لم يبرح لبنان أن يخرج من أزمة سياسية حتى تباغته الأخرى دون مقدمات، فخلال العقدين الماضيين عاش سكان البلاد الكثير من الأزمات السياسية، كان آخرها تصريحات وزير الإعلام جورج قرداحي بشأن اليمن والتي أثارت حفيظة دول الخليج وعلى رأسها السعودية.
الأزمات السياسية في لبنان عادة ما يكون أبطالها من الخارج، وخاصة الحلفاء السابقين والحاليين، لكن سرعان ما يتحول إلى خلاف داخلي يدفع ثمنه سكان البلد أنفسهم في كل الخدمات المقدمة لهم بما فيها الكهرباء والماء.
كان آخر هذه الأزمات الانقطاع المتكرر للتيار الكهربي والذي حوَّل مناسبة هامة للبنان إلى لحظة حزن، بعدما كان ينبغي أن تكون هذه اللحظة لحظة إثارة للحماس الوطني في لبنان.
الرياضة تدفع ثمن غياب الكهرباء
فالمنتخب الوطني لم يسبق له أن وصل إلى المراحل النهائية من كأس العالم لكرة القدم، لكن الفريق الوطني بلغ هذا العام الدور الثالث من التصفيات المؤهلة للبطولة التي تقام العام المقبل في قطر، بحسب تقرير لصحيفة The Economist البريطانية.
فبعد أن فاز الفريق فوزاً حاسماً على المنتخب السوري الشهر الماضي، كان في طريقه إلى مباراتين حاسمتين هذا الشهر، ضد المنتخب الإيراني ثم المنتخب الإماراتي، وبدا أن فريق الأرز لديه فرصة للقتال من أجل مقعد له في المباريات الفاصلة للمتأهلين إلى كأس العالم. لكن بدلاً من إثارة الاحتفالات في البلاد، جاء إنجاز المنتخب الوطني بمثابة تذكير بالأخطاء التي ارتُكبت ودفعت البلد إلى الغرق في كل هذه الأزمات السياسية والاقتصادية التي لحقت به.
بدأت المصاعب من العجز عن ضبط توقيت المباراة، فالتجهيزات لا يمكن تركيبها أو تشغيلها في أوقات الذروة من المساء، لأنه لا يمكن ضمان ما يكفي من الكهرباء لإبقاء الملعب مضاء. ثم منعت الجماهير اللبنانية من حضور المباراة في المدرجات، بدعوى الظروف الأمنية. وفي كل الأحوال، كان يصعب بالفعل على كثير من الناس خوض الرحلة إلى ملعب المباراة، فقد ارتفعت أسعار البنزين بنحو 10 أضعاف في العامين الماضيين.
كارثة مرفأ بيروت مستمرة
ثم كانت المشكلة الثانية المتعلقة بمكان إقامة المباراة، فقد تعرض الاستاد الوطني في بيروت لأضرارٍ جمة، بعد انفجار المرفأ الذي وقع العام الماضي. ومن ثم، أقيمت مباريات التصفيات في صيدا، على بعد نحو 40 كيلومتراً جنوب العاصمة، في الملعب الذي يسمى أحياناً ملعب الشهيد رفيق الحريري. وهنا تبدو المفارقة في أن لبنان خاض مباراة ضد إيران (وخسر أمامها) في ملعب سُمي على اسم رئيس الوزراء الذي يشيع الزعم بمسؤولية حزب الله، الميليشيا المدعومة من إيران، عن قتله.
وبحسب الصحيفة البريطانية فعادة ما يقال إن المنافسة في كرة القدم تنطوي على نوع من المنافسة السياسية بطريقة أو بأخرى، لكن المباريات اللبنانية أخذت هذا القول إلى مداه الأقصى، فقد اتهم بعض اللبنانيين أنصار حزب الله بتشجيع الطرف الآخر، ونشر آخرون صوراً للفريق الإيراني وهو يجر حقائب ضخمة عبر مطار بيروت، وتوقع بعضهم أن تكون الحقائب مكدسة بمعدات عسكرية بدلاً من معدات كرة القدم.
بعدها بخمسة أيام، شهدت المدرجات الفارغة خسارة أخرى للمنتخب اللبناني أمام المنتخب الإماراتي. وكانت السعودية استدعت الشهر الماضي سفيرها من بيروت بعد أن انتقد وزير الإعلام اللبناني الحرب التي تقودها السعودية في اليمن، وبدورها طلبت الإمارات الموالية للسعودية من مواطنيها عدم السفر إلى لبنان.
الفرار من الوضع الاقتصادي
من جهة أخرى، دفع انهيار الاقتصاد اللبناني العديد من المواطنين إلى مغادرة البلاد، والرياضيون ليسوا استثناء من ذلك، فبعد أن انحدرت قيمة الرواتب انحداراً سريعاً متأثرة بفقد العملة الوطنية لقيمتها، حمل كثير من نجوم كرة القدم رحالهم وانتقلوا إلى الأردن.
حتى مشاهدة الجماهير اللبنانية لفرقها العالمية المفضلة أصبحت تحدياً، فكثير منهم يهوى متابعة دوري أبطال أوروبا على شاشة التلفزيون، لكن عدداً أقل بكثير تمكن هذا الصيف من تسديد باقة الاشتراك البالغة قيمتها 75 دولاراً، أي ضعف الحد الأدنى للأجور الشهرية في البلاد، وبعضهم وجد نفسه جالساً في الظلام مع انطلاق المباريات.
قلة من يتوقعون أن تتحسن الأمور قريباً، فمجلس الوزراء، الذي تكوَّن في سبتمبر/أيلول بعد عام من الجمود، لم يجتمع منذ أكثر من شهر بسبب الخلافات السياسية. وتشير التقديرات إلى أن الخلافات بشأن الانتخابات المقرر إجراؤها في الربيع قد تكون إيذاناً بمزيد من الشلل السياسي.
أما فيما يتعلق بالمنتخب اللبناني، فما زال يطارد منتخب الإمارات في السباق من أجل مكان في الجولة الأخيرة من التصفيات. وربما تخف حدة الجدل المحيطة بالمنتخب قليلاً، لأن مباراته المقبلة في شهر يناير/كانون الثاني ستكون أمام منافس أقل إثارة للجدل: منتخب كوريا الجنوبية.