منذ فتح المفوضية العليا للانتخابات في ليبيا أبوابها والأخبار تتوالى عن تقديم المرشحين أوراقهم لنيل منصب الرئيس الليبي القادم، لكن الأمر لا يخلو من الفوضى، بسبب دخول شخصيات للمضمار الانتخابي متهمة بجرائم حرب.
أحد الأشخاص المتهمين بجرائم الحرب، سيف الإسلام القذافي، نجل الديكتاتور الراحل معمر القذافي، المطلوب خارج وطنه بسبب توجيه المحكمة الجنائية الدولية إليه لوائح اتهام بارتكاب جرائم حرب، ومنعته لجنة الانتخابات الليلة الماضية من الترشح للانتخابات الرئاسية الشهر المقبل، بعد إدانته قبل خمس سنوات في ليبيا نفسها بسبب نفس المزاعم، والتواطؤ في القمع العنيف الذي مارسه والده ضد احتجاجات المعارضة، بحسب تقرير لصحيفة The Times البريطانية.
ويمكنه أن يستأنف، لكن يبدو أنَّ محاولته للعب على الحنين الشعبي للاستقرار النسبي في عهد العقيد معمر القذافي الذي امتد 40 عاماً، قد انتهت الآن، خاصة بين الناخبين الأصغر سناً الذين لا يتذكرون من ذلك سوى القليل.
ومع ذلك، فإنَّ المرشحين الرئيسيين الباقين في الديمقراطية الجديدة في ليبيا بالكاد تزيد جاذبيتهم عنه في نظر كثير من الناس.
حفتر هو الآخر مطلوب للعدالة
أما المرشح الآخر فهو خليفة حفتر (78 عاماً)، الذي أعلن نفسه مشيراً، فقد كان ضابطاً في الجيش في عهد القذافي قبل أن ينشق، وهو نفسه متهم بارتكاب جرائم حرب في الصراع الذي مزق ليبيا في السنوات السبع الماضية.
ويخضع مرشح آخر، وهو عقيلة صالح (79 عاماً)، رئيس مجلس النواب المنقسم في البلاد، لعقوبات أمريكية بسبب تقويض "السلام والأمن والاستقرار".
والوجه الرابع البارز، وربما المرشح الأوفر حظاً، رغم قلة استطلاعات الرأي الموثوقة، هو عبد الحميد دبيبة (63 عاماً)، رئيس الوزراء المؤقت. وهو من عائلة تجارية متهمة على نطاق واسع بالفساد، لكن الأهم من ذلك أنه وعد على وجه التحديد عندما تولى منصب رئيس الوزراء بأنه لن يستخدم المنصب للقفز على الرئاسة، وهو بالضبط ما يفعله الآن.
واستبعدت التسوية السياسية التي قادتها الأمم المتحدة في فبراير/شباط، والتي عززت وقف إطلاق النار في الحرب ومهدت الطريق لإجراء الانتخابات، على وجه التحديد، القادة المؤقتين الذين يترشحون لشغل مناصب دائمة. وتجاهلت لجنة الانتخابات ذلك ببساطة.
وأثارت هذه الملحمة غضب الجميع تقريباً، بمن في ذلك المفاوضون الذين وضعوا اتفاق فبراير/شباط بشق الأنفس واعتقدوا أنه يحمل الأمل في وضع ليبيا على طريق السلام.
وقال أحد المراقبين المقربين إنَّ الاتفاق ترك صلاحيات الرئاسة ومتطلبات الأهلية للمرشحين لم تتحدد بعد.
وأضاف المراقب: "لم يُناقَش خلال الوساطة هذان العنصران؛ مما أدى إلى الإطار الانتخابي المعيب الذي أنتجه فصيل واحد من مجلس النواب. ربما يلزم وضع إطار عمل بحيث تكون هناك قيود، مثل عدم السماح لمجرمي الحرب بالترشح".
الظهور بمظهر المصلح السياسي
عندما أعلن سيف الإسلام (49 عاماً) ترشحه هذا الشهر، كانت هذه هي المرة الأولى التي يظهر فيها علناً منذ القبض عليه بعد إطاحة والده وقتله على يد المتمردين قبل عشر سنوات.
وفي السابق صوَّر نفسه بأنه كان الإصلاحي في نظام والده. لكن عندما وقّع أوراق ترشحه، ارتدى أردية بنية مماثلة لتلك التي كان القذافي يرتديها عندما هدد في خطاب ألقاه خلال انتفاضة 2011، بمطاردة المعارضين له في "زنقة زنقة.. ودار دار"، مثل الفئران.
وكانت هذه علامة مشؤومة، لكن كانت أيضاً تذكيراً متعمداً بأنَّ تدخل بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة ضد خصمهم القديم لم يؤدِ، في الواقع، إلى السلام والديمقراطية الذي كانوا يسعون إليه في ذلك الوقت.
جرت محاولات شجاعة لتشكيل دولة ديمقراطية، بما في ذلك الانتخابات والبرلمان. لكن المتمردين انقسموا إلى ميليشيات متنافسة ذات أيديولوجيات متنوعة، بعضها محلي، والعديد من الإسلاميين والسلفيين، وفقدت السلطات المنتخبة السيطرة تدريجياً.
في عام 2014، انقسمت البلاد إلى قسمين. انتهت محاولة الأمم المتحدة لإحلال السلام في عام 2015 بتوطيد الانقسام، مع "حكومة وحدة" معترف بها دولياً تدير طرابلس لكن رفضها حفتر، و"الجيش الوطني الليبي" المناهض للإسلاميين يدير بنغازي في الشرق.
كان القتال وحشياً، لا سيما عندما هاجمت قوات حفتر طرابلس في عام 2019. وما زال الكشف مستمراً عن المقابر الجماعية منذ ذلك الوقت.
في حين أنه من الصحيح أنَّ قرار إجراء الانتخابات، بجولة أولى في 24 ديسمبر/كانون الأول، قد حافظ على السلام لمدة عام، فإن التصويت نفسه قد يكون نقطة تحول قاتمة.
هل يمكن أن تتم الانتخابات؟
وبغض النظر عن الصعوبات اللوجستية لتنظيم الاقتراع في بلد تنهار فيه الحكومة، لم يقدم الاتحاد الأوروبي ولا أي من الوسطاء الخارجيين الآخرين تعهداً بتوفير مراقبين للانتخابات.
وقد يؤدي الفشل في المضي قدماً نحو التصويت، الذي يطالب به البعض، إلى عودة العنف. لكن رفض المرشحين قبول النتيجة -وهو احتمال ليس مستبعداً- يمكن أن يكون أسوأ؛ بالنظر إلى جيوشهم الخاصة ودعم المرتزقة الأجانب المتنافسين.
وقال جان كوبيس، مبعوث الأمم المتحدة لمجلس الأمن، يوم الأربعاء 24 نوفمبر/تشرين الثاني: "عدم إجراء الانتخابات يمكن أن يؤدي إلى تدهور خطير للوضع في البلاد، ويمكن أن يؤدي إلى مزيد من الانقسام والصراع".
وفي تحول محير للأحداث في وضع مرتبك بالفعل، قدم كوبيس، الذي يُنظَر إليه على نطاق واسع على أنه فقد السيطرة على عملية التفاوض برمتها، استقالته في نفس الوقت. ومن غير الواضح ما إذا كان سيُطلَب منه البقاء في المنصب للإشراف على الانتخابات، أو من قد يتدخل.
ومن شأن استبعاد سيف الإسلام من الترشح لقيادة ليبيا رفع حرج كبير عن الدول الغربية؛ إذ قد تكون العملية الانتخابية التي ساعدت في هندستها قد أعادت إلى السلطة نظاماً ساهمت بفعالية في إطاحته بالقوة.
لكن من تبقوا وراءه لا يبدون، في الوقت الحالي، أكثر قبولاً. قال طارق المجريسي، الذي يراقب التصويت لصالح المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية: "عندما أُعلِن عن عملية الانتخابات كان الهدف هو التخلص من الرموز السياسية الليبية القديمة. هذا ما كان ينادي به الشعب الليبي. لكن يبدو الآن كما لو أنَّ هذا عمل شاق للغاية".