموضاً إلى حد كبير، فإلى أي مدى يستطيع فيروس أميكرون أن يصيب المتلقحين، وهل تخسر اللقاحات الحالية المعركة ضد الفيروس الجديد؟
سارعت العديد من الدول إلى فرض قيود سفر، عقب الإعلان عن اكتشاف متحوّر "أوميكرون" الجديد في جنوب إفريقيا، واحتمال انتشاره السريع، الأمر الذي أثار قلقاً حول ما ستكون عليه المرحلة التالية من الجائحة.
ورغم أنّ العلماء يقولون إن هناك سبباً يدعو للقلق من هذا المتحور الجديد، فإنهم شدّدوا على أنهم لا يعرفون الكثير عنه، مثل ما إذا كان سريع الانتشار، أو يتسبّب بأعراض مرضية شديدة، أو تأثير اللقاحات عليه.
وتمّ رصد متحوّر "أوميكرون" في جنوب إفريقيا، وبوتسوانا، وهونغ كونغ، وبلجيكا.
طفرات كثيرة قد تؤدي إلى سرعة انتشاره
وليس غريباً أن يتغير الفيروس أو يتحور بمرور الوقت، ولكن تكون السلالة الجديدة من أي فيروس مثيرة للقلق عندما تؤثر تلك الطفرات على أشياء مثل سرعة الانتشار، ومعدل الخطورة، والقدرة على مقاومة اللقاحات.
سبب الرعب من سلالة أميكرون هو كثرة الطفرات به بشكل غير مسبوق في التحورات السابقة، فلقد أعلن علماء من شبكة مراقبة الجينوم في جنوب إفريقيا، أنّ مفتاح البروتين الشوكي الخاص بالمتحور الجديد اختبر عدداً كبيراً من الطفرات، تزيد عن 30، وهو البنية التي يستخدمها الفيروس للدخول إلى الخلية التي يهاجمها.
وأعرب العلماء عن قلقهم من أنّ هذه الطفرات قد تساهم في جعل "أوميكرون" سريع الانتقال ومتفلّتاً من المناعة.
وقال الدكتور أشيش جها من كلية الصحة التابعة لجامعة براون الأمريكية: "لقد شهدنا بروز العديد من المتحورات خلال الأشهر الخمسة أو الستة الماضية، لكنّها لم تتكاثر إلى حد كبير، فيما يبدو هذا المتحور مختلفاً". وتابع: "أداؤه مختلف ومغاير، حتى إنّه ينتقل بسرعة أكبر من المتحور دلتا".
ونقل تقرير لموقع شبكة "سي إن إن" الأمريكية عن جها قوله إن "هذا المتحور انتشر بسرعة في جنوب إفريقيا التي اكتشف فيها، وذلك خلال أيام وأسابيع". وأضاف: "سرعة انتقاله لا تشبه أي شيء شهدناه سابقاً".
كما أشار مسؤولون في منظمة الصحة العالمية أيضاً في بيان الجمعة الماضية، إلى أن الأدلة الأولية تشير إلى أنّ احتمال الإصابة بـ"أوميكرون" مرة أخرى أكبر، مقارنة مع المتغيرات الأخرى المثيرة للقلق.
وقال المركز الأوروبي لمكافحة الأمراض والسيطرة عليها الجمعة الماضي إنه، انطلاقاً من المعطيات المتوافرة حول المتحور الجديد فإنّه "يتمتّع ربّما بالقدرة على التحايل على المناعة وقد تتخطى سرعة انتشاره تلك التي شهدناها مع متحور دلتا"، وتابع: "هناك خطر، إلى خطر كبير" من انتشاره في أوروبا، حسبما ورد في تقرير "سي إن إن".
هل يستطيع "أميكرون" التغلب على اللقاحات؟
بعد تأكد سرعة انتقال Omicron وبعد أن أثار تكهنات واسعة بأنه قد يكون أكثر مقاومة للقاحات Covid-19 من المتغيرات الحالية، بما في ذلك دلتا. أصبح السؤال المحوري، ما مدى خطورة هذا الفيروس بالنسبة للشخص العادي الذي حصل على جرعتي لقاح؟
وتعمل أغلب اللقاحات المتوفرة حالياً خاصة اللقاحات الغربية من خلال تدريب جهاز المناعة ضد بروتين سبايك لفيروس كورونا – وهو المفتاح الذي يستخدمه لإصابة الخلايا من خلال الارتباط بمستقبل ACE2.
ويمتلك متحور أوميكرون أكثر من 30 طفرة في هذا البروتين، بما في ذلك 10 في ما يسمى "مجال ربط المستقبلات" (RBD) – الجزء الذي يلتصق بهذا المستقبل. وللمقارنة فإن السلالة دلتا التي أثارت الذعر في العالم وضربت الهند تحديداً بشدة لديها اثنتان فقط من طفرات RBD.
ومع ذلك، حتى مع كل هذه التغييرات، ستظل هناك مناطق (حواتم) على بروتين الفيروس يمكن التصدي لها من قبل الأجسام المضادة والخلايا التائية- التي تنمو استجابة لعدوى سابقة أو نتيجة للتلقيح، حسبما ورد في تقرير the Guardian البريطانية.
وهناك قلق من أن التغييرات في سلالة أميكرون قد تضعف استجابة الأجسام المضادة المكونة من اللقاحات، لأن الطفرات قد تغيرت مقارنة بجميع أنشطة الأجسام المضادة الرئيسية التي نعرفها، فهذه الطفرات تبدو مرعبة نوعاً ما، فما الذي سيتبقى من الحماية المناعية؟ حسبما يتساءل داني ألتمان، أستاذ علم المناعة في إمبريال كوليدج لندن.
هل تظهر جنوب إفريقيا ارتفاعاً في الإصابات بين متلقي اللقاحات؟
يبدو أن الدراسات التي تخرج من جنوب إفريقيا تقول إن الخطر ليس شديداً على متلقي اللقاح، وإن الأشخاص الذين يذهبون إلى المستشفى هم غير محصنين في الأغلب، وليس الملقحين، إذ يبدو أن التطعيم لا يزال يوفر بعض الحماية، علماً بأن معدل التطعيم الكامل لمجمل سكان جنوب إفريقيا نسبته 36%.
ثم هناك الخلايا التائية- وهي الخلايا المناعية التي تتعرف على الخلايا المصابة بالفيروس وتهاجمها، كما أنها تلقن الخلايا البائية المنتجة للأجسام المضادة حول المخاطر الفيروسية التي تواجهها.
قال ألتمان: "نعتقد جميعاً أن الخلايا التائية يمكنها رؤية الاختلافات بين سلالات الفيروس، وأن ذخيرة الخلايا التائية منيعة جداً عليها، وبالتالي قد يمنح ذلك متلقي اللقاحات بعض الحماية".
السؤال هو ما مقدار الحماية التي توفرها اللقاحات ضد السلالة الجديدة؟
نحن نعلم أن الأشخاص الذين تلقوا جرعتي لقاح يمكن أن يصابوا بمتغير دلتا- على الرغم من أن فرص حدوث ذلك أقل بثلاث مرات تقريباً مما لو لم يتم تطعيمهم. والأهم من ذلك، أن الأشخاص الذين تم تطعيمهم يكونون أقل عرضة للوفاة بحوالي تسع مرات إذا أصيبوا بالعدوى.
على الرغم من أن الإصابة بأوميكرون تبدو أكثر احتمالية، إلا أن البروفيسور بول مورغان، اختصاصي المناعة في جامعة كارديف البريطانية، قال: "أعتقد أن النتيجة الأكثر ترجيحاً هي حدوث تراجع في المناعة وليس فقداناً كاملاً للمناعة أمام متحور أوميكرون الجديد.
إذ لا يمكن للفيروس أن يفقد كل حاتمة واحدة على سطحه، لأنه إذا فعل ذلك، فلن يتمكن البروتين الخاص به من على العمل، لذلك في حين أن بعض الأجسام المضادة واستنساخ الخلايا التائية المصنوعة ضد السلالات السابقة من الفيروس، أو وجدت بفضل اللقاحات قد لا تكون فعالة، سيكون هناك البعض الآخر، الذي سيظل فعالاً.
وبالتالي، فإن تعزيز هذه الحماية، من خلال توسيع الوصول إلى الجرعة الثالثة من لقاحات Covid-19، يعد فكرة جيدة. حسب مورجان الذي يقول: "حتى إذا خسرنا نصف الاستجابة المناعية، أو ثلثيها، وبقي جزء كان ذلك أمراً لا بأس به، كما أنه كلما زاد التعزيز "أي تقديم جرعات إضافية، كان ذلك أفضل".
فئة من الناس قد تكون محظوظة أمام المتحور الجديد
بالنسبة للأفراد الذين تعرضوا لجرعتي لقاحات والمصابين بسلالة دلتا، فإن الصورة أفضل، حسبما تنقل صحيفة the Guardian عن ديفيد ماثيوز، أستاذ علم الفيروسات في جامعة بريستول البريطانية.
وذلك أن هؤلاء الأفراد قد تعرضوا للفيروس (من خلال الإصابة بدلتا) وبروتين السنبلة من سلالة ووهان الأصلية (من خلال التطعيم). هذا يعني أن لديهم استجابة من الجسم المضاد تغطي كلاً من السلالات الكلاسيكية والحديثة واستجابة واسعة جداً للخلايا التائية، ليس فقط ضد بروتين السنبلة، ولكن ضد جميع البروتينات الأخرى التي يصنعها الفيروس- وهذا مفيد بشكل لا يصدق حسبما قال ماثيوز.
القلق الأكبر هو بالنسبة لأولئك الذين لم يتم تلقيحهم، فإذا كانت سلالة أوميكرون أسرع في الانتقال من دلتا، فما سيحدث هو أن السلالة الجديدة ستسرع من معدل إصابة غير الملقحين واحتياجهم للمستشفيات، وبالتالي زيادة الضغط على الخدمات الصحية، "هذا هو ما سيؤدي إلى الإغلاق، إذا تجاوزت معدلات الاستشفاء عتبة معينة".
وقال الدكتور بيتر إنجليش، الاستشاري في مكافحة الأمراض المعدية: "من المحتمل جداً أن الأشخاص الذين تناولوا جرعتين أو أكثر متلقي ثلاث جرعات من اللقاحات الموجودة سيكونون محميين بشكل جيد ضد سلالة أوميكرون". لكن من الممكن أيضاً أن تكون لدينا حماية أقل بكثير من اللقاحات الموجودة ضد هذا البديل الجديد. ليس لدينا معلومات كافية حتى الآن لنعرفها.
أخيراً، هناك إمكانية لتعديل اللقاحات الحالية لتتناسب مع متغير Omicron، إذا كان بالفعل يتجنب الاستجابات المناعية التي يسببها اللقاح إلى حد كبير- وهو أمر لن نعرفه قبل عدة أسابيع.
تقول الصحيفة البريطانية: "أوميكرون هو بلا شك نتوء في الطريق قد يقودنا للخروج من هذا الوباء، وربما يكون حفرة كبيرة، ولكن بناءً على ما نعرفه حتى الآن، يبدو من غير المرجح أن يعيدنا إلى ما كنا عليه قبل عام. ومع ذلك، فكلما زاد عدد الأشخاص الذين يتعرضون للتلقيح بشكل كامل، ولديهم إمكانية الوصول إلى الجرعات الثالثة تحسن الوضع".
من جانبه، يقول الدكتور أشيش جها من كلية الصحة التابعة لجامعة "براون"، إنه لا يعتقد أنّ هذا المتحوّر سيؤدي إلى حالة "تكون فيها اللقاحات غير نافعة".
وأكد كبير خبراء الأمراض المعدية الأمريكي، أنتوني فاوتشي، للرئيس، جو بايدن، خلال لقائهما حول سلالة "أوميكرون"، أن اللقاحات الحالية توفر حماية من الإصابات الخطيرة بفيروس كورونا.
ماذا تقول شركات الأدوية المصنعة للقاحات؟
أعلنت العديد من الشركات المنتجة للقاحات مضادة لفيروس كورونا عن خطط لمواجهة المتحور الجديد.
وجاء في بيان صادر عن "موديرنا" الجمعة الماضي، أنهم يعملون بسرعة على اختبار قدرة لقاحهم على إبطال فعالية هذا المتحور، ويتوقعون الحصول على البيانات في الأسابيع المقبلة، كما أعلنت أنها سوف تطور جرعة معززة من لقاحها لمقاومة المتحور الجديد.
وأشار البيان إلى أنّ السلالة الجديدة من فيروس كورونا، تتضمن طفرات "شهدناها لدى المتحوّر دلتا وتتسبّب بانتقال العدوى بسرعة، إلى طفرات أخرى رصدناها لدى متحوّرات بيتا ودلتا تساهم بتعزيز التهرّب من المناعة". وأضاف البيان: "أنّ المزج بين هذه الطفرات يشكّل خطراً كبيراً محتملاً يؤدي إلى تراجع سريع في المناعة الطبيعية أو الممنوحة من خلال اللقاح".
وتقول مودرنا "إذا اكتشفنا أنّ اللقاح والجرعة المعززة منه غير كافيين لمكافحة المتحور، ثمة حل يكمن في إعطاء جرعة معززة أكبر، نعمل على اختبارها حالياً". كما تختبر الشركة جرعتين معززتين متعددتي التكافؤ تحوي كلّ منهما على بعض طفرات فيروس مختلفة متواجدة في المتحور الجديد، لترى إن كانتا تؤمنان حماية أفضل ضد "أوميكرون".
كما بدأت شركة نوفافاكس للأدوية العمل على تطوير لقاحها كي يناسب متحور "أوميكرون". وقالت الشركة إنها تأمل في أن يكون اللقاح الجديد جاهزاً للاختبار والتصنيع في غضون أسابيع، حسبما ورد في تقرير لموقع هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي".
كما أعربت شركات أخرى مطورة للقاحات مضادة لفيروس كورونا عن تفاؤلها المشوب بالحذر حيال قدرها على التصدي لأي تحديات محتملة تنتج عن المتحور الجديد.
وقالت شركة بيونتيك الألمانية التي طورت لقاح فايزر بيونتيك إنها تستطيع إنتاج وشحن نسخة محدثة من لقاحها المضادة للوباء خلال مئة يوم، حال اكتشاف أن النسخة الجديدة من الفيروس يمكنها التغلب على المناعة التي يحدثها لقاحها الحالي.
وتجري شركة أسترازينيكا دراسات في بوتسوانا وإسواتيني، حيث ظهر المتحور الجديد، وذلك لجمع البيانات من أرض الواقع حول مدى فاعلية لقاحها في الحماية منه.
وقال الدكتور بيتر إنجليش، الاستشاري في مكافحة الأمراض المعدية: "تسمح منصات اللقاحات المعتمدة على mRNA "أر إن إيه المرسال" بإجراء تغييرات سريعة جداً على المستضدات الدقيقة المستخدمة. وهذا يعني أنه سيكون من الممكن، بسرعة نسبياً أي في غضون أشهر، إنتاج لقاح بمضادات مخصصة لمتغير جديد".
ما فاعلية الأدوية المضادة للفيروسات؟
إحدى الأدوات التي تتم المراهنة عليها للتصدي لسلالة أوميكرون هي الأدوية المضادة للفيروسات، مثل مولنوبيرافير. وسيتم إعطاء هذا الدواء في بريطانيا كأولوية لمرضى كوفيد المسنين والذين يعانون من نقاط ضعف خاصة، مثل ضعف جهاز المناعة، من خلال دراسة وطنية للمؤسسة الصحية الوطنية هناك، نظراً لأن الدواء يكون أكثر فاعلية عند إعطائه في المراحل المبكرة من العدوى، يوصى باستخدامه في أسرع وقت ممكن بعد اختبار إيجابي لـCovid وفي غضون خمسة أيام من ظهور الأعراض.
من المحتمل أيضاً أن تعمل العلاجات الحالية، مثل عقار ديكساميثازون المضاد للالتهابات، ضد أوميكرون، لأنها تستهدف استجابة الجسم للفيروس، وليس الفيروس نفسه.
يؤكد فريق “عربي بوست” على أهمّية مراجعة الطبيب أو المستشفى فيما يتعلّق بتناول أي عقاقير أو أدوية أو مُكمِّلات غذائية أو فيتامينات، أو بعض أنواع الأطعمة في حال كنت تعاني من حالة صحية خاصة.
إذ إنّ الاختلافات الجسدية والصحيّة بين الأشخاص عامل حاسم في التشخيصات الطبية، كما أن الدراسات المُعتَمَدَة في التقارير تركز أحياناً على جوانب معينة من الأعراض وطرق علاجها، دون الأخذ في الاعتبار بقية الجوانب والعوامل، وقد أُجريت الدراسات في ظروف معملية صارمة لا تراعي أحياناً كثيراً من الاختلافات، لذلك ننصح دائماً بالمراجعة الدقيقة من الطبيب المختص.