تميّزت اليابان لفترةٍ طويلة وسط الدول الصناعية باتباعها سياسة الباب المغلق فيما يتعلق بالهجرة، لكن أزمة نقص العمالة الحادة في البلاد، بالإضافة إلى المشكلات المرتقبة على خلفية انخفاض عدد السكان، دفعت طوكيو إلى التحرك نحو الانفتاح -ولو جزئياً- على الأجانب.
حيث قال مسؤولون يابانيون، يوم الخميس 18 نوفمبر/تشرين الثاني، إنّ الحكومة تتطلع إلى السماح للمزيد من العاملين الأجانب في وظائف أصحاب "الياقات الزرقاء" بالإقامة إلى أجلٍ غير مسمى، واستقدام عائلاتهم إلى البلاد، في قرار يوصف بغير المسبوق.
باب الهجرة مفتوح أخيراً.. تحوُّل كبير في اليابان
تقول صحيفة Washington Post الأمريكية، إن من شأن هذه الخطوة أن تُتيح فرصة العيش في اليابان على المدى الطويل، وهي الفرصة التي ليست متاحةً حالياً سوى لكادرٍ صغير من الأجانب في الوظائف المرموقة. وسيُشكّل هذا التغيّر تحولاً كبيراً في بلدٍ يُنظرٍ إليه عادةً على أنّه لا يرغب في اللجوء إلى الهجرة، حتى وإن جادل الخبراء بأهمية الهجرة باعتبارها حلاً لنقص العمالة وانخفاض عدد السكان أو حتى استجابةً لأزمات اللاجئين.
وبموجب برنامج انطلق عام 2019، يُسمح للعاملين متوسطي المهارة في القطاعات التي تُعاني من نقص الموظفين، مثل موظفي التصنيع والحراسة، بالعمل داخل اليابان لمدة تصل إلى خمس سنوات، لكن لم يكن مسموحاً لهم باستقدام عائلاتهم، ومع ذلك كان عمال قطاعي الإنشاءات وبناء السفن يخضعون لقوانين مختلفة، تسمح لهم بتجديد تأشيراتهم أكثر من مرة، واستقدام عائلاتهم للعيش معهم.
وفي خضم أزمة نقص العمالة، التي تفاقمت بسبب جائحة فيروس كورونا، نقلت صحيفة Nikkei Asia اليابانية، يوم 18 نوفمبر/تشرين الثاني، أنّ الحكومة تخطط حالياً لتوسيع نطاق القوانين المخففة، حتى تشمل 14 من قطاعات الأعمال التي تُعاني من نقص الموظفين في اليابان، مع احتمالية فتح المجال أمام تمديد الإقامة لعددٍ كبير من الأجانب العام المقبل.
وفي مؤتمرٍ صحفي، أكّد كبير أمناء مجلس الوزراء الياباني هيروكازو ماتسونو تلك الأنباء، لكنه شدّد على وجود فارق بين تجديد التأشيرات وبين الإقامة الدائمة.
حيث نقلت عنه وكالة Reuters البريطانية قوله: "أُدرِك أنّ مكتب الهجرة الياباني وغيره من الهيئات المعنية يبحثون الأمر حالياً من أجل توسيع نطاق" فئة العاملين، الذين يمكنهم تجديد التأشيرات واستقدام عائلاتهم.
لماذا ظلت اليابان ترفض فتح أبوابها للهجرة لعقود طويلة؟
تقول "واشنطن بوست، إنه رغم تواضع تلك الخطوات من المنظور العالمي، لكنها تُعتبر خطوات كبيرة لليابان، إذ ظلت الهجرة من المحرمات السياسية طيلة عقود، في ظل القلق على التجانس الثقافي والعرقي الذي يتبناه اليمين الياباني النافذ، وكانت البلاد لا تقبل سوى عددٍ متواضع من المهاجرين، مع فرض شروطٍ صارمة عليهم، وكانت الإقامة الدائمة تُمنح لمجموعات مختارة فقط، مثل عائلات وأحفاد المهاجرين اليابانيين الذين استقروا في أمريكا اللاتينية.
ولأن الحكمة تقول إنّ فتح أبواب الهجرة على مصراعيها ليس الخيار الأفضل من الناحية السياسية؛ اتّخذ المسؤولون في اليابان خطوات هادئة لاستقبال أعداد متزايدة من العاملين تدريجياً ودون إثارة الجدل العام، لكن تلك الخطوات كانت تأتي ضعيفةً عادةً، مثل القواعد التي سمحت للطلاب الأجانب بالعمل في وظائف بدوام جزئي، الأمر الذي أثار جدلاً كبيراً بسبب التقارير حول ظروفهم السيئة.
وقد تناقضت سياسات الباب المغلق اليابانية مع سياسات نظرائها: فبحلول عام 2016، لم تقبل اليابان سوى عدد ضئيل للغاية من اللاجئين السوريين، بينما استقبلت دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الآلاف.
لكن السنوات الأخيرة شهدت إثارة تساؤلات مهمة حول تلك السياسة، بسبب شيخوخة سكان اليابان، حيث أشارت الأرقام الرسمية عام 2016 إلى أنّ عدد سكان البلاد انخفض بمليون شخص خلال خمس سنوات، وهي أول مرة تُسجّل فيها الإحصائيات انخفاضاً في عدد السكان.
وفي أواخر عام 2018، أصدرت حكومة رئيس الوزراء السابق شينزو آبي قانوناً يفتح أبواب الهجرة للأجانب في 14 صناعة تُعاني من نقص الموظفين، بناءً على التقديرات التي أشارت إلى حاجة تلك القطاعات لنحو 345 ألف عامل. ووفقاً للصحيفة اليابانية فقد دخل في برنامج الهجرة نحو 35 ألف عامل.
المواطنون اليابانيون منفتحون على فتح باب الهجرة
يتميز الحزب الليبرالي الديمقراطي، الذي لا يزال يحكم اليابان بعد رحيل آبي، بأنّه يتعاون بشكلٍ وثيق مع مجتمع الأعمال الياباني الذي حذّر من نقص العمالة، رغم أنّه يعتبر من الأحزاب المحافظة. وقد أظهرت استطلاعات الرأي أنّ المواطنين اليابانيين منفتحون على فكرة السماح بالمزيد من المهاجرين، بل وينظرون إلى الأمر عادةً باعتباره حتمياً، لكن يظل هناك جناحٌ قوي يُناهض الهجرة في البلاد.
وقد أدّت الجائحة إلى تعزيز نقص العمالة، ما زاد الضغوطات على الاقتصاد الياباني، إذ انكمش اقتصاد البلاد بمعدل سنوي بلغ 3% بين شهري يوليو/تموز وسبتمبر/أيلول، وفقاً للبيانات الرسمية الصادرة في نوفمبر/تشرين الثاني 2021.
إشادة حذرة
في حين قابل بعض الخبراء هذا التحوّل المقترح في السياسة بالإشادة الحذرة، لكن آخرين حذروا من أن العديد من الأجانب في اليابان يُعانون من أوضاع توظيف استغلالية ومستويات معيشية سيئة، سببها برامج الهجرة السابقة.
بينما اشتكى العمال الأجانب في اليابان لفترةٍ طويلة من غياب التدابير الكافية لحماية العمال، والعمل لساعات طويلة، وانخفاض الأجور، والعزلة.
وبعد وفاة امرأة سريلانكية (33 عاماً) داخل مركز احتجاز في مارس/آذار، تعهّد مسؤولون يابانيون الأسبوع الجاري بإصلاح مكتب الهجرة في البلاد. وكانت السيدة ويشما ساندامالي محتجزةً بعد أن تجاوزت مدة تأشيرة الدراسة. وقد تقدمت عائلتها بشكوى جنائية ضد مدير ونائب مدير المنشأة، إلى جانب الضباط المسؤولين في الخدمة يوم وفاتها. وصرّح وزير العدل الياباني يوشيهيزا فوروكاوا لوسائل الإعلام المحلية قائلاً: "لا يجب أن تتكرر حادثة من هذا النوع مجدداً".