جاء إعلان ترشح عقيلة صالح رئيس مجلس النواب الليبي، للانتخابات الرئاسية الليبية ليضيف مزيداً من الإرباك للانتخابات الليبية، التي ترشح لها قبله كل من أمير الحرب خليفة حفتر وسيف الإسلام القذافي، ما يثير تساؤلاً: هل نحن أمام منافسة بين ثلاث شخصيات مثيرة للجدل للوصول للرئاسة، أم هناك حبكة درامية تحيكها أطراف دولية وإقليمية لضمان وصول مرشح موالٍ لها لسدة الحكم في الدول العربية الغنية بالنفط.
فقد جاء إعلان ترشح عقيلة صالح عقب عدة أيام من إعلان ترشح كل من سيف الإسلام القذافي، نجل معمر القذافي، زعيم ليبيا الذي قامت ضده الثورة في البلاد، واللواء المتقاعد خليفة حفتر للانتخابات، التي لطالما كان سبباً في عدم إجرائها بسبب إصراره على تولي السلطة بالقوة.
بعد ترشح عقيلة صالح أصبح هناك 3 مرشحين من معسكر واحد
اللافت هنا أن المرشحين الثلاثة يمكن وصفهم بأنهم ينتمون للمعسكر المعادي للثورة الليبية، واثنان منهم هم حفتر وصالح، قاعدتهم الأساسية في الشرق الليبي، أما الثالث وهو سيف الإسلام ففي الأغلب يعتمد على تأييد قبائل القذاذفة وغيرها من القبائل الحليفة لها، والتي تتركز في الجنوب، حيث يوجد معقل والده في سبها، وسرت في الوسط مسقط رأسه (رسمياً سرت جزء من الغرب الليبي، ولكنها فعلياً جزء مما يسمى الهلال الخصيب، وهي منطقة وسط بين الشرق والغرب).
ويعني هذا أن المرشحين الثلاثة لا يعتمدون على قاعدة قوية في الغرب الذي يمثل نحو ثلثي السكان، ومقر أغلب وأقوى فصائل الثوار الليبيين الذين أنهوا حكم القذافي، وحكومة الوفاق التي تصدت لمحاولة حفتر للسيطرة على طرابلس.
وبصفة عامة تتسم العملية السياسة في ليبيا بأن جنرالات الحرب، وزعماء بعض القبائل في الشرق والجنوب يتحالفون ضد القوى الثورية والسياسيين الذين يتركزون في الغرب أو منفيين فيه، كما يطالبون بنظام سياسي لا يراعي نسب السكان في تشكيل مؤسسات الحكم، وذلك لأن تعداد السكان يميل بشدة للغرب الذي يضم العاصمة طرابلس.
بل يطالب المنتمون لمعسكر حفتر وعقيلة صالح بنظام سياسي يقوم على المثالثة بين الإقاليم الليبية، ويلوح بعضهم بالفيدرالية أو حتى انفصال الشرق في حال رفض هذه المطالب التي لا يمكن وصفها بأنها مطالب سكان إقليمي الشرق والجنوب بقدر ما هي مطالب بعض السياسيين المتنفذين الذين يحاولون عبرها تقوية نفوذهم، وتخطي حقيقة أن معاقلهم قليلة السكان، ولا تعطيهم هذا النفوذ الذي يدعونه.
ويتمسك هؤلاء السياسيون بتمثيل متساوٍ لممثلي الإقاليم في المجلس الرئاسي، وهو أمر يقلل وزن الغرب، كما يطالبون بـ"ضرورة توزيع ثروات البلاد بشكل عادل على كل الأقاليم، أي بنسبة الثلث لكل إقليم، وليس حسب عدد السكان.
ومن المعروف أن سكان إقليم الغرب أو طرابلس يمثلون نحو 63% من سكان ليبيا، بينما إقليم برقة أو الشرق يمثل نحو 28.5% من سكان البلاد، وإقليم فزن أو الجنوب يمثل نحو 7.8% من السكان.
المرشحون الثلاثة تحالفاتهم الخارجية متقاربة ومتداخلة
وفي الوقت ذاته فإن المرشحين الثلاثة ينتمون كما سبق الإشارة إلى ما يمكن تسميته بالمعسكر المناهض للثورة الليبية والمعادي للإسلاميين.
كما أن تحالفاتهم الخارجية متقاربة، فاللواء المتقاعد خليفة حفتر كان مدعوماً بشكل كبير من الإمارات ومصر وروسيا وفرنسا، في مواجهة دعم تركي وقطري وإيطالي لحكومة الوفاق في الغرب.
وعقيلة صالح كان يعتبر حليفاً لحفتر، ولكن له علاقاته الخاصة القوية بمصر وروسيا، اللتين توجهتا إلى إعلاء دوره بعد هزيمة حفتر العسكرية في معركة طرابلس.
أما عن سيف الإسلام القذافي، فيقول المحرر الدبلوماسي لصحيفة الغارديان البريطانية، باتريك وينتور، إن دول الخليج قد تدعمه، ويزعم البعض أن الأمر سيتطلب ضغطاً سعودياً على فرنسا لرؤيته يفوز بالدعم الأوروبي، في حين ترفض تركيا ترشحه.
وأكثر المستفيدين من وصول القذافي الابن لحكم ليبيا هما روسيا والصين، والأكثر تضرراً أمريكا وأوروبا، بعد أن كانتا سبباً في إسقاط حكم أبيه، حسبما يقول المحلل السياسي الليبي إبراهيم الفيتوري لموقع "سكاي نيوز عربية".
ويُعتقد أن روسيا هي من أهم حلفاء سيف الإسلام المحتملين، فلقد كان وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، قد استبق خطوة القذافي الابن، السبت الماضي، بالدعوة إلى إتاحة الفرصة لجميع القوى السياسية للترشح، بما في ذلك "أنصار نظام القذافي" كي تكون الانتخابات "شاملة".
هل ترشحوا منفردين أم مدفوعين خارجياً وبتنسيق مسبق؟
يعني ذلك أن المرشحين الثلاثة هم مقربون للمحور المصري الإماراتي الروسي الفرنسي، رغم أن كل دولة من الدول الأربع قد يكون لها مرشح مفضل أكثر من غيره.
ويدفع هذا للتساؤل: هل ترشُّح الشخصيات الثلاث المثيرة للجدل هو محض تنافس بينهم، نتيجة تهافتهم على كرسي الحكم أم تكتيك متعمَّد من قبل المحور المشار إليه لخلط الأوراق في الانتخابات.
يمكن القول إن هناك تنافساً حقيقياً بين الرجال الثلاثة على الحكم في ليبيا.
فعقيلة صالح كان حليفاً وداعماً لحفتر ومنحه صكوكَ شرعيةٍ عديدة مشكوكاً فيها، إذ يعتقد أنه هو الذي عينه قائداً لما يسمى الجيش الوطني الليبي، دون انعقاد أي جلسة سليمة الإجراءات لبرلمان طبرق.
ولكن أفادت تقارير متعددة بوجود خلافات بين عقيلة صالح وحفتر، خاصة بعد فشل الأخير في اقتحام طرابلس، ومحاولته بعد ذلك الانفراد بالسلطة في الشرق الليبي، عبر إعلانه عن سقوط الاتفاق السياسي في ليبيا بناء على طلب الجماهير، حسبما قال في خطاب تلفزيوني في أبريل/نيسان 2020.
وأعقب ذلك صعود دور عقيلة صالح في الأزمة الليبية، وخاصة من قبل مصر، وفي ذلك الوقت أفادت تقارير بأن مصر وروسيا باتتا تفضلان صالح على حفتر، بينما الإمارات مازالت تدعم الأخير.
كما أن صالح يتمتع بدعم قبيلته العبيدات، التي توصف بأنها من أبرز القبائل الليبية، كما سبق أن أعلنت تجمعات تزعم أنها تتحدث باسم قبائل ليبيا تأييدها له لتولي رئاسة المجلس الرئاسي.
وبالنسبة لسيف الإسلام القذافي، رغم أن إرثه لا يختلف كثيراً عن إرث صالح وحفتر، المعاديين للثورة، فإنه غير معروف أنه تحالف معهما.
ولكن بالإضافة إلى الطموحات الشخصية، والتي قد تدفع المرشحين الثلاثة للتنافس رغم أنهم في معسكر واحد، خاصة صالح وحفتر، فإنه من الصعب تصور أنه لا أحد من المرشحين الثلاثة استأذن رعاته الإقليميين والدوليين قبل الترشح، وإذا صح هذا الاحتمال فإن هذا يشير إلى تكتيك من قبل المحور الرباعي الإماراتي المصري الروسي الفرنسي، أو أحد أعضائه، بخلق زخم للانتخابات الليبية عبر طرح ثلاثة مرشحين متقاربين.
وهذا يحقق فوائد عدة، فبالإضافة إلى الزخم المشار إليه، فإنه من الصعب تصور أن مفوضية الانتخابات سوف تستبعد المرشحين الثلاثة، أو أنه سيتم فرض فيتو عليهم الثلاثة معاً من قبل مجلس الدولة أو حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس، أو حتى كتائب الثوار، التي تعتبر الثلاثة أعداء للثورة الليبية.
يعني ذلك أنه في حال استبعاد مرشح أو مرشحين من المرشحين سيبقى واحد منهم على الأقل، وسينال هذا المرشح في الأغلب الأصوات التي كانت ستذهب للمرشحين المستبعدين.
وفي حال ترشح اثنين منهم فهذا يعني احتمال تأهل واحد منهم للجولة النهائية، أو اثنين منهما معاً، وهو ما يزيد فرص فوز مرشح المعسكر المضاد للثورة.
علماً بأن الاعتراضات على عقيلة صالح قد تكون الأقل منطقية مقارنة بسيف الإسلام وحفتر.
ولا يمكن استبعاد أن عملية الترشح تمت بالتنسيق بين المرشحين الثلاثة، خاصة أنها تمت بتزامن غريب، وبدون هجوم متبادل بينهم، وهو الأمر الطبيعي في أي انتخابات.
وبصرف النظر عما إذا كانت عملية ترشح عقيلة صالح وحفتر والقذافي تمت عبر تنسيق بينهم أم لا، وهل تمت بتنسيق مع الرعاة الإقليميين والدوليين أم لا، فإن عملية الترشح وخوضهم الانتخابات هي في صالح المعسكر المضاد للثورة الليبية ورعاة هذا المعسكر الإقليميين والدوليين، والأهم أن معناها عودة لنظام القذافي بطريقة أو بأخرى.
هل يتحالف عقيلة صالح مع الغرب الليبي؟
يأتي كل ذلك في وقت لم يظهر أي مرشح قوي من بين القوى المؤيدة للثورة الليبية المتمركزة في الغرب، ولكن هناك حديث عن إمكانية تحالف بين عقيلة صالح وبين القوى السياسية في الغرب ضد حفتر.
وسبق أن شهدت الانتخابات الأخيرة للمجلس الرئاسي، في فبراير/شباط 2021، تحالفاً بين صالح الذي ترشح لرئاسة المجلس، ووزير داخلية حكومة الوفاق فتحي باشاغا، المقرب للإسلاميين، والذي كان مرشحاً لرئاسة الحكومة، ولكن فشل الاثنان في تحقيق هدفهما.
واحتمال التنسيق هذا لو صح قد يعطي ترشح عقيلة صالح في الانتخابات الليبية زخماً، في مواجهة القوة العسكرية التي يد في حفتر، وخاصة أن علاقة صالح قوية بمصر، ما يمثل إرضاء لها، في وقت تسعى تركيا والقوى السياسية الليبية الموجودة في الغرب لمحاولة الوصول لتفاهم مع القاهرة.
ولكن ما قد يقلل من هذا الاحتمال، بالإضافة إلى عدم نجاح هذا التحالف في انتخابات المجلس الرئاسي، هو صعوبة أن يثق سياسيوه وثواره في عقيلة صالح لتولي الرئاسة بكل صلاحيتها، والأهم أن الأجواء العامة في الغرب ضد إجراء الانتخابات بشكلها الحالي والسماح لحفتر وسيف الإسلام تحديداً بالترشح.
فهناك انتقادات حادة من قبل القوى الثورية التي تمثل القوة الأساسية في الغرب للقواعد المنظمة لعملية الانتخابات، وكيف أنها تسمح بترشح شخصيات متهمة بجرائم حرب مثل سيف القذافي أو حفتر، الذي أفشل العملية السياسة مراراً بقوة السلاح، وسبق أن تفاخر بأنه نظم انقلاباً ضد المؤتمر الوطني العام المنتخب.
وبينما تبدو القوى الأساسية في الغرب الليبي غير قادرة على تنظيم اعتراضاتها، على ما تعتبره أخطاء منهجية في العملية السياسية، فإن عقيلة صالح وحفتر وسيف الإسلام يتقدمون للانتخابات بأريحية، وكأنهم من دعاة الديمقراطية القدامى، فيما الغرب يبدو ميالاً لترك زمام الأمور مجدداً للحلف الرباعي الفرنسي الروسي المصري الإماراتي، الذي شجّع حفتر من قبل على وأد العملية السياسية.