يستعد الرئيس الأمريكي جو بايدن للوفاء بوعد أطلقه خلال حملته الانتخابية من خلال عقد قمة من أجل الديمقراطية، بحضور نحو 110 دول للمساعدة في "وقف التراجع الديمقراطي وتآكل الحقوق والحريات في جميع أنحاء العالم".
لكن يبدو أن تجاذبات السياسة الخارجية الأمريكية انعكست على قائمة الدعوات التي وجهتها واشنطن لبعض الدول ومنعتها عن أخرى، الأمر الذي أثار انتقادات من قبل بعض الحكومات غير المدعوة، وفتح باب التساؤلات حول المعايير التي قرر بموجبها البيت الأبيض إقامة هذه القمة وتحديد من سيحضرها، فما القصة؟
ما هي قمة الديمقراطية التي تستضيفها أمريكا؟
سيستضيف الرئيس الأمريكي أول قمة للديمقراطية، التي وعد بها خلال حملته الانتخابية، حيث ستجمع القمة التي ستعقد افتراضياً على أن تعقد النسخة الثانية في نهاية العام المقبل حضورياً، بحسب موقع وزارة الخارجية الأمريكية، العشرات من زعماء الدول والحكومات وقادة المجتمع المدني والقطاع الخاص، "لوضع أجندة إيجابية للتجديد الديمقراطي والتصدي لأكبر التهديدات التي تواجهها الديمقراطيات اليوم من خلال العمل الجماعي".
وستعقد القمة في الفترة من 9 إلى 10 ديسمبر/كانون الأول 2021، حيث تهدف لمناقشة ثلاث أفكار رئيسية، وهي: مناهضة الاستبداد، ومعالجة الفساد ومكافحته، وتعزيز احترام حقوق الإنسان، حيث سيتم تشجيع القادة المشاركين على الإعلان عن إجراءات والتزامات محددة لإصلاحات داخلية ذات مغزى ومبادرات دولية، تعمل على تحقيق أهداف قمة الديمقراطية.
لماذا تواجه القمة انتقادات حقوقية؟
يتساءل المدافعون عن الحقوق عما إذا كانت هذه القمة يمكن أن تدفع قادة العالم الذين تمت دعوتهم -وبعضهم متهم بالميل نحو الاستبدادية- إلى اتخاذ إجراءات ذات مغزى، كما تقول آني بوياجيان، من منظمة فريدوم هاوس، وهي مجموعة غير ربحية متخصصة في حقوق الإنسان والديمقراطية، لوكالة رويترز.
وتقول الجماعات الحقوقية إن دعوة الدول التي لديها سجلات حقوقية غير نظيفة تثير الشكوك حول مصداقية هذا الحدث الكبير، حيث سيكون الرئيس الفلبيني رودريغو دوتيرتي، الذي صرح في الماضي أنه لا "يهتم بحقوق الإنسان"، ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي الهندوسي القومي، الذي يقود الهند نحو المزيد من الاستبداد بحسب فريدوم هاوس، من بين أولئك الذين يناقشون مع بايدن كيفية مساعدة الديمقراطية على أن تزدهر عالمياً.
فيما يقول مسؤولو الإدارة الأمريكية إن حدث ديسمبر/كانون الأول هو مجرد "إطلاق" لمحادثة أطول حول الديمقراطية، وإن الدول سوف تحتاج إلى تنفيذ الإصلاحات التي تعهدت بها لتتم دعوتها إلى قمة المتابعة المزمع عقدها العام المقبل.
ما الدول التي تم إقصاؤها من حضور القمة وكيف أثار ذلك غضبها؟
أثار الرئيس الأمريكي استياء روسيا والصين، غير المدعوتين إلى قمة الديمقراطية التي ستعقد افتراضياً، وهما العدوّتان الجيوسياسيتان الأساسيتان لواشنطن، فيما تغيب أيضاً عن القمة تركيا وكل الدول العربية باستثناء العراق.
وقال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، الأربعاء 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، في مؤتمر صحفي، إن "الولايات المتحدة تفضّل خلق خطوط تقسيم جديدة، تفريق الدول بين تلك الجيّدة بحسب رأيها، وأخرى سيئة".
فيما أعربت الصين عن "معارضتها الشديدة" لدعوة تايوان إلى هذه القمة. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية تشاو ليجيان: "ليس لتايوان مكانة أخرى في القانون الدولي غير مكانتها كجزء لا يتجزأ من الصين".
في نفس الوقت تقريباً شكرت سلطات تايوان الرئيس الأمريكي على قراره دعوة الجزيرة. وقال المتحدث باسم مكتب الرئاسة التايوانية كزافييه تشانغ في تصريح للصحفيين "من خلال هذه القمة يمكن لتايوان أن تتشارك قصة نجاحها في الديمقراطية".
ولا تعترف الولايات المتحدة بتايوان كدولة مستقلة، بل تعتبرها "نموذجاً ديمقراطياً يحتذى في مواجهة العملاق الآسيوي الذي يعتبر الجزيرة جزءاً لا يتجزّأ من أراضيه، ويتعهّد بإعادة ضمّها يوماً ما وبالقوة إذا لزم الأمر".
في الأسابيع الماضية، تكثف تبادل الانتقادات بين بكين وواشنطن حول مصير تايوان، التي تحظى بنظام ديمقراطي، ولديها حكومة وعملة وجيش. ومنذ وصوله إلى البيت الأبيض، في يناير/كانون الثاني، لم يخفِ الرئيس بايدن أنّ سياسته الخارجية تقوم على صراع بين ديمقراطيات تتزعّمها بلاده و"أنظمة استبدادية" خير من يمثّلها في نظره الصين وروسيا.
مَن أبرز الحاضرين والغائبين من آسيا وإفريقيا وأوروبا؟
ستشارك في القمّة الهند، التي وإن كانت تلقّب بـ"أضخم ديمقراطية في العالم"، فإنّ رئيس وزرائها الهندوسي القومي ناريندرا مودي موضع انتقادات شديدة من جانب منظمات تدافع عن حقوق الإنسان. كما ستشارك في القمّة باكستان على الرّغم من العلاقة المتقلبة التي تربط بينها وبين الولايات المتّحدة.
وحتى تركيا، حليفة واشنطن في حلف شمال الأطلسي لم تُدعَ إلى القمة، وهو أمر غير مفاجئ بحسب محللين، نظراً إلى أنّ بايدن سبق له أن وصف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بـ"المستبدّ" خلال حملته الانتخابية.
ومن الشرق الأوسط ضمّت اللائحة فقط "إسرائيل" والعراق، ولم تُدعَ إلى هذه القمّة أيّ من الدول العربية الحليفة تقليدياً للولايات المتّحدة مثل مصر والسعودية والأردن وقطر والإمارات.
بالمقابل، فقد دعا بايدن إلى القمّة البرازيل، على الرّغم من أنّ الدولة الأمريكية اللاتينية العملاقة يقودها رئيس يميني شعبوي مثير للجدل هو جايير بولسونارو.
ومن أوروبا ضمّت قائمة الدول المدعوّة للمشاركة في القمّة بولندا، التي يتّهمها الاتحاد الأوروبي بعدم احترام دولة القانون، لكنّها خلت بالمقابل من المجر، التي يقودها رئيس وزراء مثير للجدل كثيراً هو فيكتور أوربان. أما من إفريقيا فقد ضمّت قائمة الدول المدعوّة كلاً من جنوب إفريقيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية ونيجيريا والنيجر.
ما المعايير التي وجهت أمريكا بموجبها دعوات لحضور القمة؟
بحسب مؤشر Freedom House، تصنف غالبية المدعوين للقمة (77 دولة) على أنهم "أحرار" أو ديمقراطيون بالكامل، فيما يتم تصنيف 31 مدعواً آخر على أنهم "أحرار جزئياً"، فيما تقع ثلاثة بلدان في المعسكر "غير الحر".
ويكشف تقرير Freedom House، عن أن ثماني دول مدعوة للقمة، تقع في مرتبة منخفضة بشكل استثنائي في تصنيفات الديمقراطية هذه، ما يثير أسئلة مقلقة حول دعوتهم، وهي: أنغولا، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، والعراق، وكينيا، وماليزيا، وباكستان، وصربيا، وزامبيا. فيما أثار أربعة مدعوين إضافيين مخاوف شديدة من التراجع بسبب ارتفاع مستويات الاستبداد أو الانخفاض الكبير في حرية التعبير على مدى السنوات العشر الماضية: البرازيل والهند والفلبين وبولندا.
وبحسب المنظمة الحقوقية، يبدو أن الديناميكيات الإقليمية لعبت دوراً كبيراً في توجيه الدعوات، خذ الشرق الأوسط على سبيل المثال. بالنظر إلى أرقام مؤشر الديمقراطية فإن الدولة الوحيدة في المنطقة التي يمكنها تقديم عرض معقول للمشاركة هي تونس وليس العراق، ولسوء الحظ تشهد تونس انقلاباً بطيئاً نفذه الرئيس قيس سعيد، ولم تكن فكرة حضور إسرائيل كممثل وحيد من الشرق الأوسط ناجحة، كما تقول المنظمة.
الأمر الآخر، كانت المصالح الاستراتيجية الأوسع للولايات المتحدة مهمة أيضاً. باكستان والفلبين وأوكرانيا كلها ديمقراطيات معيبة مع تفشي الفساد وانتهاكات سيادة القانون. ومع ذلك فهم شركاء مهمون للولايات المتحدة، سواء لموازنة النفوذ الصيني (الفلبين)، أو مقاومة التعدي الروسي (أوكرانيا)، أو المساعدة في مكافحة الإرهاب (باكستان). مما لا شك فيه أن المكاتب الإقليمية المختصة في وزارة الخارجية قدمت الدعوات لهذه البلاد على تلك الأسس، لا شيء آخر.