يبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية أصيبت بما يمكن تسميته "جنون الصواريخ"، وهذا سينعكس على شكل الجيش الأمريكي في السنوات القادمة.
ففي مواجهة التقدم الذي حققته برامج الصواريخ الصينية والروسية خاصة فرط الصوتية، أصيبت وزارة الدفاع الأمريكية بحالة من جنون الصواريخ، بعد أن شعر الأمريكيون أنهم تأخروا عن الركب في هذا المجال.
ويقصد بالصاروخ فرط صوتي أن سرعته تفوق سرعة الصوت عدة مرات.
من المعروف أن الصين وروسيا والولايات المتحدة تعمل على تطوير نماذج أولية لصواريخ فرط صوتية، كما تبحث فرنسا أيضاً في تطوير قدرات تفوق سرعة الصوت؛ لتأكيد الجيل القادم من الردع النووي.
والتفاصيل حول ما يمكن أن تفعله الأسلحة فرط صوتية والوصول إلى أسلحة تفوق سرعتها سرعة الصوت، غامضة إلى حد ما، بسبب الطبيعة السرية للغاية لهذه التكنولوجيا.
الرأي السائد هو أن الجيل الحالي من الأسلحة الدفاعية غير قادر إطلاقاً على اعتراض صاروخ تفوق سرعته سرعة الصوت أو مركبة انزلاقية، حسب موقع Airforce Technology
وبات واضحاً أن جنون الصواريخ بأنواعها جعل هذا السلاح يحظى باهتمام في الميزانية العسكرية الأمريكية، في وقت تتخبط فيه برامج الطائرات الأمريكية من بين برنامج الطائرة الشبحية الإف 35 المتعثر والباهظ التكلفة وبين محاولة تجديد الطائرة إف 15 التي تعود جذورها لنصف قرن وإيجاد بديل للإف 16 التي فشلت الإف 35 أن تكون خليفتها في الرشاقة وقلة التكلفة.
وأصبح لدى وزارة الدفاع الأمريكية برنامج تطوير صواريخ فرط صوتية، يخطط لما يصل إلى 40 اختباراً على مدى السنوات الخمس المقبلة، وفقاً لتقرير حكومي.
أمريكا تخشى ما تفعله الصين وروسيا على جبهة الصواريخ
بات هناك ما يسمى جبهة الصواريخ بين أمريكا وروسيا والصين.
وقالت البحرية الأمريكية في أكتوبر/تشرين الأول 2021، إن الولايات المتحدة اختبرت بنجاح تكنولوجيا صاروخية تفوق سرعة الصوت، وهي نظام أسلحة جديد تنشره الصين وروسيا بالفعل.
وقال السفير روبرت وود، المندوب الدائم للولايات المتحدة لدى مؤتمر نزع السلاح:
"نحن قلقون للغاية مما تفعله الصين في مجال الصواريخ فرط الصوتية".
وفقاً لصحيفة فاينانشيال تايم، أطلقت الصين صاروخاً تفوق سرعته سرعة الصوت أكمل دائرة حول كوكب الأرض قبل الهبوط، ولكنه أخطأ هدفه.
أصرت الصين على أن الاختبار كان اختباراً روتينياً لمركبة فضائية وليس صاروخاً.
قال وود إن لدى روسيا أيضاً تقنية تفوق سرعة الصوت، وبينما أحجمت الولايات المتحدة عن تطوير قدرة عسكرية في هذا المجال، لم يكن أمامها الآن خيار سوى الرد بالمثل.
قال: "إذا كنت بلداً مستهدفاً من ذلك، فأنت تريد اكتشاف طريقة للدفاع عن نفسك أمام هذا التهديد".
وأثارت تجربة صواريخ روسية مضادة للأقمار الصناعية أجريت مؤخراً إدانة الولايات المتحدة الأمريكية ودول أخرى.
ولكن الأمر لا يقتصر على الصواريخ فرط الصوتية، فمنذ عهد ترامب فإن مشروع
ميزانية وزارة الدفاع الأمريكية لعام 2020 الذي كان الأخير في عهده كان يعج بالصواريخ.
ويأتي ذلك بعد أن حذَّر خبراء من أنه في القتال مع خصمٍ فائق التقنية، ستنفد ذخائر الولايات المتحدة سريعاً.
وأنفق الكونغرس بالفعل 11.6 مليار دولار على الصواريخ في العام 2019.
ميزانية قياسية تركز على الأسلحة النووية والصواريخ فرط صوتية
في أبريل/نيسان 2021، طرح بايدن ميزانية تدعو إلى إنفاق عسكري قياسي يتم التركيز فيها على الأسلحة النووية والصواريخ فرط صوتية.
يسرع مشروع بايدن للميزانية التعزيزات النووية التي تبلغ تكلفتها عدة تريليونات من الدولارات والتي بدأت في عهد أوباما واستمرت في عهد ترامب، والتي تتميز بتطوير أسلحة نووية أصغر وأكثر "قابلة للاستخدام" وصواريخ كروز ذات قدرة نووية.
وانسحبت روسيا والولايات المتحدة من معاهدة حظر الأسلحة النووية متوسطة المدى التي وقعت قبل 31 عاماً بين ريجان وجورباتشوف عليها. نتيجة لذلك، للجيوش في كلا البلدين حرية نشر صواريخ كروز الأرضية والصواريخ الباليستية التي يمكن أن تضرب أهدافاً على بعد 310 و3400 ميل – ويحتمل أن تكون برؤوس نووية.
بالإضافة إلى تطوير أشكال جديدة من الأسلحة الهجومية المحظورة سابقاً وفقاً للمعاهدات مع روسيا، تعطي الميزانية الأولوية لتطوير "قدرات الصواريخ فرط الصوتية القادرة على التهرب من الدفاعات لإيصال حمولات نووية"، وفقاً لموقع wsws.
وطلب البنتاغون 20.4 مليار دولار لتطوير نظام الدفاع الصاروخي متعدد الطبقات، حسبما ورد في تقرير لموقع CNBC.
قال توماس كاراكو، مدير الصواريخ في البنتاغون: "أخيراً، يبدو أن المشروع يتجه نحو رؤية جديدة للدفاع الصاروخي، تتجلى من خلال الجهود الجديدة على أجهزة الاستشعار الفضائية، والدفاع فوق الصوتي وصواريخ كروز، وتقنيات الجيل التالي الأخرى". مشروع الدفاع في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، عند السؤال عن الميزانية المخصصة للدفاع الصاروخي.
وأضاف كاراكو: "الدفاع فوق الصوتي سيكون شكلاً صعباً ومعقداً للدفاع الجوي، لكنه ممكن وهذا هو التهديد الذي يجب التركيز عليه".
وطلب البنتاغون 20.6 مليار دولار للاستثمار في البيئة الأمنية الناشئة في الفضاء الخارجي. من هذا المجموع، تريد وزارة الدفاع إنفاق 1.7 مليار دولار على خمس مركبات إطلاق فضائية وعلى برنامج إطلاق نظام الصواريخ، أو RSLP.
تريد بناء حلقة من الصواريخ في آسيا لمحاصرة الصين
مع إعطاء الصين الأولوية في العقل العسكري الأمريكي، فإن الصواريخ بأنواعها ستكون وسيلة مهمة لردعها بالنسبة لأمريكا.
فهناك مبادرة الردع في منطقة المحيط الهادئ، التي تهدف إلى تعزيز الوجود العسكري الأمريكي في المحيطين الهندي والهادئ لمواكبة الحشد السريع للصين للقوات البحرية – ولإنشاء دفاعات صاروخية بالقرب من القواعد الأمريكية في المنطقة، مثل غوام، والتي يمكن لبكين إصابة هدف بقوة صاروخية ذات قدرة متزايدة، حسبما ورد في تقرير لمجلة Foreign Policy.
تخطط المبادرة إلى محاصرة الصين بشبكة من الصواريخ الأرضية الهجومية التي كانت محظورة سابقاً بموجب معاهدة القوات النووية متوسطة المدى (INF)، والعمل مع حلفاء وشركاء أمريكا في منطقة المحيطين الهندي والهادئ ومنظمة حلف شمال الأطلسي.
صواريخ من أنواع مختلفة
بهدف تحديث الصواريخ النووية يقترح مشروع الميزانية 2.6 مليار دولار لصاروخ جي بي إس دي الباليستي العابر للقارات (بزيادة قدرها 1.1 مليار دولار عن عام 2020) و609 ملايين دولار مخصصة لصاروخ كروز الخفي ذي الرؤوس النووية LRSO المثير للجدل إلى حد ما.
وطلب البنتاغون لعمليات البحث والتطوير للصواريخ متوسطة المدى (286 مليون دولار)، و(4.12 دولار) لبرنامج البحث والتطور في الصواريخ طويلة المدى الفرط صوتية، حسبما ورد في تقرير لمجلة The National Interest الأمريكية.
سوف يذهب 161 مليون دولار أيضاً إلى الإنتاج الأولي لاثني عشر صاروخاً أسرع من الصوت AGM-183A Arrow لاستخدامها في B-52s وF-15EXs.
ستتلقى السفن القتالية الساحلية المتبقية ترقية كبيرة لقوة النيران مع تركيب صواريخ القصف البحرية.
وكانت ميزانية العام الماضي قد شهدت تركيزاً كبيراً على أيضاً على الصواريخ.
فخلال عام 2020، طلب البنتاغون تسليط الضوء على 10.200 صاروخ مُوجَّه بنظام إطلاق الصواريخ المتعدِّدة الذي يريد تمويلها للجيش ومشاة البحرية بتكلفة 1.4 مليار دولار، و125 صاروخاً قياسياً من طراز إس إم-6 الذي تطلبه البحرية بتكلفة 700 مليون دولار، و430 صاروخاً مشتركاً جو-سطح ستحصل عليها القوات البحرية والجوية مقابل 600 مليون دولار، و48 صاروخاً طويل المدى مضاد للسفن تريدها البحرية، بتكلفة 200 مليون دولار، حسبما ورد في مجلة National Interest.
لماذا سيطر جنون الصواريخ على المسؤولين الأمريكيين؟
بينما كانت الحروب الصغيرة مثل حربي أفغانستان والعراق تسيطر على مخيلة البنتاغون باتت فكرة احتمال نشوب حرب مع قوة عظمى مثل الصين وروسيا والصين تعود من جديد تدريجياُ.
يمكن للصواريخ بأنواعها أن تساعد الجيش الأمريكي خلال القتال شديد الكثافة مع القوات الروسية أو الصينية.
وفقاً لديفيد أوشمانيك، المحلِّل في مركز أبحاث راند في كاليفورنيا، فإن القواعد الأمريكية مُعرَّضة للهجوم بالصواريخ بعيدة المدى، وكذلك السفن الحربية الكبيرة التي تبحر في عرض البحار. قال أوشمانيك: "العناصر التي تعتمد على البنية التحتية المتطوِّرة مثل المدارج وخزَّانات الوقود ستواجه صعوبات، والعناصر التي تبحر على سطح البحر ستواجه أوقاتاً عصيبة".
وقال أوشمانيك وخبراء آخرون إن البنتاغون يجب أن يضع أهدافاً صعبة، وأن يشتري كلَّ الصواريخ التي يحتاجها لتحقيق هذه الأهداف. والمثال على هذه الأهداف: "إغراق 250 سفينة تابعة للبحرية وخفر السواحل الصينية في أول 72 ساعة من الحرب، أو تدمير 2.400 مركبة مُدرَّعة روسية".
ومن المُحتَمَل أن يقوم الكونغرس بتعديل العديد من طلبات ميزانية البنتاغون قبل الموافقة على التمويل.