الخاسرون والرابحون في معركة مأرب.. السعودية والحكومة اليمنية في مقابل إيران والحوثيين

عربي بوست
تم النشر: 2021/11/11 الساعة 13:54 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/11/11 الساعة 13:55 بتوقيت غرينتش
المعارك في اليمن، أرشيفية/ رويترز

معركة مأرب مستمرة منذ أكثر من عام ونصف العام، فماذا تعني سيطرة الحوثيين عليها بالنسبة للحرب في اليمن من جهة، وبالنسبة للسعودية والحكومة اليمنية من جهة أخرى، ولإيران من جهة ثالثة؟

ومنذ اندلاع الحرب في اليمن بعد انقلاب جماعة أنصار الله (الحوثيين) على الحكومة اليمنية، في سبتمبر/أيلول 2014، ووفق تقارير للأمم المتحدة، نزح ما يزيد عن أربعة ملايين شخص، ويعتمد نحو ثلثي السكان، أي أكثر من 20 مليون نسمة، على المساعدات الإنسانية العاجلة، ومنهم نحو خمسة ملايين يعانون من مجاعة، إضافة لمقتل نحو 13 ألف مدني وإصابة 112 ألفاً آخرين تقول منظمات حقوقية دولية إنهم ليسوا طرفاً في الحرب.

ومؤخراً اقتنعت السعودية، التي تقود التحالف الداعم للشرعية وتحارب في اليمن منذ مارس/آذار 2015، باستحالة تحقيق نصر عسكري يحسم الأمور، فاتجهت نحو البحث عن مخرج سلمي للأزمة.

وحاولت الأمم المتحدة، عبر مبعوثها السابق إلى اليمن، مارتن غريفيث، وبالتنسيق مع المبعوث الأمريكي، تيم ليندركينغ، التفاوضَ مع الحوثيين للتوصل إلى اتفاق سلام شامل، لكنهم اشترطوا إعادة فتح مطار صنعاء وموانئ الحُديدة على البحر الأحمر (غرب)، قبل الموافقة على الحوار مع حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي.

لكن السعودية ترفض مثل هذه الشروط، حيث ترى أنها تفتح الباب واسعاً أمام إيران، لدعم الحوثيين والتسبب في مزيد من الهجمات على المطارات ومصادر الطاقة ومحطات التحلية، وغيرها من الأهداف الحيوية في العمق السعودي.

حرب اليمن ومعركة مأرب

ومنذ مطلع العام الجاري، كثّف الحوثيون هجماتهم على محافظة مأرب وسط اليمن، وشنوا هجمات عنيفة، في مسعى للجماعة المدعومة من إيران، للسيطرة على هذه المحافظة الاستراتيجية، كونها أهم معاقل الحكومة والمقر الرئيسي لوزارة الدفاع، فضلاً عن تمتُّعها بثروات النفط والغاز، ومحطة مأرب الغازية التي كانت قبل الحرب تُغذي معظم المحافظات بالكهرباء.

وبعد وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض، اتخذت إدارته عدداً من القرارات، قالت إن هدفها هو إنهاء الحرب في اليمن، فأوقفت بيع الأسلحة والذخائر دقيقة التوجيه إلى السعودية والإمارات إلى أجل غير مسمى، وأعلنت واشنطن أنها شرعت في إجراءات الإلغاء لقرارٍ أمريكي سابق بتصنيف جماعة الحوثي "منظمة إرهابية أجنبية".

وكان المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية قد قال لشبكة CNN، إن وزير الخارجية أنتوني بلينكن قد أصدر بالفعل تعليمات بشأن "إجراء مراجعة لقرار تصنيف جماعة أنصار الله الحوثية منظمة إرهابية"، وكان ذلك أسرع تحرك من الإدارة الجديدة، بشأن أي من الملفات الخارجية في الشرق الأوسط.

اليمن حرب اليمن الأمم المتحدة أطفال
اليمن تعيش أسوأ كارثة إنسانية في العصر الحديث /رويترز

وأعلنت السعودية من طرف واحد مبادرات عديدة لوقف إطلاق النار، بالإضافة إلى دعوات لإجراء مفاوضات مع جماعة الحوثي، لكن الجماعة تمسكت برفض هذه المبادرات، وكثيراً ما قابلتها بتصعيد عسكري، عبر إطلاق صواريخ بالستية وطائرات مسيرة مفخخة على أهداف داخل اليمن وفي العمق السعودي.

وفي 10 يونيو/حزيران 2021، أعلنت الرياض وقف هجماتها ضد مواقع الحوثيين في العاصمة صنعاء (شمال)، وباقي مدن اليمن، تمهيداً لتسوية سياسية متزامنة مع تكثيف الجماعة هجماتها ضد قوات الجيش، التابع للحكومة الشرعية، والمدعوم من التحالف العربي، بقيادة السعودية.

لكن في اليوم نفسه الذي أعلنت فيه السعودية هذه المبادرة من طرف واحد، أطلقت الجماعة صواريخ استهدفت مسجداً وسجناً للنساء في اليمن، ما أسفر عن مقتل 8 مدنيين وإصابة 27 آخرين.

مأرب المعقل الأخير للحكومة اليمنية

محافظة مأرب هي المعقل الأخير للحكومة في شمال اليمن، ومنذ نحو عام ونصف، بدأت الجماعة التقدم عسكرياً باتجاه مدينة مأرب، العاصمة الإدارية للمحافظة، وفرض الحصار على المدينة بعد الاستيلاء على معظم المديريات التابعة للمحافظة.

وشنَّت الجماعة مئات الهجمات من محاور متعددة على مدينة مأرب، لكنها جميعاً فشلت، حيث تصدَّت لها قوات السلطة الشرعية ومقاتلو القبائل، الذين بنوا دفاعات محكمة حول المدينة لمنع سقوطها.

وتحاول الأمم المتحدة تدارُك تداعيات التصعيد في مأرب، عبر مبعوثها الخاص الحالي هانس غروندبيرغ، الذي زار طهران، في 5 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، حيث التقى كبار المسؤولين، في محاولة لإنهاء الحرب في اليمن، وهي مهمة لا تزال فرص نجاحها محل شك، وفق تصريح للناطق باسم الحكومة اليمنية راجح بادي، بحسب الأناضول.

ونقلاً عن مصادر خاصة، قالت وسائل إعلام إيرانية إن غروندبيرغ فشل في إقناع المسؤولين الإيرانيين بالضغط على الحوثيين لوقف تقدمهم في مأرب، حيث قالوا له إن القرار بيد اليمنيين، وإن الطريق إلى السلام يمر عبر رفع الحصار عن اليمن (يقصدون من طرف التحالف).

خارطة تقدم الحوثيين نحو قلب محافظة مأرب اليمنية/ iswnews

ولا تزال الجبهة المناهضة للحوثيين تسودها انقسامات وتشتيت للجهد بسبب تنافس داخلي على النفوذ المناطقي، وعدم الاتفاق على رؤية موحدة لمستقبل اليمن، بجانب تعدد الولاءات.

وهذا الوضع يُضعف كثيراً من قدرة القوى المدافعة عن مأرب في الصمود لفترات زمنية أطول، مع واقع أن جماعة الحوثي تتقدم عسكرياً ببطء، لكنها قلما خسرت مناطق سيطرت عليها إلا في حالات نادرة، ونجحت في استعادتها ثانية.

ماذا يعني استيلاء الحوثيين على مأرب؟

وتخشى السعودية أن يؤدي سقوط مدينة مأرب إلى زيادة الدعم الإيراني لجماعة الحوثي، بعد أنباء عن توقف المفاوضات بين الرياض وطهران، بالتزامن مع تقدم الجماعة عسكرياً في مأرب، وتضاؤل فرص قبول القيادات الحوثية بالوساطات الأممية لإنهاء الحرب.

ووفق وسائل إعلام، رفضت الجماعة وقف تقدمها في مأرب، بوساطة من وزير خارجية سلطنة عمان، بدر بن حمد بن حمود البوسعيدي، في سبتمبر/أيلول الماضي، لكن الوزير نفى ذلك، وشدد في الوقت نفسه على وجود قناعات قوية بوقف الحرب ودفع المسار السياسي، بالتنسيق مع المبعوثين الأمريكي والأممي.

وعلى العكس من ذلك، صعدت جماعة الحوثي هجماتها بصواريخ وطائرات مسيرة مفخخة على مدن يمنية وسعودية، مع مواصلة عمليتها العسكرية في مأرب، بما يؤكد لـ"المجتمع الدولي والإنساني أنهم الرافض الوحيد لجهود السلام ووقف إراقة الدماء، وتعمّد قتل المدنيين واستهدافهم بالصواريخ والطائرات بدون طيار إيرانية الصنع في مساجدهم ومنازلهم وحتى مخيماتهم التي لجأوا إليها هرباً من استبداد وبطش الميليشيا الحوثية"، بحسب السفير السعودي لدى اليمن، محمد آل جابر، عبر "تويتر"، في 4 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري.

إنهاء الصراع في اليمن
بايدن يريد إنهاء الحرب في اليمن، والسؤال كيف يمكن تحقيق ذلك الهدف؟

ويسعى الحوثيون إلى استثمار ضعف أداء قوات السلطة الشرعية، لتحقيق مزيد من التقدم العسكري على الأرض قبل الموافقة على الانخراط في المفاوضات التي تدعو إليها السعودية، سواء عبر الوسيط الأممي أو الأمريكي أو من خلال جولات المفاوضات التي استضافتها بغداد مع مسؤولين إيرانيين خلال الأشهر القليلة الماضية.

وستُشكل سيطرة الحوثيين على مدينة مأرب أهم مراكز الغاز والنفط اليمني، بداية تحول كبير في مسار الحرب، فسقوط آخر مناطق سيطرة قوات الشرعية في الشمال سيجعل هدف التحالف بهزيمة الجماعة واستعادة صنعاء "شبه مستحيل"، إضافة إلى احتمالات التوسع الحوثي باتجاه الجنوب والشرق.

ومن المتوقع أن يستمر حصار الحوثيين لمأرب أسابيع طويلة، وقد يؤدي سقوط المدينة بيدهم إلى انهيار الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً، وامتثال السعودية والمجتمع الدولي لشروط الجماعة، قبل الدخول في أي مفاوضات سلام محتملة بين الأطراف المتحاربة.

الخلاصة هنا هي أن سقوط مأرب بيد الحوثيين سيصبّ في صالحهم، وبالتبعية في صالح إيران كذلك، في مقابل خسارة الحكومة اليمنية لآخر معاقلها في شمال ووسط اليمن، لتتبقى محافظات الجنوب، التي يسعى المجلس الانتقالي الجنوبي، المدعوم من الإمارات، إلى الانفصال بها وإعلان جنوب اليمن جمهورية مستقلة.

ويمثل هذا بالطبع أسوأ السيناريوهات بالنسبة للسعودية، التي دخلت الحرب قبل أكثر من ست سنوات، بهدف منع وجود حكومة شيعية مدعومة من إيران على حدودها المباشرة، لكن سقوط مأرب بيد الحوثيين يعني أن ذلك السيناريو قد بات قريباً من التحول إلى أمر واقع.

ويمكن في هذا السياق تفسير موافقة إدارة بايدن، في 4 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، على توريد أسلحة بقيمة 650 مليون دولار إلى السعودية، رغم قرار الإدارة بوقف مبيعات الأسلحة قبل ذلك. فالواضح أن إصرار الحوثيين على رفض مبادرات وقف إطلاق النار ومواصلة هجماتهم ضد العمق السعودي كان أهم أسباب ذلك التغير في الموقف الأمريكي.

تحميل المزيد