حقيقة المقاتلات الإيرانية “الجديدة”.. صناعة محلية أم إعادة تدوير لطائرات قديمة عمرها أكثر من 40 عاماً؟

عربي بوست
تم النشر: 2021/11/11 الساعة 08:27 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/11/11 الساعة 08:28 بتوقيت غرينتش
مقاتلة كوثر 88 الإيرانية (في الأعلى) التي تبدو مطابقة للطائرة النفاثة الأمريكية "نورثروب إف 5" F-5F Tiger II (في الأسفل) / ويكيميديا

في فبراير/شباط 2017، نشرت مجلة The National Interest الأمريكية مقالاً عن المقاتلة الإيرانية "صاعقة"، كشفت فيه عن الخدعة التي انطوى عليها الترويج لهذه المقاتلة على أنها أول مقاتلة إيرانية مصنوعة محلياً تدخل الخدمة التشغيلية الفعلية.

لم يمضِ كثير من الوقت، حتى فاجأت عناوين الصحف الإيرانية العالم بطائرة مقاتلة أخرى "مصنوعة محلياً بنسبة 100%"، وكان الإعلان هذه المرة عن "قطعة فنية" ذات مقعدين وتسمى مقاتلة "كوثر". ومع ذلك، فإنها تبدو مطابقة للطائرة النفاثة الأمريكية "نورثروب إف 5" F-5F Tiger II ذات المقعدين، كما تقول مجلة nationalinterest الأمريكية. 

فلماذا تواصل طهران الترويج لمقاتلات "جديدة ومصنوعة محلياً"، إذ كانت تقوم بإعادة تدوير مقاتلات قديمة وعمرها أكثر من 40 عاماً؟

حقيقة المقاتلات الإيرانية "المصنوعة محلياً"

تقول المجلة الأمريكية إنه على خلاف ما يقال، فإن المقاتلة الإيرانية "كوثر" أقل أصالة بكثير حتى من "الصاعقة"، التي احتوت على تعديلات على هيكل الطائرة، منها زعانف هوائية أكبر ومثبتات ذيل عمودية مزدوجة، في حين أن "الكوثر" لا يبدو أن أحدثت أي تغيير خارجي على مقاتلات "إف 5" الأمريكية. والسؤال، كيف اعتبرت طائرة بهذه المواصفات جديرة بأن تقام لها جلسة تصوير مع الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني جالساً في مقعد المدرب بالطائرة في يوم "الصناعات الدفاعية" الإيراني؟

إذا كان الهدف من طائرات "الكوثر" تحويل طائرة تدريب نفاثة إلى مقاتلة قادرة على القتال المتقدم فعلياً، فإن ذلك ليس ما عُرض هذا الصيف بوضوح.

وفقاً لخبير الطيران الإيراني بابك تقوايي، قد تكون "الكوثر" مجرد اختبار لأنظمة طيران إلكترونية جديدة، فهي طائرة عادية من طراز "إف 5" مزودة بإلكترونيات طيران جديدة (يُشاع أنها من أصل صيني) معدة للاستخدام برفقة المقاتلات من طراز "صاعقة"، مع طبقة جديدة من الطلاء اللامع لالتقاط الصور. وقد تعود قاعدة التطوير المستخدمة إلى محاولة إيران الأولى لإجراء هندسة عكسية للمقاتلة "إف 5" الأمريكية في التسعينيات، والتي أخرجت المقاتلة المعروفة باسم "آذرخش". وقد يكون هذا لأن المقاتلة "كوثر 88" الحقيقية ليست جاهزة بعد.

تصنيع المقاتلات الإيرانية من طراز كوثر 88 ، أرشيفية/ وكالة تسنيم

من طائرات "صاعقة" إلى "كوثر 88"

كانت إيران أعلنت في عام 2013 أنها بصدد تطوير تدريب نفاثة أُطلق عليها "كوثر 88″، وقالت إنها قادرة أيضاً على المشاركة في عمليات هجومية خفيفة. وفي عام 2017، كُشف عن لقطات لنموذج أولي من الطائرة يخضع لتجارب إطلاق.

لكن، وعلى الرغم من تأثرها الواضح بالطائرات "إف 5″، فإن نموذجها الأولي جاء مختلفاً وأقصر بكثير. ومن المثير للاهتمام أنها تحمل تشابهاً مذهلات مع طائرات التدريب النفاثة التايوانية AIDC AT-3. ومع أن التفاصيل غير واضحة حتى الآن، فإن ما يبدو أن "كوثر 88" الفعلية سيكون بها قمرة قيادة زجاجية رقمية مزودة بثلاث شاشات متعددة الوظائف، وتستخدم محركين من فئة AIDC AT-3turbojet، عُدِّلت على أساس الهندسة العكسية من الطائرات "إف 5".

وربما كانت ذاكرة الجمهور قصيرة، فقد حضر الرئيس الإيراني روحاني أيضاً حفل استعراض لطائرات "الكوثر 88" في يوليو/تموز 2017. وحتى أقل المراقبين اطلاعاً يمكنه على الفور ملاحظة الاختلاف بين هذه "الكوثر" والطائرة التي عُرضت في أغسطس/آب 2018، وإدراك أنهما ليسا نفس الطائرتين.

أوردت دورية European Defense Review أنه من المقرر في العقد المقبل أن تتولى 16 طائرة من طراز "كوثر 88" المبنية محلياً مهام التدريب التي يُستخدم فيها حالياً طائرات "الصاعقة" ذات القدرات الأعلى. وستحاول إيران الحصول على محركات "جيه 85" إضافية من السوق السوداء، ولكن إذا فشلت في ذلك، فيُتوقع أن تفكك الأجزاء التي تحتاج إليها من 12 طائرة قديمة لديها من طراز "إف 5 إيه" و"إف 5 بي".

في غضون ذلك، ورد أن طهران تخطط لنشر 50 مقاتلة من طراز "الصاعقة" ذات المقعد الواحد، و14 مقاتلة من طراز "الصاعقة" ذات المقعدين من خلال إعادة بناء هياكل طائرات قديمة من طراز "إف 5 إي" و"إف 5 إف". وبحسب ما ستسمح به العقوبات الدولية، قد تسعى إيران أيضاً إلى شراء طائرات تدريب وهجوم خفيفة فائقة السرعة، سواء من طراز الطائرة الروسية "ياك 130" Yak-130، أو الصينية "هونغدو جيه إل 15"  JL-10 (المعروفة أيضاً باسم "فالكون إل 15" L-15 Falcon).

وبالطبع، لا يستطيع هذا النوع من الطائرات مجابهة المقاتلات الشبحية من طراز "إف 15" أو "إف 22″، والتي تشكِّل تحديداً التهديد الرئيسي الذي يجب أن تقلق إيران بشأنه من الولايات المتحدة وإسرائيل والسعودية.

في المقابل، تدل برامج مثل طائرات "كوثر" على خطط طهران الجارية لدعم تدريب الطيارين المقاتلين والحفاظ على عدد من هياكل الطائرات التشغيلية التي تستفيد من المواد الخام التي قدمتها أمريكا قبل الثورة الإيرانية، لا سيما مع ما أدت إليه العقوبات الدولية من تقليص للخيارات المتاحة من المشتريات الأجنبية، والتي اشتدت وطأتها على ما يبدو منذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي.

اضمحلال سلاح الجو الإيراني 

وكانت القوات الجوية لجمهورية إيران، في يوم من الأيام، إحدى أكبر وأقوى القوات الجوية في العالم، لكنها لم تعد اليوم سوى مجرد ظل باهت لما كانت عليه في السابق.

فقد أدَّت الحرب وعقود من العقوبات التعجيزية بالقوة الجوية التي كانت موضع فخر إيران يوماً، إلى أن تقلصت لتصبح تشكيلةَ طائرات حربية، مجموعة من دول مختلفة، تقادم بها الزمن وباتت مشكوكاً في كفاءتها. ويعني اضمحلال القوة الجوية الإيرانية الذي استمر لفترة طويلة، أن البلاد غدت قادرة بالكاد على تأمين مجالها الجوي فحسب، أي ليس بإمكانها الصمود أمام منافسيها الإقليميين وليس الولايات المتحدة فحسب، كما يقول الخبراء الأمريكيون.

وعلى الرغم من قدم أسطولها الجوي، فقد نشرت إيران قواتها الجوية مرات عديدة في الحرب ضد داعش خلال السنوات الماضية. وقامت الطائرات الإيرانية من طراز "إف 14 توم كات" بمرافقة قاذفات سلاح الجو الروسي، خلال قصف أهداف في سوريا، وقامت الطائرات الإيرانية من طراز "إف 5 تايجر" و"إف 4 فانتوم" و"سوخوي سو 24″ الهجومية بضربات اعتراضية ضد التنظيم. 

هذه الطائرات المقاتلة تتراوح أعمارها بين ثلاثين إلى خمسين عاماً، ولن تتحمل كثيراً قبل أن تسقط إذا دخلت في نزاع مع دولة ذات قوات مسلحة حديثة. ويظهر مدى تقدم الأسطول في العمر في حوادث مثل تحطم أربع طائرات حربية إيرانية في عام 2016، تشمل طائرات من طراز "إف 4″ و"جيه 7″ و"سو 24″ و"ميغ 29".

وقبل طائرات "صاعقة و"كوثر 88″، حاولت إيران إطلاق صناعة طيران عسكرية محلية، غير أن النتائج كانت مخيبة للآمال إلى درجة كبيرة. إذ قدمت في عام 2013 نموذجاً أولياً لـ "طائرة مقاتلة شبحية" من طراز "قاهر 313" التي بدت صغيرة للغاية، لدرجة أن ركبتي الطيار كانت ظاهرة من مقصورة قيادة الطائرة. ورغم الرواية الإيرانية حول الإصدارات المحلية، فإن الكثيرين لا تزال لديهم شكوك حاضرة حول صلاحية هذه الطائرات وكفاءتها.

تحميل المزيد